عبدالله القاضي- اليمن
إن الإساءة التي تعرض لها الإسلام والمسلمون، تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ الأديان والثقافات والأمم، حتى ليمكننا القول – ومن دون مبالغة – بأن هذه الإساءات المنظمة؛ لو وجهت إلى حضارة من الحضارات، أو ثقافة من الثقافات، أو ديانة من الديانات، لانمحت من الوجود، ولما عاد لها أثر على الإطلاق. ولعلَّ المتتبع لما تقدمه بعض وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين يقف على ملامح عدة تبرز مدى دور هذه الأخيرة في تنميط صورة الإسلام، وغرس قيم العداء والحقد في نفس الإنسان الغربي، تُجاه كل ما هو إسلامي. وهذه الملامح في الغالب لا تخرج عن النقاط الآتية:
– الإسلام دين العنف والإرهاب والقتل.
– الإسلام انتشر بالسيف ولا مجال فيه للإقناع والعقل.
– الإسلام دين رجعي وبدائي وشهواني.
– الإسلام يمتهن المرأة ويظلمها، ويميز بينها وبين الرجل.
– المجتمع الإسلامي متخلف وبربري.
– الإسلام يأمر بقتل المخالفين في الدين.
– الإسلام دين وحشي في قوانينه ونظمه (نظام الحدود والعقوبات).
– الإسلام يفرض على المرأة قيودًا ويجعلها على هامش المجتمع.
إن وسائل الإعلام تعدُّ من أخطر المؤسسات المسهِمة في خلق روح العداء لدى الإنسان الغربي تجاه الإسلام، وإن كان هذا العداء يرتكز على ما أفرزته مصادر ومؤسسات أخرى، فالمؤسسات الإعلامية بما تمتلكه من قدرات وإمكانات وقدرة على التأثير تعمل على توجيه الخطاب الإعلامي، وجعله مادة جماهيرية يتفاعل معها المشاهد أو المتلقِّي الغربي فيتأثر بها؛ مما يخلق لديه انطباعًا سلبيًا، وتصورًا خاطئًا عن الشرق الإسلامي.
إن جميع وسائل الإعلام الغربي قد اشتركت في صنع وترويج الصورة النمطية المسيئة للمسلمين، لا فرق في ذلك بين الصحافة المكتوبة، والإذاعة المسموعة، والتلفزيون والسينما والإنترنت…
أولًا: في الصناعة السينمائية:
تمتاز وسائل الإعلام المرئية بقدرة فائقة على بلورة الرؤى وتشكيل القناعات، وإذا كانت هذه الوسائل -عمومًا- لها فاعليتها في التأثير على المتلقي؛ فإن السينما تبقى إحدى أهم المنابر الترفيهية إسهامًا في صنع الوعي الجماعي والجماهيري في عصرنا الراهن.
إن السينما تحتل مكانة بارزة في التأثير على الرأي العام الغربي، وتشكيل المعايير والقيم السلوكية تجاه الظواهر المختلفة؛ على الرغم من أن أغلب ما يعرض فيها مجرد افتراء ادِّعائي، تخيُّلي، وتضليل إعلامي يخدم مصالح الغرب الثقافية والأيديولوجية.
ثانيًا: في الإذاعة والتلفزيون:
لا شك أن المتتبع لبعض القنوات الإذاعية والتلفزيونية يجد أن الصورة لا تختلف كثيرًا عما هي عليه في السينما، ومع أن الصحوة الإسلامية في العقود الأخيرة استطاعت أن تلفت إليها نظر الدوائر الغربية بكل مكوناتها، فقد أدى هذا الوضع إلى ازدياد تركيز الإعلام الغربي على الحركات الإسلامية في البلاد العربية، خاصة منها الجماعات التي تستخدم الأعمال المادية، فقد كان هذا الإعلام حريصًا في نشراته بالإيحاء أن أعمال القتل والتدمير والتخريب تدخل في إطار التعاليم الإسلامية.
