خفض تمويل القوات المسلحة الباكستانية هو للسماح بصعود الهند كقوة إقليمية مؤثرة
2023/07/14م
المقالات
1,042 زيارة
محمد سلجوق – ولاية باكستان
لقد خسر المسلمون بغياب دولة الخلافة قوتَهم ورؤيتَهم السياسية، ومن بين الكثير من المصائب التي عصفت بهم بعد عام 1924م، فقدَت الأمة مقدرتها على الدفاع عن نفسها من العدوان الأجنبي. وما زاد الطين بلَّة، أن الدول القومية التي تشكّلت على أعقاب تفكيك دولة الخلافة قد تمَّ استيعابها في تحالفات غربية أو التحالف السوفياتي، ما مكّن القوى الاستعمارية الكافرة من السيطرة الكاملة على قطاع الدفاع، وقد نسّقت البلدان الإسلامية الكبرى مثل باكستان وإيران وتركيا ومصر تنظيمها الدفاعي وفقًا لأولويات أمريكا أو الناتو، فمن ناحية كانت تخفّف من عمل نظام التحالف الغربي ضد الاتحاد السوفياتي، ومن ناحية أخرى انخرطت مع منافسين إقليميين على المستوى الإقليمي، وقد تمّت إدارة هذه المنافسات من خلال ما يُسمى بإنهاء الاستعمار، وكان للحكام العملاء تحديدُ الموارد الإسلامية داخل المناطق.
لقد أدّى التنافس بين باكستان والهند – الذي نشأ عن التقسيم البريطاني لشبه القارة الهندية الإسلامية – إلى امتلاك كلا البلدين قوات مسلحة كبيرة، وتخصيص إنفاق دفاعي هائل لها في سبيل مواجهة بعضهما بعضًا في جنوب آسيا، وأصبحت باكستان خلال الأربعين عامًا الأولى من تأسيسها جزءًا من نظام التحالف الغربي، بينما تحالفت الهند ظاهريًا مع الاتحاد السوفياتي، في حين إنها كانت في الواقع تحت النفوذ البريطاني. ومع تحوّل المشهد الاستراتيجي العالمي بعد نهاية الحرب الباردة، بدأ الوضع العسكري الإقليمي في جنوب آسيا أيضًا بالتحوُّل.
يُعدّ تحليل الاتجاهات وإجراء المقارنات عن الإنفاق الدفاعي للهند وباكستان أمرًا بالغًا في الأهمية، فمن المهم أن نفهم سبب إنفاق باكستان أقل في الدفاع والذي يرفع التهديد على أهل القوة، وتستند الحجج أدناه إلى استراتيجية وبيانات الطرفين، والتي تظهر التبايُنَ المتزايدَ في المقدرات العسكرية بين الهند وباكستان، ومنه نخلص إلى كيفية حلّ الموقف في ظل نموذج جديد، فمن الضروري زيادة الوعي حول هذا الموضوع المهم المتعلق بأصحاب القوة، الذين يطلب المسلمون منهم النصرة لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
أجندة أمريكا بعد الحرب الباردة
تحوّلت الأجندة العالمية لأمريكا نحو تعزيز مجال نفوذها فيما بعد الاتحاد السوفياتي في أوروبا، والحيلولة دون نهوض أيّة قوة عظمى في آسيا بعد عام 1991م. من خلال الحرب الباردة، تحالفت أمريكا مع الصين لاحتواء الاتحاد السوفياتي وعزله، ومع ذلك، فهي ونظرًا لقلقها من احتمال أن تصير الصين منافسًا لها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، سعت إلى دمج الصين في المؤسسات العالمية ذات السوق الحرة الليبرالية، من أجل إعاقة صعودها والسيطرة عليها. التهديد الثاني المحتمل للهيمنة الأمريكية على العالم هو توحيد البلاد الإسلامية في ظل دولة خلافة قوية، خصوصًا أن الأمة الإسلامية حول العالم ترفض القيم الاستعمارية للغرب وتتوق للعودة إلى طريقة الحياة الإسلامية، وهذا ما ترصده المخابرات الأمريكية والغربية عن كثب، وهكذا أصبحت منطقة جنوب آسيا محطَّ أنظار قويًا لأمريكا خلال منتصف التسعينات.
