اليهود: عداء مستمر للإسلام ولنبيِّه صلى الله عليه وسلم ولأمته إلى يوم القيامة
2023/12/20م
المقالات
2,801 زيارة
بعد انهزام اليهود أمام الرومان، انتقلوا من القدس إلى المدينة المنورة؛ لعلمهم أن مبعث نبي آخر الزمان قد آن، وبحسب علمهم أنه سيبعث في مكة (وتلألأ من جبل فاران) كما ورد في التوراة/سفر التثنية. ولأنهم كانوا يظنون أنه سيكون منهم، حتى إنهم كانوا يهددون به جيرانهم العرب.
وكعادة اليهود أينما حلوا، فهم يحملون طباع اللؤم، والغدر، والتآمر، والمكر، والدهاء، والإفساد في الأرض، وإيقاد الفتن وتسعير الحروب وبث النزاعات، ونقض العهود والمواثيق، واستغلال الآخرين والاستعلاء عليهم، وفوق ذلك كانوا مشهورين بسعة المال الذين كانوا يحصلون عليه بالربا وبالسحت وأكل أموال الناس بالباطل، وهذه الخصال هي خصال متأصلة بهم مع جميع من تعاملوا معهم من الشعوب والأمم وإلى يومنا هذا، وهي ليست حصرية مع المسلمين؛ ولكنها تزيد معهم لبعدها الديني العقائدي؛ لذلك كانوا شعبًا مكروهًا مطرودًا منفيًا يسام العذاب إلى يوم القيامة، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنهم فقال: (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ علَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٦٧ ).
وعن تاريخ اليهود مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنهم لم يتقبلوا أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ليس منهم، ولكن بسبب إيمان غالبية الأوس والخزرج في المدينة، فإنهم لجؤوا إلى الكيد لدعوة الرسول وتأليب القبائل عليه وتغذية حالة النفاق التي وجدت في المدينة وكان يتزعمها عبد الله بن أبي بن سلول، وكانوا لا يتركون وسيلة لإيذاء الدعوة الإسلامية إلا واتبعوها: من محاولة قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، والعمل على تأجيج نار الجاهلية بين الأوس والخزرج من بعد إيمانهم، وتعرضهم لنساء المسلمين في الأسواق، نقضهم لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحيفة المدينة، تحالفهم مع كفار قريش ومشركيها، وفي هذا المجال كان لهم أسوأ الأثر في جمع القبائل لاجتياح المدينة واستئصال الإسلام والمسلمين؛ حيث كانت معركة الأحزاب كلها من تدبيرهم وكيدهم.
أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد عاملهم كأهل كتاب موحدين يؤمنون بنبوة موسى عليه السلام، فدعاهم إلى الإسلام وإلى الإيمان بنبوته وبدينه؛ ولكنهم أصرَّوا على رفضهم لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصروا على التآمر عليها. ولأنهم كانوا يعيشون في قلب المجتمع الإسلامي، ويعرفون كل مواقع الضعف والقوة فيه، وصاروا يشكلون خطرًا زائدًا على الدعوة، انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى التعامل معهم على أساس حربهم بعد كل خيانة تصدر منهم حتى أراح الله المسلمين منهم بالقتل والنفي وإنهاء نفوذهم السياسي من الجزيرة العربية.