وهذا التوجه المغرض نجده حاضرًا في التغطية الإعلامية لجل القنوات الإذاعية والتلفزيونية الغربية للصراع بين الحركات الجهادية الفلسطينية والكيان الصهيوني المحتل؛ حيث يتم إبراز هذا الأخير في صورة الضحية، رغم ما يرتكبه من مجازر وحشية في حق الفلسطينيين. أما الفلسطينيون المدافعون عن أرضهم ومقدساتهم فإرهابيون، متعطشون لسفك الدماء، وبالتالي يجب على (إسرائيل) أن تبيدهم دفاعًا عن حق شعبها في الوجود؛ لذا فإن صورة الإسلام في القنوات الإذاعية والتلفزيونية في الغرب، اقترنت في الغالب الأعم بمشاهد العنف والإرهاب.
ثالثًا: في الصحف والمجلات
ونكتفي هنا بالإشارة إلى عناوين بعض الأغلفة و المقالات في الصحف والمجلات الغربية للتدليل على هذا التوجه «الإسلاموفوبي» مثل:
-
«جذور الغضب الإسلامي»
-
«قنبلة الإسلام الموقوتة»
-
«الصين أيضًا قلقة من الإسلام».
والمتتبع لما يكتب في الصحف والمجلات الأجنبية عن العلاقة بين المسلمين ويهود، يجدها منحازة إلى هذا الكيان المغتصب، وفي المقابل تقدم صورة سوداوية عن المجتمع الإسلامي، ويمكن تلخيص ملامح الصورة للكيان الصهيوني الغاصب في الصحف والمجلات الغربية بها يلي:
-
إنها دولة مستقلة، لها الحق التاريخي في الوجود.
-
إنها مرتبطة حضاريًا وتاريخيًا وثقافيًا بالوجود الغربي.
-
إن كل الحروب التي تشنها على المسلمين مبرَّرة أخلاقيًا وإنسانيًا (الدفاع عن النفس).
وفي دراسة قام بها كل من الباحثين: «دورتي» و«واردن» حلَّلا فيها «مضمون افتتاحيات أربع صحف أمريكية وهي: «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» و«كريستيان ساينس مونيتور» و«وول ستريت جورنال» وجد أن الاتجاه العام لهذه الصحف يتمثل في تصوير (إسرائيل) كدولة محاصرة ومحاطة بدول عربية معادية لها، وفي هذا الاتجاه إيحاء قوي للتعاطف مع هذه الدولة (المسكينة) التي تناضل ضد أعداء متعصبين، يحيطون بها من كل جانب».
رابعًا: في الدعاية والإعلان:
إن الذي يغفل عنه الكثير من المسلمين؛ أن تقديم الإعلام الغربي للصورة السلبية عن العالم الإسلامي، ليس قاصرًا على ما يكتب في الجرائد والمجلات فحسب، وإنما يمتد ليشمل مجال الإشهار أو الإعلان؛ حيث يتم الترويج للسلع والخدمات بطرق مليئة بالسخرية من المسلمين ومعتقداتهم، وهو ما يعني أن حملة الإعلام الغربي على الإسلام والمسلمين ليست عفوية، بل مدروسة بعناية فائقة، ولعل الإعلان ليس أقل تأثيرًا من أفلام السينما، وبرامج التلفزيون، ومواد التحرير الصحفية. وهذا بلا شك راجع إلى أسباب عدة منها:
-
إن الإشهار يوظف الغناء، والموسيقى، والمؤثرات الصوتية، والخدع الحركية، كما يعتمد على نجوم الفن والسينما، مما يجعله أكثر فاعلية وتأثيرًا.
-
إن الرسالة الإعلانية غالبًا ما تخضع لمنطق الإيجاز والتركيز، كما تتميز أيضًا بعرضها المتكرر، مما ييسر أمر غرسها في ذاكرة المتلقِّي فلا ينساها.
