سياسات رجب طيب أردوغان في ميزان الإسلام (2)
2020/09/11م
المقالات
2,440 زيارة
دور تركيا في حلف الناتو
إن قراءة الواقع السياسي يجب أن تكون قراءة واعية مجردة عن المشاعر، والحكم عليه يجب أن ينبني على قواعد ثابتة، بمعنى أنه يجب أن نفهم الواقع كما هو لا كما نحب أن يكون، وأن الحكم عليه يجب أن ينبني على العقيدة الإسلامية لا أن ينبت في مراكب تتلاعب بها الأمواج والرياح، كما أن الحكم على الأشخاص والأفكار لابد من أن ينبني على قاعدة ثابتة قائمة على العقيدة الإسلامية وإلا فقدنا وعينا وتم سوقنا إلى المهالك ونحن نهلل ونستبشر، نرى الأمر نحسبه عارضًا ممطرنا فإذا هو ريح فيها عذاب أليم، أو سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً!. وإنه لا ينبغي أن تسمح الأمة لأحد بخداعها وإدخالها في حالة تستنزف من طاقاتها وقدراتها ووقتها وأملها ثم تعود مخذولة يائسة، خاصة وأن بين يديها كتاب ربها الذي أنزله هدى ونورًا؛ فلا تضل ما اتخذت مقاييسها وأحكامها منه، وبنت أفكارها على أساسه. ولقد التفَّت الأمة سابقًا حول زعامات زائفة تم صناعتها صناعة، هلَّلت وطبَّلت لها على مواقف زائفة وخطابات عنترية، برغم أن تلك الزعامات لم تمنع عن الأمة هزائم تتلوها هزائم ولم تردَّ يدَ لامس، بل أوردتها المهالك وتلاعبت بقضاياها الهامة والمصيرية لصالح أعداء الأمة، بداية من مصطفى كمال وجمال عبدالناصر وياسر عرفات وليس انتهاء بالرئيس التركي أردوغان.
في عام 1952م، انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي وُقِّعَ عليه في 4أبريل/ نيسان 1949م في واشنطن، واعتبرته حلفًا يعزز الهوية (الغربية) إلى جانب ضماناته التي امتدت سنوات طويلةً في مجال الدفاع والأمن. وفي حزيران 2005م، أَسّست تركيا المركز الأعلى لمكافحة الإرهاب (TMMM) في بنية هيئة الأركان العامة؛ وذلك في إطار القرارات التي اتُّخِذت لبناء مراكز عليا ترشد صنَّاع القرار، ومن خلال أعمالها في قمة حلف الناتو التي عقدت في براغ في سبتمبر/تشرين الثاني 2002م من أجل مكافحة التهديدات القديمة والجديدة. وهو منظمة عسكرية دولية يعمل فيها ضباط من سبع دول أعضاء في حلف الناتو إضافة إلى تركيا، ويقدم الخدمات للموظفين المدنيين والضباط متوسطي ورفيعي المستوى من الدول الأعضاء في الحلف والدول التي لها شراكة مع حلف الناتو في محافل مختلفة. ويقيم هذا المركز سيمينارات وندوات وورشات عمل وغيرها من الفعاليات في موضوعات متعددة، مثل استنزاف الموارد المالية للإرهابيين، ومكافحة الانتحاريين، والعلاقة بين الإرهاب والإعلام، ودراسة أسس الإرهاب الأيديولوجية… وتُقدِّم الإسهامات الأكاديمية للأعمال التي تُسيَّر في مقر حلف الناتو بخصوص مكافحة الإرهاب.
في 19 مارس 2003م، صوَّت البرلمان التركي بالموافقة للسماح للقوات الأمريكية باستخدام قواعد تركيا لغزو العراق؛ حيث وافق 322 ورفض 202 وامتنع عضو واحد عن التصويت، كما سمحت تركيا للولايات المتحدة باستخدام قاعدة إنجرليك في جنوب تركيا لنقل المجاهدين لمعتقل جوانتانامو. لم يكن هذا هو هدف القواعد الوحيد، فقد كانت تزود أميركا بالمؤن؛ كالغذاء والمياه والوقود والأدوية لمعالجة الجرحى. وتُستخدم تركيا كقاعدة لأغلبية الدعم اللوجستي للقوات الأمريكية المتمركزة في العراق، وقد اتفقت أيضًا على السماح للقوات الأميركية بالانسحاب من العراق عن طريق الأراضي التركية.