وكان مما اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم معهم، هو أسلوب الاغتيالات، كاغتيال كعب بن الأشرف، وهو شاعر يهودي من بني النضير؛ حيث كان ينظم أشعارًا يحث فيها أهل قريش على السير ضد محمد والثأر لقتلاهم، كاشفًا بأشعاره للقرشيين أن سكان المدينة ليسوا كلهم إلى جانب محمد، مستنهضًا قريش من حالة الإحباط الناجمة عن هزيمتهم في بدر… واغتيال أبي عفك اليهودي الذي كان يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول فيه الشعر، واغتيال العصماء بنت مروان اليهودية حيث كانت تعيب الإسلام والمسلمين وتؤنّب الأنصار على اتّباعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهجوه وتحرِّض عليه. واغتيال ابن سنينة، وأبو رافع بن أبي الحقيق من يهود خيبر… هذه العمليات أرعبت اليهود وأخافتهم؛ ولكنهم لم يتراجعوا عن غيِّهم، ونشر فسادهم، ونقضهم للمعاهدات واستمروا بها فكان لا بد من التعامل معهم بأسلوب آخر، فكانت الغزوات التي استأصلت شأفتهم. فكان أول ما حاربهم، النبي صلى الله عليه وسلم داخل المدينة في غزوة بني قينقاع، وغزوة بني النضير، كما حاربهم في محيطها في غزوة بني قريظة، وحاربهم في خيبر التي كانت تمثل المعقل الأساسي لهم في شبه الجزيرة العربية، ثم باقي القبائل كيهود فدك وتيماء وأم القرى.
1- غزوة بني قينقاع: كان يهود بني قينقاع يسكنون في المدينة؛ لذلك كانوا أكثر خطرًا على المسلمين، فقد مارسوا الكثير من الأعمال العدائية ضدّهم؛ ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يفكر بالتخلص منهم لشدة خطرهم، وقد جاءت الفرصة مناسبة عندما دخلت امرأة مسلمة سوق الصاغة في المدينة الذي كان تحت سيطرتهم، فاجتمع عليها جماعة من اليهود وأرادوها أن تكشف عن وجهها فأَبَت، فعمد يهوديٌّ من خلفها وعقد طرف ثوبها إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوأتها فضحكوا منها، فصاحت تستغيث بالمسلمين، فوثب رجلٌ من المسلمين على من فعل ذلك فقتله، وشدّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستنجد أهل المسلم بالمسلمين، ووقع بينهم وبين بني قينقاع الشرّ، فجمع النبيّ صلى الله عليه وسلم اليهود وحذّرهم وطلب منهم أن يكفّوا عن أذى المسلمين ويلتزموا بعهد الموادعة، أو يُنزِل بهم ما أنزله بقريش، فقالوا له: «لا يَغُرَّنّك يا محمّد أنّك لقيت قومًا لا علم لهم بالحرب، فأصبت منهم فرصة مكّنتك من رقابهم، إنّا والله لئن حاربناك لتعلَمنّ أنّا نحن الناس، وسترى منّا ما لم تره من غيرنا». فأنزل الله تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم بهذه المناسبة قوله تعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغۡلَبُونَ وَتُحۡشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَۖ وَبِئۡسَ ٱلۡمِهَادُ ١٢ قَدۡ كَانَ لَكُمۡ ءَايَةٞ فِي فِئَتَيۡنِ ٱلۡتَقَتَاۖ فِئَةٞ تُقَٰتِلُ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَأُخۡرَىٰ كَافِرَةٞ يَرَوۡنَهُم مِّثۡلَيۡهِمۡ رَأۡيَ ٱلۡعَيۡنِۚ وَٱللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصۡرِهِۦ مَن يَشَآءُۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ١٣) [آل عمران: 12-13]؛ ولذلك لم يبقَ أمام النبيّ صلى الله عليه وسلم إلّا أن يُقاتلهم، فسار إليهم، وكان عددهم حوالى سبعمائة مقاتل، وسلّم الراية للإمام عليّ عليه السلام، وحاصرهم في حصنهم خمس عشرة ليلة أشدّ حصار، فقذف الله في قلوبهم الرعب، واستسلموا، وطلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُخلِّي سبيلهم وينفيهم من المدينة، على أن يكون لهم نساؤهم والذريّة، وله أموالهم والسلاح، فقبل منهم ذلك، فوزّع أموالهم وأسلحتهم على المسلمين، وطردهم من المدينة إلى أذرعات بالشام.