-
إن المواد الإشهارية غالبًا ما تشق طريقها باتجاه المؤسسات الإعلامية ذات الوزن القوي، وهو ما يعني أن عدد المتفاعلين مع تلك المواد يكون كبيرًا.
وعلى الرغم من الإساءات المتكررة التي يتعرض لها المسلمون في الإعلانات التجارية في الإعلام الغربي، إلا أن الدراسات في هذا الباب تكاد تكون منعدمة، وهو ما يفرض على الدارسين المتخصصين أن يولوا هذا الموضوع ما يستحق من عناية حتى نتمكن من تشخيص هذه الظاهرة والتعامل معها بشكل شمولي ومتكامل. ولعلَّ المتتبع لما يعرض في بعض وسائل الإعلام الغربي، يقف على كثير من المشاهد الدعائية، التي تعكس نظرة الغرب العدائية للإسلام والمسلمين.
خامسًا: في الصور والرسوم الكاريكاتورية:
ساد الاعتقاد عند كثير من الناس؛ بأن الإساءة إلى الإسلام باستخدام الرسومات الكاريكاتورية لم تبدأ إلا مع الصحيفة الدانمركية: «يولاندس بوسطن» سنة 2005م، وهذا اعتقاد خاطئ.فالرسم الكاريكاتوري وُظِّف في عملية تشويه الإسلام والمسلمين في الغرب قبل ذلك بسنوات طويلة، والمتتبع لهذا الموضوع – خاصة في الآونة الأخيرة – يلمس إصرارًا كبيرًا من قبل بعض المنابر الإعلامية الغربية على استفزاز مشاعر المسلمين والطعن في مقدساتهم.
هؤلاء الرسَّامون غالبًا ما يستلهمون أفكارهم من الواقع الغربي الموبوء، والذي لا يرى في الإسلام سوى تهديدوخطر، وهو واقع موروث ساهم في بلورته الفكر الكنسي في العصور الوسطى، فقد سعى رجال الدين بكل الطرق لإبعاد أوروبا عن الإسلام، وإبعاد الإسلام عن أوروبا، فجاءت أحكامهم على الدين الإسلامي ونبيِّه أقرب إلى الخرافة منها إلى الواقع، وهو الدور الذي قامت به المدرسة الاستشراقية أيضًا بما خلفته من سموم حول تاريخ الشرق الإسلامي وحضارته. أما القطب الثالث في هذه المعادلة – وهو أخطرها – فهو الخطاب الإعلامي الذي تأثَّر إلى حد بعيد بالقطبين الأولين، فساهم بذلك في إعادة إنتاج تلك الصورة القاتمة عن الشرق الإسلامي.
إن هذه الإساءات تأتي تحت دعاوى حرية التعبير والرأي المكفولة دستوريًا في البلدان الغربية، إلا أن الوقائع تبيِّن أن حرية التعبير عند هؤلاء تخضع لسياسة الكيل بمكيالين، وأن الغرب يزدري هذا الدين دون غيره من الأديان الأخرى، كما أن حرية الرأي والتعبير في العصر الراهن تظهر في مجال الاشتغال الإعلامي أكثر من أي مجال آخر، فأطلقت العنان لرسَّاميها وصحفييها، فأساؤوا إلى الهوية الدينية والحضارية والأخلاقية لمختلف الشعوب والأمم، خاصة الشعوب العربية والإسلامية.
