خطب الخلفاء الراشدين عند توليهم الخلافة
2023/09/07م
المقالات
1,301 زيارة
1- خطبة أبي بكر الصِّدِّيق: رضي الله عنه وأرضاه
لما بويع أبو بكر الصديق بالخلافة (11 هجرية) بعد بيعة السقيفة، تكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
“أما بعد أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنتُ فأعينوني، وإن أسأتُ فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌ عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم».
2- خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه:
اختلف الرُّواة في أوَّل خطبةٍ خطبها الفاروق عمر، فقال بعضهم: إِنَّه صعد المنبر، فقال: اللَّهمَّ إِنِّي شديدٌ فليِّنِّي، وإِنِّي ضعيفٌ فقوِّني، وإِنِّي بخيلٌ فسخِّني. وروي أَنَّ أوَّل خطبةٍ كانت قوله: إِنَّ الله ابتلاكم بي، وابتلاني بكم بعد صاحبي، فوالله لا يحضرني شيءٌ من أمركم، فيليه أحدٌ دوني، ولا يتغيَّب عنِّي فآلو فيه عن أهل الجزء، (يعني الكفاية والأمانة) والله لئن أحسنوا لأحسننَّ إِليهم! ولئن أساؤوا لأنكلنَّ بهم! فقال من شهد خطبته، ورواها عنه: فوالله! ما زاد على ذلك حتَّى فارق الدُّنيا. وروي: أنَّه لما ولي الخلافة صعد المنبر، وهمَّ أن يجلس مكان أبي بكرٍ، فقال: «ما كان الله ليراني أرى نفسي أهلًا لمجلس أبي بكرٍ. فنزل مرقاةً، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمَّ قال: اقرؤوا القرآن؛ تعرفوا به، واعملوا به؛ تكونوا من أهله، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتزيَّنوا للعرض الأكبر يوم تعرضون على الله لا تخفى منكم خافية، إِنَّه لم يبلغ حقُّ ذي حقٍّ أن يطاع في معصية الله، ألا وإِنِّي أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم؛ إِن استغنيت عففت، وإِن افتقرت أكلت بالمعروف».
ويمكن الجمع بين هذه الرِّوايات إِذا افترضنا أنَّ عمر ألقى خطبته أمام جمعٍ من الحاضرين، فحفظ بعضهم منها جزءًا فرواه، وحفظ آخر جزءًا غيره فذكره، وليس من الغريب أن يمزج الفاروق في أوَّل خطبةٍ له بين البيان السِّياسي، والإِداري، والعظة الدِّينيَّة، فذلك نهج هؤلاء الأئمَّة الأوَّلين؛ الذين لم يرَوا فارقًا بين تقوى الله، والأمر بها، وسياسة البشر تبعًا لمنهجه وشريعته، كما أنَّه ليس غريبًا على عمر أن يراعي حقَّ سلفه العظيم أبي بكرٍ، فلا يجلس في موضع كان يجلس فيه، فيساويه بذلك في أعين النَّاس، فراجع عمر رضي الله عنه نفسه ونزل درجةً عن مكان الصِّدِّيق رضي الله عنه. وفي رواية أخرى: أنَّه بعد يومين من استخلافه تحدَّث النَّاس فيما كانوا يخافون من شدَّته، وبطشه، وأدرك عمر: أنَّه لابدَّ من تجلية الأمر بنفسه، فصعد المنبر وخطبهم، فذكر بعض شأنه مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وخليفته، وكيف أنَّهما توفيا وهما عنه راضيان. ثمَّ قال :»ثمَّ إِنِّي قد وُلِّيت أموركم أيُّها النَّاس، فاعلموا أنَّ تلك الشِّدَّة قد أُضعفت؛ ولكنَّها إِنَّما تكون على أهل الظُّلم والتَّعدي، ولست أدع أحدًا يظلم أحدًا أو يتعدَّى عليه حتَّى أضع خدَّه على الأرض، وأضع قدمي على الخد الآخر حتَّى يذعن للحقِّ. وإِنِّي بعد شدَّتي تلك أضع خدِّي لأهل العفاف وأهل الكفاف. ولكم عليَّ أيُّها النَّاس خصالٌ أذكرها لكم، فخذوني بها؛ لكم عليَّ ألا أجتبي شيئًا من خراجكم، ولا ممَّا أفاء الله عليكم إِلا في وجهه، ولكم عليَّ إِذا وقع بين يدي ألا يخرج مني إِلا في حقِّه، ولكم عليَّ أن أزيد عطاياكم، وأرزاقكم، إِن شاء الله تعالى، وأسدَّ ثغوركم، ولكم عليَّ ألا أُلقيكم في المهالك، ولا أجمركم في ثغوركم، وإِذا غبتم في البعوث؛ فأنا أبو العيال، حتَّى ترجعوا إِليهم، فاتَّقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفِّها عنِّي، وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإِحضار النَّصيحة فيما ولَّاني الله من أمركم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم». وجاء في روايةٍ: «إِنَّما مثل العرب مثل جملٍ أنفٍ اتَّبع قائده، فلينظر قائده حيث يقوده، أمَّا أنا فوربِّ الكعبة لأحملنَّكم على الطريق».