2 ـ غزوة بني النضير
لما وصلت الأخبار إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ بني النضير يُخطِّطون لاغتياله، قرّر إجلاءهم عن مواضعهم، فأنذرهم في البداية بأنّ يخرجوا من حصونهم وينزحوا من يثرب في مدّة عشرة أيّام؛ ولكنّهم رفضوا الإذعان له أوّل الأمر، ثمّ بدا لهم الإذعان لحكمه صلى الله عليه وسلم ورضوا بالجلاء عنها؛ لكنّ جماعة من المنافقين من بني عوف وعلى رأسهم عبد الله بن أُبَيّ بن سلول بعثوا إليهم: «أن اثبتوا وتمنّعوا فإنّا لا نُسلمُكم. إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن خرجتم خرجنا معكم» [ابن هشام، السيرة النبوية]. إلّا أنّ عبد الله بن أُبي رأس المنافقين خذلهم وغدر بهم، وأنزل الله سبحانه بهذه المناسبة: (أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ يَقُولُونَ لِإِخۡوَٰنِهِمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ لَئِنۡ أُخۡرِجۡتُمۡ لَنَخۡرُجَنَّ مَعَكُمۡ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمۡ أَحَدًا أَبَدٗا وَإِن قُوتِلۡتُمۡ لَنَنصُرَنَّكُمۡ وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ ١١ لَئِنۡ أُخۡرِجُواْ لَا يَخۡرُجُونَ مَعَهُمۡ وَلَئِن قُوتِلُواْ لَا يَنصُرُونَهُمۡ وَلَئِن نَّصَرُوهُمۡ لَيُوَلُّنَّ ٱلۡأَدۡبَٰرَ ثُمَّ لَا يُنصَرُون١٢)[الحشر: 11-12] ولما امتنعوا عن الإذعان لحكم النبيّ صلى الله عليه وسلم واحتموا خلف حصونهم، وكانت حصونهم مُحْكَمة، وصعب فتحها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقطع نخيلهم وحرقها، ما جعل اليأس يتسرُّب إلى قلوبهم، ويستسلمون بعد مناشات خفيفة، وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يُجليهم ويكفّ عنهم، على أنّ لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلّا السلاح، فرضي النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك. هذا وقد أشار القرآن إلى غرور بني النضير وامتناعهم بحصونهم قبل المعركة، ظانّين أنّها ستمنعهم من أمر الله تعالى، كما أشار إلى هزيمتهم وتخريبهم بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، بقوله تعالى: (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَخۡرَجَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن دِيَٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن يَخۡرُجُواْۖ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمۡ حُصُونُهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَأَتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِنۡ حَيۡثُ لَمۡ يَحۡتَسِبُواْۖ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَۚ يُخۡرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيۡدِيهِمۡ وَأَيۡدِي ٱلۡمُؤۡمِنِينَ فَٱعۡتَبِرُواْ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَبۡصَٰرِ ٢).
