ثائر سلامة، أبو مالك
لقد تدرجت مخططات الغرب لتدمير الإسلام وفق خطوات مفصلية استراتيجية نذكر بعضها1:
أولًا: القضاء على حكم الإسلام بإنهاء الخلافة الإسلامية المتمثِّلة بالدولة العثمانية، رغم بعد حكمها – في فترة حكمها الأخيرة- عن روح الإسلام، إلا أن الأعداء كانوا يخشَون أن تتحول هذه الخلافة من خلافة شكلية إلى خلافة حقيقية تهددهم بالخطر، ولأن القضاء على الحكم بالشريعة سيقصي جُلَّ الإسلام عن الوجود في الواقع بالضرورة، وسيمهِّد لإدخال التشريعات والقوانين وأنظمة الحياة والمجتمع الوضعية مكان نظائرها المستنبطة من الشريعة الإسلامية، وسيمهِّد إسقاط النظام السياسي إلى تمزيق الأمة دويلات وقوميات مما يسهل استعمارها.
كانت فرصتهم الذهبية التي مهَّدوا لها طوال قرن ونصف هي سقوط الدولة العثمانية مع حليفتها ألمانيا خاسرة في الحرب العالمية الأولى. دخلت الجيوش الإنجليزية، واليونانية، والإيطالية، والفرنسية أراضي الدولة العثمانية، وسيطرت على جميع أراضيها، ومنها العاصمة إستانبول. ولما ابتدأت مفاوضات مؤتمر لوزان لعقد صلح بين المتحاربين اشترطت إنجلترا على تركيا أنها لن تنسحب من أراضيها إلا بعد تنفيذ الشروط التالية:
إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
أن تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة.
أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
أن تختار لها دستورًا مدنيًّا علمانيًّا بدلًا من دستورها المستمد من أحكام الإسلام.
فنفذ كمال أتاتورك الشروط السابقة، فانسحبت الدول المحتلة من تركيا. ولما وقف كرزون وزير خارجية إنجلترا في مجلس العموم البريطاني يستعرض ما جرى مع تركيا، احتجَّ بعض النواب الإنجليز بعنف عليه، واستغربوا اعتراف إنجلترا باستقلال تركيا التي يمكن أن تجمع حولها الدول الإسلامية مرة أخرى وتهجم على الغرب. فأجاب كرزون: لقد قضينا على تركيا، التي لن تقوم لها قائمة بعد اليوم. لأننا قضينا على قوتها المتمثلة في أمرين: الإسلام والخلافة. فصفَّق النواب الإنجليز كلهم وسكتت المعارضة[1].
ثانيًا: القضاء على القرآن[2] ومحوه أو تحريف فهمه، ومهاجمة السنة المطهرة؛ إذ القرآن هو المصدر الأساس لقوة المسلمين، وبقاؤه[3] بين أيديهم حيًّا يؤدي إلى عودتهم إلى قوتهم وحضارتهم.
1 نفي صلة القرآن بالوحي. «وكان للجهود الغربية عدة مسارات لمهاجمة القرآن الكريم؛ فظهرت بحوث تنصيرية حول القرآن الكريم، تناولت مزاعم حول مصادر القرآن الكريم، وأنها تتكون من الوثنية، والحنيفية، والصابئة، والزرادشتية، والمسيحية، واليهودية. وهي مزاعم ثبت بطلانها بالواقع المخالف لها، وبمناقضة القرآن الكريم لها، وبالتحدي القائم حول الإتيان بمثل هذا القرآن إن كان من مصادر بشرية»![4]
2 ولقد أقام الإسلام مناهج أصول دقيقة لفهم القرآن والسنة ولاستنباط التشريعات منها وفق عملية منضبطة، فجرت محاولات حثيثة لضرب تلك المناهج، لهدم بنيان عملية الاجتهاد كلها من أساسه بتحكيم العقل في الوحي، وتجاوز النصوص ودلالاتها، وافتعال معارك بين العقل والنقل، والقرآن والعلم، وبمهاجمة التقليد والأحكام المستنبطة لتطويعها لتوافق التشريعات والقوانين الغربية. كتبت شيريل بيرنارد لمؤسسة راند التي تدعمها وزارة الخارجية الأمريكية في كتاب: الإسلام الديمقراطي المدني: «هناك حلول أخرى أيضًا، كما تطبق الحداثة مبدأ المصلحة، أو الصالح العام، التي تعود إلى الفقهاء المسلمين الإصلاحيين في القرن الثالث عشر، كشيء كان يعتقد أنه يمكن أن يتجاوز أو يلغي حتى القرآن نفسه»،
ويمثل هذا التوجه امتدادًا أرسته مدرسة جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده العقلية[5] لتقديم حكم العقل على النقل، وجعل التحسين والتقبيح عقليين؛ إذ يجعل محمد عبده «تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض[6] أصلًا من أصول الإسلام»!![7] وتقوم على «مهاجمة التقليد وتطالب بإعادة النظر في التشريع الإسلامي كله دون قيد وظهرت الفتاوى التي تقسم الربا إلى ظاهر وهو ربا النسيئة الذي يتضاعف فيه الدَّين أضعافًا مضاعفة، وربا خفي وهو ربا الفضل، ولا تحرم إلا ربا النسيئة،… وظهرت الفتاوى التي تحظر تعدد الزوجات وتحظر الطلاق… وبذلك تحوَّل الاجتهاد في آخر الأمر إلى تطويرٍ للشريعة الإسلامية يهدف إلى مطابقة الحضارة الغربية أو الاقتراب منها إلى أقصى ما تسمح به النصوص من تأويل على أقل تقدير»[8].
