بسم الله الرحمن الرحيم
الخلافة الحقة هي الكفيلة بوضع حد لغطرسة الغرب
وهدم جدار الكراهية الذي يشيده ضد الإسلام
منذ أن انفرط عقد حلف وارسو وسقطت الشيوعية وتفكك الاتحاد السوفياتي وزال جدار برلين، بدأ الغرب بقيادة أمريكا بالعمل على إبراز الإسلام كخطر حقيقي في العالم وكعدو لدود للغرب وكعامل تهديد لحضارته. فعملت مراكز البحوث والمؤسسات الأكاديمية والإعلامية والاستشارية على بناء نظريات وإصدار أبحاث وتأليف دراسات ونسج روايات تعزز هذا التصور، مسلطة الضوء في الوقت ذاته على كل حدث مثير للجدل انخرط فيه مسلمون وتقديمه كدليل لإثبات ادعاءاتهم، مهما كان الحدث ضئيلاًأو هامشياً. وتقوم تلك الدول بتضخيم الحدث إلى أقصى الحدود الممكنة بغية تحقيق أكثر من هدف أهمها:
– تأجيج الرأي العام العالمي ضد الإسلام مع التركيز على الرأي العام الغربي بشكل خاص، واستعماله في غرز مزيد من أحجار الحقد في جدار الكراهية تجاه الإسلام والمسلمين. والغاية من إيجاد هذا الجدار هو صد الغربيين بخاصة الأوروبيين منهم عن دراسة الإسلام والإقبال عليه. فشعوب أوروبا أكثر قابلية من غيرها لاعتناق الإسلام لولا هذا الجدار، فقد سبق أن ارتدت أوروبا عن النصرانية جملة وخاضت تجارب كثيرة أُرهق الناس فيها اجتماعياً ونفسياً، أصابتهم بالتفكك الأسري وأوصلتهم إلى الانتحار لأتفه الأسباب، كما ضربت مجتمعاتها شيخوخة واضحة (نسبة كبيرة جداً من كبار السن) بسبب الإعراض عن الإنجاب والشذوذ وتقديس الذات، وصارت مشاكلهم الاجتماعية والنفسية أكبر من أن تطاق وبحاجة ملحة لمعالجات حقيقية وجذرية، وهو ما يتوفر حصراً بالإسلام كونه دين الفطرة والقيم الرفيعة ويحقق الأمن والطمأنينة والاستقرار النفسي والاجتماعي.
– تبرير الممارسات البشعة التي ترتكبها دول الغرب الاستعمارية بحق المسلمين في كل مكان، بدءاً بالتحريض عليهم وتهميشهم في الغرب نفسه، وانتهاء بإعلان أحلاف دولية تحتل بلادهم وتسيطر على ثرواتهم وتنكِّل بهم.
– تغطية الصراعات فيما بين الدول الكبرى نفسها بستار الحرب على «الإرهاب الإسلامي»، لهذا فإن كلاً منها تحاول أن تمتطي أي حدث يمت للمسلمين بصلة (أكثر هذه الأحداث مريب ومثير للشك والجدل أصلاً) لتحقيق مآربها الخاصة على حساب الإسلام والمسلمين، فتصفي حساباتها مع بعضها الآخر سعياً لمزيد من النفوذ والهيمنة والتأثير بلا مراعاة لأدنى قيم إنسانية أو أخلاقية.
– الحيلولة دون إفساح أي مجال أمام عودة الإسلام من جديد في جسد دولة تمثل أمة تقضي على نفوذ الغرب في بلاد المسلمبن وتعري حضارته المهترئة، لا سيما بعد أن بات المسلمون أكثر وعياً على دينهم وأكثر تطلعاً إلى تطبيقه، وبعد أن صار العالم خاوياً من المعالجات للمشاكل الكثيرة التي تعج به، ما يعطي فرصة سانحة أمام خلافة إسلامية حقة بالمساهمة المؤثرة في طرح معالجات تلفت النظر إلى هشاشة الحضارة الغربية وإلى مدى عظمة الإسلام وحاجة العالم إليه.
