حزب التحرير… دعوة فريدة وحيدة تدعو إلى إقامة الخلافة الراشدة
2023/08/13م
المقالات
1,022 زيارة
قام حزب التحرير انطلاقًا من قوله تعالى(وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِِ…)، قام لكي يقيم الإسلام في حياة المسلمين بالعمل لإقامة الخلافة الراشدة؛ وذلك كفرض لا يقام الإسلام إلا به. وهذا العمل فرض، ولا يقيمه إلا جماعة أو حزب، ولا يقيمه خلافةً راشدةً إلا بالسير على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيام بنفس الأعمال التي قام بها صلى الله عليه وسلم بوصفها أحكامًا شرعية من شأنها أنها هي التي تقيم هذا الفرض، كإيجاد التكتل، والثقافة المركزة التي اتبعها في بناء من آمن معه من الصحابة، والثقافة الجماعية التي كان يغشى فيها مجالس الكفار ونواديهم من أجل تبليغ ما أنزل الله إليه والقيام بالصراع الفكري والكفاح السياسي في المجتمع الذي تنطلق فيه الدعوة…
وهذا الفرض اليوم، على كثرة الجماعات التي تدعي العمل للتغيير، لم يتجرأ أحد حتى الآن على تبنيه وإعلان أنه جماعة تريد إقامة هذا الفرض العظيم… والسبب واضح لا لبس به: هو شدة ملاحقة من يقوم بهذا الفرض العظيم من قبل دول الغرب الكافر التي تهيمن على بلاد المسلمين، مع أذنابهم من الحكام العملاء الذين لم يألوا جهدًا في محاربتهم، والتي كان عنوانها الأخير هو: «الحرب على الإرهاب»… وحده حزب التحرير هو من قام بهذا الفرض العظيم من أول يوم قام فيه؛ فكان بهذا مثال صدقه في الدعوة، وكان على صراط الله المستقيم في التأسي بعمل الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يطمع من الله أن يجعله طائفة الخير المنصورة والتي تأتي في آخر الزمان فيقيم الله بها الخلافة الراشدة الموعودة التي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أنها تكون بعد الحكم الجبري عندما قال: عن حذيفة بن اليمان: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتَ».مسند أحمد… فمن هو حزب التحرير هذا الذي قام وحده في الأمة الإسلامية وعلى مدى سبعين عامًا في الدعوة لهذا الفرض العظيم؟
عندما يعرف حزب التحرير نفسه، يقول إنه: «حزب سياسي مبدؤه الإسلام. فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخـلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود.» فحـزب التحـرير هو تكتل سياسي، وليس تكتلًا روحيًا، ولا تكتلًا علميًا، ولا تعليميًا، ولا تكتلًا خيريًا، والفكرة الإسلامية هي الروح لجسمه، وهي نواته وسرّ حياته.والفكرة التي يقوم عليها حزب التحرير، وتتجسد في مجموعة أفراده، ويعمل لأن يصهر الأمة بها، ولأن تتخذها قضيتها… هي الفكرة الإسلامية، أي العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها من أحكام، وما بني عليها من أفكار.وقد تبنى الحزب من هذه الفكرة القدر الذي يلزمه كحزب سياسي يعمل لإيجاد الإسلام في المجتمع، أي تجسيد الإسلام في الحكم والعلاقات وسائر شؤون الحياة، وقد وضّح الحزب كل ما تبناه بشكل تفصيلي في كتبه ونشراته التي أصدرها، مع بيان الأدلة التفصيلية لكل حكم، ولكل رأي، ولكل فكر، ولكل مفهوم.
-
أما عن طريقة السير التي سار عليها في حمل الدعوة فقد كانت أحكامًا شرعيةً، أخذها من طريقة سير الرسول صلى الله عليه وسلم في حمله الدعوة لأنها واجبة الاتباع، قال تعالى: (لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرٗا٢١) [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: (قُلۡ إِن كُنتُمۡ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحۡبِبۡكُمُ ٱللَّهُ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۚ وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ٣١) [آل عمران: 31]، وقال تعالى:(وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ) [الحشر: 7]. غيرها الكثير من الآيات الدالة على وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والتأسي به والأخذ عنه. وبناء على ذلك حدّد الحزب طريقة سيره بثلاث مراحل:
الأولى: مرحلة التثقيف لإيجاد أشخاص مؤمنين بفكرة الحزب وطريقته لتكوين الكتلة الحزبية.