3 هجمة شرسة على آيات الأحكام كالجهاد والسياسة والحكم والتكفير في القرآن الكريم لحذفها أو لمنع تدريسها في المدارس، وربط الإسلام والمسلمين بمسميات الأصولية والإرهاب والتطرف والعنف.
4 هجمة شرسة تبغي إعادة شرح وتفسير القرآن بما يغير في المفاهيم الأساسية فيه تحت مسميات «قراءة معاصرة» أو «حداثية»، دون أي منهج منضبط في التفكير والاستدلال والاستنباط، بل وبلا أدنى معرفة باللغة العربية وأفنانها وقواعدها.
ثم تبع ذلك هجمة شرسة على السنَّة المطهَّرة لاستثنائها من التشريع الإسلامي، أو من خلال التشكيك في الأحاديث والطعن فيها وفي رواتها وفي منهج المحدِّثين أيضًا. ومن ذلك:
1 التشكيك في صحة نسبة السنَّة للرسولJ، يرى كولسون: «إن السنة في القرن الهجري تعنى مجموع الآراء الفقهية المتَّفق عليها بين علماء مدرسة فقهية معينة..، ثم وصل الأمر في النهاية إلى نسبة تلك الآراء إلى النبي J نفسه»[9]
2 التشكيك في تدوين الحديث: قال جولد زيهر: «إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي للإسلام في القرنين الأول والثاني، وأنه ليس صحيحًا ما يقال من أنه وثيقة للإسلام في عهده الأول – عهد الطفولة – ولكنه أثر من آثار جهود الإسلام في عصر النضوج».[10]
3 ومن ذلك التشكيك في الرواة والطعن فيهم: قال جوينبل[11]: «إن الثقة ببعض كبار الصحابة لم تكن من الأمور المسلَّمة عند الجميع في أول الأمر، ولهذا نجد أن الثقة بأبي هريرة كانت محل جدل عنيف بين كثير من الناس»[12]. وقال زيهر: «إن عبدالملك بن مروان منع الناس من الحج أيام فتنة ابن الزبير وبنى قبة الصخرة في المسجد الأقصى ليحج الناس إليها ويطوفوا حولها بدلًا من الكعبة، ثم أراد أن يحمل الناس على الحج إليها بعقيدة دينية، فوجد الزهري وهو ذائع الصيت في الأمة الإسلامية مستعدًا لأن يضع له أحاديث في ذلك، فوضع أحاديث، منها حديث:«لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى».[13]
4 التشكيك في الإسناد جملة وتفصيلًا، كما فعل كايتاني ( ت 1926م ) الذي زعم في حولياته «أن الأسانيد أضيفت إلى المتون فيما بعد بتأثير خارجي؛ لأن العرب لا يعرفون الإسناد، وأن استعمال الأسانيد إنما بدأ أول ما بدأ بين عروة بن الزبير المتوفى سنة 94هـ، وابن إسحاق المتوفى سنة 151هـ، وأن عروة لم يستعمل الإسناد مطلقًا، و ابن إسحق استعمله بصورة ليست كاملة».
