الخلافة المرتقبة والتحديات (7)
2007/01/30م
المقالات
2,187 زيارة
الخلافة المرتقبة والتحديات (7)
النوع الثالث من التحديات الخارجيّة المرتقبة هو: الحصار بأنواعه الثلاثة: الاقتصادي والسياسي والفكري. وهذا النوع من التحدّيات، هو من ألوان الحرب العاتية التي ستعلنها دول الكفر على دولة الإسلام المرتقبة، وذلك للقضاء عليها، والحيلولة دون قوّتها واشتداد عودها وشوكتها، قال تعالى: ( يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ ) [التوبة 32]
قد يترافق هذا النوع من أنواع التحدّيات الخارجيّة، مع الحرب الماديّة وسياسة التضليل والتشويه، وقد يكون مرحلة متقدمة أو متأخرة عن الشكلين الأولين، وذلك حسب برامج السياسة الحاقدة التي يفكّر بها الغرب ويضع لها الخطط. ولكن غالباً ما تكون الأنواع الثلاثة في نفس الوقت، وذلك للإسراع في القضاء على هذا النور الجديد (حسب أمنياتهم وتوقعاتهم).
على أية حال، سواء تزامن هذا اللون وترافق مع غيره، أم جاء في مرحلة متقدّمة أو متأخرة، لا بدّ من وضع تصوّر ٍصحيح للخطط والوسائل والأساليب المحتملة في ذلك، ووضع الحلول الشرعيّة، والخطط والأساليب في مواجهتها.
ولكن قبل الحديث عن موضوع الحصار المتوقّع، لا بد من فهم بسيط لواقع الحصار، وذكر بعض ألوانه من الماضي.
الحصار في لغة العرب، ورد في الصحاح للجوهري: حَصرهُ يحصُره ضيّق عليه، والحصير: الضيّق البخيل، والحصيرُ: الملك، لأنه محجوب، والحصيرُ أيضاً: المحبسْ: قال تعالى: ( وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) [الإسراء 8] والحَصَرُ: ضيق الصدر، يقال: حَصرت صدورهم أي ضاقت. وتأتي أيضاً بمعنى المنع قال تعالى: ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ) [البقرة 196] أي مُنعتم من الحج بواسطة مانع من مرض ٍأو عدوّ أو غيره… وهذا المعنى للحصار يقود لبيان واقع الحصار من أجل تحقّقه في أرض الواقع.
فالمنع والتضييق والحبس، لا بد له من وسائل وأساليب تُمارسها دول الكفر لتحقّقها في أرض الواقع.
ومن الوسائل والأساليب التي تتبعها الدول في مسألة الحصار:
1- القانون الدولي: أي اتخاذ قرارات دولية ملزمة للدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، تُلزَم فيها الدول الاستعمارية الكبرى المعادية للإسلام، وتُلزم فيها كافة الدول العربية وغير العربية من دول العالم الإسلامي، باتخاذ إجراءات المقاطعة الدوليّة ضد هذه الدولة الخارجة عن إرادتهم (الدولة الإسلامية)، وبوضْع خطواتٍ عملية ٍلمراقبة هذا الإجراء، واتخاذ إجراءاتٍ عقابية ٍللمخالف في ذلك. وقد نصّ قانون الأمم المتحدة على هذه المسألة في المادة الرابعة (4)، حيث جاء فيها: «يحق لمجلس الأمن أن يفرض العقوبات الجويّة أو البرية ضدّ كل من يهدّد السِلْم والأمن الدوليين» وقد نصت المادة (16) من ميثاق عصبة الأمم سابقاً، والمادة (41) من ميثاق الأمم المتحدة الحالي: «إن لمجلس الأمن سلطةُ اتخاذ قراراتٍ ملزمة للدول الأعضاء بأن توقف علاقاتها الاقتصادية والمواصلات الحديديّة والجويّة والبريديّة والبرقية واللاسلكية وقفاً تاماً، كليّاً أو جزئياً، ضدّ الدولة التي تهدّد السِلْم أو تقوم بالعدوان». ومن أمثلة العقوبات التي فُرضت عن طريق الهيئات الدولية: العقوبات على إيطاليا عام 1935م بقرار من عصبة الأمم، والعقوبات على روديسيا عام 1968م بواسطة مجلس الأمن، وكذلك العقوبات التي فرضتها أميركا عن طريق هيئة الأمم المتحدة على ليبيا سنة 1992م بسبب اتهام ليبيين بتفجير طائرة بان أميركان فوق لوكربي في أسكتلندا عام 1988م، والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ليبيا سنة 1986م بسبب اتهام ليبيا بدعم جماعات إرهابية، والعقوبات التي فرضتها أميركا عن طريق الأمم المتحدة على العراق في الحصار الشهير سنة 1990-1991م أي بعد انتهاء حرب الخليج الأولى.
