الأمة قادرة على التغيير، وإمكاناتها لا حصر لها
2021/04/14م
المقالات
1,576 زيارة
عندما نجلس مع الناس ونكلمهم في واقع الأمة يستمعون إلينا بكل انتباه، ويشعرون بقوة الفكر وقوة الطرح: من فساد الواقع، وفساد الأفكار السائدة في المجتمع، وسيطرة الاستعمار، وفساد الرأسمالية، وفساد الحكام والوسط السياسي، وبالتالي حتمية التغيير بالإسلام الذي نطرحه مفصلًا في شكل دولة؛ ولكن عندما نصل معهم إلى التغيير الجذري وقلب الموازين، تتغيَّر ملامح الناس وتنتكس الرؤوس بعد أن كانت متيقِّظة مشرئبة إلى المتحدث. وهذا في تقديرنا يرجع إلى اليأس والإحباط اللذين يسيطران على عقول الناس؛ لأنهم يرون أن التغيير ليس صعبًا فقط، بل هو مستحيل؛ نظرًا لوضع الغرب الذي يَرون أن لديه كل القوة، ويسيطر على كافة نواحي الحياة في بلادنا بما في ذلك الجيوش التي هي محل القوة والتي نطلب منها النصرة. وفي المقابل عدم وجود أية علامة قوة لدى المسلمين لقلب الموازنة وإحداث التغيير. فالحديث عن سيطرة الغرب وقبضة الحكام دون الحديث عن كيفية التغيير وقدرة الأمة على ذلك يولِّد اليأس لديها.
ولمعالجة هذه المشكلة بشكل دائمي، لابد من طرح ما لدى الغرب من قوة وما يمكن أن يفعله بهذه القوة، وفي المقابل مالدى المسلمين من قوة وما يمكن أن يفعلوه بهذه القوة؛ حتى نبعث في الناس الأمل والثقة وتطمئن القلوب وفي الوقت نفسه تكون رسالة تشجيع لأهل القوة.
فالأمة عاشت أكثر من قرن مكبَّلة، وقواها إما معطَّلة أو في خدمة الاستعمار، وعاشت مهزومة بحروب مصطنعة، فهي مهزومة نفسيًا وفي حاجة لأن تعرف وتتحقق من قدرتها على التغيير بفضل إمكاناتها الغافلة عنها.
لابد أن نضع في أذهان المسلمين أن قوة الغرب تكمن في استغلاله لثروات البلدان التي يستعمرها وخاصة منها بلاد المسلمين، فمتى تعطَّل هذا الاستغلال أو قُطع دابره تعطَّلت مصالح الغرب وأثَّر ذلك في قوته. والذي يخدم الغرب في بلادنا ويمدُّه بشرايين الحياة هم من أبناء المسلمين تحت الأوامر والتوظيف وقرارات المسؤولين الذين يضعون أنفسهم الذين هم وكلاء الاستعمار وعلى رؤوسهم الحكام. وعندما تحين ساعة الصفر ويتمَّ تنحية الحكام ووسطهم السياسي تتوقف هذه الأوامر وتتوقف خدمات الاستعمار وتهتز قوته ويبدأ ميزان القوى في التغير…
ولابد أن نضع في أذهان المسلمين أيضًا أن الوسط السياسي الحالي والعلمانية التي يحكم بها ما هي إلا فرقعة إعلامية لا جذور لها في الأمة، وبعبارة أخرى حين يمنُّ الله بنصره بإقامة الخلافة، وتُعلن في بلد من بلاد المسلمين التي تتوفر فيها مقومات إقامتها، يبدأ الخليفة في تطبيق أحكام الاسلام واتخاذ الإجراءات السريعة، وهذا وحده كفيل بتعطيل مصالح الغرب وإرباكه.
وعندما يشعر المسلمون بجدية التغيير وأنه غير مرتبط بالاستعمار ومنظماته وأن الدولة دولتهم، ستنفتح الأجواء الإيمانية التي توحِّد اتجاه الناس بالفكر والمشاعر وتدفعهم للدفاع عن هذه الدولة الناشئة ومساندتها في نهضتها من جديد… وعندها سيرى أصحاب العقول المنهزمة العجب؛ إذ ستصبح الأمة بأكملها قوة ضد من يقف عقبة أمام التغيير. نستطيع هنا أن نضرب مثالًا بثورة تونس، فقبل الإطاحة بنظام ابن علي بعدة أيام وحتى في بداية الثورة كان الناس يظنُّون أن قلعه من الحكم من سابع المستحيلات؛ ولكن سرعان ما سرت في البلاد موجة قلبت الموازين؛ لأن الناس تريد التغيير ولو لم يوجد قيادة ببرنامج حكم لما بعد الثورة… فالأمة الآن تريد التغيير والقيادة موجودة والبرنامج موجود بشكل مفصَّل ومؤصَّل.
