ارتباط حياة المسلمين بالخلافة
2023/04/09م
المقالات
682 زيارة
إن من يقرأ القرآن الكريم، ويتلو أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقرأ سيرته، ويطلع على حياة الصحابة معه ومن بعده، ويطلع على حياة المسلمين من بعدهم… إلى ما قبل مئة سنة، نرى أن الدولة الإسلامية كانت جزءًا لا يتجزأ من الإسلام، وهي كانت حاضرة في معظم تفاصيل حياتهم، ويرتبط بها كمال دينهم وتمام نعمته، ولو عدنا إلى أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، التي تتناول ذكر الدولة الإسلامية مباشرة كذكر الخليفة أو أولي الأمر، أو الحكم بما أنزل الله، أو التحاكم إلى ما أنزل الله، أو حرمة التحاكم إلى الطاغوت… أو ذكر ما يتعلق بها من ذكر الجهاد والرباط والفتح والجزية… نجد أنها من الكثرة بحيث لا يمكننا حصرها؛ بينما لا نجد ذلك حاضرًا في حياة المسلمين اليوم وإن كنا نجده حاضرًا في أذهانهم. وهذا يدفعنا لأن نذكِّر المسلمين ببعض الأحاديث وارتباطها بالدولة،… فمثل هذه الأحاديث، ومثلها في القرآن، يجب على المسلم عندما يقرؤها أن تشدَّه إلى فقهها ومدى تعلُّقها بذمته، لا أن يمرَّ عليها مرور الغافلين.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو: «رَبِّ أَعِنِّي وَلَا تُعِنْ عَلَيَّ، وَانْصُرْنِي وَلَا تَنْصُرْ عَلَيَّ، وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ، وَاهْدِنِي وَيَسِّرْ هُدَايَ إِلَيَّ، وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيَّ» رواه الترمذي. وقال صلى الله عليه وسلم: «أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» رواه البخاري. وقَالَ:” اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» رواه البخاري… هذه أدعية دعا بها الرسول صلى الله عليه وسلم ومطلوب من المسلمين أن يدعوا بها، وفيها استنزال النصر من الله، والصبر عليه والثبات وهذا كله متعلق بمواجهة الأعداء في الجهاد الذي تقوده الدولة الإسلامية.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: « كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ. فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ. قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ. رواه البخاري. وفيه أن وفاته عليه الصلاة والسلام كانت إشارة إلى أن كمال الدين وتأييده بالنصر والفتح ونشر هذا الدين حتى يصل إلى الناس أجمعين قد أصبح متحققًا؛ وذلك بشهادة هذه السورة عليه؛ حيثربط حياة الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر.
عن خبَّاب بن الأرتِّ في حديث شكواه لرسول الله، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وإلى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ تَعَالَى وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تستعجلون» رواه البخاري. وفيه أن دين الله الحق غالب، وسيتم الله فيه أمره بإقامة دولة الإسلام وبالنصر، وسيبسط لها في الأرض، وسينشر الأمن في ربوعها حتى لا يخاف أحد من أهلها على نفسه. وفيه دعوة للمسلمين للصبر والتحمُّل، وعدم استعجال النصر أو استبطاؤه؛ فإن النصر بقيام دولة الإسلام آتٍ، والعاقبة للمتقين.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه، قال: «بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَكْتُبُ، إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَىُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلًا قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا». يَعْنِى قُسْطَنْطِينِيَّةَ» رواه أحمد. وفيه تبشير للمسلمين بالدولة الإسلامية التي يرتبط بها الفتح. والقسطنطينية وروما هما عاصمتا النصرانية (الروم والكاثوليك) وفي هذا دلالة واستبشار على سيادة دولة الإسلام واتساع رقعتها وهيمنتها عالميًّا.
عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» وفِي رواية: أَن أبا هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ» رواه مسلم. هذا الحديث فيه شكل من أشكال التمكين لهذه الأمة؛ حيث ينزل مقررًا للإسلام ويرفض الجزية، ويذكر أن للمسلمين إمام منهم. ونقل الحافظ في الفتح عن بعضهم: قال: معنى قوله: «وإمامكم منكم» يعني: أنه يحكم بالقرآن لا بالإنجيل.
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِنِّي لَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرُكُمْ وَمُعْطِيكُمْ حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ، أَوْ أَكْثَرَ، مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السرَقُ» رواه الترمذي. وفيه بيان أن النصر والعطاء إنما يرتجى من الله، وحصول الأمان إنما يكون بتمدد الدولة الإسلامية وبسط سيطرتها حتى إن الظعائن، وهي المرأة على الهودج، ليسِرْنَ بلا رعب ولا مخافة.
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الغرقد فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ» رواه البخاري. وفيه إثبات الملحمة الكبرى بين المسلمين واليهود، وتأييد الله لنا بالجمادات، وأن هذه الأمة تقوم لها دولة يؤيدها الله ويجعلها غالبة وقاضية على دولة يهود.
عَن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ عَمُودَ الْكِتَابِ احْتُمِلَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِي، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ مَذْهُوبٌ بِهِ، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي، فَعُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَا وَإِنَّ الْإِيمَانَ حِينَ تَقَعُ الْفِتَنُ بِالشَّامِ» رواه أحمد بسند صحيح. وفيه دليل على عظمة الإسلام وقيام دولته، وفيه فضل بلاد الشام وصلاح أهلها، وانتقال حكم الإسلام إليها.
عَن أم حرام بنت مِلحان رضي الله عنها «أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نام عندها، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَج (ظهر) هذا الْبَحْرِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ». أَوْ « مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ». قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقُلْتُ: وَمَا يُضْحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ». كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: «أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ» متفق عليه. وفيه استمرار جهاد هذه الأمة ومخاطرتها بركوب البحر، وقد تحقق ما ذكره لأم سليم، وهو دليل على صحة نبوته وصدقه، وكل ذلك يكون بإعداد من الدولة الإسلامية التي تقيم جهاد البحر وتعدُّ له السفن الحربية وتسيِّر له الجيوش.
عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» متفق عليه. وفيه استبشار بانتصار الإسلام على إمبراطوريتي الفرس والروم، وهذا لا يكون إلا بدولة إسلامية جامعة.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ» رواه ابن ماجة والحاكم بسند صحيح. وهذا الحديث الجامع ذكر بشكل واضح أن للمسلمين أئمة يجب أن يحكموا بما أنزل الله، وذكر أن عقوبة من لم يحكم بشرع الله في الدنيا أن يجعل بأس المؤمنين بينهم.
2023-04-09