الثانية: مرحلة التفاعل مع الأمة، لتحميلها الإسلام حتى تتخذه قضية لها؛ كي تعمل على إيجاده في واقع الحياة.
الثالثة: مرحلة استلام الحكم، وتطبيق الإسلام تطبيقًا عامًا شاملًا، وحمله رسالة إلى العالم.
أما المرحلة الأولى فقد ابتدأها الحزب في القدس عام 1372هـ – 1953م على يد مؤسّسه العالم الجليل، والمفكر الكبير، والسياسي القدير، والقاضي في محكمة الاستئناف في القدس الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، وكان الحزب يقوم فيها بالاتصال بأفراد الأمة، عارضًا عليهم فكرته وطريقته بشكل فردي، ومن كان يستجيب له ينظمه للدراسة المركزة في حلقات الحزب، حتى يصهره بأفكار الإسلام وأحكامه التي تبنّاها، ويصبح شخصية إسلامية، يتفاعل مع الإسلام، ويتمتع بعقلية إسلامية، ونفسية إسلامية، وينطلق إلى حمل الدعوة إلى الناس. فإذا وصل الشخص إلى هذا المستوى، وفرض نفسه على الحزب، ضمّه الحزب إلى أعضائه. كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرحلته الأولى من الدعوة، والتي استمرت ثلاث سنين، من دعوته الناس أفرادًا، عارضًا عليهم ما أرسله الله به. ومن كان يؤمن يكتله معه على أساس هذا الدين سرًّا، ويحرص على تعليمه الإسلام، وإقرائه ما نزل عليه وينزل من القرآن حتى صهرهم بالإسلام، وكان يلتقي بهم سرًّا ويعلمهم سرًّا في أماكن غير ظاهرة، وكانوا يقومون بعبادتهم وهم مستخفون. ثمّ فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس ودخلوا فيه أرسالًا.
وفي هذه المرحلة، مرحلة التثقيف، انصبّت عناية الحزب على بناء جسمه، وتكثير سواده وتثقيف الأفراد في حلقاته، بالثقافة الحزبية المركزة، حتى استطاع أن يكوّن كتلة حزبية من شباب انصهروا بالإسلام، وتبنّوا أفكار الحزب، وتفاعلوا معها وحملوها للناس… وبعدما استطاع الحزب تكوين هذه الكتلة الحزبية، وأحسّ به المجتمع وعرفه وعرف أفكاره، وما يدعو إليه، انتقل إلى المرحلة الثانية، وهي مرحلة التفاعل مع الأمة لتحميلها الإسلام، وإيجاد الوعي العام، والرأي العام عندها على أفكار الإسلام وأحكامه التي تبناها الحزب حتى تتخذها أفكارًا لها، تعمل على إيجادها في واقع الحياة، وتسير مع الحزب في العمل لإقامة دولة الخـلافة، ونصب الخليفة، لاستئناف الحياة الإسلامية وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وفي هذه المرحلة انتقل الحزب إلى مخاطبة الجماهير مخاطبة جماعية. وقد كان يقوم في هذه المرحلة بالأعمال التالية:
1- الثقافة المركزة في الحلقات للأفراد لتنمية جسم الحزب، وتكثير سواده، وإيجاد الشخصيات الإسلامية القادرة على حمل الدعوة، وخوض الغمرات بالصراع الفكري، والكفاح السياسي.
2- الثقافة الجماعية لجماهير الأمة بأفكار الإسلام وأحكامه التي تبناها الحزب، في دروس المساجد والنوادي والمحاضرات وأماكن التجمعات العامة وبالصحف والكتب والنشرات؛ لإيجاد الوعي العام عند الأمة، والتفاعل معها.
3- الصراع الفكري لعقائد الكفر وأنظمته وأفكاره، وللعقائد الفاسدة، والأفكار الخاطئة، والمفاهيم المغلوطة، ببيان زيفها وخطئها ومناقضتها للإسلام، لتخليص الأمة منها ومن آثارها.
4- الكفاح السياسي، ويتمثل بما يلي:
أ- مكافحة الدول الكافرة المستعمرة، التي لها سيطرة ونفوذ على البلاد الإسلامية ومكافحة الاستعمار بجميع أشكاله الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، وكشف خططه وفضح مؤامراته لتخليص الأمة من سيطرته، وتحريرها من أي أثر لنفوذه.
