أبو نزار الشامي
«يا ليتني فيها جذعًا، وإن يدركْني يومُك لأنصرنَّك نصرًا مؤزَّرًا» هذه كانت أمنية ورقة بن نوفل أول ما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم تباشير النبوَّة، «يا ليتني، كنت شابًّا يا محمد كي أتمكَن من نصرتك» أمنية لم تتحقق لذلك العجوز، ولكنها متاحة اليوم لملايين الشباب في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ورقة يقول لرسولنا، يا محمد دعوتك تحتاج شبابًا، نصرة دعوتك تحتاج همَّتَهم، ووعيَهم، وقوتَّهم، وهمتَّهم العالية.
فهم رسولنا هذه الحقيقة الصارخة، وعزَّزتها عنده قصص الشباب الأبطال في القرآن: (قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ ) بالتأكيد هو ذلك الشاب إبراهيم، من في القرية يجرؤ على تكسير الأصنام إلا هو؟ سمعنا فتى يذكرهم، ذاع صيته وتناقلت وسائل الإعلام كافَّة أخبار رفضه سياسة النظام الجاهلي العام، شاب يقف ليتحدَّى مجتمعًا بأكمله، بحكَّامه وسياسيِّيه وإعلامِه وعاداتِه، حتى والده وقف ضده، ليس معه نبيٌّ، ولم توحَ إليه نبوَّةٌ بعد، شاب لم يقبل أن يعيش نكرة، رفض الحياة التافهة، حياة العبيد والبهائم، بل وقف يناظرهم ويدعوهم ويحاول إنقاذهم.
كذلك، يذكر القرآن بمعرض الفخر والامتداح: (أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا ٩) لا تعجب يا محمد (إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ بِرَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى) إيمان الشباب يصنع واللهِ العجائب، شباب لا يتجاوز عددهم العشرة قرروا مواجهة دولة كاملة، لم يرضوا بالظلم وكمِّ الأفواه، لم يعيشوا لشهواتهم، بل عاشوا لمبدئهم ورسالتهم مع أنه لا نبيَّ معهم، ومع كل هذا لم يقعدوا محبَطين يائسين، بل قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض… قاموا، فالنصر لا يصنعه القاعدون ولا الخَوَرة، هؤلاء الشباب لو كانوا في زماننا اليوم لقاموا وقادوا تنظيمًا عقائديًّا سياسيًّا لتغيير كل هذه الجاهليات التي نحياها اليوم.
عندما يذكر لنا الله سبحانه أن شباب الكهف قاموا في وجه الطغيان، فمعناه أنه يطلب من الشباب اليوم الذين آمنوا بربِّهم أن يقوموا فيقولوا قولة الحق في وجوه الظالمين، وعندها واللهِ سيخلِّد التاريخ ذكركم كما خلَّد القرآنُ ذكر هؤلاء الشباب، وسيربطُ الله على قلوبِكم كما ربط على قلوبهم، وكما سخَّر الله لهم الشمس تَزَاور عن كهفهم والملائكة تقلِّبهم. وكما أعمى عيونَ الأشقياء عنهم، والله ربنا سيسخر لشبابنا ملائكته وخيرة خلقه.
الشباب كانوا موضع رهان النبي صلى الله عليه وسلم في الشدائد والملمَّات، ينادي زيد بن ثابت فيقول له : يا زيد، إني أريدك أن تتعلم لغة يهود، إني ما آمنُ يهودَ على كتابي، يقول زيد فحذقتها في سبعة عشر يومًا، كانت تلك الكلمات: «لا آمَنُ يهودَ على كتابي» كافية أن لا ينام زيد ولا يهدأ حتى يحفظ لغة يهود في سبعة عشر يومًا، فصار مترجمَ رسولِنا الشخصيَّ لرسائل يهود والأذن المتيقِّظة على دسائسهم. كم كان عمرك يا زيد؟ ستة عشر عامًا فقط. استطاع حل أزمة يعاني منها رسولنا، ويتصدَّى لأعدائه.
فانظر أيها الشاب اليوم إلى مؤهِّلاتك وقدراتك، واسأل نفسك: هل لو رآك الرسول صلى الله عليه وسلم اليوم سيكلفك بمهام كالتي كلف بها زيدًا، أو كالتي كلف بها مصعب بن عمير ابن الاثنين والعشرين ربيعًا بتشكيل الرأي العام الإسلامي له في المدينة وكسب أصحاب القوة والنصرة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وليكون أول سفراء الإسلام.
