الأمم المتحدة تدعو إلى دين عالمي جديد جامع للأديان
2023/04/08م
المقالات
1,040 زيارة
أيمن صلاح – الأرض المباركة فلسطين
هناك العديد من المفكرين الغربيين والعرب يكتبون في الدعوة إلى دين عالمي جديد، وتتركز دعوتهم على أنه لم يعد مقبولًا أو مستساغًا وجود العديد من الصراعات والخصومات بين أبناء الأمة الواحدة، ناهيك عن الصراعات بين الدول، بسبب تعدد الأديان والمذاهب. وأن توحيد الأديان يمكن أن يجلب نظامًا عالميًا جديدًا يعيش الناس من مختلف الأديان تحت مظلته بسلام، بجميع طوائفهم، متوافقين وغير متنافسين. وأن وحدة الأديان هذه يمكن تطويرها بتكوين نظام سياسي واجتماعي واحد؛ ويجب أن يسود السلام والوئام في العالم في ظل حكومة عالمية واحدة. وهذا التنظير الفكري لدين عالمي واحد وحكومة العالم الواحدة ينسجم مع تصريحات بعض السياسيين الأمريكان بشكل خاص عن حكومة العالم الجديد (NewworldOrder).
هذه الدعوات من المفكرين والتصريحات من السياسيين بدأت بالظهور بشكل ملحوظ في تسعينات القرن الماضي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. أما الأمم المتحدة فقد حاولت فرض نظام عقدي عالمي أخلاقي منذ إنشائها. إلا أن عقبات كثيرة كانت تحول دون المضي قدمًا في تطبيقه، وأهمها الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي تسارعت خطواتها وتواصلت برامجها وتنوَّعت، واستخدمت المؤسسات والمفكرين للدعوة لهذا الدين الجديد وفرضه على العالم؛ ولذلك يجب فضح هذه المخططات وفضح أساليبها ومؤسساتها ونقض أركانها، والحفاظ على الدين الحق القويم، وإبعاد افتراءات المضلِّين وشبهات الغافلين.
في البداية يلزمنا أن نقف عند مفهوم الدين، ولا يلزم الخوض في المعنى اللغوي لكلمة الدين وتصريفاتها. فأي دين هو اعتقاد قداسة ذات، ومجموعة السلوك الذي يدل على الخضوع لتلك الذات ذلًّا وحبًّا، رغبة ورهبة. ومن هذا الوصف يتبين أن في الدين ثلاثة أمور:
1- ذات مقدسة تُعبد، سواء أكان معبودًا بحق -وهو الله عز وجل- أم معبودًا بباطل، وهو ما سوى الله عز وجل.
2- عملية التقديس وهي السلوك الذي يدل على الخضوع للمعبود، فهي تمثل العبادات التي يتعبَّد الناس بها لمعبوداتهم والشرائع التي تُسَيّرُ بحسبها حياتهم، سواء أكانت عبادات وشرائع سماوية صحيحة كالإسلام، أم لها أصل سماوي ووقع فيها التحريف والنسخ كاليهودية، والنصرانية، أو كانت وضعية غير سماوية الأصل كالهندوسية، والبوذية، وعموم الوثنيات، أو أي دين وضعي. وعملية التقديس هذه تمثل الجانب الروحي في الأديان؛ من حيث معرفة الذات المقدسة التي تستحق التقديس والعبادة، وتستحق الخضوع لتشريعها في الحياة.
3- وحال العابد؛ إذ لابد أن يكون العابد متلبِّسًا بالخضوع ذلًّا وحبًّا للمعبود حال العبادة؛ إما رغبة أو رهبة، أو رغبة ورهبة معًا. فالدِّين ينظم علاقة بين طرفين. الطرف الأول هو الذات أو الجهة المقدسة، والعلاقة من طرفها تتمثل بالحكم والسلطان أمرًا ونهيًا، ومن الطرف الآخر وهو العابد أو المقدِّس تتمثل بالخضوع والانقياد للشرائع أو الدستور المنظم لتلك العلاقة.
هذا هو واقع الدين، ومع ذلك تتفاوت الأديان في درجة الاهتمام بالجانب الروحي والنظام الذي يلتزم به الناس: فمنها ما تكون فيه العقيدة روحية بلا شريعة أو شريعة جزئية؛ كالنصرانية واليهودية والبوذية والزرادشتية. ومنها ما هو عقيدة روحية وشريعة كاملة تمثِّل نظامًا كاملًا للحياة وهذا ينطبق على الإسلام فقط. وبالإضافة للأديان هناك المبادئ الفكرية التي تقدم أنظمة للحياة وتحيِّد العقيدة الروحية كالرأسمالية أو تُلغيها كالاشتراكية. وقد لاحظ المنظِّرون في الأمم المتحدة أن الذي يؤثر في حياة الشعوب، ويوجِد الرابط الحقيقي بينهم هو العقيدة الروحية. وعند اختلافها تنشأ الصراعات بين الشعوب؛ ولذلك كانت دعوتهم لا تلغي العقيدة الروحية، بل تستخدمها لفرض هيمنتها على العالم.
