تصور العمل الحزبي في ظل الخلافة والأمانة التي يجب على حزب التحرير وأفراده أن يؤدوها بحقها حتى ينالوا رضوان الله والفوز بعظيم الأجر في الآخرة
2023/09/24م
المقالات
1,914 زيارة
مراد طالب
يختلط الأمر على الكثير من الناس، في تصور العمل الحزبي في ظل الخلافة، ولا يكادون يرون العمل الحزبي إلا من خلال نموذج الأحزاب السياسية في ظل الأنظمة الحالية، فيظنون أن الأمر في ظل الخلافة لن يختلف كثيرًا عن صورة العمل الحزبي المشاهد في هذا الزمن، خاصة وأن مصطلح الحزب السياسي هو مصطلح حديث وكون الأحزاب الديمقراطية تعتبر هي الأحزاب الأعرق في العالم، حتى ليكاد يبدو للمتابع عدم وجود غيرها كنموذج للعمل الحزبي في الحياة السياسية.
وعلى رغم الهالة البراقة التي تظلل الأحزاب السياسية العاملة في ظل الديمقراطيات العريقة كأمريكا وفرنسا والمملكة المتحدة، إلا أن المتفحص لواقع العمل الحزبي في ظل هذه الأنظمة سرعان ما تتكشف له الحقيقة بأن الأحزاب في ظل الرأسمالية ما هي إلا انعكاس لتناقضات المبدأ الذي قامت عليه تلك الدول.
ويمكننا التدليل على الفشل في إيجاد النموذج الحقيقي للحزب السياسي في ظل الأنظمة الحالية بأربعة أمور بارزة هي:
أولًا: فشلهم في وضع تعريف للحزب السياسي وإبقاء الأمر في زاوية الغموض:
فقد تجنَّب العديد من الباحثين كصمويل هنتنجتون وضع تعريف محدَّد للحزب السياسي واستعاضوا عن التعريفات بوضع شروط لاعتبار الحزب السياسي، ومن حاول منهم وضع تعريف للحزب فقد عمد إلى صياغات فضفاضة غامضة هي أقرب لوصف عمل الأحزاب منها إلى التعريف، ومن أمثلتها تعريف جورج بيردو للحزب السياسي بأنه: «كل تجمع بين أشخاص يؤمنون ببعض الأفكار السياسية ويعملون على انتصارها وتحقيقها، وذلك بجمع أكبر عدد ممكن من المواطنين حولها والسعي للوصول إلى السلطة أو على الأقل التأثير على قرارات السلطة الحاكمة». ويتجلى فشل محاولات تعريف الحزب السياسي حين نرى عدم اجتماعهم على تعريف محدَّد لمفهوم السياسة، فهل هي العلاقة بين الحكام والمحكومين في الدولة، أم هي طرق وإجراءات مؤدية إلى اتخاذ قرارات من أجل المجتمعات والمجموعات البشرية، أم هي فن الممكن؟
ثانيًا: نظرتهم لنشأة وتكوين الأحزاب السياسية:
فإن أبرز عامل لنشأة الأحزاب وتكوينها عندهم هي نظرية النزاع التاريخي بين الثنائيات، وبحسب هذه النظرية، فإن تأسيس حزب سياسي يعني بالضرورة أنه أنشئ ليمثل مصالح طرف ضد طرف آخر، وبذلك فإن الأحزاب السياسية تتأسس نتيجة وجود انشقاقات في المجتمع. بناء على ثنائية نزاع، وقد اقترح دوفرجيه سلسلة من الثنائيات التي يمكن أن تتقابل: ثنائيات سياسية (الملكية مقابل الجمهورية) واجتماعية (عمَّال مقابل برجوازيين) ودينية (متدين مقابل علماني). وعلى إثر النزاع بين هذه الثنائيات تندمج الجماعات أو يحدث الانشقاق ما ينتج الأحزاب الجديدة. وتكفي نظرة سريعة لواقع الأحزاب في أوروبا وأمريكا ومشاهدة الصراعات المحتدمة فيما بينها بما ينذر بتشقق المجتمعات في تلك الدول وانقسامها وتحويل حياة الناس إلى جحيم يسعّره النزاع الدائم بين مكونات العمل السياسي عندهم خاصة في ظل نمو النزعات الدينية والقومية في أوروبا، واشتداد النزاع بين ثنائية الصناعات البترولية والصناعات التكنولوجية في أمريكا، لإدراك حجم الفشل في بناء النموذج الحي الناجح لحزب سياسي حقيقي في تلك الأنظمة.