3- خطبة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه وأرضاه:
وأما أول خطبة خطبها عثمان بن عفَّان بالمسلمين، فروى سيف بن عمر، عن بدر بن عثمان، عن عمه قال: لما بايع أهل الشورى عثمان خرج وهو أشدهم كآبة، فأتى منبر النبي صلى الله عليه وسلم فخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إنكم في دار قلعة وفي بقية أعمار، فبادروا آجالكم بخير ما تقدرون عليه، فلقد أتيتم صبحتم أو مسيتم، ألا وإن الدنيا طويت على الغرور فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، واعتبروا بمن مضى ثم جدُّوا ولا تغفلوا فإنه لا يُغفل عنكم. أين أبناء الدنيا وإخوانها الذين أثاروها وعمروها ومتعوا بها طويلًا؟ ألم تلفظهم؟ ارموا بالدنيا حيث رمى الله بها، واطلبوا الآخرة فإن الله قد ضرب لها مثلًا بالذي هو خير، فقال تعالى: (وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا كَمَآءٍ أَنزَلۡنَٰهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِيمٗا تَذۡرُوهُ ٱلرِّيَٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ مُّقۡتَدِرًا ٤٥ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِينَةُ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا ٤٦).
4- خطبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه:
وأما أول خطبة خطبها علي بن أبي طالب بالمسلمين: «أما بعد، فإني قد حملت وقد قبلت، ألا وإني متبع ولست بمبتدع، ألا وإن لكم عليَّ بعد كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ثلاثًا: اتِّبَاع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه وسنتهم، وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن ملأ، والكف عنكم إلا فيما استوجبتم. ألا وإن الدنيا خضرة قد شهيت إلى الناس، ومال إليها كثير منهم، فلا تركنوا إلى الدنيا ولا تثقوا بها؛ فإنها ليست بثقة، واعلموا أنها غير تاركة إلا من تركها».
ونقل أن أوَّل خطبة خطبها لحظة توليه الخلافة: «أمّا بعد، فإنه لـمَّا قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اِستخلف الناس أبا بكر، ثمّ استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقته، ثمّ جعلها شورى بين ستّة فأضى الأمر إلى عثمان فعمل ما أنكرتم فعرفتم ثمّ حصر وقتل، ثمّ جئتموني طائعين فطلبتم إلىّ، وإنّما أنا رجل منكم، لي مالكم وعليَّ ماعليكم، وقد فتح الله الباب بينكم وبين أهل القبلة، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، ولا يحمل هذا الأمر اِلا أهل الصبر والبصر والعلم بواقع الأمر، واِنِّى حاملكم على منهج نبيّكم، ومنفذ فيكم ما أمرت به إن استقمتم لي وبالله المستعان، ألا إنّ موضعي من رسول الله بعد وفاته كموضعي منه أيّام حياته، فامضوا لما تؤمرون، وقفوا عند ما تنهون عنه، ولاتعجلوا في أمر حتّى نبيّنه لكم، فإنَّ لنا عن كل أمر تنكرونه عذرًا، ألا واِنّ الله عالم من فوق سمائه وعرشه أنّي كنت كارهًا للولاية على أمّة محمّد حتى اجتمع رأيكم على ذلك؛ لأنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما والٍ ولي الأمر من بعدى أقيم على حد الصراط ونشرت الملائكة صحيفته، فإن كان عادلًا أنجاه الله بعدله، وإن كان جائرًا انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثمّ يهوي إلى النار، فيكون أول مايتقيها به أنفه وحرُّ وجهه؛ ولكنِّى لما اجتمع رأيكم لم يسعنى ترككم»، ثمّ ألتفت رضي الله عنه يمينًا وشمالًا وقال: «ألا لا يقولن رجال منكم غدًا قد غمرتهم الدّنيا، فاتخذوا العقار وفجّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة واتخذوا الوصائف الروِقة (الحسان)وصار ذلك عليهم عارًا وشنارًا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التى يعملون، فينقمون ذلك ويستنكرون ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته، فإِن الفضل النير غدًا عند الله، وثوابه وأجره على الله، وأيما رجل استجاب لله وللرسول فصدّق ملتنا ودخل فى ديننا واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده، فأنتم عباد الله والمال مال الله يقسم بينكم بالسويّة، ولا فضل فيه لأحد على أحد، وللمتقين عند الله غدًا حسن الجزاء وأفضل الثواب، لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرًا ولا ثوابًا، وما عند الله خير للأبرار، وإذا كان غدًا إِن شاء الله فاغدوا علينا، إِن عندنا مالًا نقسّمه فيكم، ولايتخلفنَّ أحد منكم، عربىّ ولا عجمىّ، كان من أهل العطاء اِلا حضر إذا كان مسلمًا حرًّا، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم».
2023-09-07