وهناك توجهان عند المنظرين للدين العالمي الجديد في اعتماد العقيدة الروحية:
الأول: هو الدعوة لتوحيد الأديان الموجودة في العالم اليوم في دين واحد أو عقيدة واحدة. وفي هذه الدعوات يعتبرون أن كل الأديان تؤمن بوجود إله خالق للكون ويتوجهون إليه بالتقديس والعبادة بأشكال مختلفة، فيعتبرون أن كل الأديان تخرج من مشكاة واحدة في الأصل، وأنه يمكن أن نجد في كل شريعة جزءًا تتفق عليه هذه الأديان. وهذا يتمثل في دعوات وحدة الأديان ودعوة الديانة الإبراهيمية، وتعتبر الدعوة الإبراهيمية خطوة تقديمية للدعوة لوحدة الأديان.
الثاني: هو تقديم عقيدة روحية جديدة بديلًا عن الديانات الأخرى، بتقديم جهة مقدسة جديدة تتمثل في الأمم المتحدة نفسها، واعتبار أن ما تصدره من قرارات وتشريعات عالمية هي الشرائع أو الدستور الذي يجب أن تدين به كل الشعوب. فيجب أن تخضع جميع الشعوب وتنقاد للأمم المتحدة طوعًا أو كرهًا. وتمتلك الأمم المتحدة الأدوات الضرورية لإلزام الشعوب بالخضوع والانقياد. وقد بيَّن مؤسِّسو الأمم المتحدة وجود عناصر الدين المبيَّنة في الأمم المتحدة وفي تشريعاتها كما سيأتي.
وفي كلتا الحالتين يعتبرون دعوتهم إلى الدين الجديد دينًا بعديًّا “metarelegion” أو فوقيًّا “superrelegion”، أي دينًا أعلى سلطة وروحية من الأديان التي يدينون أصلًا بها. ودعاة هذا الدين يطلقون على أنفسهم بشكل عام مصطلح الجدد (NeweRs)، وسيتألف مثل هذا الدين الجديد من أشخاص من أصول دينية مختلفة، ولكنَّهم يفكرون بنفس الطريقة ويستعملون اصطلاحات متشابهة لوصف أنفسهم؛ المسلم الجديد، المسيحي الجديد، اليهودي الجديد، البوذي الجديد، الهندوسي الجديد. ويضاف لهذه الأسماء أسماء أخرى مثل الملحد الأحدث والوثني الأحدث والإنساني الأحدث. وكل هؤلاء سيدركون تدريجيًا أن ما يتشاركونه في أعماقهم أكثر مما يفصلهم ظاهريًّا. والأمم المتحدة تتبنى هذه التوجهات الفكرية، وتدعو إلى الدين الجديد من خلال الأدوات الآتية:
الاتفاقيات والمواثيق الدولية: وضعت الأمم المتحدة اتفاقيات دولية في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليم والصحة، وهي اتفاقيات تجهِّزها الأمم المتحدة ويطلب من الدول الأعضاء التوقيع عليها، بعد ذلك تلتزم كل دولة على إعادة صياغة القوانين والأنظمة فيها بحيث تتناسب مع الاتفاقية الدولية. وتقوم لجان الأمم المتحدة المتعلقة بموضوع الاتفاقية بمتابعة تنفيذ الدول لبنود كل اتفاقية. وهذه الاتفاقيات كثيرة جدًا ومنها دستور هيئة الأمم المتحدة 1945م، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948م، اتفاقية المساواة في الأجور بين العمال والعاملات 1951م، الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة 1952م، اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، (سيداو) 1979م، اتفاقية حقوق الطفل، ميثاق الأرض 2000م، اتفاقية باريس للمناخ 2015م، وغيرها…
المنظمات والمؤسسات الدولية التابعة للأمم المتحدة: وهي كثيرة جدًا، ومنها البرلمان العالمي للأديان، منظمة الأمم المتحدة للطفولة، صندوق الأمم المتحدة الإنمائية للمرأة، اللجان الاقتصادية والاجتماعية لـِ(آسيا والمحيط الهادي- غربي آسيا) التابعة للأمم المتحدة، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، منظمة الصحة العالمية، مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة، منظمة العمل الدولية، وغيرها الكثير. ويضاف للمنظمات التابعة مباشرة للأمم المتحدة أن هناك في كل بلد مؤسسات تسمى منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية (NGO’s) تتلقى الدعم من المؤسسات الأممية وتدعو لفكرها وتقوم بتنفيذ سياساتها وتمارس الضغط على الحكومات لهذا الغرض.
