لقد هزت أحداث غزة العالم الغربي وأقامته!
2024/06/19م
المقالات
1,301 زيارة
إسلام أبو خليل
أوزبيكستان
اليوم في العالم الغربي يمكن رؤية شرارة العمليات العظيمة التي ستسبب اضطرابات كبيرة في المستقبل القريب فتؤدي إلى تغييرات جوهرية. ليس من المبالغة القول بأن قطاع غزة يعطي الغرب شرارة من الأمل كهذه. والحقيقة أن هذا البلد البعيد عن أمريكا وأوروبا والذي لا يزيد عدد سكانه عن بضعة ملايين قد صعق مراكز القوى الكبرى التي تهيمن الآن على العالم؛ حيث إن شعوبهم هي التي تعارض سياساتهم البغيضة تجاه فلسطين المباركة. والحقيقة أن المجتمعات الغربية لم تشهد مثل هذه المظاهرات واسعة النطاق في الماضي القريب.
إن ما يلفت النظر هو أن مزاج الاحتجاج على هذا النطاق الواسع ليست متعلقة بالقيم الديمقراطية وظروف المعيشة وغيرها من الأمور التي هي خاصة بالغرب، بل هي ضد الإبادة الجماعية اللاإنسانية والقسوة التي لا يمكن تصورها والتي تحدث في أرض فلسطين المباركة. نعم صحيح أنه يبدو أن القيم الديمقراطية لها مكانها هنا أيضًا؛ ولكن الأصح أن نقول إن الغربيين هذه المرة يخرجون إلى الشوارع للقيام بواجبهم الإنساني؛ حيث إنه على خلفية الأحداث في غزة يلاحظ أن إيمانهم بأشياء مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان قد انخفض أكثر من ذي قبل.
فمثلًا، أظهر استطلاع عن «حالة الديمقراطية» نشره معهد الرأي العام (Ipsos) وأُجري في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والسويد وبولندا وكرواتيا والولايات المتحدة الأمريكية، أظهر أن نسبة عدم الرضا عن الديمقراطية في المجتمعات الغربية أعلى من أي وقت مضى. ما يقرب من نصف المستجيبين في هذه البلدان غير راضين عن أداء الديمقراطية في بلدانهم في قضايا مثل التصويت وتوزيع السلطة والوظائف السياسية وتوزيع الدخل. ووفقًا للمشاركين، فإن أداء الديمقراطية في هذه البلدان قد تدهور تدريجيًّا خلال السنوات الخمس الماضية. ففي الولايات المتحدة وفرنسا قال 7 من كل 10 أشخاص إن الديمقراطية تدهورت في السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال بلغت نسبة الفرنسيين الذين يعتقدون أن الديمقراطية قد تدهورت في السنوات الخمس الأخيرة إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق بنسبة 73%. والجوانب الأخرى اللافتة للنظر في الاستطلاع أن الناس في جميع البلدان يعتقدون أن هناك حاجة إلى تغييرات جوهرية لتحسين النظام السياسي الحالي. وفي الاستطلاع نفسه وفي إجاباتهم على السؤال: «ما مدى رضاك عن سير الديمقراطية في بلدك؟» قال 28% فقط من البريطانيين و24% في المائة من الإيطاليين و29% من الفرنسيين إنهم راضون عن الوضع. علاوة على ذلك، يعتقد الناس في جميع البلاد الغربية التي شملها الاستطلاع أن الاقتصاد والنظام المالي مزور لمصالح الأغنياء والأقوياء. وتبلغ هذه النسبة 72% في إيطاليا و71% في المملكة المتحدة، و69% في فرنسا و67% في الولايات المتحدة. أي أن الناس يعتقدون أن الحكومة وقادة الدولة في بلادهم يهتمون أكثر بمصالح الأغنياء والأقوياء.