أيها الشباب، لأن دوركم خطير ومرعب، لم يتوانَ المستعمِرون والمستشرِقون وصنَّاع القرار العالمي عن تسخير ترسانتهم الثقافية والإعلامية والمالية والعسكرية كي يُقنعوكم أن لا دور لكم ولا أهمية لكم في نصرة الإسلام… هل سألتم أنفسَكم: لماذا برامج التعليم في مدارسنا لا تعلِّمنا عظمة الاعتزاز بديننا ووجوب تسويده ونصرته وإقامة دولة تحميه وتنشره للعالمين؟!
السبب قاله المستشرق (صموئيل زويمر) رئيس جمعيات التنصير في الشرق الأوسط، والذي كان يتولى إدارة مجلة العالم الإسلامي والتي ما تزال تصدر إلى الآن، زويمر التنصيري رئيس مجلة العالم الإسلامي، والذي عمل في البحرين والكويت والسعودية وغيرها يبشر في عام 1899م أنهم انتهَوا من إعداد المناهج المدرسية للمسلمين!! 1899م قبل سقوط دولة الإسلام، ما إن شعر الكفار بضعف القلعة الحصينة (الخلافة) ما إن شعروا بضعف جهاز المناعة للجسد؛ حتى سارعوا أول ما سارعوا إليه هو تغيير مناهج الدراسة التي تعد جيلًا قادمًا مهزومًا، مشوَّهَ الفهم خائرَ القوَّة، منزوعَ النخوة والغَيرة على حرماته.
وقد اشتدت تلك الحملات بعيد حروب الخليج، وغزت مناهج التعليم بلاد المسلمين بحسب سياسة ممنهجة لم يخجل قادة الأرض من الإعلان السافر عنها. تقول (إلينا رمانسكي): مسؤولة مبادرة الشراكة الأمريكية الشرق أوسطية عام 2003م: «أي منهاج دراسي لا يسير في هذا الاتجاه (يعني بحسب سياستهم) يجب تغييره». (توني بلير) رئيس وزراء بريطانيا الأسبق، صرح في حزيران 2015م فقال: «إن زيادة الإجراءات الأمنية لا تعالج جذور مشكلة التطرف، لا بد للعالم من أن يدعم تعليمًا جديدًا للثقافة والدين من أجل مكافحة الأيدلويوجية الإسلامية».
أيها الشباب، هل سألتم أنفسكم لماذا تنفق شبكة (MBC) أكثر من 14 مليون دولار تكلفة موسم واحد فقط من برنامج المسابقات «أراب آيدول» ولماذا ذلك التزاحم المحموم على إنتاج النسخ العربية المتكرِّرة لبرامج المسابقات الغربية تلك (سوبر ستار، ستار أكاديمي، أراب أيدول، ذا فويس…) لماذا المئات من الأفلام والمسلسلات المدبلجة (العشق الممنوع) التي تعلم خروج الفتاة عن طاعة أبيها، وشيوع الزنا والخلاعة؟ لماذا تشهر المسابقات الرياضية ويلمع أبطالها تلميع القادة الفاتحين؟ لماذا هذا الحرص وذلك التفاني وتلك الملايين التي تنفق بسخاء مع أن شعوبنا وبالأخص الشباب يعيشون في فقر مدقع وحاجة؟
كل هذا من أجل غاية واحدة: إنتاج شاب تافه أبرز طموحاته وغاية اهتماماته نعومة صوته، وجمال هندامه، وكثرة علاقاته الغرامية… إنتاج شباب فاقدي الغَيرة والنخوة، يألفون المشاهد الإباحية، يألفون الاختلاط والعري، شباب لا يفكرون بتحرير فلسطين، لا يعرفون شيئًا عن فرضية إقامة الخلافة، لا ينظرون إلى اليهود والنصارى على أنهم كفار…
وبالتالي فإذا ما تمَّ إنتاج هذا النموذج المسخ المشوَّه للشباب، فعندها يستطيع الكفار ترويج الأفكار التي تنكر السنَّة وتنكر الحجاب، وتنكر الجهاد، وسائر ثوابت الدين، وتشكِّك بأعظم مقدساته من دون أن تتحرك في جنود الإسلام، هؤلاء الشباب، أية همة… عندها يصبح مقبولًا جدًّا أن تفاخر اتفاقية سيداو مثلا بموبقاتها، فتبيح الإجهاض، وتبرِّر العقوق، وتسلُب المرأة عفَّتَها وتنزع عن وجهها تاج الحياء، وتهدم الأسرة التي تحميها.
