أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (12)
2006/10/30م
المقالات
2,017 زيارة
رياض الجنة:
أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الدعوة (12)
قصة إسلام عُمَيْر بن وهب الجمحي
أخرج ابن إسحق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال: جلس عُمير بن وَهْب الجُمحي مع صَفوان بن أمية في الحِجْر بعد مصاب أهل بدر بيَسير -وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، وممَّن كان يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه ويلقون منه عناءً وهو بمكة، وكان ابنه وَهْب بن عُمير في أسارى بدر- فذكر أصحاب القليب ومُصابهم. فقال صفوان: والله ما إِن في العيش بعدهم خير. قال له عمير: صدقتَ، أما -والله- لولا دَيْنٌ عليَّ ليس عندي قضاؤه وعيالٌ أخشَى عليهم الضَّيْعة بعدي لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإنَّ لي فيهم عِلّة، ابني أسيرٌ في أيديهم. قال فاغتنمها صفوان بن أمية: فقال: عليَّ دَيْنك أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقُوا لا يَسَعني شيء ويعجز عنهم. فقال له عمير: فاكتم عليَّ شأني وشأنك. قال: سأفعل. قال: ثم أمر عمير بسيفه فشُحذ له وسمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة. فبينما عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في نفر من المسلمين يتحدّثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به وما أراهم من عدوِّهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وَهْب وقد أناخ على باب المسجد متوشِّحاً السيف. فقال: هذا الكلب عدوُّ الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهو الذي حرَّش بيننا، وحززنا للقوم يوم بدر.
ثم دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا نبي الله، هذا عدوُّ الله ابن وهب قد جاء متوشحاً سيفه. قال: «فأدخله عليَّ». قال فأقبل عمر حتى أخذ بحِمالة سيفه في عنقه فلبَّبه بها، وقال لمن كان معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاجلسوا عنده، واحذروا عليه من هذا الخبيث فإنه غير مأمون. ثم دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمَّا رآه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعمر آخذ بحِمالة سيفه في عنقه. قال: «أرسله يا عمر. ادنُ يا عمير» فدنا ثم قال: أنْعِم صباحاً -وكانت تحيَّة أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيَّتك يا عمير، بالسلام تحيَّةُ أهل الجنة». قال: أما -والله- يا محمد إنْ كنتُ بها لحديث عهد. قال: «فما جاء بك يا عمير؟» قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم فأحسنوا فيه. قال: «فما بال السيف في عنقك؟» قال: قبَّحها الله من سيوف! وهل أغنت عنَّا شيئاً؟! قال: «اصدقني ما الذي جئت له؟» قال: ما جئت إلا لذلك. قال: «بل قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلتَ: لولا دَيْن عليّ وعيالٌ عندي لخرجت حتى أقتل محمداً، فتحمَّل لك صفوان بن أمية بدَيْنك وعيالك على أن تقتلني له، واللهُ حائل بينك وبين ذلك».
فقال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنّا يا رسول الله نكذبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام وساقني هذا المساق، ثم شهد شهادة الحق. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «فقِّهوا أخاكم في دينه، وعلِّموه القرآن، وأطلقوا أسيره» ففعلوا. ثم قال: يا رسول الله، إني كنت جاهداً على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، وأنا أحب أن تأذن لي فأقدمَ مكة فأدعوهم إلى الله وإلى رسوله وإلى الإسلام، لعلَّ الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أُوذي أصحابك في دينهم، فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلحق بمكة. وكان صفوان حين خرج عمير بن وَهْب يقول: أبشروا بوَقْعة تأتيكم الآن في أيام تُنسيكم وقعة بدر. وكان صفوان يسأل عنه الرُّكبان حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أن لا يكلِّمه أبداً ولا ينفعه بنفع أبداً.
– وأخرج الطبراني: فلما قدم عمير (رضي الله عنه) مكة أقام بها يدعو إلى الإسلام ويُؤذي من خالفه أذًى شديداً، فأسلم على يديه ناس كثير. ففرح المسلمون حين هداه الله، وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): لخنزيرٌ كان أحبَّ إليَّ منه حين اطَّلع، وهو اليوم أحبُّ إليّ من بعض بنيّ.
– وأخرج الواقدي: لما قدم عمير بن وهب (رضي الله عنه) مكة بعد أن أسلم نزل بأهله، ولم يتفق بصفوان بن أميّة، فأظهر الإسلام ودعا إليه، فبلغ ذلك صفوان فقال: قد عرفت حين لم يبدأ بي قبل منزله أنه قد ارتكس وصبا، فلا أكلمه أبداً ولا أنفعه ولا عياله بنافعة، فوقف عليه عمير وهو في الحِجْر وناداه، فأعرض عنه، فقال له عمير: أنت سيد من ساداتنا، أرأيتَ الذي كنا عليه من عبادة حجر وذبح له، أهذا دين؟! أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله. فم يجبه صفوان بكلمة.
2006-10-30