وأكثر من دعا إلى تقدير الأمم المتحدة روحيًا إلى حد التقديس هو روبرت مولر (RobertMuller) الذي عمل في الأمم المتحدة في عدة مناصب لمدة 38 عامًا في عدة مناصب كان آخرها أنه كان مساعدًا للأمين العام للأمم المتحدة في فترة ثلاثة من أهم الأمناء العامين الأمم المتحدة وهم: يو ثانت، كورت فالدهايم، خافيير بيريز ديكوييار، ومن أول الدعاة للحكومة العالمية، ولٌقِّب «بفيلسوف الأمم المتحدة» و«رسول الأمل»، وكتب كتابًا في 1982م يتحدث فيه بلغة المؤسسين للأمم المتحدة، ويجعل لها قداسة عالية، فجعل مكانتها موازية لمكانة الله أو مكانة المسيح عند النصارى، وكتابه كان بعنوان «سِفر التكوين الجديد: تشكيل روحانية عالمية (NewGenesis : shapingaglobalspirituality)»، ومن اسم الكتاب يظهر أنه يريد أن يكون للأمم المتحدة ورسالتها مكانة عند البشرية كافة مماثلة لمكانة سفر التكوين عند النصارى واليهود. ويعتبر أن الأمم المتحدة تمثل المخلص للبشرية في اعتقاد يشبه ما يعتقد به المتديِّنون في معظم الديانات من وجود مخلص للبشرية في آخر الزمان يخلصها من الظلم والطغيان. ومن أقواله التي وردت في هذا الكتاب وتدعو إلى تقديس الأمم المتحدة:
(يجب أن نتحرك بأسرع ما يمكن نحو حكومة عالمية واحدة ودين عالمي واحد تحت قائد عالمي واحد). والمقصود بالقائد هنا هو الأمم المتحدة كما يفهم من السياق.
(إن الأمم المتحدة هي شكل جديد من الروحانيات والأخلاق).
(لقد تشرفتُ بالعمل لدى الأمم المتحدة منذ بدايتها تقريبًا. وعندما رأيت المنظمة العالمية تنمو وتتغير على مرِّ السنين تساءلت عن الوجهة النهائية، نهاية الرحلة. لقد نمَت الأمم المتحدة منذ ولادتها بشكل هائل من حيث النطاق والتعقيد، وهي تشمل اليوم جميع الأمم تقريبًا، وبذلك تحقق حلم الكونية البشرية للعديد من الفلاسفة والأنبياء والمفكرين المستنيرين).
(تعمدتُ تجنب استخدام مصطلح «الدين». إنني أفكر في الفضائل الروحية، والإيمان بالنفس، ونقاء الذات الداخلية التي هي أعظم فضيلة بالنسبة لي. وبهذا النهج، بهذه الفلسفة، بهذا المفهوم وحده، سنكون قادرين على تشكيل نوع المجتمع الذي نريده، المجتمع الذي تصوَّره الآباء المؤسسون للأمم المتحدة).
(إذا عاد المسيح مرة أخرى إلى الأرض، ستكون زيارته الأولى للأمم المتحدة، ليرى أن حلمه بوحدة الإنسانية وأخوتها قد تحقَّق، سيكون سعيدًا بمشاهدة ممثلين لكل الأمم، من الشمال والجنوب والشرق والغرب، الأغنياء والفقراء، المؤمنون وغير المؤمنين، الصغار والكبار، الفلسطينيون والسامريون، محاولًا العثور على إجابات للأسئلة الدائمة عن مصير الإنسان وتحقيقه؛ لكن كم هي خيبات الأمل والانتقادات التي قد تكون لديه؟ ألن يقول إنه بدون أن نكون كعائلة واحدة (يقصد البشرية جميعًا) ونسأل أنفسنا الأسئلة الأساسية للحياة وعلاقاتنا بالخالق والكون، لن نصل إلى ذلك أبدًا؟).
) هناك لوحة مشهورة يظهر فيها المسيح يقرع باب مبنى الأمم المتحدة الشاهق يريد أن يدخله، وكثيرًا ما أتصور في ذهني لوحة أخرى أكثر دقة وهي أن الأمم المتحدة هي جسم المسيح نفسه).
) إن الأمر الذي لا مناص منه هو أن الأمم المتحدة عاجلًا أم آجلًا ستأخذ بعدًا روحيًا). (يجب أن نكون ممتنِّين أيضًا لأي شخص يعطي أعمال الأمم المتحدة تفسيرًا روحيًّا، وبالتالي اقتداء بأمثلة داغ همرشولد ويو ثانت، اللذين رأيا في الأمم المتحدة القصة المتجدِّدة للبعد الكلي للحياة البشرية).
(في نهاية رحلتها، هناك كل الاحتمالات بأن تكون الأمم المتحدة هي الكلمة الأخيرة في الكمال البشري. ومن ثم يمكن للأمم المتحدة أن تزدهر بسهولة بامتياز وتقف باعتبارها ذروة التنوير الإلهي).
(يمكن للمرء أن يروي عدة قصص مؤثرة عن التحول الروحي الذي أحدثته الأمم المتحدة، لدرجة أن هذه البقعة الصغيرة على الأرض أصبحت أرضًا مقدسة).
