طلب النصرة: حقائق… وشبهات… وعقبات
2024/03/26م
المقالات
1,313 زيارة
أبو نزار الشامي
لقد وجدنا أن رسولنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو يسعى إلى إقامة دولة الإسلام الأولى، قد تقصَّد بشكل حثيث مراكز القوى في القبائل، وسعى بجد واجتهاد إلى كسب ثقة أكبر قدرٍ منهم؛ وإلا ماذا يعني دعاؤه صلى الله عليه وسلم: (اللهم انصر الإسلام بأحب العمرين إليك)؟ ما المميز في سيدنا عمر إلا قوته التي طمع بها رسولنا؟ حتى إن عتاب الله للرسول صلى الله عليه وسلم في (عَبَسَ وَتَوَلَّىٰٓ١) كان بسبب شدة انصرافه إلى صناديد قريش، وأهل قرارها وقوتها، يحاول إقناعهم.
ولا ندري كيف يغيب عن أصحاب الخطاب الإسلامي اليوم أن رسولنا زار أكثر من ست عشرة قبيلة يطلب منهم القوة والنصرة لرسالته «تؤمنوا بي…تؤوؤني..تنصروني» حتى غدا لهذا الواجب مصطلح شرعي يسمى «طلب النصرة» وسمي أصحابه بالأنصار الذين نالوا أعظم الدرجات. ونستطيع أن نقول إن دولة المدينة قد أُسست بقرار سياسي وعسكري، من الأنصار، تمثَّل بسعد بن معاذ وأسيد بن الحضير سيدا قومهما، عليهما رضوان الله.
هل طلب النصرة هو واجب شرعي أم أسلوب دعوة اختاره النبي صلى الله عليه وسلم ولنا أن نختار غيره؟
1- طلب النصرة هو واجب شرعي وطريقة واجبة لأخذ الحكم وذلك بالنص البيِّن الواضح منطوقًا ومفهومًا. فعن ابن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعرض نفسه على قبائل العرب، خرج وأنا معه، وأبو بكر إلى منى…. دلائل النبوة، ابن نعيم، حسنه ابن حجر في الفتح.
2- الرسول صلى الله عليه وسلم لم يختر طريقًا غيره رغم الآلام والدماء وتتابع المصائب عليه، ورغم تعدُّد الطرق المعروضة عليه من قبل قريش ومن قبل أصحابه. فعُرض عليه طريق المشاركة السياسية، وطريق الدعوة الفردية الشعائرية، وطريق المصادمة المادية المسلحة… لكنه رفض كل تلك العروض وبقي متمسِّكًا بطريقة طلب النصرة لاستلام الحكم دون سواها. وهذا مشعر بوجوب هذا الطريق وفرضيته كما تقول القاعدة الأصولية: إن طلب الفعل وطلب تكراره مع وجود المشقة هو قرينة من قرائن الجزم في خطاب التكليف.
3- لم تقم دولة الإسلام إلا بنصرة الأنصار، وهذا سبب عملي. فقد زار صلى الله عليه وسلم أكثر من ست عشرة قبيلة (دولة) يطلب منهم المنعة بكل صراحة، وكان أبو بكر يقول لقادة بني شيبان: كيف المنعة؟ كيف الحرب؟ كيف السلاح؟….على مسمع النبي صلى الله عليه وسلم وإقراره.
4- قام النبي صلى الله عليه وسلم بطلب النصرة في مكة وأرسل مصعبًا ليطلبها من أهل المدينة في آن معًا، يعني حدثت مرتين وعلى عين الحبيب عليه الصلاة والسلام ومتابعته.
أهل النصرة في القرآن:
مؤمن آل فرعون الذي ذكره القرآن بمعرض المدح، كان من الملأ من قوم فرعون يكتم إيمانه.سيدنا لوط قال عندما أحاط به الكفار (قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ٨٠) أي راح يطلب القوة لحماية رسالته.
قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ…) طلب إعداد القوة يقتضي إعداد أهلها بدلالة الاقتضاء. وهذا يشبه الطلب بطاعة أولي الأمر والذي يعني اقتضاء طلب إيجادهم: (أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ)
من أهمية وعظمة أهل النصرة:
أهل القوة جاءهم الإذن باستعمال السلاح قبل أن يأتي الإذن العام للجميع. فبيعة العقبة الثانية سميت ببيعة الحرب، وتم الاتفاق في بنودها على القتال دفاعًا عن دولة الإسلام قتالًا ماديًّا في الوقت الذي كانت الآيات والنصوص تنزل بكف الأيدي للجميع، وكأن الخطاب يؤكد أن القوة واستعمالها خليق بأهلها فقط.
من أهمية وخطورة طلب النصرة من الجيوش، الحرب العالمية التي تشن اليوم على أصحاب هذه الدعوة فتحذف مواقعهم وقنواتهم الإعلامية بشكل واسع، كما يتعرض حزب التحرير وهو المتميز بهذه الدعوة، يتعرض لحملة عالمية ممنهجة لإغلاق أي حساب لشبابه يدعو لتحريك الجيوش واستنصار أهل القوة.
شبهات حول طلب النصرة:
دولة المدينة ما قامت بسلاح وانقلاب فلماذا تصرُّون على السلاح؟!!.
الجواب: إن الأنصار، وهم يستقبلون رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قدومه إلى المدينة، جمعوا السلاح في حال قامت أية مقاومة ضده، وكانوا على كامل الاستعداد لاستعمالها حال لزومها. فولادة الدولة إما أن تكون طبيعية أو قيصرية، وقد ولدت طبيعية في المدينة؛ لكن الانصار كانوا مستعدين للعملية القيصرية.
والدليل على هذا كما في صحيح البخاري:
وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة، فكانوا يغدون كل غداة إلى الحرة فينتظرونه حتى يردَّهم حرُّ الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أوَوا إلى بيوتهم أوفى رجل من اليهود على أطم من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مبيضين يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: «يا معشر العرب، هذا جدكم الذي تنتظرون»، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقَّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى من صحيح البخاري.
وجاء في السيرة الحلبية ما يؤكد علم الأنصار بما يريده الرسول منهم وهو القوة فيؤكدون له فهمهم لهذا المراد. ثم ركب راحلته متوجهًا للمدينة: وقد أرخى زمامها ولم يحركها وهي تنظر يمينًا وشمالًا، فسأله بنو سالم بن مالك، ونوفل بن عبدالله بن مالك، وعبادة بن الصامت، فقالوا: يا رسول الله ،أقم عندنا في العدد والعزة والمنعة. «والثروة» «أنزل فينا، فإن فينا العدد والعدة والحلقة» أي السلاح «ونحن أصحاب الحدائق والدرك، يا رسول الله، كان الرجل من العرب يدخل هذه البحيرة خائفًا فيلجأ إلينا…..فقال لهم خيرًا، وقال: خلُّوا سبيلها» يعني ناقته «دعوها فإنها مأمورة».
هل يحق لأهل النصرة الاشتراط على حملة المشروع لقاء نصرتهم؟
المتتبع لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أنه رفض اشتراط أهل القوة أن ينتقصوا أي شيء من أحكام الشريعة كالشورى مثلًا كما حدث مع قبيلة بني عامر بن صعصعة. ورفض انتقاء أهل النصرة لأصناف محددة من الناس لا يقاتلونهم كما حدث مع قبيلة بني شيبان. رفض كل هذا الاشتراط وقال: «لكن دين الله لا يقوم به إلا من يحوطه من جميع زواياه» غير أنه صلى الله عليه وسلم قبل شرطًا واحدًا فقط، وهو اشتراط أهل القوة مكان القتال كأن يشترطوا أن يقاتلوا في القطر الذي بايعوا فيه وأقاموا دولة الإسلام كما حصل مع الأنصار عليهم رضوان الله. فيجوز لأهل النصرة اشتراط أرض القتال وليس الأجناس المقاتلة.
