انتصارات الشعوب تحِّولها مؤامرات الحكام إلى هزائم!!..
2014/10/30م
المقالات
2,003 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
انتصارات الشعوب تحِّولها مؤامرات الحكام إلى هزائم!!..
حمد طبيب- بيت المقدس
الأمة الإسلامية أمة عظيمة، تحمل عقيدةً عظيمة تربطها وتصلها مع الخالق العظيم جلّ جلاله. ومن الميزات السامية لهذه الأمة العظيمة حبّ التضحية والاستشهاد والبذل والعطاء في سبيل الله عز وجلّ… وهذه الصفات باقية فيها حتى يرث الله الأرض ومن عليها ما حافظت على شروط خيريتها التي ذكرها الله تعالى في محكم تنزيله بقوله: ] كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [. وأمتنا أمة شهادة على الناس حتى قيام الساعة، قال تعالى: ] وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [. وقال عليه الصلاة والسلام: «أمتي كالغيث لا يُدرى أوله خير أم آخره» رواه الترمذي. وقال: «بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَا وَالرِّفْعَةِ والتمكين في الأرض، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ» أخرجه أحمد في مسنده.
ومن ثمار هذه الصفات العظيمة أن هذه الأمة الإسلامية لا تعطي دنيةً في دينها أو عرضها، ولا تقبل بسطوة الكفار فوق رقابها، بل إنها سرعان ما تنتفض في وجه عدوها وتغضب لدينها، وتقاتل من أجل عزتها وكرامتها، حتى وهي مكبلة في ظل حكام عملاء!!..
لكن هذه الأمة قد تكبو أحياناً فتقع فريسة مكر الكفار وعملائهم من الحكام نتيجة ضعف الإيمان وغياب مفاهيم الإسلام الصحيحة عن أذهان أبنائها، ونتيجة عدم تنبّهها لألاعيب الكفار وتضليلاتهم وأهدافهم الخبيثة، وعدم وعيها أيضاً على سياسات الكفار في بلاد المسلمين، فتنقلب الانتصارات إلى هزائم سياسية وعسكرية، وينحرف الجهاد والاستشهاد عن مساره الصحيح ليخدم مخططات الكفار وعملائهم من الحكام، ويسخر كل ذلك في أهداف وغايات لا تخدم الأمة ولا أهدافها، بل يخدم أهداف الكفار وبرامجه السياسية والفكرية!!..
فالشعوب المسلمة في كل بلاد المسلمين تقريباً ثارت ضد الاستعمار الأول، في بدايات القرن الماضي وأواسطه، وحققت انتصارات عظيمة على دولٍ كبرى مثل انجلترا في العراق، وفرنسا في الجزائر، وإيطاليا في ليبيا وغيرها من بلاد المسلمين… وقد ضربت الشعوب أروع الأمثلة في التضحية والفداء والجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وكان منطلق الشعوب في هذه الانتصارات العظيمة حب الجهاد، ومقاتلة الكفار لطردهم من بلادهم؛ إلا أن هذه الانتصارات لم تؤتِ ثمارها المطلوبة. ومن أهم أسباب ذلك هو عدم وجود القيادة الواعية في الأمة، وعدم وجود أهداف واضحة بعد إخراج الكافر من بلاد المسلمين؛ لهذا استطاع الاستعمار بخبثه ودهائه أن يقفز على مقدمة وقيادة تلك الثورات ويوجهها باتجاه أهدافه وبرامجه وغاياته بواسطة رجالاته العملاء الذين يمسكون بمقود السفينة، يوجهونها حيث شاءوا، ويضعون القوانين والبرامج الغربية لتُحكم بها بلاد المسلمين.. والأدهى من ذلك هو السماح لهؤلاء الكفار المستعمرين، الذين طردوا من البلاد، أن يعودوا إلى بلاد المسلمين بوجه جديد للاستعمار الاقتصادي والفكري والسياسي لبلاد المسلمين فكانت المصيبة الكبيرة!!…
فهل انتهت هذه المأساة الكبيرة عند حد الاستعمار الأول؟ وهل استطاعت الشعوب بعد ذلك أن تعي على حقيقة المؤامرات والسياسات الكافرة؟ وهل استطاعت الشعوب أن تجني ثمرة التضحيات العظيمة والانتصارات الكبيرة التي تحققها في أرض المعركة؟!