ومن الجدير ذكره أن روبرت مولر هذا أنشأ في ثمانينات القرن الماضي نظام التعليم المعروف باسم «مناهج التعليم الأساسية العالمية (WorldCoreCurriculum)»؛ ولذلك لُقّب مولر بأبي التعليم الكوني (fatherofglobaleducation). وفي تقديمه لهذه المناهج قال مولر: «اسمحوا لي أن أخبركم كيف سأعلم أطفال هذا الكوكب في ضوء خبرتي البالغة 33 عامًا في الأمم المتحدة، وأن أقدم لكم منهجًا عالميًّا أساسيًّا يجب أن يكون أساس جميع درجات ومستويات وأشكال التعليم بما في ذلك تعليم الكبار». وتعتبر المناهج التي وضعها تجسيدًا للعقيدة الجديدة. وقد أقرَّت منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة هذا المنهج وتعمل على نشره وتطبيقه في كل الدول، وقد منحت واضعه د. روبرت مولر جائزة تعليم السلام عن العام 1989م.
ومن الذين كان دور في الأمم المتحدة وتحدثوا عن مشاريعها الروحية والدينية المفكر هانز كنج HansKung وهو الرئيس المؤسس لمؤسسة الأخلاق العالمية، وصاحب مشروع الأخلاق العالمي الذي تبنته الأمم المتحدة، وقد ألَّف في 1991م كتاب (المسؤوليات الكونية: البحث عن أخلاق عالمية)، وبيَّن فيه أن التحوُّل نحو هذا الدين العالمي لن يكون اختياريًّا، فقال: (دعونا نقولها بصراحة: لا بقاء لأي دين رجعي قمعي، سواء أكانت المسيحية أم الإسلام أم اليهودية أم أيًا كان في المستقبل)، وقال: (إذا كان المقصود من العقائد هو ازدهار الجميع فيجب أن لا تُقسَّم، إن رجل ما بعد الحداثة وامرأة ما بعد الحداثة يحتاجان إلى قيم وأهداف وقدوات وتصورات مشتركة، والسؤال مثار الخلاف هو ألا تفرض هذه الأشياء دينًا جديدًا، إن ما نحتاجه نحن هو نظام عقدي عالمي)، وقد اعتمدت الأمم المتحدة هذا المفكر كمرجعية دينية، وأعطته مكانة مرموقة في المؤتمر العالمي للأديان الذي عقدته الأمم المتحدة في شيكاغو في 1991م، فقدم ورقة بعنوان «إعلان نحو أخلاق عالمية (Declarationtowardaglobalethic)»، وقد تمَّ التوقيع على هذا الإعلان في مجلس برلمان الأديان العالمي من قبل الزعماء الروحيين من جميع أنحاء العالم، ثم نشرَها برلمان الأديان العالمي في 1993م بعنوان « نحو أخلاق عالمية: إعلان مبدئي لبرلمان الأديان العالمي (TowardsaGlobalEthic: AnInitialDeclarationoftheParliamentoftheWorld’sReligions)». وعند الدخول في تفاصيل هذا الاعلان نجد أن مصطلح أخلاق عالمية (GlobalEthic) يستعمل بدل كلمة دين عالمي؛ لأنه يتحدث عن الدين والعقيدة والسلوك البشري في كافة المجالات وليس مجرد القيم الخلقية.
وكل من يعمل مع الأمم المتحدة يدرك مسعاها لفرض نفسها على العالم كجهة مقدَّسة، ومن الذين تنبَّهوا لخطر الأمم المتحدة في هذا المجال الكاتبُ الأمريكي قاري هـ. كاه (GaryH. Kah)، وهذا الكاتب مسيحي ملتزم، وكان قد شغل عدة مناصب في مؤسسات أمريكية تعمل في مشاريع للأمم المتحدة في أمريكا وأوروبا والشرق الأوسط؛ ولذلك أدرك خطر الأمم المتحدة على الأديان ومسعاها لتصبح جهة مقدسة، كإله أو رسول من الإله فكتب كتابًا في عام 1998م بعنوان «دين العالم الجديد: الجذور الروحية للحكومة العالمية -(TheNewWorldReligion: TheSpiritualRootsofGlobalGovernment)»، وكتابه هذا كان ليحذِّر من خطر الأمم المتحدة على الأديان عامة وخاصة المسيحية التي يدين بها. ولكن ما كتبه يبين بوضوح أن الأمم المتحدة تمثِّل فكرة شيطانية خطرة على الإسلام بشكل خاص.
الخطوط العريضة لدعوة الدين العالمي الجديد
يمكن معرفة الخطوط العريضة لدعوة الدين العالمي الجديد من خلال مطالعة تفاصيل الاتفاقيات الدولية والتوصيات الختامية لمؤتمرات الأمم المتحدة المختلفة، والأوراق المعتمدة في هذه المؤتمرات، ويمكن إجمالها فيما يأتي:
العقيدة – وحدة الوجود:
وحدة الوجود هو مذهب فلسفي قديم، يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، والخلق عندهم هم ظل للوجود الحق، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرون الله صورة هذا العالم المخلوق (تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا)، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته. وفكرة وحدة الوجود فكر كفر قديم، قال بها بعض الفلاسفة اليونانيين القدماء، ووجدت كذلك في الفلسفة الهندية، وموجودة في الفكر النصراني واليهودي. وانتقلت هذه الفكرة إلى بعض الغلاة من متصوفة المسلمين وفلاسفتهم. وحديثًا يوجد توجُّه للأمم المتحدة إلى هذه الفكرة.
