بثت إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير كلمة أمير الحزب، حفظه الله، بمناسبة الذكرى الأليمة الخامسة والثمانين للقضاء على الخلافة
2006/09/01م
المقالات, كلمات الأعداد
2,035 زيارة
بثت إذاعة المكتب الإعلامي لحزب التحرير كلمة أمير الحزب، حفظه الله، بمناسبة الذكرى الأليمة الخامسة والثمانين للقضاء على الخلافة.
وفيما يلي النص الكامل للكلمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد
أمس كانت ذكرى الإسراء والمعراج، فاحتفل المسلمون، وخطب الخطباء، وتحدث المتحدثون، وأظهروا شوقهم إلى الأقصى والصلاةِ فيه، ثم أنشد المنشدون مدائح وأناشيد، وبكى من بكى وحزن من حزن … لكنَّ هؤلاء المتحدثين وأولئك الخطباءَ والمنشدين لم يذكروا مَنْ حَفِظَ الأقصى وفلسطين، حتى إذا ذهب ذهبت فلسطين والأقصى، لم يذكروا الخلافة حافظةَ الدين والدنيا، لم يذكروا الخليفة الذي يُقاتَل مِنْ ورائه ويُتَّقى به، أليس هذا غريباً عجيباً؟!
نتكلم عن فلسطينَ وعن الأقصى، وعن المعراجِ وأرضِ المسرى، البلدِ الطيب المبارك، ولا نذكر الخلافة التي فتحتْهُ، والخلافةَ التي أنقذتْه، والخلافة التي حفظتْه.. لم يذكر الخطباءُ كيف تُعاد الأرض المباركة، ونفرٌ من أهلها ينادي بالفم الملآن بتقاسمها مع يهود، لم يذكر الخطباء كيف تُحفظ بيضةُ الإسلام، وكيف تُصان الأعراض والحرمات، وكيف يُمنع تمزُّق المسلمين، وكيف يُقضى على نفوذ الكفار المستعمرين في بلاد المسلمين، أليس هذا غريباً عجيباً؟!
يذكر الخطباء ما وسعهم من قولٍ منمق جميل في المسرى والمعراج ولا يذكرون كيف يعيدون بلد المسرى إلى ديار الإسلام؟! ألا تحتاج الخلافةُ التي فتحته وأنقذته وحفظته، ثم عندما ذهبت ذهب، ألا تحتاج كلمةً من هؤلاء وأولئك؟ أليس هذا غريباً عجيباً؟
أيها المسلمون
نحن اليوم في الذكرى الخامسة والثمانين لِتَمَكُّنِ الكفار المستعمرين بالتعاونِ مع خونة المسلمين من العرب والترك، من القضاء على الخلافة في إستانبول، في الثامن والعشرين من رجب سنة ألفٍ وثلاثِمائة واثنتين وأربعين للهجرة الموافق للثالث من آذار سنة ألفٍ وتسعِمائة وأربعٍ وعشرين للميلاد، والحال هي الحال، تتداعى علينا الأمم كتداعي الأكلة إلى قصعتها، ونحن فوق المليار ولكننا غثاء كغثاء السيل!
بالأمس وجهنا لكم نداءً لِتَغُذُّوا السير معنا لنقيمَ الخلافة من جديد، وَجَّهْنا لكم نداءً يدعوكم إلى عز الدنيا وعز الآخرة. وجهنا لكم نداءً يدعوكم إلى اتباع السبيل القويم والصراط المستقيم. ناديناكم أن تَجِدُّوا معنا وتجتهدوا، فلا يهدأَ لكم بال حتى تُرفع رايةُ العُقاب، رايةُ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتخفق في الأعالي إلى عنان السماء، فتعودوا خير أمة أخرجت للناس.
فماذا وكيف أجبتم؟
فريق منكم أجاب واستجاب، وسار مع الركب من خلاله أو من ورائه، فصاحَبَنا المسير والمصير إلى حيث نقيم الخلافة بإذن الله من جديد، ونرفع الراية بإذن العزيز الحميد، فبارك الله في ذلك الفريق وجزاه الله خيراً.