يقول البعض: إن القتال لم يكن قد شرع بعد في مكة، أما أنه قد شرع فيجب استعماله للوصول إلى السلطة:
والجواب هو أن القتال في مكة غير صحيح، إنه لم يكن قد شُرع بل كان محظورًا ممنوعًا. وقبل بيان الأدلة، فنحن هنا لا نتكلم عن القتال دفاعًا عن النفس أو الأعراض أو للنكء بالعدو، فكل هذا مسموح، بل نتكلم عن المحظور فقط وهو إقامة تشكيلات عسكرية تقاتل السلطة لانتزاع الحكم بالإضافة إلى عمليات الاغتيال.
الدليل الأول: كفُّوا أيديكم وأقيموا الصلاة:
عن ابن عباس: أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابًا له أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فقالوا: يا نبيَّ الله ، كنا في عزّ ونحن مشركون، فلما آمنا صرنا أذلة قال :إني أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ، فكفوا. فأنزل الله: ألم ترَ إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة… فلما حوَّله الله إلى المدينة أمره بالقتال.
قوله تعالى: (وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ)
«لم نؤمر بذلك» قالها الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل العقبة الكبرى عندما عرضوا عليه قتال قريش فرفض. «فقال له العباس بن عبادة بن نضلة: والذي بعثك بالحق، لئن شئتَ لنميلنَّ على أهل مِنى غدًا بأسيافنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أؤمر بذلك».
أول آية نزلت في السماح بالقتال كانت: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ… ) لم يقل شرع، والإذن لا يكون إلا بعد حظر. من هذا نقول إن طلب النصرة ليس معرة ونقيصة إنما هو سنة.
من آثار حكمة طلب النصرة من الأقوياء فقط:
يحلو لكثير من المغامرين على المنابر أن يطالبوا عامة المسلمين بحمل السلاح والجهاد هكذا من دون طريق ولا أهلية ولا مصدر تسليح… يطلبون القتال من بائع الخضار والممرض وغيرهم…. فتكون النتائج كارثية كما جربوا مرارًا. أما طلب النصرة من أهلها فقط فله آثار عظيمة تجنِّب أمتنا ما عاشته من ويلات دون تحقيق أي مكسب يذكر.
1-تحييد المدنيين: فلا يقاتل من لا يعلم فنون القتال فتفيض البلاد بالدماء والخراب.
2-عدم السماح لأطراف خارجية بالاختراق: إن طال أمد الانقلاب وتضعضعت الدولة فتح المجال للدول الكبرى أن تتدخل لتحمي عميلها وتجهض الانقلاب.
3- انتشار الدعوة في أجواء السلم أدعى للقبول من وقت الحرب والاضطراب، فإن طالت الفوضى صُمَّت الآذان عن الدعوة والدعاة.
هذا وقد أدى إهمال النخب الدعوية لأهمية وواجب مخاطبة الجيوش إلى أن حوّل الحكام جيوش الأمة إلى مؤسسات أمنية خاصة بهم. يعني نحن سلمنا جيوشنا للحكام عندما تركنا دعوتهم.
هذا وإن الكفار والغرب يريدون دأبهم أن يضربوا العلاقة بين الأمة وقوتها كما ضربوا العلاقة بينها وبين علمائها الربانيين، وبينها وبين تاريخها.
جيوش الأمة هم أبناؤها:
ولم يكتفِ هؤلاء بترك أبناء الجيوش بل حكموا عليهم بالردة أو الخيانة وناصبوهم العداء.
ونسوا أن الرسول طلب النصرة وتمنَّاها من كفَّار.
وقد أدى هذا إلى أن تاهَ الدعاة بين شتى الوسائل الضالة لاستقطاب مصادر قوة لدعوتهم.
وإن مصادر القوة مهما شرَّقنا وغرَّبنا لا تغادر هذه الأربع:
1- أخذه من جهات قطرية ودولية: وقد جرب المغامرون هذا الطريق، فمنهم من مد يده إلى محاور إقليمية يستجدي منها السلاح والدعم فجاءه السلاح المشروط الذي جعله تابعًا للقوى المانحة فضلّ وأضلّ. هذا ناهيك عن إسخاط الله ومخالفة سنة نبيه (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ( وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ…)
2- شراؤه من منظمات أو جهات دولية: وهذا أيضًا محال، فأنت تقاتل دولًا ذات إمداد دولي، ولا يتأتى لأفراد شراء ترسانات ضخمة، هذا فضلاً عن المخالفة الشرعية.