طبعًا، فإن حالة الديمقراطية المدمرة بالفعل قد تعرضت لضربة لا يمكن إصلاحها بسبب الأحداث في غزة. نعم في المستقبل لا يمكن للديمقراطية أن تقف على قدميها وهي تعيش أيامها الأخيرة؛ لأن حرية التعبير وحقوق الإنسان وخاصة حقوق المرأة والطفل والتي تعتبر من قيم الديمقراطية كلها كلام أجوف وهراء أصبح واضحًا حتى للأعمى والأصم. لقد كشفت غزة عن الوجه الحقيقي للديمقراطية حتى للجاهلين بالسياسة. فرغم أن كيان يهود الملعون يقتل مسلمي غزة ويجوِّعهم تحت الحصار ويستهدف النساء والأطفال بشكل خاص، وكل هذا يحدث أمام أعين المجتمع الدولي الذي تحكمه قوانين الديمقراطية. على الرغم من كل هذا، لم يتم اتخاذ أي إجراء مؤثر لوقف هذه المذبحة. بل على العكس من ذلك، فإن أمريكا تحمي كيان يهود المحتل، وكذلك الدول الكبرى مثل فرنسا وإنجلترا وألمانيا، كما يحمي الأب ابنه المدلل ويخفي كل أعماله القذرة التي يقوم بها. وكأن ذلك لم يكن كافيًا بل هي تسعى لإخفاء كل همجيته وجرائمه. وبجملة القول هي تريد أن تقول إنني قوية، وسيكون ما أقوله سواء أعجبكم ذلك أم لا! لقد تخلت تلك الدول عن ديمقراطيتها قائلة إنها ستحمي كيان يهود المحتل. لقد أظهرت للعالم علانيةً أنها لا ترغب في اتباع قيمها في المستقبل. إذًا، يمكن الآن أن يفترض أن «قانون الغاب» سيكون ساريًا على الساحة الدولية.
لم يهدأ بعد المزاج الاحتجاجي للناس في المجتمعات الغربية الذين لا يوافقون على مثل هذه السياسات الظالمة واللاإنسانية والموقف الشنيع والدنيء لحكوماتهم. فهذه المرة اشتدت الاحتجاجات بين الطلاب في أمريكا وأوروبا. كما امتدت تلك الاحتجاجات التي بدأت في منتصف نيسان/أبريل في جامعة كولومبيا الأمريكية إلى جامعات في ييل وتكساس وجنوب كاليفورنيا وبوسطن. وبحسب المعلومات المتوفرة، تم اعتقال أكثر من 2,500 شخص. وقد تم نشر مقطع فيديو يُظهر قمع الشرطة للمظاهرات بشدة. وبعد ذلك انضمت الجامعات الأوروبية أيضًا إلى الاحتجاجات. وقد طالب طلاب الجامعات في فنلندا والدنمارك وبريطانيا وإسبانيا وسويسرا والنمسا وهولندا وفرنسا قادتهم بقطع جميع العلاقات مع كيان يهود.
بالإضافة إلى ذلك يدلي المشاهير أيضًا بتصريحات مؤيدة لفلسطين. فمثلًا أدان الممثل والمنتج والناشط الأمريكي الشهير مارك روفالو هجوم كيان يهود البري على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، والذي يُتهم بالإبادة الجماعية وقال: «موتوا في الصحراء أو موتوا في البيت. هذا هو الخيار المتاح للفلسطينيين اليوم». كما ينتقد مستخدمو مواقع التواصل الإلكتروني النجوم الذين يلتزمون الصمت تجاه الفظائع الجارية في قطاع غزة ويحجبون صفحاتهم على مواقع التواصل. فقد تعرّض العديد من المشاهير مثل جاستن بيبر وسيلينا غوميز وزندايا ودريك وعائلة كارداشيان وتايلور سويفت للانتقاد. ووفقًا لشبكة إن بي سي نيوز يضغط أنصار الفلسطينيين على المشاهير منذ أشهر ليقولوا إنهم سيقدمون المزيد من الدعم للمدنيين في قطاع غزة. وقد وصل الإحساس العميق بالإحباط بين المدونين إلى نقطة الغليان في أوائل شهر أيار/مايو بعد حفل MetGala 2024م (معرض فساتين نادرة) والذي تزامن مع هجوم كيان يهود على رفح. وقد اعتبر العديد من مستخدمي وسائل التواصل هذا المعرض بمثابة التجاوز.
وأعلن الرائد في البنتاغون هاريسون مان الذي خدم 13 عامًا في الجيش الأمريكي وعمل محللًا استخباراتيًّا في الشرق الأوسط، أعلن مؤخرًا على صفحته على مواقع التواصل استقالته احتجاجًا على الدعم الأمريكي لحرب كيان يهود على قطاع غزة. بالطبع يجب ذكر الفعل الذي قام به الضابط في سلاح الجو الأمريكي آرون بوشنيل البالغ من العمر 25 عامًا والذي صدم العالم بشكل منفصل. ففي 24 شباط/فبراير قام بصبّ البنزين على رأسه أمام سفارة كيان يهود في واشنطن وأشعل النار في نفسه معلنًا: «لن أشارك في جريمة الإبادة الجماعية بعد الآن». وهتف بوشنيل وهو يرتدي الزي العسكري: «الحرية لفلسطين».