لقد تولَّدت المفاهيم المعادية للإسلام في ذهن الغزاة القادمين من أوروبا رافعين شعار الصليب، بيد أن ستة قرون كانت قد انقضت أيامها على مولد العقيدة الإسلامية في جزيرة العرب، فيما ظلت معظم أقطار أوروبا بعيدة، أو جاهلة بتطورات هذه العقيدة وبإنجازاتها وتجليَّاتها، وباستثناء نماذج كانت محدودة بقدر ما كانت مقصورة على بقاع بعينها: ما بين بغداد، إلى الأندلس الإسلامية التي كانت نموذجًا للإعجاب بالمسلمين بقدر ما كانت محورًا للحسد والحقد على ما أنجزوه ونعموا به خلال حضارتهم الزاهرة في تلك البقاع من شبه جزيرة أيبيريا في أقصى الغرب الأوروبي، فقد ظل الحقد ماثلًا وأذكت نيرانه السلطة البابوية في روما وسائر أتباعها من أبناء المذهب الكاثوليكي، وهو ما تبلور في خطاب البابا أوربان الثاني الذي ألقاه في عام 1095 للميلاد.
وبدلًا من أن يتبع فيه لغة التصالح أو التواؤم في الحديث عن المسلمين بوصفهم قومًا يعبدون رب السموات والأرض، إذا به يصفهم بأنهم وثنيون يعبدون الأصنام، ومتوحشون لا يتورعون عن تعذيب المؤمنين بحق، فضلًا عن كونهم، مغتصبين للأرض من أيدي أصحابها الشرعيين، وهم المسيحيون اللاتينيون.. إلخ.
إن المعلومات تؤثر على الإنسان بسبب حاجته إليها في التفكير ليربطها مع الواقع وينقلها إلى الدماغ بواسطة الحواس ليحكم عليه. ووسائل الإعلام تنقل المعلومات إلى الناس لتؤثر على تفكيرهم إن كانت خاطئة أو مغلوطة أو صحيحة. ولا تكتفي بنشر المعلومات، بل تربطها بالصورة التي ربما لا تعكس الحقيقة، وهذه أكثر تأثيرًا، وأكثر من ذلك تعطي أفكارًا حول الموضوع، ربما تكون مضلِّلة فيتلقفها الناس وعامتهم تتأثر بذلك. وتستخدم أساليب متقنة لتقنعهم بصحة المعلومات والأفكار لتوجد رأيًا عامًا معينًا.
ولهذا فإن وسائل الإعلام ليست وسائل لبث الأخبار مجردة وبشكل موضوعي بحت دون تدخل فتترك الناس يفكرون، بل هي موجهة من أصحابها حسب عقلياتهم وتوجُّهاتهم والدول التي تقف من ورائهم، فإن كانوا كفارًا أو موالين لهم أو مأجورين فهم في حرب مع الإسلام.
ومن هنا كانت وسائل الإعلام الغربية خاصة، وهي التي توجه وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية، تشنُّ حربًا خبيثة ضد الإسلام وحملته والمتمسكين به، وتدسُّ في أخبارها السم من معلومات مغلوطة وربما كاذبة، ومن تشويه للحقائق، ومن نقل لها من جانب وإهمال جانب مهم، أو نقل أنصاف الحقائق، أو اعتماد التضليل أو التعتيم أو تلميع جانب وتشويه جانب آخر، ولفت الأنظار إلى جانب وصرفها عن جانب آخر مهم، حسبما تؤدي مصلحتها في هذه الحرب، وإطلاق التسميات والألقاب على المسلمين وخاصة العاملين لإقامة حكم الإسلام لتشويه صورتهم.
والمؤرخون الغربيون كتبوا كيف ضُللت شعوبهم في الحروب الصليبية؛ إذ تعمدت الدول إلى اختلاق الأكاذيب، فوصفوا المسلمين بالهمج وعبَّاد أوثان، وأنهم جعلوا بيت المقدس مكانًا لرمي النفايات، وقام رهبانهم متعمدين الكذب ببث هذه الدعاية فألَّبوا الشعوب لتنقاد لملوكهم المستبدين المتحالفين مع الكنيسة.
وبعد اكتشاف الإذاعة والتلفزيون والإنترنت ومواقع التواصل الإلكتروني والتلفونات الذكية بجانب السينما صار الأمر ممنهجًا ومتقنًا أكثر، وأشد خبثًا؛ إذ تبدو الأخبار أو الصور صحيحة ولكنها تحوي مغالطات أو أفكارًا مضللة. وقد برزت وكالات أنباء ووسائل إعلام لديهم فأصبحت موثوقة.