3 ـ غزوة بني قريظة
لقد كان بين يهود بني قريظة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد واتفاق على أن لا يُحاربهم ولا يُحاربوه، ولا يُعينوا عليه أحدًا، غير أنّهم نقضوا العهد وتعاونوا مع قريش والمنافقين في معركة الأحزاب ضدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته. وبعد جلاء الأحزاب عن المدينة أرسل إليهم النبيّ صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وعبد الله بن رواحة، لتذكيرهم بالعهد والميثاق، فأساؤوا الردّ، وأصرّوا على نقض العهد، فسكت عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى هُزمت قريش والأحزاب، وكسب المسلمون معركة الخندق. وفي اليوم نفسه الذي رجع فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم من ساحات المواجهة في الخندق قرّر الهجوم عليهم حتّى إنه صلى الله عليه وسلم أمر من كان معه من المسلمين ألّا يُصلّوا العصر إلّا في بني قريظة، لكسب الوقت، واستثمار الموقف النفسيّ المنهار لدى اليهود وحلفائهم من المشركين والمنافقين، ولكي لا يُعطيهم الفرصة لإعادة ترتيب أوضاعهم وإنشاء علاقات تزيد في قوّتهم، فأعطى رايته للإمام عليّ عليه السلام وتبعه المسلمون بالرغم ممّا كانوا عليه من التعب والسهر خلال حصار الأحزاب لهم. طوَّق المسلمون اليهود في حصونهم وأخذوا يرمونهم بالحجارة والسهام، ولم يجرؤ بنو قريظة على أن يخرجوا من حصونهم طوال مدّة الحصار؛ لأنّ المسلمين أحاطوا بهم من جميع الجهات، واستمرّ الحصار أيّامًا؛ ولكنهم استسلموا بعدها، وطلبوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يُعاملهم كما عامل بني النضير من قبل، فأبى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وعرض عليهم أن يختاروا من الأوس، وهم حلفاؤهم، من شاؤوا ليحكم فيهم، فاختاروا سعد بن معاذ، فحكم سعد فيهم بقتل الرجال أي المقاتلين منهم فقط ممن نقض العهد وقاتل، وسبي النساء والذراري ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم. وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يرى فيهم هذا الرأي؛ لذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتنفيذ حكم «سعد» هذا وقد أشار القرآن الكريم إلى انسحاب جيوش الأحزاب وغزوة بني قُريظة وانتصار المسلمين فيها بقوله تعالى: (وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ٢٥ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَٰهَرُوهُم مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ مِن صَيَاصِيهِمۡ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعۡبَ فَرِيقٗا تَقۡتُلُونَ وَتَأۡسِرُونَ فَرِيقٗا ٢٦ وَأَوۡرَثَكُمۡ أَرۡضَهُمۡ وَدِيَٰرَهُمۡ وَأَمۡوَٰلَهُمۡ وَأَرۡضٗا لَّمۡ تَطَُٔوهَاۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٗا ٢٧)[الأحزاب: 25-27].
4-معركة خيبر:
كان يهود خيبر من أقوى الطوائف اليهوديّة في بلاد الحجاز وأكثرهم عددًا وعُدَّة وأمنعهم حصونًا،، ويُحيطها حصنٌ حجريّ ظنّ أهله أنّه مانعهم؛ فاستحكم بهم الغرور، وغرّهم المال والسلاح الذي بأيديهم. فقد كان في حصون خيبر عشرة آلاف مقاتل، كانوا يخرجون كلّ يوم صفوفًا يستعرضون قوّتهم، ويسخرون من قوّة المسلمين وهم يُردِّدون «محمّد يغزونا، هيهات! هيهات!» وهذا الاعتداد بالقوّة خدع يهود خيبر وخدع غيرهم من يهود المدينة، وكانوا يُردِّدون على مسامع المسلمين: «ما أمنع والله خيبر منكم، لو رأيتم خيبر وحصونها ورجالها، لرجعتم قبل أن تصلوا إليهم. حصونٌ شامخات في ذُرى الجبال، إنّ بخيبر لألف دارع، وما كانت «أسد» و»غطفان» يمتنعون من العرب قاطبة إلّا بهم، فأنتم تُطيقون خيبر؟!». وقد غدت خيبر بمرور الأيّام ملجأً يأوي إليه اليهود الـمُبعدون عن المدينة، ينتظرون الفرصة للانتقام من الإسلام، واسترداد مواقعهم ومصالحهم التي جرّدهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم منها.
وقد عاش المسلمون بسببهم محنًا متواصلة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصبر ويُصبِّرهم على كلّ أذى منهم. وما كان يمنع النبي من مجابهتهم إلا وجود عدو أكبر وأقوى وألدّ ألا وهو قريش، واختلفت تلك الغزوة عما قبلها من غزوات؛ إذ إنها أتت بعد وقعة بني قريظة وصلح الحديبية؛ حيث قام الرسول صلى الله عليه وسلم بتحييد قريش وإخراجها من ساحة الصراع العسكري ضد الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفرغ لخيبر وينهي خطرها.