5 وأشار «شبرنجر» ( ت 1893م ) إلى تعاسة نظام الإسناد، وأن اعتبار الحديث شيئًا كاملًا سندًا ومتنًا قد سبَّب ضررًا كثيرًا وفوضى عظيمة، وأن أسانيد عروة مختلقة ألصقها به المصنِّفون المتأخِّرون. وأما «شاخت» (ولد 1902م)، فقد أجرى دراسة على الأحاديث الفقهية وتطورها – على حد زعمه – أجراها على كتابي «الموطأ « لمالك و»الأم « للشافعي وعمَّم نتائج دراسته على كتب الحديث الأخرى، ثم خلص إلى أن السند جزء اعتباطي في الأحاديث، وأن الأسانيد بدأت بشكل بدائي، حتى وصلت إلى كمالها في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وأنها كانت كثيرًا ما لا تجد أقل اعتناء؛ ولذا فإن أي حزب يريد نسبة آرائه إلى المتقدمين كان يختار تلك الشخصيات فيضعها في الإسناد».
6 ثم تبعت ذلك هجمة على مكانة السنة من التشريع، وروَّج أتباعها للاقتصار على القرآن وحده كمصدر للتشريع، وراحوا يكيلون التهم للأحاديث بأنها تناقض القرآن أو العقل بأقوال عارية عن أي دليل أو بينة!
ثالثًا: مهاجمة نظام الإسلام وتشريعاته، والتشكيك في التراث جملة وتفصيلًا ومهاجمة الفقه والفقهاء والأصول، والتشكيك في صلاحية الإسلام:
إما من خلال «التشكيك في صلاحية الأحكام الشرعية للانطباق على الواقع، أو مهاجمة مفاهيم الشريعة كمفهوم الجهاد بقصره على جهاد الدفع فقط، وتعدُّد الزوجات، والميراث وغيرها، أو من خلال طرح الأفكار الرأسمالية وسؤال المسلمين عن موقف الإسلام منها، مثل نظام البنوك الربوية، والتأمين، والعلاقات التجارية بين الدول ما هو الحكم الشرعي فيها: هل يقول بحرية المبادلة، أم يقول بالحماية التجارية؟ ويسأل عن النظام النيابي والانتخابات الحرة: ما هو موقف الإسلام منها؟ ويسأل عن النزعات في التشريع: هل يقول الإسلام بالنزعة المادية أم بالنزعة النفسية؟ وهل يعتبر روح النص أم يعتبر النص وحده؟ ويسأل عن الحريات العامة كالحرية الشخصية وحرية الرأي والحرية الدينية، هل جاء الإسلام بشيء منها»؟[14]
أو من خلال تمييع مفاهيم الإسلام والدعاية للمفاهيم الغربية كالديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
أما عن التراث، فيقول الدكتور فهمي جدعان: «أما نظرية «التراث» فتمثل نظرًا واقعيًا راهنًا في هذا الموضوع الذي تلهج به كل الألسنة ويكتب فيه كل الكُتَّاب على اختلاف مشاربهم وغاياتهم وكفاياتهم، وغنيٌّ عن القول إن هناك من يتصدى لمبحث التراث وهو لا يعرف كتابًا واحدًا في «أصول الفقه» أو في «علم الكلام» أو في العلم العربي مثلًا. كما أننا نستطيع أن نقول الآن بقدر كبير من الاطمئنان أن بعض الماركسيين الهامشيين والطفيليين ممن يفتقرون إلى الرصانة قد أسهموا إسهامًا كبيرًا في إثارة الجدل النظري العقيم حول الموضوع، كما أن بعض الكُتَّاب الإسلاميين المولعين بالضجيج والإثارة قد أوقدوا هم النيران وأججوها»[15].
رابعًا: فرض الهيمنة السياسية والاقتصادية والثقافية الحضارية على الأمة الإسلامية عبر معاهدات وأحلاف عسكرية، واتفاقات أمن متبادل، ومعونات اقتصادية ومالية، وديون ربوية، واتفاقات ثقافية، وهجمة حضارية تبغي احتواء الحضارة الإسلامية وطمسها وتذويبها في الحضارة الغربية تمامًا، وتسهيل نهب خيرات العالم الإسلامي ليبقى تابعًا غير قادر على النهوض، وفرض أنظمة دكتاتورية في هذا العالم الإسلامي.