وقد استخدموا السينما والبرامج والمسلسلات التلفزيونية والفيديوهات عبر الإنترنت لتلعب دورًا مؤثرًا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ليصوروهم بأنهم قتلة متوحشون لا يعرفون الحضارة؛ يهينون المرأة، متعصبون جهلة، شكلهم قذر، وتصرفاتهم قبيحة، وملابسهم وسخة، وعقولهم ساذجة، مشايخهم وزعاماتهم لديهم المال يبذرونه على النساء ويتاجرون بهن، دينهم خرافي، ونبيهم زير نساء، وشعوبهم فقيرة متخلفة، والأمراض متفشية فيها، فيثيرون الشك والريبة والخوف من كل ما له صلة بالإسلام. ويصورون الغربي وأتباعه العلمانيين والديمقراطيين كذبًا وزورًا بأنهم رجال سلام ومتمدنون ومتحضرون يحترمون المرأة والإنسان، يعرفون كيف يتصرفون بالمال، وكيف يعالجون المشاكل بحكمة وعقلانية وبعمق وبهدوء، فينتجون الحلول الناجعة والأفكار المستنيرة، وينقذون الضعيف والمرأة والطفل، ويساعدون المحتاج، ويحاربون الشر، ويقدمون الخير للبشرية. فأفلام هوليوود الأمريكية تطفح بذلك وسائر الأفلام والمسلسلات الأمريكية والغربية.
وإنهم ليختارون المصطلحات، ففي الثمانينات أطلقوا لقب الأصولية على التفكير الإسلامي والأصوليين على المسلمين العاملين للإسلام؛ ولكنهم لم ينجحوا لأن هذه الكلمة واقعها يختلف عند المسلمين عن الغربيين؛ إذ تعني العودة لحياة المسيح البسيطة والبدائية والرفض لكل أشكال المدنية، فعندما لم ينجحوا في ذلك ولتعزيز حربهم قرنوا الإسلام بالإرهاب والتشدد.
وقد اعترف الرئيس الفرنسي ماكرون يوم 9-7-2018م بالعداوة التي أظهرتها فرنسا ضد الإسلام والمسلمين قائلًا: «هناك قراءة متشددة وعدائية للإسلام ترمي إلى التشكيك بقوانيننا كدولة حرة ومجتمع حر لا تخضع مبادئهما لتعليمات ذات طابع ديني». وذلك عندما رأى المسلمين قد أدركوا أن الغرب منافق وكاذب في ادِّعائه للحرية والمساواة، فيحرِّم الحرية على المسلمين ويمنحها لكل من يعادي الإسلام والمسلمين.
إنهم عملوا على استغلال الهجمات المسلحة التي يقوم بها بعض المسلمين سواء لمقاومة الاستعمار في البلاد الإسلامية أو الذين يقومون بأعمال ضد المستعمرين في عقر دارهم. وربما تقوم الدول الاستعمارية والأنظمة العميلة بتنظيم هجمات وتفجيرات وتنسبها للمسلمين من أجل تشويه صورة الإسلام وتبرير هجومهم على العاملين له؛ فيكون ذلك مادة في وسائل الإعلام في حربهم لمنع عودة الإسلام إلى الحكم ومنع نهضتهم، ولتأكيد نظرتهم حول الإسلام. وإننا لنرى كل دول العالم جعلت محاربة (الإرهاب) حجر الزاوية للهجوم على الإسلام وسخرت كل وسائل إعلامها. فيريدون أن يحموا أنظمتهم من ثورات الشعوب، علمًا أن الدافع لهذه الشعوب هو الإسلام، وتتوق لتطبيقه للتخلص من الظلم والسحق والإذلال الذي تتعرض له.