وبهذا الإجراء الدوليّ، تُمنع الدولُ المجاورة، أو الدولُ البعيدةُ من أيّة معاملات أو علاقات تجاريةٍ، أو تبادليّة، أو معوناتٍ، أو مساعداتٍ عينيّةٍ وغير عينيّة -تُمنع من تقديمها للدولةِ الإسلامية- بشكلٍ علنيّ ظاهرٍ، أو حتى بشكلٍ سريّ مخفيّ.
2- عن طريق الدول العميلة للاستعمار، وخاصّة الدول المحيطة والمجاورة للدولة الإسلامية، وهذا الإجراء يُتخذ بشكلٍ سريعٍ دون الرجوع لقرارات الأمم المتحدة، بل بإشارةٍ من الدول الكبرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا… وغيرها، وهذا النوع هو من أخطر أنواع الحصار وأكثرها ضرراً على الدولة الإسلامية.
3- عن طريق فرض الإجراءات بممارسة القوّةِ العسكرية، وذلك كما فعلت بعض الدول في الحرب العالمية الثانية كألمانيا مع روسيا في حصار لننغراد في الحرب العالمية الثانية، واستمرّ هذا الحصار 872 يوماً ومات فيه أكثر من مليون إنسان.
أو كما فعل نابليون في حصاره الشهير لمدينة عكاّ سنة 1799م – 1800م، واستمرّ أكثر من ستة أشهر متواصلة. أو كما فعلت الدول النصرانية في الحملة الصليبية الأولى عندما فرضت حصاراً على مدينة القدس سنة 1599م حيث استمرّ هذا الحصار حوالى أربعين يوماً وانتهى بسقوط القدس بيد الصليبيين في شعبان من ذلك العام. وحصل حصار شهير في التاريخ الإسلامي على الدولة الإسلامية وعاصمتها (بغداد) من قبل المغول سنة 656هـ، واستمرّ من محرم حتى شهر صفر أي حوالى شهر إلى أن سقطت بغداد وانهارت الدولة العباسية سنة 656هـ.
هذا من حيث الحصار كمعنىً وواقع، ومن حيث الأساليب والوسائل التي تُتخذ لإجرائه وتنفيذه في أرض الواقع.
أما من حيث المسّوغات والحجج لفرض هذا الحصار على دولة كالدولة الإسلامية، فلا بدّ لهذا الإجراء من مقدّمات، لإقناع المجتمع الدولي والشعوب في دول المجتمع الدولي بهذا الإجراء الجديد. فقد حصلت ألوان من الحصار في تاريخ المسلمين، من قبل الدول الكافرة، واتخذت لذلك المسوّغات والحجج الواهية الكاذبة.