لهذا أعلن جورج بوش «الحرب العالمية على الإرهاب» بعد أحداث 11 سبتمبر فاحتل العراق وأفغانستان وحولهما إلى دار خراب، ونشر في المنطقة القتل والتدمير والتهجير وشرذمة الشعوب التي تعيش فيها مع نشر حروب طائفية وقومية بغيضة لا تبقي ولا تذر. وهذا ما حدث كذلك فعلاً بعد تفجيرات مترو لندن في عام 2005م حينما فرض طوني بلير مناخات سامة معادية للإسلام، وضيَّق هوامش الحرية المتاحة في بريطانيا إلى الحدود الدنيا، وأرسل آلاف الجنود البريطانيين إلى أفغانستان، وعزز شراكته الأمنية والعسكرية مع الولايات المتحدة الأميركية في حملاتها الشرسة على بلاد المسلمين.
الأمر نفسه تكرر نفس الأمر من قِبَلِ فرنسا إثر الحدث الغامض الذي وقع لصحيفة شارلي إيبدو في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً. حيث أعلن الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي شن «حرب الحضارات» رداً على الهجمات «للحفاظ على حرياتنا»، كما اعتبر الرئيس الفرنسي الحالي هولاند أن ما حصل يؤكد صحة سياسات فرنسا في التدخل العسكري في بلاد المسلمين ومحاربة التطرف والإرهاب في أنحاء شتى من العالم، على نحو الحملة العسكرية الفرنسية في مالي وإرسال فرنسا قوات إلى أفغانستان والتدخل في شؤون ليبيا وساحل العاج وأفريقيا الوسطى، إضافة إلى تدخلها في العراق وسوريا بأكثر من شكل.
بل وإمعاناً في قهر وإذلال المسلمين فقد تم إصدار نسخة الأربعاء (عقب الحدث) من مجلة شارلي إيبدو على نفقة الدولة الفرنسية، وهي المجلة التي قتل اثنا عشر من العاملين فيها بسبب دأبها على الإساءة للإسلام وللنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم (على الأقل بحسب ما يروِّج له الإعلام الغربي). في الوقت نفسه يصوت نواب البرلمان الفرنسي لصالح المضي قدماً في الحملة العسكرية «للقضاء على الإرهاب» مع أميركا في العراق بـ 488 صوتاً مقابل اعتراض صوت واحد. زد على ذلك، أن يتصدر تظاهرة «أنا شارلي» المناصرة لـ «حرية الرأي والتعبير» في باريس عقب الحدث أربابُ الحروب الاستعمارية والطغاة والمجرمون من زعماء الغرب وحكام العرب إضافة إلى رأس عصابة الشر والإجرام في فلسطين بنيامين نتنياهو، الذي قتل الآلاف من المدنيين العزل على مرأى ومسمع من العالم كله.
إن المراقب لسلوك الغرب يلحظ من غير عناء أن الإسلام مخصوص من قبله بالشتم والتسفيه، في فرنسا كما في الدانمارك كما في غيرهما من دول الغرب، وكأن النيل من الإسلام صار ركناً من أركان الحرية الغربية، تلك التي تسمح بالإساءة للإسلام فيما تحظر التشكيك بالمحرقة اليهودية، وتفرض على المسلمين الاندماج والولاء للدول الغربية فيما تمنعهم من الالتزام بالأحكام الشرعية التي يأمرهم بها دينهم كارتداء المسلمة الحجاب الذي تحوِّل إلى جريمة يعاقب عليها القانون في بلد يقدس «الحريات» كفرنسا.
إن المشكلة الحقيقية تتمثل بالسياسات الغربية الشرسة بحق الإسلام والمسلمين، فهي أساس كل الفوضى والاضطراب وسبب انتشار كل مظاهر ما يسمى بالإرهاب، وهذا مدرك لدى الغرب نفسه رغم حالة الإنكار التي تعتريه، حيث اعتبر رئيس وزراء فرنسا السابق «دومينيك دو فيلبان» في حوار له مع قناة «بي إف إم تي في» الفرنسية الخاصة، تعقيباً على الأحداث الأمنية الأخيرة التي تشهدها فرنسا، أن السياسة الغربية المتناقضة هي سبب ما يحدث من فوضى واضطراب، معتبراً أنها المسؤول الأول عن تضاعف بؤر «الإرهاب» حول العالم، مؤكدًا أن تنظيم «الدولة الإسلامية» هو «وليد مشوه لهذه السياسة المتغطرسة والمتقلِّبة»، على حد تعبيره. كما وصف «دو فيلبان» قرار الرئيس الأميركي «باراك أوباما»، بتشكيل تحالف دولي لمحاربة الإرهاب بـ«الخطير والسخيف؛ لأنه سيعمل على مضاعفة البؤر الإرهابية بدل القضاء عليها».
