الولاء والبراء في الخطاب السياسي
2006/12/30م
المقالات
2,672 زيارة
الولاء والبراء في الخطاب السياسي
إن أعداء الله وأعداء الأمة الإسلامية الكفار من يهود وأميركيين وأوروبيين وروس وهنود وصرب وجميع دول الكفر قاطبة لم ينفكوا عن نصب المكائد والمصائد والمصائب لهذه الأمة وإغراقها في الشقاء وتفريقها وتمزيقها، وإبعادها عن دينها الذي هو سر عزتها ومنعتها، وإبعادها عن كل ما ينفعها ويهيئ لها أسباب وحدتها والرجوع إلى دينها وإقامة دولتها، دولة الخلافة، مستخدمين شتى الوسائل والأساليب، من قتل وتعذيب وتهجير وتشريد للبشر واغتصاب للنساء وتدمير للحجر والشجر، من جرائم وحشية تقشعر لها الأبدان ويندى لها الجبين كما حصل ويحصل في فلسطين وكشمير وأفطاني والبوسنة والهرسك والشيشان والعراق ولبنان وغيرها، ومن فتنة للمسلمين عن دينهم وإبعادهم عنه كما يحصل في أمريكا وأوروبا وأوستراليا من سن للقوانين التي تبعد الناس عن دينهم باسم الاندماج تارة، ومحاربة الإرهاب تارة أخرى، ومن استهزاء بدين الله وأحكامه من طلاق وتعدد زوجات وجهاد وغيرها، وبرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما حصل في سجون الأميركيين وفي الدانمارك والنرويج وفرنسا وغيرها.
هذا غيض من فيض من أعمال الكفار المجرمين الحاقدين على الإسلام والمسلمين والتي تستأهل من كل ذي عقل وبصيرة من المسلمين الابتعاد عن موالاتهم أيما ابتعاد، ومعاداتهم كل العداء وأن يتبرأ منهم ومن كفرهم ومن جرائمهم خير البراء، قال تعالى: ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [الممتحنة 9]، وقال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) [المائدة 57]، ولعل الله عز وجل أن ينقذنا من شرهم ومن كيدهم إن نحن صبرنا على عدم موالاتهم والتزمنا حكم الله في علاقاتنا معهم، قال تعالى: ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) [آل عمران 120].
وقبل بيان خطاب الشارع المتعلق بالولاء والبراء لا بد من بيان معنى كلٍ منهما، فقد ورد في معجم لسان العرب: الولي: هو الناصر، ووالى فلاناً إذا أحبه، والولي: الصديق والنصير، ابن الأعرابي: الولي التابع المحب، والموالاة ضد المعاداة، والولي القرب والدنو.
والبراء من برئ: إذا تخلص، وبرئ: إذا تنزه وتباعد، وبرئ: إذا أعذر وأنذر، وأنا منه براء: أي بريء عن مساواته في الحكم وأن أقاس به.
ولقد جاء خطاب الشارع مشدداً في النهي الجازم عن موالاة الكافرين في جميع صورها وأشكالها وفي جميع الظروف والأحوال، إلا في حالة واحدة كما ورد في الجامع لأحكام القرآن وهي أن يكون المؤمن قائماً بين الكفار فله أن يواربهم (يخدعهم) باللسان إن كان خائفاً على نفسه وقلبه مطمئن بالإيمان. والتقية لا تحل إلا مع خوف القتل أو القطع أو الإيذاء العظيم قال تعالى: ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) [آل عمران 28]، حتى إنه قرن موالاة الكفار بالنفاق، وبيّن أن مصير من يقوم بها إلى النار، وأنه في حكم من والاه، وأنه من حزب الشيطان، ونفى الإيمان عن من اتخذ كافراً ولياً إذا اعتقد اعتقاده ورضي أفعاله، وبين أن في موالاة الكفار تداعيات خطيرة على الأمة الإسلامية من تسليط للمجرمين على رقابها، ومن فتنة من قتل وتعذيب وحصار وتجويع وترهيب للمسلمين، وتدمير ونهب وسلب للمتلكات، ومن فساد كبير من ظهور لعقائد الكفار وتشريعاتهم وأفكارهم ومفاهيمهم في المجتمعات الإسلامية، وغياب أحكام الإسلام وتشريعاته ومفاهيمه وأفكاره عنها، ومن رفع الله لنصرته وولائه عن هذه الأمة فتستنصر وتستصرخ فلن تجد لها من دون الله ولياً ولا نصيراً، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) [الأنفال 73]، وأود أن أورد بعض صور موالاة الكفار في هذه الأيام على سبيل التمثيل لا الحصر لعل الله تعالى ينقذنا من الوقوع فيها:
أولاً: حبهم وصداقتهم ونصرتهم وإعانتهم على المسلمين، كالسماح لهم باستخدام أرض المسلمين لأغراضهم العسكرية، وتمكينهم من خيرات المسلمين، ونقل أخبار المسلمين لهم وتبادل المعلومات الاستخبارية معهم، ومحاربة واعتقال وتعذيب وصد وتشويه صورة حملة الدعوة الإسلامية والمسلمين، وتبرير جرائم المفسدين في محاربتهم للإسلام والمسلمين، وما ذلك كله إلا إرضاءً لأسيادهم الكفار قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ) [النساء 144]، وقال تعالى: ( وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [المائدة 81].