ثالثًا: وظيفة الأحزاب السیاسية
وقد حدَّد الباحثون الغربيون أبرز وظائف الحزب السياسي في النقاط التالية:
1- تنشیط الحیاة السیاسیة 2- تكوین الرأي العام 3- تكوین القیادات السیاسیة 4- تحقیق الاستقرار السیاسي.
وقد يغترُّ المرء للوهلة الأولى أمام هذا الطرح الوردي لوظيفة الأحزاب السياسية في الأنظمة الغربية القائمة في عالم اليوم؛ ولكن عند التدقيق في حقيقة الوظيفة العملية التي تمارسها الأحزاب السياسية في الغرب تجد أن تنشيط الحياة السياسية عمليًّا هو ترويض للشعوب لتقبل السياسات الممارَسة لصالح فئة الرأسماليين بخداع الناخبين أنهم هم أصحاب الاختيار للسياسات المعمول بها، وقد بات هذا الأمر مفضوحًا لعوام الناس حتى بات الإحجام عن المشاركة في النشاطات السياسية والعزوف عن المشاركة في الانتخابات سمة بارزة عند الشعوب الغربية.
وأما من حيث تكوين الرأي العام وتوعية المواطنين بالمشكلات السياسية ومقترحات حلها، فالمدقق يرى أن تلك الوظيفة هي مجرد ذرٍّ للرماد في العيون ولا تتعدى الدعاية الانتخابية، ولا يمكنك أن تجد حزبًا سياسيًّا في الغرب يعمل حقيقة لصالح ناخبيه ومؤيديه، وإنما تجد تلك الأحزاب تضع في رأس أولوياتها رعاية مصلحة الداعمين الرأسماليين المموِّلين للحزب ونشاطاته.
وأما من حيث تكوين القيادات السياسية فأي قيادات تلك التي تنمو وتتكون في ظل ممارسة التزييف والخداع والغش للناخبين؟!
وأما وظيفة تحقيق الاستقرار السياسي، فالمراقب للحياة السياسية في الغرب يرى بوضوح حجم إذكاء روح النزاع بين أنصار الأحزاب السياسية وتعميق الهوة بين مكونات المجتمع، وانظر إلى أطروحات الأحزاب القومية والمذهبية والمصلحية وردة فعل الأتباع على طرح برامج مخالفة لبرنامج حزبهم على الصعيد العرقي أو المذهبي أو الاجتماعي ومشاهد الصراعات والخلافات العنصرية في بلادهم لتتبين مدى بشاعة تلك الوظيفة.
رابعًا: فكرة التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة:
تلك الفكرة البرَّاقة التي يروَّج لها باعتبارها الدرة الثمينة في الأنظمة الديمقراطية، ومبعث فخرهم واعتدادهم بنظامهم الذي يصفونه بالبعيد عن الديكتاتوريات وهيمنة الحزب الواحد.