سمحت تركيا للولايات المتحدة باستخدام قواعدها في الحرب على أفغانستان، وخلال أقل من 24 ساعة قامت تركيا بتسهيل استخدام أراضيها ومجالها الجوي للقوات الأمريكية لبدء الحرب على أفغانستان في أكتوبر/ تشرين الأول 2001م، فضلًا عن إرسال تركيا لما يقرب من حوالى 1200 جندي لتقديم العون لقوات الدعم والإسناد (إيساف) التابعة لحلف الناتو. كما دعمت التدخل العسكري الدولي في شمال مالي. ولك أن تتخيل حجم الدمار والخراب الذي لحق بالمسلمين على يد أعدائنا الصليبيين، من قتل وتنكيل وضياع للأرض وانتهاك للحرمات وكل هذه الجرائم تشارك تركيا فيها بقواتها.
فأمريكا والدول الغربية تستغل قوة تركيا وأراضيها ذات الموقع الاستراتيجي المهم لدعم أهداف الحلف المعادية للإسلام، فالطائرات الأمريكية تشن الكثير من غاراتها ضد أبناء المسلمين من قواعد لها على الأراضي التركية، فلو كان أردوغان يملك قرار بلاده لانسحب من هذا الحلف المعادي للإسلام والمسلمين فورًا ومن دون تأخير، وكم من المجازر التي ارتكبها الحلف في العراق وأفغانستان وفي غيرها من بلاد المسلمين بدم بارد وبحقد دفين.
العلاقة مع روسيا:
لقد جاء الكثير من التوسّع الإمبراطوري الروسي، بدءًا من ضم القرم في عام 1783م، على حساب الدولة العثمانية على طول الساحل الشمالي من البحر الأسود والبلقان، والقوقاز، كما قلبت المكاسب الروسية من تراجع الإمبراطورية العثمانية موازين القوى في أوروبا ولا سيما خلال حرب القرم (1854-1856)م. وبالإضافة إلى ذلك، ساعدت طموحات روسيا للاستيلاء على المضيق التركي واستكمال تقطيع أوصال الإمبراطورية العثمانية على اندلاع الحرب العالمية الأولى.
لقد نجحت تركيا في البقاء على الحياد خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن انتصارات الاتحاد السوفياتي أدت إلى إحياء طموح الإمبراطورية الروسية للسيطرة على المضيق التركي. وفي ذلك الوقت، طالب جوزيف ستالين بسيطرة سوفياتية تركية مشتركة على المضيق وإقامة قواعد عسكرية في تركيا.
قاومت أنقرة مطالب ستالين، مما دفع ستالين للضغط من أجل اندلاع ثورة شيوعية في تركيا. وردًا على ذلك، قدّم الرئيس الأمريكي هاري ترومان المساعدة لأنقرة وفقًا لبنود مبدأ ترومان. وفي عام 1952م، انضمت تركيا إلى حلف شمال الأطلسي، وأصبحت تركيا الكمالية معقلًا لمعاداة الشيوعية وركيزة أساسية من ركائز التحالف الغربي. لكنَّ الاتحاد السوفياتي لم يتخلَّ أبدًا عن جهوده لإضعاف تركيا. وبين أدواته للقيام بذلك، كان دعم تمرد حزب العمّال الكردستاني ضد أنقرة في ثمانينات القرن الماضي.
استمر الصراع بين أنقرة وموسكو بشأن الدول المجاورة. في تسعينات القرن الماضي، حاولت تركيا بدعم من الغرب الاستفادة من العلاقات التاريخية والثقافية لتحلّ محلّ روسيا باعتبارها راعي الجمهوريات الإسلامية الناطقة بالتركية في آسيا الوسطى. كما دعمت أنقرة وموسكو أطرافًا متناقضة في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناغورنو كاراباخ الذي توقف بعد اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1994م.