ب- مقارعة الحكام في البلاد العربية والإسلامية وكشفهم ومحاسبتهم والتغيير عليهم كلما هضموا حقوق الأمة، أو قصّروا في أداء واجباتهم نحوها، أو أهملوا شأنًا من شؤونها، وكلما خالفوا أحكام الإسلام. والعمل على إزالة حكمهم لإقامة حكم الإسلام مكانه.
5- تبنّي مصالح الأمة، ورعاية شؤونها وفق أحكام الشرع.
وقام الحزب بكل ذلك اتباعًا لما قام به الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن نزل عليه قوله تعالى:(فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ٩٤)[الحجر: 94]، فإنه أظهر أمره، ودعا قريشًا إلى الصفا وأخبرهم أنه نبي مرسل وطلب منهم أن يؤمنوا به، وأخذ يعرض دعوته على الجماعات كما يعرضها على الأفراد، وقد تصدى لقريش وآلهتها وعقائدها وأفكارها فبين زيفها وفسادها وخطأها وعابها وهاجمها كما هاجم كل العقائد والأفكار الموجودة. وكانت الآيات تنزل متلاحقة ومهاجمة لما كانوا يقومون به من أكل الربا، ووأد البنات وتطفيف الكيل ومقارفة الزنا، كما كانت تنزل بمهاجمة زعماء قريش وسادتها، وتسفيههم وتسفيه آبائهم وأحلامهم وفضح ما يقومون به من تآمر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم وضد دعوته وأصحابه.
وكان الحزب في حمل أفكاره، وفي تصدّيه للأفكار الأخرى، والتكتلات السياسية، وفي تصدّيه لمكافحة الدول الكافرة المستعمرة، وفي مقارعته للحكّام صريحًا سافرًا متحديًا، لا يداجي ولا يداهن ولا يجامل ولا يتملق ولا يؤثر السلامة، بغض النظر عن النتائج والأوضاع، فكان يتحدى كل من يخالف الإسلام وأحكامه؛ وهذا ما عرّضه للإيذاء الشديد من الحكّام لشبابه من سجن وتعذيب وتشريد وملاحقة، ومحاربة في رزق، وتعطيل مصالح، ومنع من سفر، وقتل، فقد قتل منه الحكام الظلمة في أوزبكستان والعراق وسورية وليبيا العشرات، كما أن سجون الأردن وسورية والعراق ومصر وليبيا وتونس وتركيا، وباكستان، وآسيا الوسطى وبخاصة أوزبكستان، وغيرها، مليئة بشبابه، وهو قد فعل كل ذلك اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد جاء صلى الله عليه وسلم برسالة الإسلام إلى العالم أجمع متحديًا سافرًا مؤمنًا بالحق الذي يدعو إليه يتحدى الدنيا بأكملها، ويعلن الحرب على الأحمر والأسود من الناس دون أن يحسب أي حساب لعادات وتقاليد، أو أديان أو عقائد أو حكّام أو سوقة، ولم يلتفت إلى شيء سوى رسالة الإسلام، فقد بادأ قريشًا بذكر آلهتهم وعابها، وتحداهم في معتقداتهم وسفّهها وهو فرد أعزل لا عدة معه ولا معين، ولا سلاح عنده سوى إيمانه العميق برسالة الإسلام التي أُرسِل بها.
والحزب التزم في سيره أن يكون صريحًا وسافرًا متحديًا، فاقتصر على الأعمال السياسية في ذلك، ولم يتجاوزها إلى الأعمال المادية ضد الحكام، أو ضد من يقفون أمام دعوته، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم من اقتصاره في مكة على الدعوة، ولم يقم بأيّة أعمال مادية حتى هاجر، وعندما عرض عليه أهل بيعة العقبة الثانية أن يأذن لهم بمقاتلة أهل منى بالسيوف أجابهم قائلًا: «لَمْ نُؤْمَرْ بـِذَلِكَ» [الطبقات الكبرى]، والله سبحانه قد طلب منه أن يصبر على الإيذاء كما صبر من سبقه من الرسل حيث قال الله تعالى له:(وَلَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰٓ أَتَىٰهُمۡ نَصۡرُنَاۚ)[الأنعام: 34].