وبرغم شدة بريق هذه الفكرة واستهوائها لعقول البسطاء، إلا أن الممارسة العملية للحياة السياسية الغربية، خاصة في الدول الكبرى والديمقراطيات العريقة، تري مدى سقوط وتهاوي هذه الفكرة، فهذه فرنسا التي تعتمد نظام التعددية المفتوح لا تكاد تقوم فيها حكومة قوية ثابتة، ودائمًا ما يعاني فيها الرؤساء خلال عملية تشكيل حكوماتهم نتيجة اضطرارهم إلى تشكيل حكومات ائتلاف تجمع في كثير من الأحيان بين أحزاب متناقضة للحصول على ثقة البرلمان والتصويت لصالح تشكيل الحكومة، وقد يظن البعض لوهلة أن النظام المثالي للحياة السياسية المستقرة هو نظام ثنائية الأحزاب؛ حيث يتم الوصول إلى السلطة عبر التنافس بين حزبين كبيرين كما هو الحال في بريطانيا وأمريكا، بما يضمن تشكيل حكومات قوية قادرة على الحصول على أصوات الأغلبية من جمهور الناخبين وتأييدهم، وبتدقيق النظر في سياسات تلك الدول، فإن الباحث لا يكاد يرى أي فرق حقيقي في تنفيذ السياسات في تلك الحياة السياسية، حتى إن الكثير من السياسيين في تلكما الدولتين يلجؤون إلى استخدام مصطلحات مثل مصطلح الحكومة الخفية ومصطلح الحكومة العميقة لوصف ما يجري في الحياة السياسية في البلدين، بما يشير بوضوح إلى أن اللعبة الديمقراطية وتداول السلطة بين الأحزاب في الأنظمة ثنائية الأحزاب هو أقرب للمسرحية التي يقصد منها جمع طاقات الأمة خلف حزب حاكم يشعر الجماهير العريضة بأنها هي من يقود العمل السياسي، في الوقت الذي لا تمثل فيه تلك الأحزاب حقيقة سوى مصالح الحكام الحقيقيين للبلاد من كبار الرأسماليين. ومن السخرية أن الولايات المتحدة التي تفاخر بكونها صاحبة أعرق الأحزاب السياسية في العالم، لم يتطرّق دستورها إلى موضوع الأحزاب السياسية؛ إذ لم ينوِ المؤسسون في الأصل أن تكون السياسة الأمريكية حزبية. ففي أوراق الفيديراليست رقم 9 ورقم 10، كتب ألكسندر هاملتون وجيمس ماديسون، على التوالي، عن مخاطر الفصائل السياسية المحلية على وجه التحديد. إضافة إلى ذلك، لم يكن أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن عضوًا في أي حزب سياسي وقت انتخابه وطوال فترة رئاسته. علاوة على ذلك، فقد كان حتى آخر لحظات حياته السياسية يعرب عن أمله في ألا تتشكّل الأحزاب السياسية خوفًا من الصراع، وقد كان هذا هو أبرز نقاط خطبة الوداع الشهيرة التي ألقاها عند اعتزاله الحياة السياسية. ومع ذلك، انبثقت بدايات نظام الحزبين في أمريكا من دائرته المباشرة حيث انتهى المطاف بهاملتون وماديسون، اللذين كتبا أوراق الفيديراليست المذكورة أعلاه ضد الفصائل السياسية، إلى أن يكونا القائدين الرئيسين في هذا النظام الحزبي الناشئ. فأصبح هاملتون زعيمًا لمعسكر الفيدراليين وجيمس ماديسون زعيمًا لحزب الجمهوريين الديمقراطيين؛ ما هيّأ البيئة لنشأة الحياة الحزبية في أمريكا بعد أن كانت بغيضة في يوم قريب.
بعد هذا العرض الموجز للحياة السياسية الحزبية في ظل الأنظمة الغربية القائمة في عالم اليوم وبيان الفساد والتناقض الواضح في كل معالمها، دعونا نلقي الضوء على نموذج الحياة السياسية الإسلامي في ظل الخلافة القائمة قريبًا بإذن الله، بعيدًا عن تلك العناوين البراقة والشعارات الفارغة والخادعة السائدة في الأنظمة الغربية، من مثل التعددية والتمثيل الجماهيري والتبادل السلمي للسلطة. فالحياة السياسية والحزبية في ظل الإسلام تقوم على أسس شرعية مستمدة من الوحي، وأفكار مبلورة، وتعريفات محددة، وأعمال واضحة، مستمدة من نصوص الوحي، بما يمكِّن المرء من رسم صورة شديدة الوضوح لمعالم الحياة السياسية الإسلامية تظهر عظمة هذا الدين.