لكنَّ هناك من قال وقال على أثر النداء وبعد النداء:
هناك من قال: غرَّ هؤلاء دينُهم، حزب التحرير مغرور بنفسه، إنه يحلم بإقامة الخلافة، وهي هذه الأيام مستحيلة! ونقول هل حزب التحرير يحلم وهو يتلو وعد الله بالاستخلاف لمن آمن وعمل صالحاً (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور 55]؟
هل حزب التحرير يحلم وهو يقرأ حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعودة الخلافة من جديد: «… ثم تكون خلافة على منهاج النبوة»؟
ثم هل تكون الخلافةُ مستحيلةً في بلاد المسلمين؟ أيكون الحكم بالإسلام مستحيلاً في بلاد الإسلام؟ ولا يكون الحكم بغير الإسلام في بلاد الإسلام مستحيلاً بل أمراً واقعاً؟! ما لكم كيف تحكمون؟!
وقيل إن حزب التحرير لا بضاعةَ له إلا الخلافة، حيث حلَّ أو ارتحل لا ينطق إلا بالخلافة، لا يعرف غيرها، ولا إلْفَ له غيرُها … هكذا!
نعم إن الخلافة هي البضاعةُ والصناعة، هي العزُّ والمنعة، هي حافظةُ الدين والدنيا، هي الأصلُ والفصل، بها تقام الأحكام، وتحدُّ الحدود، وتفتح الفتوح وترفع الرؤوس بالحق. هي التي شَرَع المسلمون بها قبل أن يشرعوا بتجهيز رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودفنه صلوات الله وسلامه عليه، على أهمية ذلك وعظمته، وكل ذلك لعظم الخلافة وأهميتِها حيث رأى كبارُ الصحابة أن الاشتغال بها أولى من ذلك الفرض الكبير: تجهيز الرسول صلوات الله وسلامه عليه.
نعم الخلافةُ هي البضاعةُ والصناعة، هي التي تقضي على دولة يهود وتعيد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام، هي التي تقضي على سلطان الهندوس في كشمير، وحكم الروس في الشيشان وكل القفقاس وتتارستان، هي التي تعيد القرم إلى أصلها، وكلَّ بلاد الإسلام إلى أصلها وفصلها. هي التي تحرر البلاد والعباد من نفوذ الكفر وعملائه، وبطش زبانيته وأزلامه. هي التي تمنع تمزُّق العراق والسودان، وتعيد اللحمة إلى الصومال، وتزيل الحدود والسدود التي رسمها الكفار المستعمرون من أطراف المحيط الهادي حيث إندونيسيا وماليزيا إلى شواطئ الأطلسي حيث المغرب والأندلس. إنها التي تنشر العدل والخير، وتُعز الإسلام والمسلمين، وتقطع دابر الظلم والشر، وتُذل الكفر والكافرين.
ويقول القائل أو تفعلُ الخلافة كلَّ هذا؟ أتصنع النصر وتدفع الهزيمة؟ ونقول نعم، يقول بهذا ربنا سبحانه وتعالى ( إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) [محمد 7]، ونصرُ اللهِ الحق لا يكون إلا بإقامة دولة الإسلام التي تقيم أحكامَه، فإذا أقيمت نصرها الله سبحانه، ورسختْ وعزّتْ، فاحترمها أصدقاؤها وهابها أعداؤها. ويقول بهذا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الإمام جُنَّة يُقاتل من ورائه ويُتقى به» فالخليفةُ والخلافة جُنة، أي وقاية، ومن كانت له وقاية، فهو بإذن الله منصور في النهاية، لا تضيع حقوقه، ولا بلاده، ولا يجرؤ أن يقتربَ منه أعداؤه. وينطق بهذا تاريخ الخلافة، فأين بيزنطة وصولجانها؟ وأين المدائن والأكاسرة؟ ثم من مدَّ الصوت بالتكبير في تلك البقاع الممتدة على طول الأرض وعرضها من المحيط إلى المحيط لولا دولة الإسلام وجند الإسلام وعدل الإسلام؟ ولو علمت الخلافةُ أرضاً وراء المحيطين شرقاً وغرباً لخاضت عُبابَهما تدعو إلى الله الرحمن الرحيم العزيز الحكيم.