ثانياً: طاعتهم في القرارات السياسية كالاحتكام إلى الشرعية الدولية وإلى قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والرباعية وخرائط الطريق الأميركية، والمبادرات العربية التي ما هي إلا أبواق للكفار المستعمرين، قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ @ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ) [آل عمران 149-150].
ثالثاً: اتباعهم في معتقداتهم وأفكارهم وشرائعهم التي هي من أهوائهم من رأسمالية وديمقراطية وعلمانية واشتراكية، ومساواة المرأة بالرجل، وحريات حسب فكرة الغرب، ومساواة بين الأديان، وثقافة السلام (الاستسلام)، ووطنية وقومية، وغيرها من أفكار الكفر، وإعانتهم على نشرها، وتسخير المناهج لها لحشوها في عقول أبناء المسلمين، وعقد الندوات والمحاضرات وبناء المؤسسات لترويجها قال تعالى: ( اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) [الأعراف 3]. وقال تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ @ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ @ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) [الجاثية 18-20].
رابعاً: اتخاذهم دخلاء وولجاء يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم الأمور، يطلبون استشاراتهم والإشراف على حل مشاكلهم وعلى أمورهم الداخلية والخارجية والتي لا تأتي على الأمة إلا بالعنت والمشقة قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ) [آل عمران 118]. وعن عمر (رضي الله عنه) قال: «لا تستعملوا أهل الكتاب فإنهم يستحلون الرشا، واستعينوا على أموركم وعلى رعيتكم بالذين يخشون الله» تفسير القرطبي ج: 4 ص: 179.
خامساً: الركون إلى الظالمين من أهل الشرك بالاستناد إليهم والاعتماد عليهم والرضا بهم كالاعتراف بكيان يهود المغتصب لأرض فلسطين والإقرار به ولو على شبر منها، وكالإقرار باحتلال الهند لكشمير، واحتلال الأميركيين للعراق وأفغانستان، والإقرار بالكفر والظلم كأمر واقع قال تعالى: ( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ) [هود 113].
ولقد جاء خطاب الشارع يبيّن أن موالاة الكفار تنحصر في بعضهم البعض ولا تكون بينهم وبين المسلمين ولا بأي حال من الأحوال، وأنهم مهما بلغت خلافاتهم على المصالح فإنهم يجتمعون على محاربة الإسلام والمسلمين والكيد لهم، وما العبارات التي يطلقها بعضهم من تضامنهم مع شعب من شعوب العالم الإسلامي لوقوع الظلم عليه إلا للتفرقة بين المسلمين، ولو دققنا في مضمون عبارات التضامن لوجدنا أنها ما أريد منها إلا الشر للمسلمين، وأن مواقف هؤلاء المتضامنين ودعمهم الجدي إنما يكون لبعضهم البعض، ودعمهم للمسلمين لا يكون إلا في برامج إفسادهم وتفريقهم وإبعادهم عن دينهم، ولو تتبعنا أعمال هؤلاء المتضامنين لوجدنا عدم توانيهم في ارتكاب الجرائم البشعة بحق الإسلام والمسلمين في أقطار أخرى من الأرض، هذا إن لم يكن في نفس القطر المتضامنين معه والتآمر عليه، وهذا أيضاً إن لم يكن في نفس موقف التضامن، وما مواقف مجلس الأمن والرباعية وروسيا والهند وأوروبا وغيرهم من الكفار عنا ببعيد، قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) [المائدة 51]، وقال تعالى: ( وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ) [الجاثية 19]، وقال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [الأنفال 73].