وبداية لا بد لنا من وضع التعريفات المحددة المتعلقة بموضوع البحث حتى يمكننا من خلال تلك التعريفات رسم الصورة الذهنية للحياة السياسية العملية في الإسلام.
فالسياسة في مفهومنا هي رعاية شؤون الناس بالإسلام. وأما الدولة فهي كيان تنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات التي تقبلتها الأمة الإسلامية. والوسط السياسي في مفهوم الإسلام يتمثل في الحكام والقادة ومن لهم الثقل والوزن في حياة الناس وعيشهم وكل من يتعاطى السياسة، سواء أكان حاكمًا أم محاسبًا أم متطلعًا لأخذ الحكم أم ساعيًا لنشر رأيه السياسي، على أساس الإسلام. وأما تعريف الحزب السياسي، فهو كل تكتل يسعى إلى رعاية شؤون الناس بالإسلام، سواء من خلال وجوده في سدة الحكم أم من خلال المحاسبة.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن هذه التعريفات البسيطة في تراكيبها تعكس سهولة ممارسة العمل السياسي ومعاركة الحياة السياسية في دولة الإسلام، بأقل الجهود وأدناها، والحقيقة أن هذا الحقل لا يتمكن من دخوله والثبات فيه إلا من اتصف بصفات الرجال، وتمثَّل فيه الإخلاص الخالص، وهو باب صعب ولوجه على أصحاب الهمم الضعيفة والإرادات المهتزَّة، وهو باب عظيم للثواب يرفع درجة من يدخله بما يستحق من صفات عند الله.
ولإبراز حقيقة الصورة وبلورة أبعادها لا بد لنا من الوقوف عند هذه التعريفات، وإمعان النظر في مدلولاتها وما تحمله من مفاهيم وتصورات، وأهم ما يلزم لوضوح الرؤية هو فهم الأساس الذي تقوم عليه الحياة السياسية عندنا، وهو الإسلام الذي تقوم عليه السياسة والدولة والوسط السياسي والأحزاب السياسية.
والإسلام هنا ليس له إلا معنًى واحدًا هو الإسلام بوصفه مبدأً متكاملًا للحياة، بعقيدته ونظامه، وتمثُّله في شخصيات كل من يريد ولوج هذا الباب والوجود في الوسط السياسي الإسلامي، وبروز هذا الوصف بشكل لا يقبل التأويل في كل من يسعى للوصول إلى الحكم عن طريق الأمة، وأولى هذه الأوصاف وأعلاها هو تمثل العقيدة الإسلامية في شخصية رجل السياسة، هذه العقيدة القائمة على أساس الكفاح والنضال وحمل المسؤولية عن الغير، فواقع العقيدة الإسلامية والإيمان الجازم بأن الله واحد أحد خلق الكون والإنسان والحياة وهو مدبر ما في الكون، وأن الحياة فانية، وأن الإنسان مصيره إما إلى الجنة أو النار، وأن الرزق بيد الله وحده، وأن انتهاء الأجل بيد الله وحده، وأن القرآن من عند الله أرسله للبشرية لإخراجها من الظلمات إلى النور، وقد جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله، واقع هذه العقيدة هو مكمن قوة من يعتنقها. وهو سر اندفاع من يحمل العقيدة الإسلامية باتجاه العمل السياسي وحمل المسؤولية عن الغير، والحرص على رعايته شؤونهم وإصلاح أمرهم.