أيها المسلمون
تلك أقوال، واضح من مدلولها، أنَّ نداءنا لم يؤثر في نفر من الناس، لأن أولئك لا زالوا يظنون أن الخلافة أمرُها بعيد حتى الاستحالة، ومثل أولئك لا ينفعهم مزيد مخاطبة أو نداء، فهم قد غشيهم ما غشيهم.
ثم هناك أقوال أخرى على أثر النداء، قالها أصحابها على استحياء، كأنهم يقررون عجزهم أو تقصيرَهم عن اللحاق بالرَّكب:
فمن القوم من ابتسم للنداء، ثم مضى،
ومنهم من غاص في أعماق اللغة فأخرج من روائعها مدحاً للنداء، ثم مضى،
ومنهم من قال قلوبنا معكم، وإذا أقيمت الخلافة ستجدوننا معكم شاهدين لكم بالحق ثم مضى،
وكل هؤلاء أجابوا النداء بالقول دون الفعل، وهو قول لا يسمن ولا يغني من جوع، فهو كمن يرسم صورةَ رغيفٍ لرجل جائع!
أيها المسلمون
ثم إن هناك من أخذ منحىً آخر غيرَ الذي سبق، فقال:
نعم، وعد الله حق، وبشرى رسوله حق، ولكن لهذا وقتاً في كتاب الله، سيتحقق عندما يأتي وقتُه، فلا داعيَ لوجود حزب يعمل لها هذه الأيام، حيث الحكام يلاحقون الدعاة إلى الله، يبطشون بهم بل ويعذبونهم حتى الموت، فلا داعيَ لتجشُّم المشاق في أمر سيأتي في وقته لا يتخلف!
إن هذا القول يدل على مسحة من التقوى ولكنها مسحةٌ السذَّج أو لنقل البسطاء من المسلمين. صحيح إن الخلافة ستعود، وهي ستعود في وقتها المعلوم عند الله رب العالمين. ولكنَّ الله سبحانه لن يُنـزل ملائكةً من السماء يقيمونها للناس، ومن ثمَّ ينام الناس ويصحون وإذ بهم يرون الخليفة والخلافة تقرئهم السلام وتصبِّحهم بخير!
إنَّ لله سنناً في هذا الكون، جاء بها رسلُه وأنبياؤه، بأن يتحقق وعد الله وبشرى رسول الله بعمل العاملين الصادقين المخلصين، هكذا سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا سار صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهكذا سار الخلفاء من بعدهم.
دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ربه في مكة وأصحابُه معه، في جو عاصف مليءٍ بطيش الجاهلية وبطشها، واستمر على ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو إلى الإسلام، وطلبَ النصرةَ من القبائل نحو ثلاثَ عشرةَ مرةً، وأرسل مصعب للمدينة، وتحمل الأذى والصعاب إلى أن أقام الدولة الإسلامية الأولى في المدينة، هذا ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوحى إليه، وهو أحب الخلق إلى الله سبحانه، ومع ذلك فلم يُنـزل الله لرسوله ملائكةً يقيمون له دولةً، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسٌ وصحبُه دون عمل، أو أنهم كانوا نياماً فما فتحوا عيونهم إلا ودولة لهم وجيش، ولأعدائهم محق وسحق، فقاموا يجمعون الغنائم دون أن يبذلوا الوسع في الدعوة إلى الله كما يحب سبحانه ويرضى. ليس هكذا الأمر بل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكافح ويكافح في مكة، ويهاجر في شدة، ويقاتل في بدر، ويسوي الصفوف، ويُعِدُّ القوم للقتال، ثم يدخل العريش يدعو الله نَصْره، بعد ذلك وليس قبل ذلك، أنزل الله سبحانه ملائكته تقاتل مع المسلمين … أرأيتم؟ تقاتل الملائكةُ مع المسلمين وليس نيابةً عنهم وهم قاعدون. وهكذا في كل زمان يؤيد الله بملائكته، وبنصره، وبمددٍ من عنده، وما يعلم جنودَ ربك إلا هو، لكن كلَّ ذلك ليس نيابةً عن المسلمين بل عوناً لهم وهم يعملون مخلصين صادقين.