كل ما سبق وغيره كثير يكشف أن ما يجري لا علاقة له بحرية التعبير بل بحرية الحط من قدر الإسلام وتركيع المسلمين وإذلالهم والقضاء على عزة نفوسهم وترويضهم على تسفيه مقدساتهم، وإعادة احتلال العالم الإسلامي والسيطرة عليه ونهب خيراته. وبعد ذلك كله، يُطلب من المسلمين تحريف دينهم إرضاء لهذا الغرب، والاعتذار منه. إنه منطق معيب ومختل، إنه منطق السيد الذي يأمر والعبد الذي يطيع، بل إنه منطق من ادعى أنا ربكم الأعلى!
لقد أعمت القوة دول الغرب عن رؤية الحق والانصياع له، فهذه الدول تؤمن بأن صاحب القوة هو فقط من يحدد معايير الحق والباطل. وعوض أن تكون الأحداث الجارية فرصة لمراجعة دول الغرب سياساتها البشعة إزاء الإسلام والمسلمين، فإنهم يستغلونها أبشع استغلال لتحقيق ما سبق ذكره من أهداف، زد على ذلك، أن أوروبا تستعمل الحدث الأخير في فرنسا لشل كافة الشبكات الإسلامية النشطة على أراضيها والقضاء على أي مصدر إزعاج لهم بحجة منع حدوث خروقات أمنية تجعلها عرضة للتهديد والابتزاز.
لذلك كان لزاماً على المسلمين امتلاك القوة المناسبة لنيل حقوقهم والدفاع عن مقدساتهم ووضع حد للانتهاكات التي يتعرضون لها. ولا يتأتى هذا بالانجرار إلى ردود الأفعال، إنما يكون بالدخول في الصراع بحسب ما يفرضه واقع الصراع وبحسب الأحكام الشرعية المرتبطة به، حيث يلزم حملة الدعوة خوض صراع فكري يفضح زيف حضارة الغرب واهتراءها واستحقاق الإسلام للريادة والقيادة في العالم. فيما يجب على الأمة، والقوى الوازنة فيها بالأخص، العمل الجاد لتغيير أنظمة الحكم العميلة المتسلطة على رقاب المسلمين، وتسليم زمام السلطة لمن يمثل هذه الأمة حقاً ويؤمن بالإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً شاملاً يجمع شتات المسلمين في دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة. فإقامة دولة إسلامية تواجه دولهم أمر لا مناص منه لتحقيق التوازن في الصراع، وبدون إمكانيات دولة ومقدراتها ستبقى الأمة أعجز من أن تتصدى لسياسات دول الغرب. لذلك كان إقامة دولة الخلافة التي تمثل المسلمين وتمتلك مقدراتهم هو أولى الأولويات، فهي المؤهلة فعلاً لتضع حداً لشراسة الدول الطامعة واستصغارها للإسلام والمسلمين.
نعم، إن إقامة دولة الخلافة الراشدة حقاً، هو وحده الذي يضع الأمور في نصابها، فيحفظ دماء المسلمين وثرواتهم ويحمي مقدساتهم ويدخلهم في حلبة الصراع الدولي بشكل صحيح ومؤثر لصالح الأمة وتجسيداً لقيم الإسلام الرفيعة، وفي الوقت نفسه يفوت على دول الغرب الماكرة الإيقاع بجماعات المسلمين وأفرادهم، ويخرب سياساتهم الخبيثة التي تصنع أوضاعاً شاذة تجر المسلمين من فخ لآخر ومن منزلق إلى آخر حيث يمكنها الإطباق عليهم.
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به» صحيح مسلم.