بموجب اتفاق يناير عام 2002م بين البلدين سحبت روسيا دعمها لحزب العمّال الكردستاني في حين اعتمدت تركيا موقفًا أكثر تشددًا في الشيشان وجماعات شمال القوقاز الأخرى التي تعمل من أراضيها، على الرغم من التعاطف الكبير الذي كانوا يتمتعون به بين الشعب التركي. مما مكن الروس من إحكام قبضتهم على الشيشان والقضاء على تحركات المجاهدين الشيشان من أجل التخلص من النفوذ الروسي.
وبحلول عام 2008م، أصبحت روسيا أكبر شريك تجاري لتركيا. وكان مجال الطاقة هو المكّون الأكثر أهمية في العلاقات الاقتصادية بين البلدين. استوردت تركيا، التي لا تمتلك سوى القليل من المواد الهيدروكربونية، أكثر من 40 بالمئة من واردتها النفطية من روسيا في عام 2009م. ولا تزال روسيا تزوّد البلاد بحوالى 57 بالمئة من الغاز الطبيعي. كما امتدت العلاقات الاقتصادية لتشمل الطاقة النووية، والإنشاءات، والسياحة، والقطاعات الأخرى كذلك.
بعدما أوعزت أمريكا لروسيا بالتدخل المباشر في سوريا على أثر اجتماع أوباما مع بوتين يوم 29/9/2015م، أوعزت لأردوغان أن يتفاهم مع بوتين بشأن الخروقات الجوية التي سيقوم بها الطيران الروسي أثناء شن غاراته على أهل سوريا المسلمين؛ حيث إن القاعدة الجوية التي سينطلق منها طيران العدوان الروسي قريبة من تركيا، وقد شرح جنرال روسي ذلك على تلفزيون (روسيا اليوم)، إذ إنه لا مفر من أن يخترق الطيران الروسي الأجواء التركية أثناء الإقلاع أو الهبوط لضيق المجال، فأعلن عن هذا التفاهم حيث ارتكب أردوغان خيانة كبرى وأصبح شريكًا في سفك دم المسلم الحرام.
وحدث أن قامت طائرة تركية بإسقاط طائرة روسية اخترقت الأجواء يوم 24/11/2015م، فتدهورت العلاقات بين الطرفين، واعتبرها بوتين (طعنة في الظهر)، ولكنه لم يحمّل أردوغان شخصيًا المسؤولية، وعمل أردوغان على تصحيح الأمر حتى قدم اعتذارًا لروسيا يوم 27/6/2016م، ومن ثم حصل اللقاء بينهما يوم 9/8/2016م، في سان بطرسبرغ؛ ليقوم بعدها الطيران الروسي وأثناء القمة بجانب نظام الطاغية بتكثيف غاراته على أهل سوريا المسلمين ليقتل المئات منهم في غضون أيام قليلة، وما زال يواصل غاراته لأنه مرتاح، وقد أخذ الموافقة دون اعتراض على ذلك من قبل أردوغان الذي يرأس دولة جل سكانها من المسلمين، وقد كذب على أهل سوريا بأنه سينصرهم!
إنه من المعلوم أن تركيا أردوغان تسير في سياستها مع أمريكا، ولم تخرج عنها في شيء يذكر طوال عهده، فكل سياساته كانت وما زالت تصب في خانة المصالح الأمريكية؛ ولذلك دفعت أمريكا أردوغان ليتصالح مع روسيا التي تقدم الخدمات لأمريكا في سوريا، ونسيان موضوع إسقاط الطائرة الروسية الذي تبين للجميع أنه كان خطأ. وقد لاحظ الجميع كيف أستطاعت أمريكا من خلال تركيا والروس السيطرة على الوضع في سوريا، ومنع إسقاط نظام بشار الأسد قبل أن ينضج البديل، وكيف اختفى الدور الأوروبي تمامًا أو كاد.