وعلى الرغم مما بيناه من خطورة ولاء الكافرين وما يترتب عليه من أهوال جسام ومتاعب عظام إلا أننا نجد في هذه الأيام الحكام الخونة في العالم الإسلامي، وأنظمتهم العفنة، وأتباعهم المأجورين، وعلماء السوء الساقطين، يهرولون في اتخاذ أعداء الله وأعداء الأمة الإسلامية أولياء، وفي جميع أشكال الولاء وصوره؛ وذلك لأن وصولهم إلى الحكم وإلى مناصبهم التي هم فيها وتسليطهم على رقاب هذه الأمة إنما جاء من الكافر المستعمر وبأساليبه الملتوية الخبيثة، وأن سندهم في تثبيتهم في الحكم وفي مناصبهم هم الكفار وليس الأمة والكفاءة والنزاهة، ظانين أن العزة تكون بوصولهم إلى هذه المراكز وتربعهم على الكرسي، وهم بذلك لا ينالون إلا الخزي والصغار والذل والعار؛ لأن العزة لله، وإنما تكون بالتزام أمر الله وطاعته وموالاة المؤمنين ونصرتهم وليس بخيانة الأمة والتآمر مع أعدائها عليها، قال تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) [النساء 139].
وهنالك سبب آخر يدفعهم إلى ذلك وهو أن الدائرة اليوم للكافرين، فهم يملكون الأساليب المادية والأموال والتجبر والبطش والسيطرة، وأن المسلمين اليوم ليس لهم حامٍ يحاسب من يظلمهم ويقتلهم ويهتك أعراضهم، ولكن ليعلم هؤلاء الخونة أن الملك لله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وأن هناك رباً يقصم الجبابرة ويغير النعم، وأن الأيام دول، وأن الله سيحشرهم إليه جميعاً وسيحاسبهم عما يعملون، وأنه، وبإذن الله، ونسأل الله عز وجل أن يكون ذلك قريباً، ستقوم دولة الإسلام، وسيهزم أولياؤهم الكافرون، وحينها لن يفلتوا من عقاب الله ومن نقمة الأمة عليهم ومن محاسبتها لهم على خياناتهم، وسيندمون حين لا ينفع الندم، قال تعالى: ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) [المائدة 52]، وليعلم الجميع أن قوة الكفار المادية مهما تعاظمت فإنها واهية وضعيفة أمام قوة الله وقدرته، وما إعصار كاترينا عنا ببعيد، وأنه في حال ظهور دولة الإسلام سيكون سقوط قوى الكفر سريعاً بإذن الله، قال تعالى: ( مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) [العنكبوت 41].
وكما أن الله عز وجل قد جعل موالاة الكافرين جريمة كبيرة يترتب عليها العقاب الشديد في الدنيا والآخرة، فإنه كذلك لا يرضى للمسلمين أن يقفوا موقف المتفرج على ما يجري بين إخوانهم وبين أعداء الله بقولهم: دعنا في صلاتنا وصيامنا وزكاتنا وحجنا وعبادتنا وطيبة قلوبنا، ولا دخل لنا في السياسة ولا نريد أن نوجع رؤوسنا، متعجلين راحة أنفسهم، راضين للكفر وأحكامه أن تسود، ولحرمات الإسلام أن تنتهك، وللمسلمين أن يذلوا ويقتلوا، وأعراضهم تنتهك، وأموالهم تستلب، ونساؤهم تغتصب، وهم يقفون أمام جرائم أعدائهم مكتوفي الأيدي لا يحركون ساكناً، وأخص بالذكر أهل القوة والمنعة من جيوش في دول العالم الإسلامي والمؤثرين فيها، ظانين أنهم بصلاتهم وصيامهم وعباداتهم قد بلغوا درجة الكمال، وظانين أنهم بسكوتهم عن نصرة إخوانهم ورفع الظلم عنهم وعن نصرة دين الله ورسول الله، وبسكوتهم عن قتال وتأديب كل من يعتدي على مسلم أو على حرمة من حرم الله يوم القيامة لا يسألون، ولكن خطاب الشارع جاء وبيّن لنا أن الزهد والانقطاع للعبادة لا يساوي شيئاً أمام موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله، وأن الذي عليه التعويل التصلب في مباراة أعداء الله ومباعدتهم ومعاداتهم، ولن تجد شيئاً أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، بل هو الإخلاص بعينه، والدخول في رحمة الله متوقف عليه، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «يؤتى يوم القيامة بعبد محسن في نفسه، لا يرى أن له سيئة، فيقال له: هل كنت توالي أوليائي؟ قال: يا رب، كنت من الناس سلم. قال: فهل كنت تعادي أعدائي؟ قال: يا رب، إني لم أكن أحب أن يكون بيني وبين أحد شيء. فيقول وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوالِ أوليائي ولم يعادِ أعدائي» نوادر الأصول في أحاديث الرسول ج: 4 ص: 84.