3-تصنيع السلاح: والقول في هذا كالقول فيما سبقه.
4-فلا يبق إلا تحويل القوة المملوكة للأمة من الأيدي الخائنة إلى الأيدي المخلصة.
وعندما وجد بعض الدعاة طريق الرسول صعبًا وشاقًّا، لم يجدوا بدًّا من الارتماء في أحضان الحكَّام طالبين مشاركتهم السياسية زاعمين تحقيق المصالح أو التدرج في تطبيق الشريعة… فلا شريعة طبَّقوا، ولا مصلحة حقَّقوا، بل غدوا جزءًا من منظومة الحاكم ومسحوق تجميل لوجهه البشع! كما تورط فريق منهم بمغامرات مسلحة عشوائية جلبت على البلاد الويلات والخراب.
والحقيقة التي غفل عنها الكثير، هي أن جيوش المسلمين التي أداروا لها ظهورهم، ما هي إلا انعكاس لأبناء المسلمين، فيهم الخائن والمنافق، وفيهم التقيُّ والمخلص. يألمون لما نألم ويسعدون لما نسعد. فجيش مصر مثلًا، كما أخرج أنور السادات فقد أخرج خالد إسلامبولي قاتل السادات، وأخرج جيش تركيا مولود ألتنطاش قاتل السفير الروسي، ولا زلنا نرى في كل أزمة نماذج مماثلة.
فالجيوش هم ملك الشعوب لا ملك الحكام ولا الغرب، والأمة هي المصدر الوحيد والمدد الدائم لهم، هي أمهم وأبوهم. لذلك كنا نحن الأولى باستمالتهم والأجدر بنيل ثقتهم.
وقد تنبَّه الحكام إلى خطورة الدور المفصلي للجيوش، فحالوا بينهم وبين الخطاب الدعوي المؤثر، فعملوا جاهدين على تجهيل القوات العسكرية ووضعهم في مواجهة أمتِّهم.
سيف الأمة ودرعها:
وقد آن الأوان أن يعي الدعاة اليوم على الأهمية القصوى لدور القوات العسكرية التي تملكها أمتنا، والتي تعد من أبرز القوات وأقواها في المنطقة. آن الأوان أن نسترد أبناءنا ونخاطبهم خطاب المشفِق لا خطاب الخصيم.
إن فلسطين كما سائر بلاد المسلمين أرض محتلة مغصوبة، وهي بذلك أرض جهاد، والواجب هو تحريرها وإعادتها إلى حظيرة الإسلام. والجهاد الذي يحرر البلاد ويقصم المعتدي لا يكون بمقاومة مفرقة هنا وهناك، فإن المقاومة وإن طلبت للدفاع عن النفس والنكء بالعدو، إلا أنها ليست بديلًا عن الجهاد الذي يزيل الاحتلال ويقيم العدل.
لكن هذا الجهاد المطلوب يحتاج قيادة مخلصة من أبناء الأمة وراية طاهرة ومنهجًا نبويًّا يستحق نصر الله وتأييد ملائكته. بهذا وحده فتحت فلسطين بخيل عمر، وحُررت بسيف صلاح الدين، وحُفظت برفض عبد الحميد رضي الله عنهم جميعًا.
هذه المسلمات التي بات عامة المسلمين يعرفونها، جهاد وراية وقيادة، لا تتحقق بوجود طواغيت رهنوا البلاد لمصالح الغرب، وحالوا بين الأمة وبين نهضتها واستئناف الحكم بشريعة ربها.
لأجل ذلك كان الطريق الوحيد لاستعادة سلطان الأمة هو أن يتوجَّه الخطاب المؤثر العام والخاص إلى ضباط الجيوش المسلمة لإخراجهم من بوتقة الحاكم، وإعادتهم إلى حضن أمتهم الدافئ.
وللتخلص من هذه العروش الفاسدة، نحن نحتاج من يملك القوة ويكون قريبًا من مكان الحاكم. فمن غير الجيوش يتحقَّق فيه هذان الشرطان.