إن توجه الأمم المتحدة نحو فكرة وحدة الوجود وتقديس الطبيعة يظهر جليًّا في اهتمامها المفرط بقضية البيئة، فقد جعلت قضية البيئة أساسًا لتقرير المسموح والممنوع في ممارسات الأشخاص الفردية وفي سياسات الدول. وتحدَّثوا عن قداسة الطبيعة. ولابد أن نؤكد بداية على وجوب أن يعتني الناس بالبيئة، فالإسلام يطالب الناس بالاهتمام بالبيئة والتفاعل الإيجابي معها، لكن ما تقدمه الأمم المتحدة على هامش مؤتمراتها يبيِّن أن المراد ليس هو حماية البيئة، بل المراد هو إحياء الفلسفة الوثنية التي تمجِّد الأرض لدرجة العبادة؛ ولذلك قال روبرت مولر الذي تحدثنا عنه سابقًا: (من المفاهيم التي يجب تدريسها أن الاهتمام بالبيئة يمثل الحب لكوكبنا)، وتستعمل الحركات البيئية الأصولية التي تحظى بدعم الأمم المتحدة مصطلح الأم العظيمة الأرض أو أُمنا الأرض (Gaia – TheGreatMotherEarth)، وهذا المصطلح استخدمه اليونانيون القدماء، كاسم لإلهة الأرض. وابتدعت الحركات البيئية ما يسمى يوم الأرض لتزرع تعظيم الأرض والطبيعة في تفكير الإنسان. وانشؤوا منتدى أمناء الأرض لحشد الجماهير لقضية البيئة. ومن أبرز دعاة تعظيم الطبيعة ميخائيل غورباتشوف وهو آخر رئيس للاتحاد السوفياتي وهو ملحد معروف ومؤسس ورئيس «مؤسسة غورباتشوف» ورئيس منظمة الصليب الأخضر الدولية، وآل غور نائب الرئيس الأمريكي في عهد كلينتون، وموريس سترونغ وهو أول مَن شغل منصب المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وقاد قمة الأرض التي عُقدت في ريو دي جانيرو، وبل غيتس وهو الملياردير متعدد الاستخدام لدى الأمم المتحدة. ويمكن معرفة توجه الأمم المتحدة لفكرة وحدة الوجود وتعظيم الأرض من تتبع نشاطات وتصريحات هؤلاء المعتمدين لديها في قضايا البيئة، ومن ذلك:
-
ميخائيل غورباتشوف: قدم مبادرة المجتمع المدني لمسودة ميثاق الأرض في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية في ريو دي جانيرو، البرازيل في 1992م والمعروف كذلك باسم «قمة الأرض». وقد كان يحاول أن يجعل ميثاق الأرض على شكل عشر مبادئ أساسية لقواعد البيئة والتنمية المستدامة؛ بحيث تكون مُناظِرة للوصايا العشر التي يعرفها النصارى، وبحيث تكتسب قداسة مشابهة؛ لكنه لم يستطع لأنها ستكون حينئذ على شكل خطوط عريضة بدون تفاصيل. وقد عبَّر عن ذلك بتصريحه إلى صحيفة لوس أنجلوس تايمز عدد 8 مايو 1997م؛ حيث ورد فيه: «أملي أن هذا الميثاق سيكون شيئًا مماثلًا للوصايا العشر، أو لخطبة الجبل؛ ليوفر الهداية للسلوك البشري نحو البيئة في القرن المقبل».
-
موريس سترونغ: شارك مع غورباتشوف في إعداد الصيغة النهائية لميثاق الأرض، وقال عنه: «إن الهدف الحقيقي من ميثاق الأرض هو أنه سيصبح في الواقع مثل الوصايا العشر»، وفي سياق تعظيم الطبيعة قال: «تقع على عاتق كل إنسان اليوم مسؤولية الاختيار بين قوة الظلام وقوة النور؛ لذلك يجب علينا تغيير مواقفنا، وتبني احترام متجدِّد لقوانين الطبيعة الإلهية العليا» وقال: «إما أن نخفض عدد سكان العالم طواعية أو أن الطبيعة ستفعل ذلك لنا؛ ولكن بوحشية».
-
وفي افتتاح قمة الأرض، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس غالي: (للقدماء كان النيل إلهًا يعبد، وكذلك الراين كان مصدرًا لامتناهيًا للأساطير الأوروبية، وكذلك غابات الأمازون التي عرفت بأم الغابات، وكذلك في أنحاء عديدة من العالم كانت الطبيعة مقر الوحي والمقدسات التي أعطت الغابة والصحراء والجبال الصفة التي ألزمت الآخرين عبادتها واحترامها، إن للأرض روحًا، وإن إيجاد تلك الروح، وإعادتها للحياة مرة أخرى يشكل جوهر قمة ريو).