وعدم استعمال الحزب القوة المادية للدفاع عن نفسه، أو ضد الحكّام، لا علاقة له بموضوع الجهاد، فالجهاد ماض إلى يوم القيامة، فإذا ما هاجم الأعداء الكفار بلدًا إسلاميًا وجب على المسلمين من أهله ردهم، وشباب حزب التحرير في ذلك البلد جزء من المسلمين يجب عليهم ما يجب على المسلمين من قتال العدو ورده بوصفهم مسلمين. وإذا وُجِد أمير مسلم وقام بالجهاد لإعلاء كلمة الله واستنفر الناس فإن شباب حزب التحرير يلبون بوصفهم مسلمين في ذلك البلد الذي حصل فيه الاستنفار.
ثم لما تجمّد المجتمع أمام الحزب جرّاء فقد الأمة ثقتها بقادتها وزعمائها الذين كانوا موضع أملها، وجرّاء الظروف الصعبة التي وضعت فيها المنطقة لتمرير المخططات التآمرية، وجرّاء التسلط والقهر الذي يمارسه الحكام ضد شعوبهم، وجرّاء شدة الأذى الذي يوقعه الحكام بالحزب وشبابه… لما تجمد جراء كل ذلك قام الحزب بطلب النصرة من القادرين عليها. وقد طلبها لغرضين:
الأول: لغرض الحماية حتى يستطيع أن يسير في حمل دعوته وهو آمن.
الثاني: الإيصــال إلى الحكم لإقامة الخـلافة وتطبيق الإسلام.
ومع قيام الحزب بأعمال النصرة هذه، فإنه قد استمر في القيام بجميع الأعمال التي كان يقوم بها، من دراسة مركزة في الحلقات، ومن ثقافة جماعية، ومن تركيز على الأمة لتحميلها الإسلام، وإيجاد الرأي العام عندها، ومن مكافحة الدول الكافرة المستعمرة وكشف خططها، وفضح مؤامراتها، ومن مقارعة الحكّام، ومن تبنّ لمصالح الأمة ورعاية لشؤونها. وهـو مسـتـمر في كل ذلك آملًا من الله أن يحقّق له وللأمة الإسلامية الفوز والنجاح والنصر، فتكون المرحلة الثالثة مرحلة الحكم؛ حـيـث إقـامـة الخـلافة الراشدة، وعندئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
غاية حزب التحرير
هي استئناف الحياة الإسلامية، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم. وهذه الغاية تعني إعادة المسلمين إلى العيش عيشًا إسلاميًا في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي؛ بحيث تكون جميع شؤون الحياة فيه مسيرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، هي دولة الخـلافة التي ينصب المسلمون فيها خليفة، يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد.
والحزب يهدف إلى إنهاض الأمة النهضة الصحيحة، بالفكر المستنير، ويسعى إلى أن يعيدها إلى سابق عزّها ومجدها، بحيث تنتزع زمام المبادرة من الدول والأمم والشعوب، وتعود الدولة الأولى في العالم، كما كانت في السابق، تسوسه وفق أحكام الإسلام، كما يهدف إلى هداية البشرية، وإلى قيادة الأمة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره؛ حتى يعمَّ الإسلام الأرض.
طريقة الحزب من أجل نهضة المسلمين والعالم
بما أن الإنسان ينهض بما عنده من فكر عن الحياة والكون والإنسان ، وعن علاقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها… كان لا بد من تغيير فكر الإنسان تغييرًا أساسيًّا شاملًا، وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض؛ لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الأشياء ويركز هذه المفاهيم، والإنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها. إن الفكر الذي تحصل بارتقائه النهضة هو الفكر المتعلق بوجهة النظر في الحياة وما يتعلق بها؛ لأن ارتقائه هو الانتقال من الناحية الحيوانية البحتة إلى الناحية الإنسانية. فالفكر المتعلق بالحصول على الطعام فكر ولكنه غريزي منخفض، والفكر المتعلق بتنظيم الحصول على الطعام هو فكر أعلى منه. والفكر المتعلق بتنظيم شؤون الأسرة فكر ولكن الفكر المتعلق بتنظيم شؤون القوم أعلى منه. وأما الفكر المتعلق بتنظيم شؤون الإنسان بصفته إنسانًا لا فردًا فهو أعلى الأفكار، ومن هنا كان مثل هذا الفكر هو الذي يحدث النهضة. فلابد من نشر هذا الفكر وجعله أساسًا لغيره من الأفكار، وكذلك لابد أن تجعل العلوم والمعارف مبينة على هذا الفكر.