إن الحقيقة المرة هي أن الشعوب ما زالت تُسخر في خدمة أهداف الكفار نتيجة جهلها وعدم وعيها أولاً، ونتيجة وجود هؤلاء المجرمين من الحكام فوق رقابها وإمساكهم بمقود السفينة.
– ففي حرب سنة ثلاث وسبعين -حرب أكتوبر- على سبيل المثال حقق الجيش المصري انتصاراً عظيماً في ساحة المعركة على الجيش اليهودي، واستطاع أن يتجاوز كل خطوطه الدفاعية وتحصيناته؛ بما فيها خط بارليف الشهير، وتقدم الجيش المصري لمسافات كبيرة داحراً الجيش اليهودي أمامه كالفئران، وكبَّد اليهود ما يقارب ثلاثة آلاف قتيل وعشرين ألف جريح، وخسائر كبيرة في العدة والعتاد؛ لكن هذه النتائج العظيمة لم يجنِ ثمرتها الشعب المصري، ولا الأمة الإسلامية، إنما كان هذا الانتصار العظيم مقدمة لتثبيت كيان اليهود وحراسته، بل وأكثر من ذلك، فتح المجال له في أرض مصر التي ارتوت بدماء الشهداء في حرب أكتوبر.. فحصل ما حصل من توقيع معاهدة الخيانة في (كامب ديفيد) 17/9/1978م بعد زيارة السادات لكيان اليهود في 20/11/1977م!!.
فلم تكن الثمرة من انتصارات اكتوبر تحرير أرض المسلمين المغتصبة في فلسطين، مع أن الكيان اليهودي قد هُزم هزيمة منكرة، وكان بمقدور الجيش المصري أن يصل إلى غزة خلال ثلاثة أيام!!… بل كانت الثمرة تنفيذ سياسات أميركا في رسم مستقبل منطقة الشرق الأوسط لتثبيت كيان يهود، وجعله جسماً مقبولاً عند شعوب المنطقة، بدل أن يكون جرثومة غريبة يجب تطويقها والقضاء عليها، وطردها من جسد أمة الإسلام!!.
– وهذا الأمر تكرر سنة اثنين وثمانين عندما تجرأ الكيان اليهودي -بعد كامب ديفيد- وغزا لبنان للقضاء على المقاومة الفلسطينية في جنوب لبنان وبيروت. وقد حقق المقاتلون انتصارات عظيمة على الكيان اليهودي، وتكبَّد اليهود خسائر كبيرة، إلا أن مؤامرة الجامعة العربية، ووقوفها موقف المتفرج على هؤلاء المقاتلين وعدم مساعدتهم ودعمهم، وخاصة النظام السوري الذي لم يحرك ساكناً تجاه جرائم اليهود في لبنان، وكان الكلام عند حكام العرب وزعمائهم في خضم الحرب؛ هو كيف تخرج المقاومة من لبنان، والترتيبات لذلك، بدل البحث في كيفية إخراج اليهود، وصدهم وردهم من أرض لبنان، وبهذه المؤامرة الكبيرة تحول النصر إلى هزيمة سياسية ونصر لصالح اليهود، وذلك عندما انصاعت الأنظمة العربية في الجامعة العربية لإخراج المقاتلين من لبنان.. ثم كان ما كان بعد ذلك من إدخال هذه المقاومة في الدائرة السياسية لإنهاء قضية فلسطين في مدريد وأوسلو وغيرها!!.
– ونفس الأمر تكرر في حرب سنة 2006م، فقد تحقق نصر عظيم على يهود لكن المؤامرة التي حيكت بعد هذا الانتصار كانت خبيثة وكبيرة.
فقد تم إبرام اتفاق عن طريق الأمم المتحدة سنة 2006م في قرار مجلس الأمن 1701 ، وكان من ضمن هذه الاتفاق:
-
وقف كامل لجميع العمليات الحربية -بالاستناد إلى القرار المذكور.