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أوحى الله إلى نبيه أن قل لفلان الزاهد: أما زهدك في الدنيا فقد تعجلت راحة نفسك، وأما انقطاعك إلي فقد تعززت بي، فماذا عملت فيما لي عليك؟ قال: وما لك علي؟ قال: هل واليت فيّ ولياً أو عاديت فيّ عدواً» قال الأسفراييني هذا حديث غريب ورجاله ثقاة وزاد الحكيم في روايته «وعزتي لا ينال رحمتي من لم يوالِ فيّ ولم يعادِ فيّ» التمهيد لابن عبد البر ج: 17 ص: 434، نوادر الأصول في أحاديث الرسول ج4 ص84، الفردوس بمأثور الخطاب ج1 ص145، فيض القدير ج3 ص70. وعن جابر وأبي أيوب الأنصاري قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من امرئ يخذل مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته. وما من امرئ ينصر مسلماً في موطن يُنتقص فيه من عرضه ويُنتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته» رواه أبو داود، والطبراني في الأوسط وإسناده حسن، مجمع الزوائد ج7 ص267. هذا إن كان الانقطاع والالتهاء للعبادة، فكيف به إن كان للهو والرقص والغناء والتنزه والغرق في ملذات الدنيا ومتاعها.
لقد جاء خطاب الشارع يبيّن أنه من الواجب على كل مسلم التبرؤ من جميع أنواع الكفر وما يتعلق بها من أفكار زائفة ومفاهيم باطلة وعلاقات فاسدة فيتنزه ويتباعد عنها ويتخلص منها، وكذلك من أهلها ما داموا قائمين عليها ويقف في وجه باطلهم ولا يتولاهم مهما بلغت درجة قرابته منهم، وكذلك واجب على الأمة العمل نفسه مع من اتخذ الكفار أولياء من دون المؤمنين من حكام المسلمين اليوم وأنظمتهم وأعوانهم وكياناتهم، الذين خانوا الله ورسوله والمؤمنين ووقفوا سداً منيعاً في وجه نصرتها لبعضها البعض أن تتخلص منهم وتستبدلهم بخليفة مسلم يعادي الكفر والكافرين، ويكون ولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين، فيحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله، ويوحدهم ويجعلهم أمة واحدة من دون الناس، ويستعمل عليهم من يتقون الله، وينصر مظلومهم، ويعد الجيوش ويسيرها لتحرير ما اغتصب من أراضيهم، ويضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه الاعتداء على أي فرد منهم أو المساس ولو بواحدة من مقدساتهم، وينشر الإسلام رسالة هدى في جميع ربوع العالم؛ فتعود للأمة عزتها وكرامتها وهيبتها فتكون أمة متوادة متراحمة متعاطفة، ويرجع رضا الله عنها وحبه وولاؤه ونصرته لها، فينالون ببراءتهم من الكفر والكافرين وأنصارهم المفسدين، وبولائهم للإسلام والمؤمنين من تبليغ لأحكام الإسلام ونشر لأفكاره وعقائده، والذب عنها من تأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، وبحب المؤمنين وودهم، ومساندتهم ومؤازرتهم في عملهم لنصرة دين الله والوقوف في وجه كل من ينوي إيذاءهم ودفع أذاه عنهم،… ينالون رضوان الله عز وجل ورحمته ومغفرته والدرجات العلا في الجنة، وشرف كونهم من حزب الله الذي له الغلبة والنصر والتمكين والفلاح في نهاية المطاف… إنهم بذلك يكونون قد تمسكوا بأوثق عرى الإيمان، قال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة 4]، وقال تعالى: ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [المجادلة 22]، وقال تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ @ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) [المائدة 55-56]، وقال تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) [التوبة 71]. وعن عبد الله بن مسعود قال: «دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا ابن مسعود أي عرى الإيمان أوثق؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: أوثق عرى الإسلام الولاية في الله بالحب فيه والبغض فيه» المعجم الأوسط ج4 ص376.
اللهم اجعلنا من الذين يوالون فيك ويعادون فيك، واجعلنا من أوليائك الصالحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عماد عبد الفتاح الحسنات
2006-12-30