ومثال ذلك الحصار، على الرسول (ﷺ) وصحبه في مكة المكرمة، حيث كانت الحجّة لهذا الحصار، المحافظة على مكانة السيادة والريادة التي تحظى بها مكة بين قبائل العرب، وكذلك المحافظة على تراث الآباء والأجداد (الأصنام)، والمحافظة على السيادة والزعامة الداخلية. وكذلك الحصار الذي ضربه الكفار من قبائل العرب حول المدينة المنورة في غزوة الأحزاب، بحجّة تهديد طرق التجارة، ومزاحمة قريش مكانتها في الزعامة. وهناك حصار فرضته الدول الكافرة بزعامة أوروبا النصرانية تحت منظومة (عصبة الأمم المتحدة) على الدولة الإسلامية العثمانية، بحجة معاداة الدولة الإسلامية للدول الأوروبية، وعدم قبولها بالأعراف الدولية، واستمر هذا الحصار حتى انهدام الدولة العثمانية سنة 1924م.
والحقيقة أن المسّوغات عند الدول الاستعمارية لفرض الحصار على الدولة الإسلامية المرتقبة قد بدأت بها بالفعل هذه الأيام قبل قيام الدولة الإسلامية، ومن هذه المسوّغات والحجج ما تقومُ به الدول الاستعمارية الكبرى من (حرب على الإرهاب)، وإلصاقٌ لكلمة الإرهاب بأيّ اسمٍ للإسلام فيه معنى الاستقلاليّة، أو القوّة، أو السعي للانفصال عن تبعيّة الغرب، وما تقوم به كذلك من سياسات تضليليّة وإعلاميّة عن طريق من يُسمّوْن بالعلماء (علماء السلطان)، في افتراء أحكام كاذبة تتعلّق بالإسلام، مثل التسامح الديني، واحترام الآخر، والوسطيّة، وإلغاء فكرة الكفر، وإلغاء فكرة الجهاد وتحريفها من حربٍ هجوميّةٍ لتحطيم الحواجز الماديّة من أمام الإسلام، إلى حربٍ دفاعية فقط، وفي الوقت نفسه اتهام المخلصين من حملة الدعوة لإعادة الإسلام بالتشدّد والانحراف عن الصواب.
والدول الاستعمارية -هذه الأيام- تسعى بشكلٍ حثيثٍ لاستصدار قانون عالميّ تصف فيه الإرهاب، وتُقدّم لذلك بهذه المقدّمات المضللّة الإجرامية عن طريق علماء السلاطين، وسيكون هذا القانون ضد فكرة الجهاد، وضد فكرة الإسلام السياسيّ، وضد فكرة المفاصلة ما بين الكفر والإسلام، بمعنى آخر، ستسعى دول الكفر لجعل قانون (مكافحة الإرهاب) ضدّ أيّ شيءٍ فيه معنىً للإسلام السياسيّ الصحيح، أي ضد أيّ شيءٍ يعملُ بخطٍّ معاكسٍ لسياستهم، ومن ذلك (الدولة الإسلاميّة)، أي ستصنَّفُ الدولة الإسلامية المخلصة ضمن قانون (مكافحة الإرهاب العالميّ).
هذا من ناحية دوليّة، أما الناحية الشعبيّة والجماهيريّة، فإن الدول الكافرة تتبّع سياسات تضليلية مكثّفة ضد الإسلام كدين، وضد المسلمين كحملة ٍلهذا الدين. وقد تحدثنا عن هذه النقطة في الحلقة الماضية.
وبناءً على هذه الأكاذيب والأضاليل الدولية والشعبيّة في بلاد الغرب وفي بلاد المسلمين المجاورة، ستفرض الدول الكافرة سياسة التضييق، والمنع، وقطع المساعدات والهبات والمعونات من الدول المجاورة للدولة الإسلاميّة، وستقوم بتجييش الجيوش، والأساطيل سواء من الدول الكبرى نفسها، أم من الدول المجاورة للدولة الإسلامية، وستفرض كذلك حالةً من العزلة الدوليّة: سياسية وفكرية واقتصادية، على هذه الدولة. نعم.. إن أميركا ودول أوروبا ستلجأ إلى فرض الحصار الاقتصادي والسياسي والفكري على الأقل على هذه الدولة، إن لم يكن أيضاً الحصار العسكري الذي يتزامن مع ذلك.