1 يقول المستشرق و. ك. سميث الأمريكي، والخبير بشؤون الباكستان: «إذا أعطي المسلمون الحرية في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديمقراطية، فإن الإسلام سينتصر في هذه البلاد، وبالديكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها».
2 وينصح رئيس تحرير مجلة تايم في كتابه «سفر آسيا» الحكومة الأمريكية «أن تنشئ في البلاد الإسلامية ديكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره»[16]؛ لكنهم لا ينسون أن يعطوا هذه الشعوب فترات راحة حتى لا تتفجر.
3 يقول هانوتو وزير خارجية سابق لفرنسا: «إن الخطر لا يزال موجودًا في أفكار المقهورين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم، لكنها لم تثبط من عزائمهم».[17] .
4 «تعمل الدول الغربية على التدخل السافر في شؤون العرب والمسلمين وفرض التوجهات السياسية على عالمنا فتُحِل مايحقق مصالحها، وتُحَرِّم ما يتعارض مع أهدافها ومخططاتها، فتفرض علينا الإصطفاف معها في حروبها مع (خصومها) حتى ولو كانوا مثلنا عربًا مسلمين، ومن الأمثلة على ذلك (العراق، فلسطين، أفغانستان، كشمير،….إلخ). ومن أساليب التدخل: المطالبة بتغيير وتعديل مناهج التعليم وأن تقتصر على القليل من القيم الأخلاقية والتعبدية، ويكون التدخل أيضًا من خلال ادِّعاء الحرص على حقوق الأقليات الدينية (مثل ادِّعاء اضطهاد الأقباط في مصر)»[18].
خامسًا: تدمير أخلاق المسلمين، وعقولهم، وصلتهم بالله، وإطلاق شهواتهم:
1 يقول مرماديوك باكتول: «إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها بها سابقًا. بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول، لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم»[19].
2 يقول المستشرق جب: «لقد فقد الإسلام سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئًا فشيئًا حتى انحصرت في طقوس محددة، وقد تمَّ معظم هذا التطور تدريجيًا عن غير وعي وانتباه، وقد من الممكن الرجوع فيه، لكن نجاح هذا التطور يتوقف إلى حدٍ بعيدٍ على القادة والزعماء في العالم الإسلامي، وعلى الشباب منهم خاصة. كل ذلك كان نتيجة النشاط التعليمي والثقافي
العلماني»[20].
سادسًا: القضاء على وحدة المسلمين، ومنع أسباب وحدتهم:
وذلك من خلال بث الأفكار القومية والوطنية وتمزيق المسلمين لبضع وخمسين دويلة، ثم من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والفِرقية وافتعال مشكل الأقليات.
1 يقول القس سيمون: «إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد التملص من السيطرة الأوربية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحوّل بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية»[21].
2 ويقول المبشر لورنس براون: «إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنةً على العالم وخطرًا، أو أمكن أن يصبحوا أيضًا نعمة له، أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير… يجب أن يبقى العرب والمسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير»[22].
3 ويقول أرنولد توينبى في كتابه الإسلام والغرب والمستقبل: «صحيح أن الوحدة الإسلامية نائمة، لكن يجب أن نضع في حسابنا أن النائم قد يستيقظ إذا سمع من ينادي بزعامة معادية للغرب، وقد يكون لهذا النداء نتائج نفسية لا حصر لها في إيقاظ الروح النضالية للإسلام، حتى لو أنها نامت نومة أهل الكهف، إذ يمكن لهذا النداء أن يوقظ أصداء التاريخ البطولي للإسلام، وهناك مناسبتان تاريخيتان كان الإسلام فيهما رمز سمو المجتمع الشرقي في انتصاره على الدخيل الغربي، ففي عهد الخلفاء الراشدين حرَّر الإسلام سوريا ومصر من السيطرة اليونانية التي أثقلت كاهلهما ألف عام تقريبًا، وفي عهد نور الدين وصلاح الدين والمماليك احتفظ الإسلام بقلعته أمام هجمات الصليبيين والمغول».
ثم يقول بالحرف: «فإذا سبَّب الوضع الدولي الآن حربًا عنصرية، فإنه يمكن للإسلام أن يتحرك ليلعب دوره التاريخي مرةً أخرى، أرجو ألا يتحقق ذلك». [23]. وإبعاد المسلمين عن تحصيل القوة الصناعية ومحاولة إبقائهم مستهلكين لسلع الغرب.