حتى إذا ما نجا الشاب من كل هذا، تولَّت شبكات النت العبث بما تبقى من دينه عبر مواقع الإلحاد والتشكيك التي تتولى كبرها منظمات وشخصيات يتقاضون الملايين من تجارة الإلحاد وترويج المخدرات الفكرية.
ويا خجلة الجبين! بعد كل هذا حين يفزع الشباب إلى مشايخهم فيفاجَؤون بأنهم استجاروا من الرمضاء بالنار، فيتلقاهم مشايخ الهزيمة، علماء مهزومون نفسيًّا، يبثُّون يأسهم في أنفاس هؤلاء الشباب، أنتم لا خيرَ فيكم، أنتم لا تستحقون النصر، أمتُنا متخلفة، جميع الأمم أفضل منكم…. بدل أن يأخذوا بيد الشباب ويُقيلوا عثرتهم ويرفعوا معنوياتهم… وهكذا تغلق على الشباب الأبواب ويحيط بهم الذئاب من كل حدب وصوب.
أمام هذه الحرب المكتمِلة الأركان، لا بد من استنفار كافة الجهود لتحصين شبابنا:
1- الوعي: تنبَّه المستعمر مبكرًا إلى خطورة الوعي فبدأ بتغيير مناهج التعليم؛ لذلك لا بد من وعي مواجه يثقف الشباب ثقافة عقائدية تغييرية سياسية، يقتل فيهم اليأس، ويزودُّهم بالحجج التي ترد شبهات المغرضين وتقبرها في مهدها. وهذا دور يساهم فيه الدعاة والأسرة والمثقفون ودور التعليم.
2- القدوة الصالحة: لا بد من إنتاج قدوات من الشباب، يمثلون لهم النموذج الإسلامي المبدئي، ويرافقونهم في المدرسة والجامعة والأندية والشارع.
3- العمل الجماعي: التنظيم الدعوي المستقيم هو الذي يعصم أفراد الشباب من أمواج التشكيك ويبقيهم في الأجواء الصحية ويشدُّ عَضُدهم بإخوانهم.
4- الإعلام المضاد: تسخير منصَّات الدعوة وتجهيزها بأحدث صورة من أجل التصدي لهجمات الملحدين والمفترين ومنكري الثوابت، وإبرازها وترويج محتواها ونشره على أبعد مدى.
أيها الشباب، أعداؤكم عرفوا مدى قوتكم فقرروا ترويضكم، كونوا عصيين على الترويض، أنتم لستم أمة يهود الذين هم أحرص الناس على حياة مهما كانت تافهة، أنتم لستم أمة النصارى الذين جعلوا دينهم طقوسًا رهبانية ما كتبها الله لنا… أنتم أبناء أمة حرم الله عليها الهزيمة (وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ ١٣٩) أنتم من أمة لا يرضى ربها ولا رسوله لكم أن تكونوا تافهين: يقول صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها».
نَجْمُ الشباب فيكم ليس هو صاحب الشعر الناعم والصوت المخنث، نجم الشباب هو ذلك الفتى الذي يفحم العلمانيين ويقنع المتشككين، ويفر من أمامه الملحدون!… نَجْمُ الشباب هو البطل المفوَّه الواعي الذي يفضح ألاعيب السياسيين، ويكشف لأمته مؤامرات الطواغيت ولا تنطلي عليه مكائدهم… نَجْمُ الشباب هو المتسلح بآيات القرآن المستحضر لنصوص السنة، ينير بهما الطريق لإخوانه وبني أمته… نَجْمُ الشباب هو الشاب الذي لا يعيش لنفسه ورغباته، بل يعيش لرسالته ومبدئه، يعتزُّ بهما مهما تنازل حوله المتنازلون، ويرفع رأسه بدينه مهما طأطأ الخانعون.
فيا أيها الشاب: قوتك، حفظك، طلاقة لسانك، معرفتك بفنون النت وأساليب التواصل، ثقافتك، خبراتك، دائرة معارف…. هذه الطاقات التي أنعم الله بها عليك، هي موضع تقصُّد رسولك لك لنصرة دينه، وهي أسلحتك في الحرب العالمية لتشويه الإسلام، فلا تتركها تصدأ، بل أرِ الله جهدك في الذبِّ عن حياضه، علَّ الله يرينا بعد هذا العسر يسرًا، وبعد الهزيمة نصرًا، تُرفع فيه راية العقاب بيد أحد شباب هذه الأمة خفَّاقة عزيزة تَشفي صدور قوم مؤمنين.