يرى حزب التحرير أن النهضة هي الارتقاء الفكري. أما الارتقاء الاقتصادي فانه لا يعتبر نهضة، وكذلك الارتقاء الأخلاقي ليس بنهضة. والنهضة قد تكون صحيحة وقد تكون غير صحيحة، والذي يحدد صحة النهضة من عدمها هو الأساس الذي قامت عليه هذه النهضة. فإذا كان الارتقاء الفكري مبنيًّا على أساس روحي كانت النهضة نهضة صحيحة؛ لأن الفكر فيها مستند إلى أساس يستحيل عليه النقص؛ فلا يتسرب الخطأ إلى الفكر من ناحية أسسه؛ ولذلك يكون مأمون الأساس ثابت الاتجاه مقطوعًا بنتائجه. أما إذا كان الارتقاء الفكري غير مبني على أساس روحي، فإنه يكون نهضة ولكنها نهضة غير صحيحة؛ لأن الفكر فيها غير مستند إلى ما يستحيل عليه النقص؛ فيكون عرضة للخطأ والخلل والاضطراب والضلال وجميع أنواع النقص؛ ولكنه مع هذا يحدث نهضة. فأمريكا وأوروبا بلاد ناهضة ولكن نهضتها غير صحيحة؛ لأنها ليست قائمة على أساس روحي، بل تقوم على فكرة فصل الدين عن الحياة، أي إنها تستبعد الأساس الروحي أصلًا من حياتها العملية؛ لذلك يرى حزب التحرير أنه لا توجد نهضة صحيحة سوى النهضة على أساس الفكرة الإسلامية، أي سوى النهضة الإسلامية لأنها وحدها التي يصدق عليها أنها ارتقاء فكري قائم على أساس روحي.
نعم، حدَّد حزب التحرير طريقة حصول النهضة، وقال إنها لا يمكن أن تحصل إلا إذا أقيم الحكم والسلطان على عقيدة تنبثق عنها المعالجات اليومية لمشاكل الحياة أي تنبثق الأنظمة والقوانين والأحكام؛ وذلك كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ الحكم في المدينة، وأقامه على العقيدة الإسلامية، قال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» أي صار يدعو للفكرة، وبذلك حصلت النهضة في المدينة، ثم في العرب، ثم في كل شعب دخل في الإسلام أي اعتنق الفكرة، وكان السلطان الذي يرعى الشؤون قائمًا عليها أي على الفكرة الإسلامية، وهذا كله في نظر حزب التحرير دليل قاطع على أن الطريق لحصول النهضة هي إقامة الحكم على عقيدة سياسية…
فسبيل نهضتنا سبيل واحد، هو أن نستأنف الحياة الإسلامية، أي أن نعيش حياة إسلامية في دار إسلام وفي مجتمع إسلامي، تسيطر فيه الأفكار الإسلامية والمشاعر الإسلامية، وتطبق عليه أنظمة الإسلام وأحكامه؛ بحيث تكون كل شؤون الحياة فيه مسيّرة بأوامر الله تعالى ونواهيه، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام. ولا سبيل إلى ذلك إلا إذا أخذنا الإسلام كاملًا، أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى للإنسان، وتتركز عليها وجهة النظر في الحياة، وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة أساسها كتاب الله تعالى وسُنّة رسوله الكريم، وثروتها الثقافية هي الثقافة الإسلامية بما فيها من فقه وحديث وتفسير ولغة وغيرها، ولا سبيل إلى استئناف الحياة الإسلامية إلا بالدولة الإسلامية، ولا سبيل إلى ذلك إلا بحمل القيادة الفكرية الإسلامية حملًا كاملًا، بالدّعوة إلى الإسلام، وبالعمل على إيجاده كاملًا في الحياة والدولة والمجتمع، وحمله رسالة إلى العالم أجمع بالحجة والدعوة والجهاد… هذا هو السبيل الوحيد للنهضة حمل القيادة الفكرية الإسلامية للمسلمين لاستئناف الحياة الاسلامية، ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة الإسلامية.
قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).
2023-08-13