4 يقول أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952م: «إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديدًا مباشرًا عنيفًا هو الخطر الإسلامي ... (ويتابع): فلنعط هذا العالم ما يشاء، ولنقوِّ في نفسه عدم الرغبة في الإنتاج الصناعي والفني، فإذا عجزنا عن تحقيق هذه الخطة، وتحرَّر العملاق من عقدة عجزه الفني والصناعي، أصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة، خطرًا داهمًا ينتهي به الغرب، وينتهي معه دوره القيادي في العالم»[24].
سابعًا: محاربة الإسلام السياسي، خشية أن تستطيع الحركات الإسلامية قيادة المسلمين نحو الانعتاق من التبعية للغرب، وإقامة الدولة الإسلامية:
يقول المستشرق البريطاني مونتجومري وات في جريدة التايمز اللندنية، في آذار من عام 1968: «إذا وجد القائد المناسب، الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى»[25].
1 ويقول جب: «إن الحركات الإسلامية تتطور عادة بصورة مذهلة، تدعو إلى الدهشة، فهي تنفجر انفجارًا مفاجئًا قبل أن يتبين المراقبون من أماراتها ما يدعوهم إلى الاسترابة في أمرها، فالحركات الإسلامية لا ينقصها إلا وجود الزعامة، لا ينقصها إلا ظهور صلاح الدين جديد»[26].
2 قال بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل السابق: «إن أخشى ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد».
3 وقال سالازار، ديكتاتور البرتغال السابق: «أخشى أن يظهر من بينهم رجل يوجه خلافاتهم إلينا».
ثامنًا: إفساد المرأة، وإفساد نظام الأسرة وإشاعة الانحراف الجنسي.
تاسعًا: تغيير المناهج وخلق جيل من المسلمين العلمانيين:
1 يقول المستشرق الإنجليزي هاملتون جب عن مناهج التعليم الغربية في العالم الإسلامي: «لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية أن يترك في المسلمين ولو من غير وعي منهم أثرًا يجعلهم في مظهرهم العام لادينيين إلى حدٍ بعيد».
2 يقول الصحفي الأمريكي الصهيوني توماس فريدمان إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان 2001م: «إن الحرب الحقيقية فى المنطقة الإسلامية هي في المدارس؛ ولذلك يجب أن نفرغ من حملتنا العسكرية ضد ابن لادن بسرعة ونخرج… وعندما نعود من أفغانستان يجب أن نكون مسلحين بالكتب لا بالدبابات. وفقط عندما تنمو تربة جديدة وجيل جديد يقبل سياستنا كما يحب شطائرنا، سيكون لنا في المنطقة الإسلامية أصدقاء»[27].
3 ويقول المفكر الأمريكي صموئيل هنتنجتون عن ذات الأهداف: «إننا نريد حربًا داخل الإسلام، حتى يقبل الإسلام الحداثة الغربية والعلمانية الغربية، والمبدأ المسيحي فصل الدين عن السياسة»[28]
4 ويقول (زويمر) وهو من أكبر المستشرقين والمبشرين الإنجليز: «يهدف الغرب من خلال عمليات الغزو الفكري إلى إخراج أجيال مسلمة تكون هى طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية».
فهذه بعض معالم الهجمة على الإسلام، تتجسد في محاولة الغرب لتمييع الإسلام وجعل الغرب مثالًا للفضيلة والتقدم، ومسخ الحضارة الإسلامية بذوبانها في الحضارة الغربية «النسخة النهائية للحضارات البشرية» فلا ينهض المسلمون، ويبقى الغرب في مأمن من صحوة المارد الإسلامي!
لذلك كانت هذه المقالة محاولة لإبراز معالم هذا الصراع، حتى يتخذ المسلمون من الإسلام: نظام الإسلام (عقيدة وشريعة، ونظام حياة) أساسًا للنهضة، وإعادة بناء دولتهم الإسلامية، وحضارتهم الإسلامية، ملتفِّين حول الإسلام السياسي العامل لإنهاضهم على أساس الإسلام، حتى ينهض المسلمون به، ويصدوا بالدولة التي تطبقه هذه الهجمة الشرسة التي تريد استئصال شأفتهم.
[1]1 أنظر: قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام، أبيدوا أهله، لجلال العالم.