ونحن في حزب التحرير حينما تبنينا المادة الأولى في مشروع الدستور التي تقول «العقيدة الإسلامية هي أساس الدولة؛ بحيث لا يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها أو كل ما يتعلق بها، إلا بجعل العقيدة الإسلامية أساسًا له. وهي في الوقت نفسه أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث لا يسمح بوجود شيء مما له علاقة بأي منهما إلا إذا كان منبثقًا عن العقيدة الإسلامية». هذه المادة رغم بساطة تراكيبها اللغوية إلا أن عمق الصياغة فيها يكاد يعطي المتأمل الممعن للنظر فيها تلك الصورة المشرقة عن الحياة السياسية في دولة الإسلام؛ حيث الوسط السياسي النقي الطاهر، الذي لا يسمح بدخوله إلا على أساس الإسلام في عقيدته ونظامه، فكما ستبذل الدولة حال قيامها جهدها للقضاء المبرم والتام على الوسط السياسي القائم حاليًّا على غير أساس الإسلام، بمحاسبة من يستحق المحاسبة منه على جرائمه بحق الأمة، وبإدخال من لا يثبت عليه ارتكاب الجرائم المباشرة في دائرة أصحاب الريب، نتيجة التصاقهم بهذا الوسط السياسي الدنس وقربهم من أسياده، حتى لا يكاد يسلم أحد منهم من التهمة.
وأما من كان بعيدًا عن الأنظمة القائمة ومن وجد عنده الإخلاص، وربما عانى من ظلم الأنظمة نتيجة ما يحمله فإن دخولهم الوسط السياسي، سواء أكانوا مستقلين أم حركات وجماعات، يتعلق فقط باستكمالهم الشروط الشرعية الواجبة، فالمستقلون من المؤثرين والعلماء الذين تبرز عندهم آثار حملهم للعقيدة الإسلامية باعتبارها عقيدة كفاح ونضال سيكون مرحّبًا بهم في هذا الوسط، بل إن وجودهم هو مما يثري الحياة السياسية في الأمة، رغم ضعف تأثيرهم لو استمروا في عملهم الفردي، وهذا ما يجب أن ينبَّهوا إليه إن كانوا يريدون ترك أثر حقيقي في معترك الحياة السياسية.
وأما الكيانات والجماعات، إن دخولهم إلى معترك الحياة السياسية، وانخراطهم في الوسط السياسي، وسعيهم للوصول إلى الحكم عن طريق الأمة، فيتطلب منهم استيفاء شروط الحزب السياسي القائم على أساس الإسلام، ورغم بساطة المطلب، إلا أن تحقيقه عمليًّا ليس بالسهل الميسور لمن لم تتوفر فيهم القدرة على تحقيقه بما يتطلبه ذلك من صبر وإخلاص وعلو همة واستعداد للبذل والتضحية في سبيل قضايا الأمة ومصالحها. وبالنظر إلى حال تلك الجماعات ورغم وجود الإخلاص فيها فإنها ستواجه عقبات أساسية لا بد لها من تجاوزها إن هي أرادت الانخراط في هذا الحقل، واستمرار وجودها فيه، ولا أدل على الصعوبة العملية لهذا الأمر من عجز من حاول رغم امتلاكه للقوة الفكرية والتجربة العملية في صفوف الحزب وربما تلقي الدعم من دول ومؤسسات لإنشاء حركات تنافس الحزب في ساحة الأمة؛ ولكنهم فشلوا فشلًا ذريعًا في تحقيق الأمر. وأبرز هذه العقبات التي ستواجههم ويتوجب عليهم تخطيها:
أولاها:
غياب النظرة الشاملة للإسلام عندهم كمبدأ قابل للتطبيق في معترك الحياة السياسية والمجتمع، في نظام الحكم والاقتصاد والنظام الاجتماعي والسياسة الداخلية ورعاية الشؤون في التعليم والصحة وغيرها مما يتطلبه العمل لرعاية شؤون الأمة في الحكم والإدارة.
وثاني تلك العقبات:
بناء تلك الجماعات لكياناتها على أساس حزبي شرعي سليم، فتتخلَّص من أدران الواقع الفاسد وتأثيراته السلبية، بجعل الإسلام هو أساس بنائها وتنظيمها، بالابتعاد عن الصفة الوطنية أو القومية وجميع أشكال الفئوية والعصبيات المرفوضة شرعًا، فنحن كما طلب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ليس منا من دعا إلى عصبية، وهذا مما يحتاج إلى طاقات جبارة وجهود مضنية وتضحيات جسام حتى تستطيع تلك الجماعات الوصول إلى تمثيل مقبول لدى أبناء الأمة يؤهلها للعب دور حيوي مؤثر في الحياة السياسية ويؤهلها للوصول إلى الحكم عن طريق الأمة.