هذه هي سنة الله في خلقه بيَّنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لصحبه وسار عليها خلفاؤه من بعده، فهم لما سمعوا وقرأوا حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح القسطنطينية والثناءِ على أميرها وجيشها حرص كل خليفة على أن يرسل جيشاً لفتحها راجياً الله سبحانه أن تتحقق البشرى على يديه فينالَ ذلك الثناءَ العظيم، ولم يقعدوا عن أعمال الفتح ليكرمهم الله بفتحها وهم نائمون لا يعملون. هكذا فهم المسلمون أحاديث البشرى بأنها حافزةٌ على العمل الجادِّ المجدِّ لتتحققَ البشرى على أيديهم، لا أن يضعوا رِجْلاً على رجل ينتظرون تحقيق البشرى وهم قاعدون.
أيها المسلمون
ألم تكفِ خمس وثمانون سنةً من الوقوع في الإثم لمن لم يعمل لإيجاد الخليفة وبيعته، بأن يتوب ويثوب، ويعملَ مع العاملين؟ ألم يقل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» ثم ألم يإنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق؟
ألم تكفِِ خمس وثمانون سنةً من الضياع وعدم وجود الخلافة حتى أصبحنا كالأيتام على مائدة اللئام، ألم تكفِ تلك السنون لنصحوَ ونستيقظ؟
ألم تكفِ خمس وثمانون سنةً من تداعي الأمم علينا كتداعي الأكلة إلى قصعتها، لأن نعتبر ونتعظ!
ألم تكفِ خمس وثمانون سنةً من توالي المصائب على رؤوسنا:
استولى اليهود على فلسطين، وامتدّوا إلى غير فلسطين، وها أنتم ترون جرائمهم في فلسطين ولبنان تطال البشر والشجر والحجر، وكل موبقة تمر على عقل بشر، ومع ذلك فحكام المسلمين، بدل أن يقودوا جيوشهم المحبوسة في الثكنات، إلى الجهاد، ترى ممثليهم يجتمعون في ماليزيا ولبنان، ثم يهرولون إلى نيويورك يلتمسون الحل من قرارات مجلس الأمن، قرارات الدول الكافرة المستعمرة، قرارات أميركا الراعي الأكبر ليهود، فإذا صدر قرار 1701 تلقفوه وصفقوا لبيع دماء لبنان بقرار قاتل في سوق الصراع الأميركي الفرنسي، يباركونه وهو يحقق ليهود ما لم يستطيعوه في الحروب!
هؤلاء حكامكم أيها المسلمون، يهود يعتدون ويجرمون، والحكام لاهون بل هم لليهود موالون ومصفقون، وأمثلهم طريقةً من انتفض قائلاً: إذا اقترب عدوان يهود على لبنان مني سأتدخل، وكأن ضرب اليهود لنقاط حدوده ليس اقتراباً منه! وآخر يرسل وفداً إلى قطاع غزة يقنعهم أن يسامحوا يهود ويهادنوهم، ولا يرى بأساً بعد كل الذبح والسلخ الذي يقترفه يهود في فلسطين من أن يوصي بالصفح والعفو وأن الله يحب المحسنين!
هذه مصيبتنا في فلسطين وحول فلسطين، لكن أرض المسلمين تنوء بمصائب أخرى، فقد استولى الهندوس على كشمير، وأحكم الروس الطَّوق على الشيشان وكلِّ القفقاس وتتارستان، وذهبت القرم، وكانت حصنَ المسلمين في شمال البحر الأسود، توأمَ حصنه في جنوبه، ثم غزت أميركا وبريطانيا وأحلافهما العراقَ وأفغانستان، وضُيِّق الخناق في الصين على تركستان الشرقية بالقتل والتهجير، واستشرى نفوذ الكفار المستعمرين في بلاد المسلمين …، أفلا تكفي تلك السنون الملأى بالمصائب على رؤوسنا لأن تجعل الدماء تغلي في العروق، فتحرِّكَ الأجسام والأقدام، والعقولَ والقلوب، معيدةً مجد الإسلام بإعادة دولته من جديد؟
ثم أليس غريباً عجيباً أن يوجد بيننا بعد كل ما علمناه من عز كنا عليه في ظل الخلافة، وما شهدناه من ذل نحن عليه بعد ضياع الخلافة، حتى أصبحنا في ذيل الأمم، لا في العير ولا في النفير، أليس غريباً عجيباً أن يوجد بيننا من لا يعمل لإعادة الخلافة من جديد، وأداء هذا الفرض العظيم، الطريق المستقيم إلى عز الدنيا والآخرة؟
أليس غريباً عجيباً أن لا يزال بيننا من يقول باستحالة عودة الخلافة، أو من يقول أقيموا الخلافة وعندما تقام سنؤيدكم وندعمكم ونشهد لكم بالحق، أو من يقول لا داعيَ للعمل لها فهي لا بد قائمةٌ في وقتها فلماذا تجشُّم المشاق لأمر قادم في موعده المسطورِ في الكتاب؟!