كيف هدمت الخلافة، عبد القديم زلوم ص190
[2] يقول المبشر وليم جيفورد بالجراف: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه»جذور البلاء، عبد الله التل – ص 201. يقول المبشر تاكلي: «يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام، ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تمامًا، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا» التبشير والاستعمار د. مصطفى خالدي و د. عمرو فروخ ص 40 (طبعة رابعة). ويقول غلادستون: «ما دام هذا القرآن موجودًا، فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان» الإسلام على مفترق الطرق، محمد أسد – ص 39. ويقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: «يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم .. ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم» المنار عدد 9/11/1962م.
[3] وقد أثارهذا المعنى حادثةً طريفةً جرت في فرنسا، وهي إنها من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر قامت بتجربة عملية، قامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، أدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، وألبستهن الثياب الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تمامًا. وبعد أحد عشر عامًا من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة دُعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون ... ولما ابتدأت الحفلة، فوجيء الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري ... فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذن بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عامًا !!!؟؟ أجاب لاكوست، وزير المستعمرات الفرنسى: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!! جريدة الأيام – عدد 7780، الصادر بتاريخ 6 كانون أول 1962م).
[4] “ماذا يريد الغرب من القرآن؟”، للدكتور عبدالراضي محمد عبدالمحسن، الأستاذ المساعد بجامعة القاهرة، 2006 ص 148مجلة البيان الإسلامية،
[5] قد تسمَّى بالمدرسة التجديدية أو الإصلاحية كما في الموسوعة الفلسفية، والتي تستعير مصطلحًا استُعمل وصفًا للبروتستانتية حين جدَّدت التعاليم الكاثوليكية، بحجة أن الإسلام كان جامدًا كما يتم تدريسه في الأزهر من خلال الحواشي والمتون، وأضحى غير صالح لمعالجة مشاكل الإنسان اليوم، مما احتاج معه -بنظرهم- إلى التجديد أو التطوير أو القراءة المعاصرة أو الحداثة، بمعنى التغيير والمرونة وإقحام العقل في التشريع،
[6] هذه الجملة خطأ، فلا يمكن أن يجعل العقل حكمًا على الشرع حتى يقال بوجود تعارض، فمثلًا الربا حرام، ولا دخل للعقل للحكم على صحة أو عدم صحة هذا التشريع حتى يقال بوجود تعارض أصلًا!
[7] الأصولية بين الغرب والإسلام، د. محمد عمارة ص 12.
[8] الإسلام والحضارة الغربية، الدكتور محمد محمد حسين ص 50
[9] مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية (ص 269- 270)
[10] نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ص127، السنة قبل التدوين ص249
[11] جو ينبل: هو تيودور وليم جوينبل مستشرق هولندي، كان قسًا بروتستانتيًا اهتم بدراسة تاريخ الشرق وآدابه، واللغة العربية حتى أصبح أستاذًا لها في عدة جامعات، توفي سنة 1861م
[12] دائرة المعارف الإسلامية (7/336)
[13] أخرجه البخاري (2/56)، ومسلم برقم (827). المستشرقون والسُّنة النبوية، مجلة فكر الثقافية، د. علي بن محمد العطيف
[14] نداء حار إلى المسلمين من حزب التحرير ص 3 بتصرف
[15] فهمي جدعان: نظرية التراث، ص 8. عن دردشات حول فكر الدكتور شحرور للأستاذ زياد أحمد سلامة.
[16] جند الله – ص 29.
[17] الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي الدكتور محمد البهي – 19.
[18] عشرة أسباب للخصومة مع الغرب، هل صحيح أن: الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا؟ زياد أحمد سلامة.
[19] جند الله – ص 22، وكتاب: لم هذا الرعب كله من الإسلام جودت سعيد ص 45.
[20] الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر – ج2 – ص 204 – 206، تأليف د. محمد محمد حسين.
[21] كيف هُدمت الخلافة، عبد القديم زلوم – ص 190.
[22] جذور البلاء – عبد الله التل ص 202.
[23] الإسلام والغرب والمستقبل، أرنولد توينبي – ص 73.
[24] جند الله – ص22.
[25] الحلول المستوردة –د. يوسف القرضاوي ص 11.
[26] الاتجاهات الحديثة في الإسلام – ص365، (عن الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) ج2 – ص 206)
[27] الأصولية بين الغرب والإسلام د/ محمد عمارة.
[28] الأصولية بين الغرب والإسلام د/ محمد عمارة.