-
دعوة حكومة لبنان و»اليونيفيل» كما هو مقرر في الفقرة 11 إلى نشر قواتهما معاً في الجنوب، ودعوة حكومة (إسرائيل) مع بدء الانتشار، إلى سحب جميع قواتها من الجنوب اللبناني بالتوازي مع ذلك.
-
دعوة (إسرائيل) ولبنان إلى دعم وقف إطلاق نار دائم، وحل طويل الأمد على أساس مبادئ وعناصر منها على سبيل المثال: (… ترتيبات أمنية لمنع استئناف الأعمال العدائية، تتضمن إنشاء – الخط الأزرق حتى نهر الليطاني- منطقة خالية من الأشخاص المسلحين، والعتاد والأسلحة، عدا تلك العائدة إلى حكومة لبنان و»اليونيفيل»، ونزع أسلحة كل الجماعات المسلحة في لبنان، وفقا لقرار مجلس الوزراء في 27 يوليو 2006م، وعدم وجود أسلحة أو سلطة في لبنان، عدا تلك التابعة للدولة اللبنانية، وعدم وجود أي قوات أجنبية في لبنان…)
يقول الأستاذ (داود خير الله) أستاذ القانون الدولي بجامعة جورجتاون: «لقد سمحت الولايات المتحدة لنفسها في غمار ضغطها على مجلس الأمن بأن تجعل القرار بعيداً عن أن يعكس روح القانون الدولي، أو أن ينطوي على شرح أمين لما حدث بين الجانبين المتحاربين في لبنان، وجاء حافلا بالتزوير».
وقد أوردت صحيفة هآرتس في افتتاحية لها في 24/7/2014م: (…إن قرار مجلس الأمن 1701/ 2006لم ينهِ الحرب فحسب، بل حقق أهدافاً سياسية لـ (إسرائيل)، كتعزيز سيطرة حكومة لبنان في الجنوب، وإخلاء جنوب لبنان من الصواريخ والأسلحة الثقيلة، ونشر قوات دولية على الحدود مع فلسطين المحتلة. منوهة إلى أن قرار 1701 كان امتداداً لقرار 1559 الذي أُقر قبله بسنوات والذي دعا إلى نزع سلاح حزب الله وباقي الفصائل المسلحة).
– ونفس المؤامرة تحاك هذه الأيام على أهل غزة هاشم، لقطف ثمرة الانتصار العظيم الذي حققوه في اتجاه آخر، يصب في مصلحة الأنظمة العربية العميلة ومن يقف خلفها من دول الاستعمار… فقد حيكت المؤامرة بشكل خبيث قبل الحرب على غزة، حيث تم إيجاد ورسم سيناريو هذه المؤامرة من قبل الولايات المتحدة، وكيان يهود وبعض الدول العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية وقطر لكسر إرادة المجاهدين من أهل غزة، وكسر شوكتهم، وتطبيق بنود المبادرة العربية سنة 2002م في قمة بيروت المشؤومة، ومنها الاعتراف بالكيان اليهودي صراحة…، فتركوهم وحدهم في الميدان أمام آلة الدمار والخراب اليهودية!!؛ إلا أن الصمود والمواجهة البطولية التي تحلَّى بها أهل غزة، جعلت الموازين تنقلب فوق رأس اليهود والأنظمة العربية العميلة لليهود، فأوجد هذا الأمر أزمة في حكومة اليهود، واضطروا للتفكير بالانسحاب. وهذا الأمر أغاظ الأنظمة العربية، وتسبب في إحراجها أمام شعوبها من ناحيتين، الأولى: إن اليهود ليسوا كما كذبوا على شعوبهم بأنهم قوة لا تقهر. والثانية: وقوفهم على الحياد في الحرب وعدم مساعدتهم لأهل غزة؛ لذلك بدأ التفكير في قلب موازين النصر لتكون مقدمات لإبرام اتفاق مع اليهود ضمن حكومة الوحدة الوطنية المبرمة، وقد عرضت مصر شروطاً معينة على اليهود، كان اليهود أصلاً قد وقعوا عليها ضمن اتفاق أوسلو 1993م؛ وهي (فتح المطار والميناء، ومنطقة الصيد البحري، وترتيبات المعبر مع مصر… ) فهذه أصلاً ليست جديدة، إنما هي من استحقاقات اتفاق أوسلو المشؤوم التي رفضتها حماس آنذاك، وقد كان القسم الأكبر منها موجوداً على الأرض قبل الانفصال ما بين غزة والضفة.
