الحصاد المُر لمجموعة «أصدقاء سوريا» و «الدول الداعمة»
ثار أهل سوريا ضد طغمة طاغية حكمتهم بالحديد والنار لعقود طويلة، فتعرضوا جراء ذلك إلى حملات قتل واعتقال وتشريد وتهجير كارثي على مدار ثلاث سنوات متتالية على مرأى ومسمع من دول العالم أجمع، من غير أن يحرك أي منها ساكناً لنصرة هذا الشعب المكلوم سوى التنديد الرخيص وبعض المعونات الهامشية. وقد تشكلت مجموعة «أصدقاء سوريا» و «الدول الداعمة» من قبل دول كبرى وإقليمية ومؤسسات دولية بذريعة إنهاء مأساة هذا الشعب، فإذا بها تتاجر بمأساته وتتركه يئن وينزف وحده، ما أظهر أن غاية هذه الدول احتواء ثورة الشام وضمان التحكم بنتائج عملية التغيير لا نصرة الثورة لإسقاط النظام. لهذا استمرت الدول التي تتحكم بالدعم والتمويل للثورة على تضييع الوقت الثمين بمؤتمرات دعائية وتصريحات إعلامية لا تسمن ولا تغني من جوع، فيما تشدد الخناق في الميدان على الثورة وعلى المهجرين والنازحين في الداخل والخارج كي تنهار الثورة تحت ضغط الأعباء الثقيلة وتنجر للتنازلات بسبب قلة ذات اليد وتسييس المعونات وتسييرها بالقطارة.
لقد كانت تلك الدول قادرة على حسم مأساة هذا الشعب منذ وقت مبكر بدون أن تحرك بارجة أو طائرة مقاتلة واحدة. فهذا الشعب نذر خيرة شبابه لإسقاط نظام الأسد، وكان بحاجة فقط لسلاح حديث نسبياً، تملكه كل من دول هذه المجموعة سواء منها الصغيرة او الكبيرة، ما يضع حداً لإجرام طائرات النظام التي تلقي براميل الموت ليل نهار فوق رؤوس الأهالي، ويمنح بالتالي المقاتلين على الأرض القدرة على التمدد والانتشار لإسقاط النظام، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية رأس الدول الداعمة حالت دون ذلك وحظرت على الدول الأخرى إمداد المقاتلين بالسلاح المطلوب، فيما كانت تتغاضى عن دعم روسيا وإيران والعراق ولبنان للنظام السوري بالمال والرجال والسلاح، بل وغضت طرفها عن استعمال النظام الأسلحة الكيماوية والسامة للقضاء على الثورة.
إضافة لما سبق، قامت الدول الداعمة بتمويل مجموعات من المنتفعين والمتسلقين باسم «الائتلاف الوطني» الذي دأب على إتلاف الثورة والثائرين، مثبطاً هممهم بدعاية ممجوجة حول عدم إمكان إسقاط الأسد بدون مساندة الدول الكبرى، مشتتاً الجهود وخاذلاً المحاصرين، وممنياً الشعب بمساعدات مشبوهة لم يأت أكثرها، فيما يلهث قادته لإجراء تسوية مع النظام تقضي بتغيير شكلي يبقي على جيش النظام وأجهزته الأمنية لقاء حيازة لُقيمةٍ من كعكة السلطة معهم، ومن ثم شن حرب لاستئصال كل من يخالف هذه التسوية أو لا ينضوي تحتها.
لم يكن متوقعاً ولا مأمولاً بحال أن ينصر الغرب أو التابعون له ثورة الشام، فهذه الدول تتحكم بها الرأسمالية الجشعة البشعة المتوحشة التي تعتمد استعمار الآخرين طريقة للبقاء، كما تتناقض تصورات الغرب عن الحياة مع هوية هذا الشعب وعقيدته وتراثه وتاريخه ومستقبله الإسلامي (بإذن الله تعالى). لقد مرد الغرب على كراهية الإسلام، وها هم قادته يتهجمون صراحة على رغبة المسلمين باستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق دينهم وإقامة الخلافة الإسلامية، بل يعتبرونها تهديداً مباشراً لحضارتهم المهترئة ولمصالحهم الدنيئة، فأنى تنتظر نصرة من قبلهم!
كذلك فإن من مآسي الارتباط بهذه المنظومة تحكُّمها بحركة الثوار المرتبطين بها على الأرض بشكل إجرامي صفق، فتراهم يأمرونها بهجوم عبثي تارة وبانسحاب مخزٍ تارة أخرى، كما يفرضون عليهم خذلان المقاتلين المخلصين، أو يورطونهم ثم يتركونهم في وسط المعركة بلا إمداد، كما دأبوا على تأليب الكتائب المقاتلة ضد بعضها وبث الفتن بينها، وعلى تحريضهم ضد من يرفع راية الإسلام بصدق ويعمل من أجل إقامة الخلافة الإسلامية. كل هذا وغيره لم يعد تحليلاً إنما هي اعترافات صريحة من قبل المرتبطين بالدول الداعمة، على نحو ما أقر به العقيد أحمد فهد النعمة رئيس المجلس العسكري في درعا. لذلك كان واجباً فك أي ارتباط بكل هذه المنظومة المجرمة والاعتماد على قوى الأمة وحدها بعد الله تعالى، فهذا هو الكفيل بكشف الخونة والعملاء، ووحده الكفيل بالتفاف الأمة حول المخلصين واجتماعهم سوية على كلمة سواء لرفع راية الإسلام وتحكيم شرعه وإقامة دولته (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)