منذ تقسيم شبه القارة الهندية الإسلامية في عام 1947م، تمّ تحديد سياسة جنوب آسيا طبيعيًّا من خلال التنافس بين باكستان والهند. وعلى عكس الاستراتيجية الإقليمية للحرب الباردة، لم تعد أمريكا بحاجة لتكون باكستان بقواتها المسلحة في كامل قوتها، واختارت الهندَ كشريك استراتيجي لها لمجابهة صعود الصين وخطر قيام الخلافة في المنطقة، فدولة الخلافة هي التي ستوحِّد باكستان وبنغلادش وأفغانستان وآسيا الوسطى في دولة إسلامية واحدة قوية. ولتحقيق أهدافها الإقليمية، شنّت أمريكا حربًا لعشرين عامًا ضد قبائل البشتون المتحاربة في أفغانستان باسم «الحرب على الإرهاب» من عام 2001م حتى عام 2021م، وحافظ حلف الناتو بقيادة أمريكا على وجوده العسكري في أفغانستان لعشرين عامًا، حتى لم يعد يمكنه الحفاظ على وجوده المكلف، وسط مقاومة قوية من قبائل البشتون بقيادة حركة طالبان.
ومن أجل إضعاف الجيش الباكستاني واستنفاد موارده، مع تركيزه على الأمن الداخلي، جعلت أمريكا من خلال عملائها في القيادة الباكستانية الجيشَ الباكستاني يقاتل ضد قبائل البشتون، داخل وعبر خط دوراند، وقد بلغت خسائر باكستان خلال العشرين عامًا من الحرب الأمريكية على الإسلام 150 مليار دولار، وراح ضحيتها 82 ألف مقاتل، ونزح بسببها 3.5 مليون شخص داخليًا، وركّزت القيادة الباكستانية جهودها – عن عمْد – بعيدًا عن التهديد الهندي التقليدي، ما يسّر للهند تنميةَ إمكاناتها العسكرية ضد الصين.
الحرب على الإسلام ومخصصات الميزانية المنخفضة للقوات المسلحة الباكستانية
كان الريب المؤسسي في القوات المسلحة الباكستانية تجاه أمريكا دائمًا موجودًا، ولا سيما في صفوف المخابرات الداخلية (ISI)، وهو ما منع أمريكا من إثارة نقاش داخل باكستان حول تقليص حجم القوات المسلحة الباكستانية ومخصصاتها من الميزانية. مع ذلك، عندما تورّط الجيش الباكستاني في مناطق القبائل، تمكّنت أمريكا من اختراق الميزانية تدريجيًا بحجة ترشيد نفقات الجيش حسب ما تقتضيه عمليات محاربة الإسلام داخليًّا وليس خارجيًّا. وفي حين خفّضت باكستان من إنفاقها العسكري وزادت من تركيزها على الحرب على الإسلام، قامت الهند من ناحية أخرى بزيادة إنفاقها العسكري.
تُظهر البيانات ارتفاعًا كبيرًا في الميزانية العسكرية الهندية خلال الفترة (2000-2010)م، ويتواصل ارتفاعها مقارنة بباكستان، هذا في الوقت نفسه الذي كثّفت فيه باكستان نشاطها في الحرب على الإسلام في المناطق القبلية.
عقيدة الجنرال باجوا العسكرية وتأثيرها على الإنفاق العسكري لباكستان
شهدت القوات المسلحة الباكستانية أكبر تخفيض للإنفاق خلال فترة حكم الجنرال قمر جاويد باجوا (2016-2022)م كقائد للجيش، وقد روّج الجنرال باجوا للرواية الأمريكية عن الأمن الاقتصادي أو الاقتصاد الجغرافي لاستمرار التخفيض، على الرغم من انتهاء ما سمي (الحرب على الإرهاب). كان هذا في الوقت الذي استعاد فيه حزب هندوتفا الراديكالي المناهض للمسلمين السلطةَ في الهند، ونُصّب ناريندرا مودي رئيسًا للوزراء. تبنّت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا في الهند نهجًا استباقيًا وعدوانيًا تجاه باكستان، بدعم من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وبجانب كون عدائها على الجبهة الدبلوماسية، تصاعد عداء حكومة مودي العسكري ضد باكستان. على الرغم من هذه المؤشرات الواضحة، فقد تمسك الجنرال باجوا بسياسة ضبط النفس، ودعا إلى تشكيل «جيش محسّن» لا يسعى إلى سباق تسلح مع الهند!