العبادات والطقوس – وحدة الأديان:
من الطبيعي أن تقود عقيدة وحدة الوجود التي تعتمدها الأمم المتحدة إلى اعتماد فكرة وحدة الأديان كطريقة للعبادة؛ إذ يعتبرون أن من يعبد الله ومن يعبد الأحجار والأصنام كلهم سواء؛ لأنهم في الحقيقة ما عبدوا إلا الله؛ إذ ليس ثمة فرق بين خالق ومخلوق. وهو ما تقرره الأمم المتحدة صراحة، فيقولون إن الأديان ليست إلا طرقًا مختلفة توصل إلى نهاية واحدة، وتدعو الأمم المتحدة إلى هذه الفكرة من خلال المناهج الدراسية التي تفرضها منظمة اليونيسكو التابعة للأمم المتحدة على دول العالم المختلفة وخاصة في بلاد المسلمين، وهي تصرِّح بأن لا فرق بين المسلم والمسيحي، أو المسلم والهندوسي، فكلهم يجب أن يحكمهم قانون واحد هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولتقرير فكرة وحدة الأديان عمليًّا، أوجدت الأمم المتحدة ما يسمى غرفة التأمُّل والاتصال الروحي وأحيانًا يسمونها غرفة السكون في مقرها الرئيس في نيويورك. وهي غرفة في وسطها يوجد مذبح قرابين مصنوع من قطعة حجرية طبيعية ضخمة من خام الحديد (ماغنتيت) يبلغ وزنها 6 أطنان، وقد وصفت على صفحة الأمم المتحدة بأنها مذبح مخصص لـ «الإله الذي يعبده الإنسان تحت أسماء عديدة وبأشكال عديدة». وهذه الغرفة مليئة بالرموز الروحية وعلم الأعداد وعلم التنجيم والهندسة المقدسة. وفي حديثه عنها قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة داغ همرشولد في حفل افتتاحها في 1952م: «لدينا في داخلنا مركز سكون محاط بالصمت. وهذا البيت (يقصد الأمم المتحدة) المخصص للعمل والنقاش في خدمة السلام، يجب أن يكون فيه غرفة مخصصة للصمت بالمعنى الخارجي والسكون بالمعنى الداخلي. سيعيش هنا ناس من العديد من الأديان؛ ولهذا السبب لا يمكن استخدام أي من الرموز التي اعتدنا عليها في تأمُّلنا». ويوصف همرشولد بأنه صوفي العصر الحديث. وقد وصف عقيدته روبرت مولر فقال: (على سبيل المثال، الاقتصادي العقلاني الفكري داغ همرشولد وجد الله في الأمم المتحدة وإلهامًا لعمله كخادم عالمي مثل متصوفة العصور الوسطى). ومن المعلوم أن افتتاح الجمعية العامة السنوية يبدأ عادة بدقيقة صمت للصلاة أو التأمل يطبقها جميع الحاضرين من كل أنحاء العالم.
وكذلك عينت الأمم المتحدة الزعيم الروحي الهندي سري شينموي SriChinmoy في وظيفة المستشار الروحي الرسمي للِأمم المتحدة، وقد عمل في تعليم التأمل في عدة مؤسسات وجامعات في أمريكا، وأعطى الدروس وأشرف على جلسات التأمل والاتصال الروحي لكل الراغبين بمبنى الأمم المتحدة بنيويورك.
ومن المؤسف وما يجب التحذير منه أنه قد كثرت الدعوة إلى طقوس التأمُّل والصمت والاتصال الروحي في العالم الإسلامي في العقدين الأخيرين وذلك تحت عناوين مختلفة مثل: رياضة اليوغا، وبرامج التنمية البشرية والعلاج بالطاقة، وغيرها. ومن يقومون بهذه النشاطات ربما يجهلون أصول هذه الطقوس الوثنية وارتباطها ببرامج أممية.
النظام الاجتماعي أو أحكام الأحوال الشخصية –الإباحية والفوضى الجنسية:
لقد أفرطت الأمم المتحدة في الدعوة إلى قضايا الحرية الجنسية، وأسرفت في الدعوة إلى تشريع الإباحية الجنسية، وتفنَّنت في تسميتها بغير اسمها، فظهرت مصطلحات مثل: الجندر، المتعايشون، حقوق المثليين، الثقافة الجنسية، الصحة الإنجابية، ونحو ذلك من المصطلحات التي تدعو بسفور إلى قبول الشذوذ الجنسي كممارسة مشروعة تدخل ضمن حقوق الإنسان، وتُوفَّر لممارسيها العناية الطبية والحماية القانونية. وقد بدأت هذه الدعوة والتشريعات في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م الذي وردت فيه المواد التالية:
المادة 2: لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أية تفرقة بين الرجال والنساء.
