حدائق ذات بهجة: مواقف عزة في زمن عزَّت فيه المواقف (1)
2023/05/20م
المقالات
822 زيارة
– يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه:« نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلَّنا الله». وفي رواية أخرى عنه قال: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فلا نطلب بغير الله بديلًا».
– يقول الحسن رضي الله عنه:« إنهم وإن هملجت بهم البراذين، ووطئت أعقابهم الرجال، إن ذُلَّ المعاصي لا يفارق رقابهم، يأبى الله إلا أن يُذِلَّ من عصاه».
– موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي طالب: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب، إن ابن أخيك يأتينا في كعبتنا ونادينا فيسمعنا ما يؤذينا به، فإن رأيت أن تكفَّه عنا فافعل، فقال لعقيل ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم: يا عقيل التمس لي ابن عمك، فخرج وبحث عنه، فلما وجده ذهب به حتى انتهى إلى أبي طالب، فقال له أبو طالب: يا ابن أخي، واللهِ ما علمتُ إن كنتَ لي لمطيعًا، وقد جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وناديهم تُسمعهم ما تؤذيهم به، فإني رأيتُ أن تكفَّ عنهم. فحلَّق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره إلى السماء فقال: «واللهِ ما أنا بأقدر على أن أدع ما بُعثتُ به من أن يشتعلَ أحدُكم من هذه الشمس شعلةً من نارٍ. فقال أبو طالب: والله ما كذب قط، ارجعوا راشدين».
– موقف أم حبيبة رضي الله عنها مع أبي سفيان قبل إسلامه: دخل أبو سفيان على ابنته أم حبيبة رضي الله عنها، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه، فقال: يا بُنيَّة، أرغبتِ بهذا الفراش عني، أم بي عنه؟، فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت امرؤٌ نجسٌ مشركٌ، فقال: يا بنية، لقد أصابكِ بعدي شرٌّ.
– موقف سعد بن معاذ رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: لما اشتدَّ على الناس البلاءُ يوم الأحزاب، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف المري وهما قائدا غطفان، وأعطاهما ثلث ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه، فجرى بينه وبينهم الصلح حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح إلا المراوضة (المجاذبة) ـ فلما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك بعث إلى السعدين، فذكر لهما ذلك واستشارهما فيه، فقالا: يا رسول الله، أمرًا تحبه فنصنعه، أم شيئًا أمرك الله به لابد لنا من العمل به، أم شيئًا تصنعه لنا؟ فقال: «لا، بل شيءٌ أصنعه لكم. واللهِ ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب رمتكم عن قوسٍ واحدٍ وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما». فقال له سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةً واحدةً إلا قِرًى أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعَّزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ ما لنا بهذا حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت وذاك» فتناول سعد بن معاذ رضي الله عنه الصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب ثم قال رضي الله عنه: ليجهدوا علينا.
-موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أبي عبيدة رضي الله عنه: عن طارق بن شهاب قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعنا أبو عبيدة فأتوا على مخاضةٍ، وعمر على ناقته فنزل عنها وخلع خفَّيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة. فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا؟ تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك. فقال عمر رضي الله عنه: أوَّه ! لو قال ذا غيرك أبا عبيدة لجعلته نكالًا لأمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم«إنّا كنّا أذل قومٍ فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله».
– موقف سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه مع أمه: لـمـَّا أسلم سعدٌ رضي الله عنه وعلمت أمه بخبر إسلامه ثارت ثائرتها وأقبلت عليه تقول: يا سعد، ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك وأبيك؟، والله لتدعنَّ دينك الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنًا عليَّ ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيِّرك الناس بها أبدَ الدهر، فقال لها سعدٌ رضي الله عنه: لا تفعلي يا أماه، فأنا لا أدع ديني لأي شيءٍ؛ لكنها مضت في وعيدها، فاجتنبت الطعام والشراب ومكثت أيامًا على ذلك لا تأكل ولا تشرب، فهزل جسمها ووهن عظمها وخارت قواها، فجعل سعد رضي الله عنه يأتيها ساعةً بعد ساعةٍ ويسألها أن تتبلع شيئًا من الطعام أو قليلًا من الشراب فتأبى ذلك أشد الإباء، وتُقسم ألا تأكل أو تشرب حتى تموت أو يودِّع سعدٌ رضي الله عنه دينه، فقال سعد رضي الله عنه: يا أماه، إني على شديد حبِّي لك لأشدُّ حبًّا لله ورسوله، وواللهِ لو كان لكِ ألف نفس فخرجت منك نفسًا بعد نفسٍ ما تركت ديني هذا لشيءٍ، فلما رأت الجدَّ من سعدٍ رضي الله عنه أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كرهٍ منها.
موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع عمرو بن عبد ودّ: كان عمرو بن عبد ود ثالث قريش، وكان قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة، ولم يشهد أحدًا، فلما كان يوم الخندق خرج معلمًا ليرى مشهده، فلما وقف هو وخيله قال له علي: يا عمرو قد كنت تعاهد الله لقريش أن لا يدعو رجل إلى خلتين إلا قبلت منه إحداهما، فقال عمرو: أجل، فقال له علي رضي الله عنه: فإني أدعوك إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام، فقال: لا حاجة لي في ذلك قال: فإني أدعوك إلى البراز قال: يا ابن أخي، لمَ ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك، فقال علي: لكني أحب أن أقتلك، فحميَ عمرو فاقتحم عن فرسه فعقره، ثم أقبل فجاء إلى علي، وقال: من يبارز؟ فقام علي وهو مقنع في الحديد، فقال: أنا له يا نبي الله، فقال: إنه عمرو بن عبد ود اجلس، فنادى عمرو: ألا رجل؟ فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمشى إليه علي رضي الله عنه وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك مجيب صوتك غير عاجز ذو نبهة وبصيرة والصدق منجى كل فائز
إني لأرجو أن أقيم عليك نائحة الجنائز من ضربة نجلاء يبقى ذكرها عند الهزاهز
فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي، قال: ابن من؟ ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، فقال: عندك يا ابن أخي من أعمامك من هو أسنُّ منك، فانصرفْ فإني أكره أن أهريق دمك، فقال علي: لكني والله ما أكره أن أهريق دمك، فغضب، فنزل فسلَّ سيفه كأنه شعلة نار، ثم أقبل نحو علي مغضبًا واستقبله علي بدرقته فضربه عمرو في الدرقة فقدها، وأثبت فيها السيف وأصاب رأسه فشجَّه، وضربه علي رضي الله عنه على حبل العاتق، فسقط وثار العجاج، فسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التكبير، فعرف أن عليًّا قتله، ثم أقبل علي رضي الله عنه نحو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووجهه يتهلَّل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هلَّا أسلبته درعه، فليس للعرب درع خير منها، فقال: ضربته فاتقاني بسوءته واستحييت ابن عمي أن أستلبه وخرجت خيله منهزمة حتى أقحمت من الخندق.
– موقف عبدالله بن مسعودٍ رضي الله عنه عندما جهر بالقرآن: اجتمع يومًا أصحاب رسول الله في مكة وكانوا قلةً مستضعفين، فقالوا: واللهِ، ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجلٌ يسمعهم إياه؟ فقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أنا أُسمعهم إياه، فقالوا: إنَّا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلًا له عشيرة تحميه وتمنعه منهم إذا أرادوه بشرٍّ، فقال: دعوني، فإن الله سيمنعني ويحميني، ثم غدا إلى المسجد حتى أتى مقام إبرهيم في الضحى وقريش جلوس حول الكعبة، فوقف عند المقام وقرأ: (ٱلرَّحۡمَٰنُ ١ عَلَّمَ ٱلۡقُرۡءَانَ ٢ خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ ٣ عَلَّمَهُ ٱلۡبَيَانَ) ومضى يقرؤها فتأملته قريش وقالت: ماذا قال ابن أم عبد؟ تبًّا له، إنما يتلو بعض ما جاء به محمد، وقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه والدم يسيل منه، فقالوا له: هذا الذي خشيناه، فقال: واللهِ ما كان أعداء الله أهون في عيني منهم الآن، وإن شئتم لأغادينَّهم بمثلها غدًا، قالوا: لا حسبكَ، لقد أسمعتَهم ما يكرهون.
[يتبع]
2023-05-20