وأما العقبة الثالثة: فهي إيجاد القناعة عند الأمة بأهلية حمل أمانة سلطان الأمة، فالأمة بعد استعادة سلطانها وامتلاك قرارها، وفي ظل الوعي العام والرأي العام المبني على الإسلام لن تقبل تسليم سلطانها لمن لا ترى فيه صفة القوة والقدرة على حفظ الأمانة ورعايتها حق الرعاية، بعد أن ذاقت المرارة والويلات ممن خذلوها في مراحل سيرها المختلفة؛ ولهذا لا بد لهذه الجماعات من اجتياز الاختبار العملي لخوض غمار الحياة السياسية لإبراز صحة برامجها وقوة كوادرها وسداد رؤية قيادتها، بما يوجد لدى الأمة القناعة بجدارتها بالقيادة.
ومن هذا الاستعراض يتبين لمن يمعن النظر في صورة العمل السياسي على أساس الإسلام في ظل الخلافة وجود حقيقتين لا بد من التنبه إليهما:
الحقيقة الأولى: هي أهمية استمرار وجود الرأي العام عند الأمة وتمسكها بحقها بوصفها صاحبة السلطان في الإسلام، وديمومة تنبُّه الأمة أن العمل السياسي في الإسلام هو ساحة للتضحية لا ساحة لاقتسام المغانم، بما يحافظ على استمرار المتابعة والمحاسبة من قبل الأمة لكل صغيرة وكبيرة في هذا الحقل، حتى يضمن بقاء فكرة أن السياسي حين يتولى أمر الأمة هو في موضع المساءلة والمحاسبة، فإن أحسن تمَّت إعانته وإن أساء تمَّ تقويمه، وهذا وحده هو السبيل لسير الحياة السياسية كما أراد لها رب العزة أن تكون، وعلى كل من أراد الانخراط في هذا الوسط أن يوطِّد نفسه على أنه محاسب حتى على طول ثوبه، فيعمل جهده على الاقتداء بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في البذل والتضحية والفداء في هذه الساحة، وأن لا ينتظر بعد هذا إلا أن تراقبه الأمة وتحاسبه على كل صغيرة وكبيرة خلال سيره في هذا الوسط.
أما الحقيقة الثانية: فهي أن قوة الدولة واستقرار الحياة السياسية فيها لا علاقة لها بتعدد الأحزاب السياسية ولا بمبدأ التداول للسلطة، بل ربما كان التعدد هو عامل ضعف في ظل غياب العامل الحقيقي، وهو قوة الرأي العام ووجود المحاسبة. ونظرة سريعة إلى سير الحياة السياسية في ظل الدولة الإسلامية الأولى التي سلم الناس فيها سلطانهم لتكتل الصحابة، سواء في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أم في عهد الخلفاء من بعده، ترينا كيف كانت قوة الدولة تُستمَد من قوة الرأي العام فيها وقوة المحاسبة، وكيف تسلل الضعف إلى تلك الدولة بوجود التنافس على السلطان في ظل ضعف الرأي العام وغياب المحاسبة.
ووجود هذا التصور للحياة السياسية الإسلامية يرينا حجم الأمانة الملقاة على عاتق من وهبوا أنفسهم في سبيل استعادة سلطان الأمة واستئناف الحياة السياسية الإسلامية من جديد، فهم وحدهم المؤهلون والقادرون على القيام بتشكيل الوسط السياسي، وعلى عاتقهم تقع مسؤولية إبقاء الرأي العام القوي في الأمة، وضمان تيقظها الدائم ومتابعتها الدقيقة للحياة السياسية لتعين المحسن وتحاسب المقصر، وهذا العمل يتطلب من كوادر الحزب العمل الدائم والحركة المستمرة والمحافظة على استمرار إنتاجية العمل، سواء في حقل الأمة والتواصل معها بصفتهم القادة الحقيقيين في ميدان العمل السياسي، وسواء في الحكم أم المحاسبة من خلال مجلس الأمة ومجالس الولايات وغيرها من ساحات العمل السياسي لكل ما يجري من أعمال في الحكم والإدارة في جميع أنحاء الدولة لضمان استمرار الإحسان في سير الحياة السياسية.