وقد أعلنت تركيا الأحد 01/03/2020م، أنها أطلقت عملية عسكرية ضد النظام السوري في إدلب في شمال غرب سوريا، ردًا على هجمات كبّدت أنقرة خسائر فادحة. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار عملية (درع الربيع)، التي أطلقت بعد الهجوم الشنيع في إدلب في 27 شباط/فبراير، متواصلة بنجاح. وأضاف أن أنقرة لا تملك «لا النية ولا الرغبة في الدخول بمواجهة مع روسيا» التي تدعم النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
من الواضح جدًا سعي أردوغان الحثيث لتطبيق بنود سوتشي وفتح الطرق الدولية، وما يتطلبه ذلك من تدمير وتهجير ممنهجَين، وذهاب كل المدن والقرى على جنبات الطريق ليد نظام الأسد (باعتراف تركي رسمي)، ثم تأتي نقاط الخداع التركي تترى فيُظن بها خيرًا لينكشف دورها بالمراقبة فقط لأي تحرك مخلص ضد طغمة أسد الإجرامية ويحتضنها النظام بلا اشتباك ولا عداوة. ثم تأتي موجات مسعورة ومتكررة من القصف والتهجير لكسر إرادة الأمة، وإخضاعها للحل السياسي الذي تهندسه أمريكا، فيسارع أردوغان لتنفيس الاحتقان. ولا يخلو الجو أحيانًا من رشقات اختلاف هزلية عابرة للتعمية على الخيانة لا تتعدى الاختلاف على بعض الرتوش، ما دامت تركيا تصرح بلا مواربة أو حياء أنها تضغط على روسيا لتعود لحدود سوتشي لتشرعنَ لها ما سُلِّم قبله وأثناءه. في حين وبالتوازي تصدر تصريحات رسمية عن ارتفاع مستوى التنسيق والتبادل التجاري بين تركيا وروسيا إلى مستويات غير مسبوقة، وكأننا نحن البضاعة!، ثم تأتي مسرحيات القصف التركي للنظام، والتي لا تتعدى كونها رفعًا لأسهمه المتهاوية، ودفعًا للناس للتعلق من جديد بحباله المسمومة. والسؤال الذي يجب أن يطرح الآن، أين صارت مناطق خفض التصعيد السابقة (التي ضمنها الضامنون) وأين صار أهلها؟! ألم يسيطر عليها النظام ويهجّر أهلها إلى الشمال؟!.
إن روسيا دولة عدوة للإسلام والمسلمين، فقد قتلتهم في الشيشان وأفغانستان وتفعل ذلك في سوريا الآن، فلم تُبقِ صاروخًا أو سلاحًا إلا وجرَّبته في النساء والشيوخ والأطفال، ومجازرها في جميع أنحاء سوريا بحق المسلمين مستمرة إلى الآن. إن الله سبحانه وتعالى حذَّرنا من الركون للأعداء والظالمين وتوعد بالنار من لم يلتزم بذلك، قال تعالى: (وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ١١٣).
أي إسلام يريد أردوغان:
في كلمة ألقاها خلال حفل أقيم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة في 08/03/2018م، قال أردوغان: «لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرنًا، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف، وهنا يكمن جمال الإسلام». فإذا كان هذا هو رأي أردوغان في الإسلام وأنه يحتاج لتحديث ليلائم العصر، فعن أي تدرج نحو تطبيق الإسلام يتحدث المفتونون به؟!، وأي خلافة يمكن أن يقيمها أردوغان في يوم ما؟! فهو يقيم في بلده نظامًا علمانيًا ليس له أدنى تعلق بالإسلام، ويقوم على ما تقوم به أنظمة الكفر الرأسمالية. والذي يوضِّح الصورة أكثر وأكثر، فإن أهل تركيا ذوي الغالبية الإسلامية يمارسون حياتهم كل بحسب معتقده ومفاهيمه عن الحياة بمن فيهم المسلمون، ولكن على أساس فصل الدين عن الدولة، فلو أن مسلمًا شرب الخمر، أو زنا، أو سرق أو قتل أو ارتد… فإنه لا تطبق عليه العقوبات والحدود الشرعية… حتى إننا