يبدو أن هذه التضحيات غير المسبوقة وشعوب الغرب التي خاب أملها من سياسات حكوماتها وما تعبر عنه من سخط تدرك أن أحداث غزة ستترك وصمة عار هائلة لا تمحى في تاريخها القديم والحديث المظلم أصلًا. بل ربما أصبحوا يدركون أخيرًا أن الديمقراطية هي أيديولوجية غير إنسانية بل هي أيديولوجية الكذب والافتراء. فأحداث غزة قد غيرت من مواقفهم من الإسلام وزادت من اهتمامهم به، حيث تتساءل هذه الشعوب البعيدة عن الإيمان من أين لمسلمي غزة هذه الإرادة والحماس والشجاعة والثبات والصبر؟ من أين يستمد أهل فلسطين المباركة الذين يظهرون تضحية وإيثارًا غير عادي، والذي لا يتوافق مع معايير هذه الشعوب ونظرتها للحياة وللعالم وتصرفاتها المبنية على أساس القيم المادية؟ من أين يستمد أهل فلسطين هذه القوة العظيمة التي لا تنضب؟ عجبًا! بالطبع، تبدو غزة جحيمًا بالنسبة للغربيين الذين يجدون العالم مكانًا مظلمًا عندما يفقدون وظائفهم ويصابون بالاكتئاب من أجل أشياء تافهة ويقلقون بشأن المستقبل رغم أنهم يملكون كل شيء، ويحزنون لأنهم لا يستطيعون تناول الطعام في المطعم رغم أن ثلاجتهم مليئة بالطعام… فحتى في هذا الجحيم فإن استمرار المسلمين في طاعة الله بثبات وعدم تخاذلهم عن صفاتهم الإنسانية العالية وعدم انحنائهم للعدو رغم أنهم يقدمون تضحيات لا تضاهيها تضحيات، كل هذا يثير إعجاب وحيرة المنصفين بين غير المسلمين، فينالون أخيرًا شرف دخول الإسلام؛ لأنهم يدركون أن شعب فلسطين الأبي والشجاع لا يصل إلى هذا المستوى الرفيع إلا بالتمسك والاعتصام بالإسلام الذي أنعم الله به عليهم.
في عدد لا يحصى من مقاطع الفيديو على وسائل التواصل الإلكتروني، يقول غير المسلمين إنهم بدأوا في دراسة الإسلام وبدأوا في قراءة القرآن نتيجة رصدهم ومشاهدتهم للأحداث في قطاع غزة؛ حتى إن البعض يقرأ بعض السور والآيات عن ظهر قلب. هم يروون كيف أدركوا أنه حتى بعد كل الفظائع التي تعرض لها المسلمون في فلسطين فإنهم يستمدون من الإسلام قوتهم على الحياة والقتال. هناك أيضًا أخبار عن أشخاص اعتنقوا الإسلام في جميع أنحاء العالم تحت تأثير الأحداث في غزة.
ولا شك أن هذا كله يرجع إلى حكمة الله تعالى في أن يجعل عقولنا ونفوسنا منقادين لديننا الحنيف الإسلام، وفي أن يضع في القلوب القدرة التي تجلب الطمأنينة. وفي الحقيقة إن أحداث غزة فيها درس عظيم لكل ذي عقل راجح يفكر في الأمر! كأن الله يعد البشرية جمعاء للحدث العالمي القادم؛ الخلافة (وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ٤بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥).
لا شك أنه عندما تضيء شمس الخلافة التي تطبق الإسلام تطبيقًا جميلًا، ستدرك الشعوب غير المسلمة بشكل أعمق مدى الظلم الذي تتعرض له. كما أنهم يدركون أن الديمقراطية التي يتبعونها ما هي إلا سموم تدمر عقل الإنسان وطبيعته وتظلم قلبه. وعندها ليس فقط في الغرب بل في جميع أنحاء العالم ستبدأ ثورة حقيقية أي ثورة العقول والقلوب! عندها يدخل الناس في دين الله أفواجًا! (إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ ١ وَرَأَيۡتَ ٱلنَّاسَ يَدۡخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفۡوَاجٗا ٢ فَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ وَٱسۡتَغۡفِرۡهُۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابَۢا ٣).
2024-06-19