لأجل ذلك فنحن بحاجة إلى رسم الخطة المحكمة التي يتزاوج فيها مشروع الدعوة المخلصة مع أقوياء الأمة المتعطشة للنصر، فيؤدي هذا الزواج الميمون إلى ولادة حكم إسلامي راشد يقلب عهد الجبرية النكد إلى خلافة تطهر الأرض وتحمي العرض.
يجب أن يتوجه الجميع اليوم، أحزابًا وعلماء ومؤسسات… إلى الرأي العام الإسلامي، بتقصد ضباط المسلمين كما تقصدَّهم رسولنا وأقام معهم أول دولة للإسلام.
الرأي العام هذا الذي يخافه الحكام ويعملون على تضليله ليل نهار، هو قوة في يدنا لا يملك الطغيان التغلب عليه كما لم يستطع فرعون مواجهة الرأي العام عندما مال لصالح سيدنا موسى.
هل هناك عقبات تعسِّر طلب النصرة من الجيوش وتعسِّر استجابتهم؟
الحقيقة فإن كثيرًا من الجنود يتمنَّون ما نتمنَّى من تحرير البلاد والحكم بشرع الله، غير أن موانع ثلاثة تحول دول هذا التحرك.
تذويب الوعي عند العسكر: صناعة الجهل وتذويب الوعي في الجيوش سطوته أكبر من السطوة على عامة الناس. الحكام يجهِّلون العسكر ويضللونهم كي لا يستفيقوا. حكام السعودية عندما أرادوا إقناع جنودهم بضرب اليمن، جمعوا مشايخهم وجعلوهم يقولون لجنودهم إن الحوثيين يريدون سرقة جثمان النبي صلى الله عليه وسلم.
لو سألنا أنفسنا، لماذا لا تتحرك الجيوش وهم يرَون المجازر والدماء؟ الجواب، لأنهم تلوَّث فكرهم كما تلوَّث فكر بعض المسلمين، فهذا ينتظر المهدي، وذاك يظن أننا لا نستاهل النصر بسبب معاصينا……كما يروِّج لذلك علماء السوء المثبِّطون جلَّادو أمتهم؛ لذلك علينا تعليمهم وإرشادهم، وتوضيح عظمة دورهم، لا تخوينهم وتكفيرهم. كيف سيتحرك لنصرتك من يجدك تخونه وتهمش دوره، بل وتكفره ليل نهار.
1- عمالة الصف الأول:
فالصف الأول بالأعم الأغلب يكون من لون الحاكم ومن زبانيته، وقد عالج الرسول هذه العقبة فلم يخاطب الصف الأول (ابن أبي بن سلول الذي كان يخرز تاجه) بل تقصُّد الصف الثاني والثالث من أمثال سعد وأسيد.
2- عدم قدرة الجندي على التحرك منفردًا:
الجندي يحتاج خطة ومنظومة تضع له الأوامر والتكاليف.
وهنا لا بد من رسم خطة محكمة للجنود، وإقامة مجموعات منظمة داخل الجيش، الجيش العثماني تم اختراقه وإضعافه بهذه الطريقة، إيجاد تنظيم سري داخل الجيش.
فيا أيها الأقوياء الذين خاطبهم الله بقوله: (قَٰتِلُوهُمۡ يُعَذِّبۡهُمُ ٱللَّهُ بِأَيۡدِيكُم) ودعا لهم رسولنا «اللهم ارحم الأنصار…» أنتم لستم أبناء الحكام الذين يحرسون الأعداء بكم، بل أنتم أبناء أمتكم العظيمة والموعودة بكل خير.
أمتنا اليوم تشهد أزماتها، فتذكروا أن رسولكم الكريم كان ينادي في أزماته الأقوياء «اللهم انصر الإسلام بأحب العمرين إليك» وكأني به اليوم في هذه النكبات ينادي «اللهم انصر الإسلام بأحب الجيوش إليك»
فإلى هذا الشرف العظيم ندعوكم، وإلى عزِّ الدارَين نطلبكم، فهل من مجيب؟
تنويه: في هذا المقال استفدت كثيرًا من مشاركات وإصدارات للشيخ جندل صلاح لها علاقة بالموضوع، وأحببت أن أرجع الفضل لأهله في هذا التنويه.
2024-03-26