الفرضية الأساسية لعقيدة باجوا العسكرية هي وضع الأمن الاقتصادي في قلب الفكر الاستراتيجي لباكستان، مع التنازل عن الاستراتيجية الجغرافية والجغرافية السياسية للاقتصاد، وهذا النهج كارثي لباكستان من نواح عدة:
أولًا: ستزداد فجوة الإنفاق العسكري بين باكستان والهند إلى مستوى يستحيل فيه على باكستان مضاهاة القدرات العسكرية الهندية نوعيًّا، فقد جمّد نظام باجوا/ عمران ميزانية باكستان الدفاعية لمدة عامين متتاليين (2019-2021)م، وزادت بشكل طفيف على مدى سنوات أخرى، وطوال هذه الفترة، حققت الهند قفزات في زيادة إنفاقها العسكري كما هو موضح في الجدول أدناه:
YEAR
|
PAKISTAN ($ M)
|
INDIA ($ M)
|
2014
|
8,655
|
50,914
|
2015
|
9,483
|
51,295
|
2016
|
9,974
|
56,638
|
2017
|
11,461
|
64,550
|
2018
|
11,732
|
66,258
|
2019
|
10,388
|
71,469
|
2020
|
10,376
|
72,887
|
2021
|
11,305
|
76,598
|
وبالمثل، فقد جمّد نظام باجوا/ عمران الإنفاق على البرنامج النووي والصاروخي، وأجرت باكستان عددًا أقل من تجارب الصواريخ مقارنة بالهند، والتي كانت جزءًا من سياسة ضبط النفس والتطبيع مع الهند بموجب عقيدة باجوا العسكرية:
Year
|
Indian Arms Import
(Million Dollars)
|
Pakistan’s Arms Imports
(Million Dollars)
|
2014
|
3,347
|
828
|
2015
|
3,117
|
779
|
2016
|
3,003
|
837
|
2017
|
2,909
|
837
|
2018
|
1,485
|
799
|
2019
|
3,075
|
521
|
2020
|
2,799
|
759
|
ثانيًا: الفجوة بين استيراد الهند للأسلحة واستيراد باكستان آخذة في الاتساع، ما يعني بشكل مباشر تحسّن القدرة القتالية الحربية للهند ضد باكستان. لقد أنهت الولايات المتحدة والموردون الغربيون الآخرون حظْرَ تصدير الأسلحة للهند في فترة الحرب الباردة، وفتحوا مبيعات الأسلحة الخاصة بهم، ويشير الجدول أدناه إلى أن الهند تستورد في المتوسط حوالى أربعة أضعاف ما تستورده باكستان، وظلّت الهند أكبر مستورد للأسلحة الرئيسية في العالم بين عام (2017-2021)م.
Year
|
Tests Conducted by Pakistan
|
Tests Conducted by India
|
2016
|
1
|
2
|
2017
|
3
|
10
|
2018
|
3
|
26
|
2019
|
5
|
22
|
2020
|
3
|
8
|
2021
|
4
|
5
|
2022
|
0
|
2
|
Total (2016-2022)
|
19
|
75
|
ثالثًا: أتاح خروج أمريكا من أفغانستان الفرصةَ لصانعي القرار في باكستان لتحويل وجهة الجيش وتركيزه بعيدًا عن مكافحة الإرهاب إلى العقيدة العسكرية التقليدية، ومع ذلك، عزّزت القيادة المدعومة من أمريكا بقيادة الجنرال باجوا مؤسساتِ مكافحة «الإرهاب»، متجاهلة العقيدة العسكرية التقليدية، وباستخدام الوضع الاقتصادي غير المستقر كذريعة له.