أما الهدف من هذه السياسة الظالمة الجائرة المعادية، فهو تضييق الخناق على الناس داخل الدولة الإسلاميّة، وذلك من أجل صرفهم عن هذه الدولة، ومطالبة حكّامها بتغيير نظرتهم وتطلّعاتهم للبلاد الكافرة، أيّ من أجل التخلّي عن فكرة الدولة الإسلامية بمعناها الصحيح الدقيق الذي يرضى به رب العّزة جلّ جلاله.
إن الدولة الإسلامية المرتقبة ستواجه هذا اللون من العداء والحرب والصدّ عن سبيل الله تعالى لردّها عن هدفها، ولفضّ الناس عن حمايتها والوقوف إلى جانبها، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل إعزازها وتمكينها.
أيّ أن هذه الدول الكافرة المجرمة المتغطرسة ستقوم بمنع كلّ ألوان وأنواع التبادل التجاريّ مع الدولة الإسلامية، سواء أكان ذلك متعلّقاً بالمواد الغذائية، أم الطاقة، أم السلاح، أم غيرها من سلع وخدمات. وستجيّش الجيوش -كما ذكرنا- لحراسة هذا الحصار، سواء أكان عن طريقها مباشرة تحت غطاء منظومة الأمم المتحدة، أم عن طريق عملائها في الدول القريبة الحدوديّة المجاورة، أم عن طريق القوّة العسكرية لدولة أو مجموعة دول من الدول الكافرة.
والحصار معناه نقصٌ في كل المواد الغذائية وغير الغذائية، أي معناه انحصار إمكانيات الدولة في داخل حدودها. وعلى الدولة الإسلامية والقائمين عليها أن يضعوا البرامج المسبقة لهذا الحصار حتى لا يقع الناس في بلبلة الإعلام والدعاية المغرضة، ودعاية المنافقين العملاء داخل هذه الدولة وذلك كما حصل من المنافقين في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة الخندق.
فما هي الخطوات العمليّة الواجب اتخاذها داخل حدود الدولة وخارجها أولاً للصمود والتصدي، وثانياً لفكّ هذا الحصار، وفضّ الإجماع الدوليّ القائم عليه؟!
أما بالنسبة للأمر الأول وهو وضع الحسابات لكلّ الاحتمالات في استمرارية هذا الحصار لأيامٍ أو لأشهر ٍأو سنوات، فيجب أن يُركّز على ثلاثة أمور رئيسية. الأول: (ما يتعلق بالتعبئة العامّة المعنويّة في وجه هذا الحصار). الثاني: (وضع البرامج التي تسدّ الخلل الحاصل بسبب الحصار وذلك عن طريق التكافل، والاقتصاد في النفقات، وعن طريق استغلال كافة الطاقات الموجودة في الداخل بغض النظر عمّن يملكها، ثمّ احتسابها كديون على الدولة، أو احتسابها من قبل أصحابها كتبرّعات ومساعدات، وبعد ذلك عمل برنامج شامل في توزيعها حسب الحاجة الملحّة). الأمر الثالث: (العمل على استغلال كل الإمكانات والطاقات الموجودة داخل الأرض أو خارجها من معادن وزراعة وصناعة وغير ذلك؛ وذلك لمحاولة سدّ الخلل والنقص الحاصل بسبب الحصار).
هذه هي الخطوات الداخلية التي يمكن للدولة أن تستعين بها داخلياً في التصدّي للحصار والوقوف في وجهه، أما الخطوات الخارجيّة التي يمكن للدولة القيام بها، فتتركز على ثلاثة أمور مهمّة: 1- اختراق الحصار. 2- العمل على فك الحصار بكافة السبل الممكنة. 3- استغلال مسألة الحصار في تحريض المسلمين ضدّ الحكام العملاء في الدول المجاورة، واستغلاله أيضاً في محاربة أفكار الكفر ومبادئه. وسنشرح هذه الخطوات بشيءٍ من التفصيل في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
[يتبع]
2007-01-30