لكن ليس هذا هو الأمر المهم من موضوع الاتفاق، إنما المهم والخطير الذي رسمته الأنظمة العربية، وعلى رأسها مصر والسعودية هو أن تكون ثمرة هذا الانتصار العظيم تصب في دائرة المفاوضات مع اليهود ضمن حكومة الوحدة الوطنية، ثم يتبع ذلك ما يتبعه من تنازلات حسب اتفاقية أوسلو المشؤومة!!… فقد أوردت صحيفة هآرتس في 24/7/2014م نصائح للحكومة الصهيونية حول البنود التي يجب أن يتضمنها أي قرار في مباحثات القاهرة لإبرام أي اتفاق مع غزة، وتقول: «…يجب أن يتضمن أي قرار لإنهاء الحرب في غزة المبادئ التالية:
-
أن يحدد بأن الحكومة الشرعية في قطاع غزة هي حكومة السلطة الفلسطينية الخاضعة للرئيس محمود عباس، ويلزم ذلك (إسرائيل) بالتعامل مع حكومة الوحدة.
-
إعادة نشر قوات الأمن الفلسطينية في غزة على طول الحدود وفي المعابر.
-
تشكيل آلية لنزع الصواريخ والسلاح الثقيل، وتدمير الأنفاق في قطاع غزة، وإرسال بعثات من الأمم المتحدة للمراقبة.
-
أن تقوم (إسرائيل) بإجراء تغييرات جوهرية في سياستها على المعابر الحدودية مع قطاع غزة، خاصة ما يتعلق بعبور الأشخاص والبضائع بين غزة والضفة.
-
رفع الحصار البحري عن قطاع غزة، وإقامة ميناء جديد تحت رقابة قوات الأمن الفلسطينية..
وتضيف الصحيفة المذكورة: «..إن قرار 1701 الذي أنهى حرب لبنان الثانية منح (إسرائيل) مكاسب سياسية ودعائية هامة، كما أن قراراً مماثلاً في غزة سيحقق نصراً سياسياً لإسرائيل؛ خاصة إذا ما حصل القرار على دعم الجامعة العربية ومنظمة الدول الإسلامية»
إن الواجب الشرعي ليملي على المسلمين أن يبتعدوا عن دوائر ومؤامرات هذه الأنظمة العميلة، وأن لا يقبلوا بمبادراتها ولا مشاركاتها ولا الجلوس معها؛ لأنها ضمن المؤامرة مع كيان يهود وتحت إشراف أميركا ودول الكفار…
فلا يجوز الجلوس مع هذا المجرم الجالس على كرسي الحكم في مصر، ولا مع الأنظمة التي تآمرت على نساء وأطفال غزة، ولا يجوز أن يكون الثمرة للجهاد اتفاقات تمليها مصر لخدمة كيان يهود وضمن اتفاقات أوسلو أو غيرها.
فالله سبحانه وتعالى يقول: ] وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ [، وقد رفض الرسول صلى الله عليم وسلم كل عروض الكفار في مكة للسير معهم أو خلفهم أو ضمن مخططاتهم، وكان يجابههم في كل مرة بقوله تعالى:] قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [.
إن الواجب على أمة الإسلام أن تحافظ على تميزها وصفائها ونقائها، وأن تبتعد عن دوائر الحكام ومؤامراتهم أو الجلوس معهم، وأن تعمل لخلع الحكام وإيجاد نظام الحكم بما أنزل الله عز وجل بدل أنظمتهم العميلة المهترئة الذليلة… نسأله تعالى أن يكرم المسلمين عما قريب بنظام الإسلام ليجنوا ثمرة انتصاراتهم كما كان يجنيها القادة العظام في ظل حكم الإسلام..q
2014-10-30