على العكس من ذلك، فإن تاريخ تطور باكستان يشير إلى أنها نجحت في بناء جيش قوي ونووي، رغم محدودية الميزانية، وقد تمكّنت من إبقاء الهند في مأزق، وهزمت الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، وكان ذلك بنفقات معقولة. إن تجميد الإنفاق العسكري، الذي يتم تخفيضه في الواقع عند تسويته مع الضغوط المتضخمة، سيكون له تأثير كارثي على إمكانات باكستان القتالية. لقد أصبح من الضروري إقامة دولة الخلافة وتوحيد المنطقة في ظلها، فالقيادة الإسلامية هي وحدها التي يمكنها التعبئة العسكرية لتحرير أراضي المسلمين المحتلة.
الطريق إلى الأمام ورؤية جديدة
يجب على صنّاع القرار الباكستانيين، وفي مقدمتهم أهل النصرة، أن يدركوا أن تقليص القدرات القتالية لباكستان لن يأتي بأي تغيير جيوسياسي يعود بالنفع على الأمة والمنطقة. علاوة على ذلك، لا يمكن أن يحدث أي تغيير إيجابي من خلال الاختيار بين الولايات المتحدة أو الصين؛ حيث إن كلتا القوتين العالميتين استعمارية، وهما لا تتطلعان إلا لتقديم مصالحهما وأولوياتهما على حساب مصالحنا وأولوياتنا. ما نحتاج إليه هو رؤية جريئة عالمية بطبيعتها، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذا ما يفرضه علينا إسلامنا العظيم، بأن نكافح من أجل استئصال الحكم الجائر ونشر دين الله الذي هو رحمة للبشرية.
مع الإسلام كرؤية مستنيرة والخلافة كدولة تنفّذ هذه الرؤية، يجب أن تكون القوات المسلحة الباكستانية مجهّزة لحمل الدعوة الإسلامية بالدعوة والجهاد، وهذا يعني تغييرًا جوهريًا في النموذج العسكري الحالي الذي يهيمن عليه الغرب إلى النموذج الإسلامي الذي يضمن تخصيص ميزانية مناسبة للجهاد ابتداءً. إنّ العقيدة العسكرية الإسلامية هي التي ستنقل الحرب إلى ساحة أعدائنا، وبالتالي تُنهي الاقتتال المدعوم من الخارج في أراضينا الإسلامية.
تمتلك باكستان الأموال والقدرة اللازمة لقيادة التغيير إذا ما طبّقت الإسلام، وامتثالًا لحكم الإسلام بتحريم الربا، سيتم إيقاف دفع العوائد الربوية، التي تشكل الجزء الأضخم من النفقات (حوالى 45%)، لتُنفق على التطوير العسكري والصناعي فورًا؛ ما سيؤدي إلى توسيع قاعدتنا الصناعية، والتأسيس لقطاع عسكري وصناعي منافس على مستوى عالمي. لا تحتاج باكستان «لعقيدة باجوا العسكرية»، التي أدّت إلى تقليل تمويل قواتنا المسلحة وبالتالي القدرات القتالية، بل نحن بحاجة إلى عقيدة الإسلام الجهادية لتكون عقيدة دولتنا دولة الخلافة على منهاج النبوة، التي ستوحّد البلاد الإسلامية، وتحشد لذلك الموارد والأدوات التي ستكون الأكثر حداثة ورهبة في العالم، وتعبئ لذلك جيشًا يقوده أمثال خالد بن الوليد والسلطان محمد الفاتح والسلطان تيبو، الذي لن يحرر سريناغار المحتلة والمسجد الأقصى فحسب، بل سيُخضِع واشنطن ولندن وباريس وبكين وموسكو… للإسلام، فتعلو راية العقاب خفاقة فوق الرؤوس، وتعود أمتنا كما كانت من قبل أمةً عظيمة بدينها.
(وَيَوۡمَئِذٖ يَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٤ بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ٥)
2023-07-14