في أجواء التآمر الذي لعبته قبيلة خيبر على المسلمين في معركة الأحزاب؛ حيث كان لها اليد الطولى في جمع القبائل والسعي لاستئصال الإسلام كليًّا من الوجود، وبعد فرط عقد الأحزاب في معركة الخندق، وبعدما قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعقد صلح الحديبية وتحييد قريش، عزم صلى الله عليه وسلم على غزوهم في حصونهم ومعاقلهم المنيعة في خيبر، فجمع جيشه وتكتّم على مسيره، وخرج من المدينة في ألف وستمائة مقاتل من المسلمين، وأعطى رايته لعليّ عليه السلام، وسلك طُرقًا تحفظ سرِّيَّة تَحرُّكِه، فلم يشعر اليهود إلّا وجيش المسلمين قد نزل بساحتهم ليلًا. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد وعده الله بالنصر وأن يردّه إلى المدينة فاتحًا غانمًا. وكان لسيدنا عليّ عليه السلام مآثر لا تنسى في هذه المعركة، واستبسل المسلمون بقيادته وهاجموا حصون خيبر وتغلّبوا على من فيها، فاستسلموا وطلبوا العفو من النبيّ صلى الله عليه وسلم فأجابهم النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بعد أن استولى على أموالهم، وتمّ الاتفاق بينهم وبين النبيّ صلى الله عليه وسلم على أن تبقى الأرض في أيديهم يعملون فيها بنصف الناتج والنصف الآخر للمسلمين.
5 ـ يهود فدك: لما سمع يهود فدك، القرية اليهوديّة المجاورة لخيبر بما حلَّ بخيبر، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلنون رغبتهم في المصالحة على مناصفة أراضيهم، فوافق صلى الله عليه وسلم على ذلك.
6- أما وادي القرى التي كان أهلها من اليهود قد تآمروا على الإسلام والمسلمين، فقد توجّه إليها النبيّ صلى الله عليه وسلم وفرض الحصار عليها، ودعا أهلها إلى الإسلام، وأخبرهم أنّهم إن أسلموا أحرزوا أموالهم وحقنوا دماءهم، وحسابهم على الله، ولكنّهم أبَوا وأصرّوا على القتال، وجرت بين الطرفين مناوشات محدودة، والنبيّ صلى الله عليه وسلم يعرض عليهم الإسلام وهم يأبون، ما دفعه إلى تشديد الحصار عليهم حيث تمكّن من فتح بلدهم عنوة، وبقي هناك أربعة أيّام قسّم خلالها الغنائم على أصحابه، وترك المزارع بيد اليهود مناصفة عليها.
7- أما يهود تيماء، فلما بلغت أنباء الانتصارات الإسلاميّة، صالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الجزية وأقاموا في بلدهم.وبسقوط خيبر والمواقع المجاورة تمّ تصفية آخر تجمُّع يهوديّ لعب دوره في مواجهة الإسلام ووضع العوائق في طريقه، وحبك المؤامرات ضدّه، وقُضي قضاءً تامًّا على القوّة السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة ليهود الحجاز، وغدت كلمة الإسلام وحدها هي العُليا في الجزيرة العربيّة.
استمرار عداء اليهود للإسلام ولنبيِّه صلى الله عليه وسلم ولأمته إلى يوم القيامة
قال الله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ) [المائدة: 82]، وقال تعالى: (وَإِذۡ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبۡعَثَنَّ عَلَيۡهِمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَن يَسُومُهُمۡ سُوٓءَ ٱلۡعَذَابِۗ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلۡعِقَابِ وَإِنَّهُۥ لَغَفُورٞ رَّحِيمٞ١٦٧)[الأعراف: 167].