ووجود هذا التصور، وحجم الأمانة ومدى ثقلها يقتضي من الشباب بذل أقصى طاقتهم ليكونوا جاهزين لتلك اللحظة مستعينين بالله متشوقين لنيل الأجر الذي ينتظرهم في الآخرة يوم الموقف العظيم، وهذا لا يكون إلا:
1- بالحرص على التقرب من الله والإكثار من الطاعات وقراءة القرآن ودوام استحضار أهمية التوكل عليه سبحانه في كل وقت وحين.
2- الانكباب على كتب الثقافة الحزبية لهضمها وفهمها وحملها بوصفها مفاهيم تضبط سير الحياة السياسية في الدولة والمجتمع، وهذا يقتضي من الشباب إعطاء الحلقات حقها التام في التحضير واستغلال وقتها الكامل في التلقي الفكري المنتج، والاهتمام بمتابعة إنتاجية الحلقة في بناء أفرادها باعتبارهم رجال سياسة وقادة للأمة والاهتمام بصقل شخصياتهم بما يؤهلهم لتحمُّل تلك المسؤولية وإبراء الذمة أمام الله سبحانه وتعالى.
3- الحرص التام على استمرارية الاتصال بالأمة ودوام سقيها بأفكار الإسلام للحفاظ على بقاء تيقظها والمحافظة على قوة الرأي العام فيها ومنع تنكُّبها عن القيام بما أوجبه الله عليها من المحاسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو السبيل الوحيد للمحافظة على قوة الدولة وإحسان سير الحياة السياسية فيها.
4- الحرص التام على بقاء الجو الإيماني مسيطرًا على عمل الشباب، والحرص على استحضار هذا الجو في كل وقت وحين، فعظمة التكاليف وثقل الأمانة لا يمكن القيام بعبئه إلا في ظل سيطرة هذا الجو.
5- الحرص التام والاهتمام الفائق بالجانب النفسي في شخصيات حملة الدعوة، بما يحافظ على تلك الشخصيات بعيدة عن الكبر والعجب، ويوطد عزيمتها على الصبر والبذل والتضحية.
6- الحرص على تحقيق النتائج المحسوسة والأهداف المرجوة من الأعمال الحزبية، وأن لا يغيب عن الأذهان للحظة أن أعمالنا هي من أعمال الطريقة التي يتوجب أن يكون لها نتائج محسوسة. فالقراءة يجب أن تركز المفاهيم وتصقلها. والدراسة في الحلقات يجب أن تنتج رجالًا سياسيين. والاتصال الحي بالأمة يجب أن يلمس أثره في أخذ قيادة الناس، وتنمية جسم الحزب بطريق الكسب. والثقافة الجماعية بمختلف صورها يجب أن ترتقي بوعي الأمة. والمحاسبة يجب أن تحقِّق حسن السير… وهكذا في كل عمل من الأعمال الحزبية، لا بد من لمس النتائج، وإدراك حقيقة أن غياب النتائج المحسوسة ينمُّ عن وجود خلل لا بد من المسارعة إلى علاجه.
وأختم بالقول: هذا ما وجدته خلال البحث في قضية تصور العمل الحزبي في ظل الخلافة والأمانة التي يجب على الحزب وأفراده أن يؤدُّوها بحقها حتى ينالوا رضوان الله والفوز بعظيم الأجر في الآخرة، فإن أحسنت فمن الله، وإن أخطأت فمني ومن الشيطان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2023-09-24