نجد في بعض المعالم التركية السياحية، ما يعرف بالسياحة الجنسية… وهو لا يجد أن هذا يوجب الشرع عليه كحاكم أن يمنعه… فبالنسبة إلى الحكم، فإن كل شيء يسير في تركيا كما كان يسير من قبل أن يأتي أردوغان إلى الحكم، وعلى طريقة (أتاتورك) في الحكم… الذي اختلف هو أمر واحد، وهو أن (أتاتورك) كان يتبنى علمانية معادية للدين، وللإسلام بالدرجة الأولى، فهو كما نعلم منع الأذان بالعربية، وأغلق الكثير من المساجد، ومنع الحجاب، وترجم القرآن إلى التركية… أما أردوغان فإنه تبنى علمانية غير معادية للدين. وبما أن غالبية الناس مسلمة، كان لهذا التحول أثره الطيِّب على نفوس المسلمين، ووجد تقبُّلًا عارمًا عند مسلمي تركيا، وخاصة بعد أن استطاعوا، خلال فترة حكمه، أن يمارسوا شعائرهم الدينية التعبدية التي كانوا محرومين منها من قبل، وفتح لهم الكثير من المساجد المغلقة. كذلك وجد تقبُّلًا عند المسلمين في جميع أنحاء العالم، وأخذوا ينظرون إلى هذا التحول على أنه التحول الشرعي المطلوب، ويعوِّلون عليه للتغيير الشرعي المنشود. والذي زاد من تمسكهم به هو معاداة الفئة العلمانية لكل تحركاته، وتوجُّسهم خيفةً من كل تصرف يتصرف به، واعتباره أنه يعمل على القضاء على إرث (أتاتورك). ولأن عوام المسلمين تقوم مواقفهم على ردات الفعل، فإنهم زادوا تمسكًا به وتأييدًا له، وظهر ذلك في نجاحه في الانتخابات، وفي تأييده ضد العسكر، وفي وقوفهم إلى جانبه ضد الانقلاب.
إن من يطلع على حجم الاعتقالات والملاحقات والتسريحات من العمل التي نفذها أردوغان بحق خصومه السياسيين والعسكريين والإعلاميين والفكريين، يلمس حجم الجهود الجبارة التي يبذلها لتثبيت حكمه وصلاحياته في البلاد، وإذا ما أضيف إلى ذلك الصلاحيات التي تمكَّن من انتزاعها لنفسه بعد الانتخابات الأخيرة والتعديلات الدستورية يدرك حجم القوة التي بات يتمتع بها والسطوة التي يمتلكها في البلاد. وأمام هذه القوة والصلاحيات التي يتمتع بها أردوغان يأتي مشهد خذلانه للإسلام والمسلمين. فنظام الحكم في تركيا ما زال علمانيًا، بل ونظامه يحارب دعاة الإسلام ويودعهم السجون أعوامًا مديدة، وإذا ما ناقشت محبي الإسلام ممن وقعوا في خداع أردوغان عن سبب عدم حكم أردوغان بالإسلام ما دام محسوبًا على الإسلاميين، يقولون لك: «أردوغان لا يستطيع التغيير مرة واحدة، فخصومه كثر»!!
وهنا يبرز التساؤل الأكبر، إذا كان أردوغان قد استطاع البطش بعشرات الآلاف من الخصوم العسكريين والسياسيين، وملاحقة عشرات الآلاف الآخرين، وأطاح بجنرالات وقادة كبار في الجيش، وما زال يلاحق كل حصون وقلاع خصومه بضراوة وشراسة غير مسبوقة، وكل ذلك من أجل شخصه أو حزبه، أفلا يستحق الإسلام العزيز أن يفعل له بعض ما فعله لنفسه ولحزبه؟! فهل يستطيع فعل كل ما فعل من أجل نفسه وهيبته ولا يستطيع ذلك من أجل الإسلام الذي بسببه انتخبه الناس؟!.
لا شك أن الجواب على هذا التساؤل سهل جدًا لمن أراد أن يُبصر الحقيقة المتمثلة بأنَّ أردوغان لا يريد تطبيق الإسلام ولا يسعى لذلك، وما تستُّره بالإسلام إلا خداعًا للمسلمين وتمريرًا لمؤامرات المستعمرين في بلاد المسلمين تحت لواء ومظلة ما تحبه الجماهير وتهواه وهو الإسلام. وما نقول هذا الكلام إلا (تَبۡصِرَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِكُلِّ عَبۡدٖ مُّنِيبٖ ٨).
2020-09-11