نعم، لا بد من تقريب صورة التغيير إلى أذهان الناس ولو بصورة إجمالية، وذكر بعض الإجراءات حتى يلتفَّ الناس أكثر حول الحزب من مثل غلق السفارات وترحيل موظفيها، وغلق المضائق، وقطع الاتصالات مؤقتًا، وتعطيل العمل بالاتفاقات والمعاهدات حتى يلغيَ أو يُقرَّ أو يعدِّلَ منها ما يراه الخليفة حتى تكون مطابقة للشرع، ومراجعة كل عقود الثروات والامتيازات للدول الأخرى، والعمل لضمِّ باقي دول العالم الإسلامي إلى دولة الخلافة وعدم اعتبار العلاقات معها علاقات خارجية.
ومن المتوقع أن يفاجَأَ الغربُ في كل يوم، بل في كل ساعة، بما لا يسرُّه وبما يكسر شوكته. فقوى الأمة لا يمكن حصرها. فهي لم ترَ يومًا أبيضَ على مدى قرن من الزمن، وعانت من الاستعمار ما لا يعلمه إلا الله. فالأمة تنتظر لحظة فكاك قيودها حتى تثأر لنفسها.
ومن المنتظر أن تصور الدول الاستعمارية الدولة الناشئة بأنها مارقة عن القانون الدولي وأنها مصدر للإرهاب، وسيهاجمنا بطائراته و صواريخه، وسيكون هناك ضحايا وقتلى وتدمير… ولكنه ثمن التحرُّر من الاستعمار. نحن ندفع الثمن من يوم أن غاب سلطان الإسلام، فلتكن التضحية الآن في سبيل التغيير والتحرُّر من الاستعمار.
إلا أن المعارك لا تُحسم إلا على الأرض، وهنا لا يجرؤ الغرب ومعه الشرق على مواجهة المسلمين حتى وهم بدون سلاح. فقد عرفهم في أفغانستان والعراق وسوريا ورأى بطولاتهم. انظروا الآن إلى الحروب في بلاد المسلمين، فقد جعلها الغرب بين المسلمين أنفسهم أي بالوكالة، واكتفى هو بالتمويل والإشراف وحتى التمويل هو من أموال المسلمين التي يفرط فيها الحكام مقابل الحماية والبقاء في الحكم.
ولكن هذه المرة سيفكر الغرب ألف مرة قبل أن يهاجمنا وسيحسب ألف حساب؛ لأن رجال اليوم لن يكونوا كرجال الأمس، وحكاَّم اليوم لن يكونوا كحكام الأمس، وأمة اليوم لن تكون كأمة الأمس.
هناك من يخاف المقاطعة ولكنه نسي أن الأمة لديها الكفاية من الزراعة ومن الثروة السمكية والحيوانية، والتصنيع سنبدؤه فورًا وسنعمل على إقامة مصانع ثقيلة… وفي بقية المجالات الغرب هو الخاسر في المقاطعة.
لدينا آلاف المخترعين والمبدعين، وعندنا ملايين الشباب المعطَّل، وعندنا مَن عادوا من الغرب ولديهم خبرة في كافة المجالات… عندنا قبل كل شيء رب قوي عزيز لا يعلم جنوده إلا هو، و عندنا قرآن نحيا به من جديد، و عندنا أعتى القوى ألا وهي القوة الروحية، وعندنا ثروات طبيعية كل العالم بحاجة إليها، ونستطيع أن نقايضَ بها سلعًا أخرى…
الأمة هذه المرة ستقاتل تحت إمرة صادقة، وسيكون القتال لله وحده وليس للوطن أو القومية، وسيكون في ذهن الأمة ما فعله بها الاستعمار وحروبه التي قتل وشرَّد فيها ملايين المسلمين، وسوف لن تكون هناك خيانات لأنها سيتم استئصالها من جذورها بعون الله.
هذا غيض من فيض، إمكانات الأمة لا حصر لها،ويمكن الإتيان بالكثير من الشواهد التي تبين أنها إمكانات لا حصر لها فالأمة تمتلك قوى لا تصدَّق، وعندها القدرة على التغيير، والحديث عنها بشكل واقعي وجعل الناس يلمسونها… فهذا يجعلهم يتجاوزون ما يعمل الغرب ليلًا نهارًا على زرعه في عقول وقلوب المسلمين من وهم استحالة عملية التغيير، وحتى لا نبقى في نظر الكثير نعيش في الخيال بعيدين عن الواقع أو القول لنا باستحالة تحقيق ما ندعو إليه، قال تعالى : (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥).
2021-04-14