المادة 16 (1): للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.
المادة 16 (2): لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملًا لا إكراهَ فيه.
وقد عملت الأمم المتحدة على فرض هذه الثقافة والتشريعات عبر مؤتمراتها المتعاقبة في قضايا السكان والبيئة ونحوها، وعبر اتفاقياتها الدولية كاتفاقية سيداو (اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، واتفاقية حقوق الطفـل، ونحوها. فقد فرضت الأمم المتحدة على الحكومات تغير دساتيرها وقوانينها وتشريعاتها لتتوافق مع هذه الاتفاقيات، وفرضت على الحكومات تشريع حرية ممارسة الجنس بأي شكل كان، ودعم وسائل منع الحمل للشباب والشابات من المراهقين دون تقيُّد بشرعية العلاقة (الزواج) أو مخالفتها للفطرة (الشذوذ الجنسي)، وإدخال ثقافة الصحة الإنجابية في المقررات الدراسية وتدريسها في الفصول اليومية. ومن بين ما يدرَّس في هذه الثقافة الجنسية: (المعاشرة بين الجنسين، الإجهاض، كيفية ممارسة الجنس دون خطر الحمل، مساعدة المراهق على تحديد اتجاهه الجنسي ( أي تحديد أي الجنسين يفضل أن يعاشر)، العادة السرية كوسيلة للإشباع الجنسي ، العلاقات الشاذة كبديل مناسب للعلاقات العادية. وفرضت على الحكومات نشر مراكز المعلومات بين الشباب والشابات في المدارس والمجتمعات والقرى للنهوض بعبء التوعية ببرامج منظمات الأمم المتحدة. وفرضت على الحكومات سن قوانين حماية الشوَّاذ، وقوانين تأخير الزواج، وإلغاء قوانين جرائم الشرف.
المطعومات والملبوسات:
بعد أن تبنَّت الأمم المتحدة عقيدة وحدة الوجود وتقديس الطبيعة، بدأت تبني تشريعاتها على هذا الأساس، وقد اعتمدت على منطلقين لتبني عليهما التشريعات المتعلقة بالمطعومات والملبوسات. وهذان المنطلقان هما حق الحيوان في الحياة، ومسألة الاحتباس الحراري والتغيُّر المناخي. أما حقُّ الحيوان في الحياة فقد جعلوه سببًا لإنكار ذبح الماشية لأكل لحمها أو التضحية بها في الطقوس الدينية أو قتل أي حيوان للانتفاع بشيء من أجزائه سواء اللحم أم الجلد أم الريش. وأما في مسألة الاحتباس الحراري والتغير المناخي، فقد اعتبروا أن مزارع الماشية والدواجن تزيد من انبعاث غازت الدفيئة وبالتالي يجب محاربتها والتقليل منها تمهيدًا لمنعها، وأصبحت هذه الفكرة جزءًا أساسيًّا في أجندات مؤتمرات المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة، وكان آخرها مؤتمر المناخ 2022م الذي عقد لمدة اثني عشر يومًا في مصر في تشرين الثاني من 2022م. وقد تبنى الاتحاد الأوروبي فكرة تقليل مزارع الماشية ودعا دُوَلَه لتنفيذها. وبدأت الحكومات الأوروبية تسن القوانين لتقليل مزارع الأبقار والدواجن تمهيدًا لإلغائها. وأول الدول المنفذة كانت هولاندا حيث أغلقت آلاف المزارع امتثالًا لقواعد الاتحاد الأوروبي بالحفاظ على الطبيعة. وفي بريطانيا أوصى تقرير «الاستراتيجية الوطنية للغذاء»، وهو تقرير مستقل أُجري بتكليف حكومي ونُشر في يوليو (تموز)، بتخفيض استهلاك اللحوم بنسبة 30 في المئة بحلول عام 2030م.