منذ أن بعث الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم بدين الإسلام واليهود يكيدون لهذا الدين ولنبيه حتى يومنا هذا، فبعد وفاة النبي سجل عليهم أنهم كانوا وراء كثير من الفتن التي تعرض لها المسلمون؛ فلبس بعضهم لبوس الإسلام ليطعنوا الإسلام باسم المسلمين، ومن ذلك أنهم نشطوا في عهد عثمان بقيادة ابن سبأ، وظلوا يؤلبون المسلمين على عثمان بدعوى أنه ليس أحق بالخلافة.
ونحن لو استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا أن لليهود دوراً في كل فتنة أو حدث يضر بالمسلمين، حتى إن الحدث إن لم يكن من صنعهم ابتداءً، فإنك تراهم يوقدون نار الفتنة فيه ولو بعد حين. ولا يشك أحد بأن اليهود يعملون جهدهم في الدس والتفريق بين المسلمين ومحاولة إفساد عقيدتهم وأخلاقهم؛ فالمحققون يؤكدون في أبحاثهم بأن اليهود هم الذين بذروا بذور الفرق الضالة. ولما ظهرت القاديانية، والبهائية أيدوها ثم احتضنوها. وهم الذين ساهموا مع بريطانيا اللعينة في إسقاط الخلافة العثمانية على يد يهود الدونما الذين تظاهروا بالإسلام وبقوا على دينهم، وفرضوا بعدها الحكم بالعلمانية الكافرة المعادية للإسلام، وقد كانت أكبر كارثة حلَّتْ بالمسلمين. ثم تلاها اغتصاب دولة فلسطين من أهلها في عملية هي من أبشع عمليات العدوان العالمي على الإسلام والمسلمين في إقامة وطن لليهود وما رافقها من احتلال وتشريد وقتل وتعذيب وتضييق… وساعدت إنكلترا وأمريكا وروسيا وإيطاليا وسائر دول الكفر على تثبيت هذه الدولة المغتصبة وإعطائها الشرعية الدولية، وأمدَّتْها بالسلاح والمال، وبذلك تجلَّت الحقيقة القرآنية من أن اليهود والنصارى بعضهم أولياء بعض، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلنَّصَٰرَىٰٓ أَوۡلِيَآءَۘ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمۡ فَإِنَّهُۥ مِنۡهُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ ٥١) [المائدة: 51]. وهم ما زالوا على هذا التحالف الحاقد على الإسلام والمسلمين وقد رأينا مواقف حكامهم الحقيرة الوقحة المؤيدة للعدوان الذي شنته (إسرائيل) على المسلمين مؤخرًا في غزة من غير أي شعور إنساني ما جعل شعوبهم تهاجمهم وتهاجم يهود… نعم لقد كشفت عملية (طوفان الأقصى) أن (إسرائيل) لا تحتاج إلى كبير عناء للقضاء عليها، وأن أضعف نظام يحيط بها يمكنه أن يحقق ذلك؛ ولكن الحكام لا يريدون ذلك، لأنهم صنائع حكام الغرب الذين لا يأتون بحاكم إلى الحكم إلا بعد أن يأخذوا منه المواثيق لحماية هذا الكيان واستعداده لأن يسير في مخططاتهم ضد أمتهم، ولأن يحكم الأمة بالكفر، ولأن يعمل على منع وحدتها مهما كان الثمن؛ لذلك رأينا هؤلاء الحكام يشاركون الغرب في حربهم على الإسلام تحت شعار محاربة (الإرهاب) ويدخلون في أحلافهم ضد أمتهم، سواء في العراق أم في أفغانستان، أم في سوريا، وها نحن رأينا كيف كان موقفهم من يهود في عملية (طوفان الأقصى)… ولا يستثنى حاكم منهم، من تركيا إلى إيران إلى السعودية…