ثم أليس غريباً عجيباً محزناً أن يُظهر أحدٌ النصرة فإذا جد الجِدُّ نكص على عقبيه، يذكر التبرير تلو التبرير، وهو لو فعل لكان مع مصعب، وأُسيد، وسعد وأسعد، يفرح كما فرحوا بنصر الله في الدنيا، ويفوز كما فازوا برضوانه سبحانه في الآخرة، فيجلسُ معهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر؟
أيها المسلمون
واللهِ الذي لا إله إلا هو لن تعودوا خير أمة أخرجتْ للناس دون أن تشمروا عن ساعد الجد وتقيموا الخلافة،
إنه واللهِ الذي لا إله إلا هو لن تنالوا المكانة التي يحبها الله ورسوله إلا إذا احتكمتم لشرعه سبحانه ثم لا تجدون في أنفسكم حرجاً وتسلموا تسليماً،
إنه واللهِ الذي لا إله إلا هو لن يزول الذل عنكم وتصبحوا سادة الدنيا بحق إلا إذا تمسكتم بكتاب الله وسنة رسوله، تعضُّون عليهما بالنواجذ حيث حللتم وحيث ترحلون.
أيها المسلمون
بالأمس وجهنا لكم نداءً، فاستجاب من استجاب ونصر من نصر، وتردد من تردد وخذل من خذل … وإننا لن نقولَ لكم اليوم بأنه يكفينا من استجاب ونصر، وبعداً لمن تردد وخذل، بل إننا نرجو من الله سبحانه أن يهدي من تردد إلى أرشد الأمر، ويشدَّ عزيمة من خذل فيعودَ إلى سابق الخير، وسنبقى نناديكم إلى عز الدنيا والآخرة، فالرائد لا يكذب أهله، بل يَصْدُقُهم وينصحُ لهم، وإنَّ الخير في هذه الأمة إلى يوم القيامة، ومن خذلنا بالأمس قد يلحق بنا اليوم أو في الغد، فنحن نحمل الخيرَ والنصحَ بإذن الله، وهذان سيجدان لهما موضعاً في القلوب، فيدفعان التائهَ، بإذن الله، لأن يثوب.
أما نحن، شبابُ حزب التحرير، فلن نيأس من روح الله، وسواء أأسرعتم في النصر والتأييد، أم تباطأتم، فإننا على عهد الله ماضون، وبهدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقتدون، ولن يقعدنا عن ذلك، بإذن الله، لا مؤامراتُ الكفار ولا كيدُهم، ولا سجونُ العملاء ولا بطشُهم، ولا اشتدادُ الكرب وطولُ انتظار الفرج، ولا قساوةُ العيش وضيقُ المخرج، بل نستمر نغذُّ السير بجد واجتهاد، وإخلاصٍ لله، وصدقٍ مع رسول الله، ضارعين إليه سبحانه أن يكرمنا بإقامة الخلافة، فهي ملءُ البصر والفؤاد، وهي الفضل من رب العباد، نراها رأي العين وإن ظنوها قد ابتعدتْ، ونستبشر بقربها إذا ما الأزمة اشتدَّتْ، وعيوننا ترنو إلى هناك: نصرٍ من الله وفتح قريب، ورضوان من الله أكبر، وبشر المؤمنين.
وحسبنا قول الله سبحانه: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) [غافر 51].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الثامن والعشرون من رجب 1427هـ
الموافق للثاني والعشرين من آب 2006م
2006-09-01