وبناء على المنطلقات البيئية تدعو الأمم المتحدة إلى التقليل من أكل اللحوم وتوجيه الناس لأكل النباتات والاعتماد على الحشرات كمصدر للبروتينات الحيوانية وبعض المكملات الغذائية، وقالوا بأن حاجة الإنسان للبروتين في الغذاء يمكن تعويضها بتناول الحشرات أو المنتجات الغذائية التي تحوي مسحوق الحشرات. وبدأت تموِّل الأبحاث والدراسات التي تظهر القيمة الغذائية للحشرات، وبالفعل صدرت مثل هذه الدراسات، ففي 1997م كتب جيرمي ريفكن كتابًا بعنوان «ما وراء لحوم البقر: صعود وسقوط ثقافة الماشية (BeyondBeef: TheRiseandFalloftheCattleCulture)»، وجيرمي ريفكن هذا يعد أشهر المفكرين الاجتماعيين في أمريكا، وله عدة مؤلفات تدعو إلى تغيير السلوك البشري، وهو مستشار للعديد من رؤساء دول الاتحاد الأوروبي ومستشار لمجلس الاتحاد الأوروبي، وهو رئيس مؤسسة الاتجاهات الاقتصادية في ولاية ماريلاند. وفي كتابه الذي أشرت إليه يدعو إلى إغلاق مزارع الماشية والقضاء على ثقافة تناول اللحوم. وفي 2013م دعت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة إلى تناول الحشرات بدل اللحوم، وقد جاء في تقرير الفاو لشهر أيار سنة 2013م: «إن تناول الحشرات مغذٍّ للبشر، ومن شأنه أيضًا خفض التلوث البيئي»، وورد في التقرير أن الدبابير والخنافس وغيرها من الحشرات لا يتم استغلالها بالشكل المطلوب كطعام للبشر والماشية، مضيفًا أن تربية الحشرات تعتبر من أساليب معالجة مشكلة الأمن الغذائي. ويؤكد التقرير أن تناول الحشرات مهم جدًا خصوصًا كإضافة غذائية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية. وميزة الحشرات أنها متوفرة في كل مكان كما أنها غنية بالمعادن والبروتينات حسب قولهم. واليوم يوجد العشرات أو المئات من الدراسات والتقارير التي تتكلم عن صلاحية الحشرات كبديل للحوم، وتنشر في عدة مجلات علمية وتنشر في الوكالات الإعلامية المشهورة مثل (بي بي سي) و(سي إن إن). والجزيرة، بالإضافة إلى النشرات الإرشادية لمنظمة فاو التابعة للأمم المتحدة.
وعندما ظهرت الدعوة إلى أكل الحشرات والتوقف عن تناول اللحوم في أوروبا لم تلقَ قبولًا شعبيًّا؛ ولكن تمَّ التحايل على الشعوب الأوروبية بشكل خاص وشعوب العالم التي تستهلك منتجات غذائية أوروبية وذلك باستخدام مسحوق الحشرات في المنتجات الغذائية. وقد صدر قرار في الاتحاد الأوروبي في 3/1/2023م بإدخال مسحوق الحشرات في كل المواد الغذائية للإنسان وفي أعلاف الدواجن والماشية.
وفي هذا المجال أيضًا، هناك فئة من الناس في الغرب يسمَّون النباتيون، يعتمدون في طعامهم على منتجات نباتية فقط، ولهم منطلقات مختلفة، فبعضهم نباتيون لأسباب صحية شخصية، وبعضهم لأسباب فكرية تقوم على أساس احترام حق الحيوان في الحياة. ووسائل الإعلام تظهر تقديرهم واحترام وجهة نظرهم، ويدعون لتوفير بدائل غذائية لهم. وفعلًا بدأت مصانع الأغذية تنتج هذه البدائل مثل اللحوم المصنعة والأغذية الحاوية لمسحوق الحشرات وغيرها. وفي العقود الأخيرة كثر النباتيون من الصنف الثاني وأصبح الواحد يفتخر بكونه نباتيًا ويظن نفسه صديقًا للبيئة وينظر بشيء من الازدراء لمن يأكل اللحوم.
النظام الاقتصادي – نظام السوق الحر:
لا تعتبر الأمم المتحدة تدبيرَ شؤون الاقتصاد وتوزيع الثروة من شأن الدين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالمعلوم أن الأمم المتحدة تأسست بإرادة عمالقة الرأسمالية، وإن الأرض التي تقع عليها مبنى الأمم المتحدة كانت مهداة من قبل أحد حيتان الرأسمالية وهو جون روكفلر، وأسَّسوها لحماية مصالحهم التجارية وتحقيق سيادتهم على البشرية؛ ولذلك تقوم الأمم المتحدة بسنِّ التشريعات والاتفاقيات الدولية التي تعتمد على نظام السوق الحر الذي وجد قبل الأمم المتحدة. وتستخدم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات التجارية الدولية لتمكين هؤلاء الرأسماليين من التغوُّل الاقتصادي على العالم، وأهم حقوق الإنسان بالنسبة لهم في هذا المجال هي حرية التملك والخصخصة وحرية التجارة الدولية.
هذه أهم ملامح الدين الجديد الذي تدعو له الأمم المتحدة، ويظهر أنه يتدخل في كل شؤون الحياة. ويرفض أن يكون لأي دين دور في تدبير شؤون الحياة. ولهذه الدعوة خطر خاص على الإسلام والمسلمين، فهو الدين الوحيد الذي فيه شريعة محفوظة وشاملة لكل شؤون الحياة، وهو الدين الوحيد المرشح أن يكون عائقًا أمام دعوتها. وإننا مطمئنون أن الله تبارك وتعالى هو الذي تولَّى حفظ كتابه (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ٩) [الحجر: 9]، وحفظ الذكر حفظ لما حواه الذكر من الدين، وتكفل الله بسيادة هذا الدين على الأديان كلها (هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ ٩) [الصف: 9]. ولسوف يبطل الله هذا المساعي الشيطانية بحوله وقوته، غير أنّ الله أمرنا نتصدَّى لكل الأفكار الباطلة بعزيمة ووعي، وهو مولانا ونعم النصير. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
2023-04-08