أما هؤلاء الحكام فإنهم يحتمون من نقمة شعوبهم بجيوشهم وبأجهزة أمنية، ويجعلون على رأسها قادة مصابون بنفس لعائن حكامهم من العمالة والخيانة والبعد عن الدين، والقسوة على شعوبهم؛ ولكن هذه الجيوش مليئة بالضباط الشرفاء الأتقياء الذين يتألمون من هذا الواقع كما يتألم أهاليهم من الشعوب، وهم ملتزمون إسلاميًّا، ولا يرضيهم هذا الواقع، ويسخطون على حكامهم كما تسخط شعوبهم… وعلى المخلصين من هؤلاء واجب منع هؤلاء الحكام من التمادي في غيهم، هؤلاء عليهم واجب تغييرهم وإقامة حكم الله فيهم، والقيام بجهاد الكفار لا حماية الحكام ولا حماية مصالح الكفار في بلاد المسلمين، هؤلاء بيدهم القوة، وهؤلاء يأمرهم الشرع أن يكونوا أنصار الله كما كان سعد بن معاذ مع الرسول صلى الله عليه وسلم. إن تغيير الحكام يحتاج إلى أهل قوة مخلصين الدين لله؛ ليأخذوا على أيدي الظالمين من الحكام ومن والاهم، وهذا لا تستطيعه الأمة كأمة؛ لأن الأمة لا تكون مسلحة، ولكن الأمة إذا قام أهل القوة فإنها ستكون معهم بكل قوة، وسيفرحون لتغييرهم حتى أكثر من فرحهم من قتال يهود؛ لأن هؤلاء الحكام هم الذين يمنعون يهود ويحمون وجودهم ويلاحقون كل من يقف عثرة في طريق وجودهم أو يشكل خطرًا عليهم… من هنا رأينا كيف أن الأمة كانت مع هذه الأحداث التي تجري في غزة تحمِّل الجيوش أكثر من أي وقت مضى مسؤولية تغيير الحكام… فهذا واجب شرعي سيحاسبهم الله عليه… نعم عليهم أن يكونوا أهل قوة للإسلام، وللحكم بالإسلام، أن ينتقلوا من مهمة حماية الحكام ومصالح الغرب الذي يقف وراءهم إلى حماية دولة الإسلام والقيام بفرض الجهاد، ومنه الجهاد ضد يهود، وعسى الله أن يجعل ما بشَّر به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «تقاتلكم يهود فتقتلونهم…» يحدث بأيديهم، وعسى أن يكونوا جند دولة الخلافة الراشدة التي كذلك بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: «ثم تكون خلافة راشدة على منهاج النبوة»
إن تاريخ اليهود لم يختلف زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حين كان ينزل القرآن ويتحدث عنهم عن زمننا الذي نعيش فيه، خاصة وأن القرآن والسنة قد حدثانا عن هذا الصراع الذي نعيشه اليوم مع يهود وعن نهايته: تكلم أن اليهود سيعيشون مشتتين طيلة حياتهم، وإن نهايتهم ستكون في فلسطين حيث سيتجمعون، كما يحدث اليوم، فيتم استئصالهم. وإن ما أوردناه عن تاريخ اليهود مع المسلمين من قبل نراه يشبه إلى حد كبير ما يحدث اليوم، فاليهود الذين أشربوا حب الحياة في قلوبهم لا يمكن أن يمتلكوا قوة ذاتية تمنعهم وتحميهم كما ذكر القرآن، بل لا بد لهم من حبل من الناس. وكل هذا السلاح الذي أعطي لهم لم يحمهم، ولا يطمئنهم إلا أن تبقى دول الغرب الأوروبية الكافرة وعلى رأسها أمريكا بجانبهم. وهذا هو (الحبل من الناس) الذي ذكره الله في كتابه ويمدهم بالبقاء… وهؤلاء لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة (مستوطنات) أو من وراء جدر كما يفعلون الآن… وإن ما حدث في (طوفان الأقصى) ليعطي أوضح صورة على صدق ما جاء به القرآن والسنة، وزيادة على ذلك فإنه يشير إلى أن زوال (إسرائيل) بات قاب قوسين أو أدنى، وهذا ليس رأينا فقط، بل هو رأي يهود أنفسهم بمصيرهم، قال تعالى: (وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمۡرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ).
2023-12-20