وها هو وزير خارجية أمريكا بومبيو أثناء زيارته لمصر يوم 10-1-2019م، أعلن تأييد أمريكا لحاكمها المستبد السيسي في حربه على الإسلام، وبأنها تقف معه «في الحرب على (الإرهاب) التي تهدد جميع أصدقائنا في الشرق الأوسط، وإن خطر الإسلام الراديكالي حقيقي». إذًا ليست الحرب على الإسلام بسبب بعض الهجمات المسلحة، بل بسبب رؤيتهم للإسلام بأنه خطر عليهم وعلى الأنظمة التابعة لهم، ويقصدون عودة الإسلام إلى الحكم، وعندئذ سيطهّر المنطقة من رجسهم ويحرمهم من سرقاتهم لثرواتها.
وبسبب أوضاع المجتمعات والاختراعات الحديثة صارت وسائل الإعلام ووسائل التواصل الإلكترونية تلعب دورًا مهمًا في حياة الناس، وفي تزويدهم بالمعلومات والتأثير عليهم، فكان لزامًا عدم إهمالها، بل فرض استخدامها حسب قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب). وخاصة أن الأعداء يستخدمونها في الهجوم على الإسلام وأهله والعاملين له. فيريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فصار لزامًا علينا أن نواجه ذلك بكل ما أمكننا حتى يتمّ الله نوره بواسطتنا ولو كره الكافرون وأولياؤهم.
ومن خلال متابعة التطورات السياسية والميدانية على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، فإن المتابع لأخبار القنوات الفضائية والبث الإذاعي، وحتى المواقع الإخبارية والتواصل (الاجتماعي) على الشبكة العنكبوتية، يجد نفسه في حيرة من أمره؛ وذلك مما يلاقي من صعوبة الحصول على المعلومة الصحيحة التي تمكِّنه من البناء عليها كوصف للواقع بحيادية مجرَّدة، أي نقل الواقع كما هو وليس من وجهة نظر الناقل لوصف هذا الواقع، سواءٌ أكان هذا الواقع سياسيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًا أم غيره ليتسنى للمتابع تحليل هذا الواقع وفهمه وإعطاء وجهة نظره الخاصة حوله.
مع أن هناك فرقًا شاسعًا بين وصف الواقع كواقع وبين وجهة نظر الشخص عن هذا الواقع، فالواقع له وصف واحد لدى جميع الناس بغض النظر عن ناقله، فهو عام. أما وجهة النظر عن هذا الواقع فلا شك أنها تختلف من شخص لآخر، ومن جماعة لأخرى، ومن مبدأ لآخر؛ وذلك حسب عقيدة المبدأ أو الجماعة أو الأشخاص وما انبثق عن هذه العقيدة من مفاهيم، وما تولَّد عنها من سلوك.
إن ثقافة أي مجتمع من المجتمعات أو أية أمة من الأمم لا بد أن تكون خاصةً بهذا المجتمع أو بهذه الأمة؛ لأن الثقافة انبثقت عن مبدأ أساسه عقيدة خاصة به لا سواه، وكما أن المبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام، وكذلك المجتمع يتكون من أفراد وأفكار ومشاعر وأنظمة، فلا بد من أن تكون أفكار ومشاعر وأنظمة هذا المجتمع من عقيدة المبدأ الذي آمن به أفراده، بل ولا بد من حمل أفراد هذا المجتمع لهذه الأفكار والمشاعر في عقلياتهم ونفسياتهم، وكذلك تطبيق أنظمة هذا المبدأ عليهم، ومن البَدَهي أنه لا يمكن تطبيق أنظمة هذا المبدأ إلا من خلال جهاز تنفيذي وهو الدولة، ولا بد لهذه الدولة من سلطان على الناس؛ ولكن هذا السلطان ليس مطلقًا وإنما خاضع لأحكام وأنظمة المبدأ وتحت رقابة جهة المحاسبة، فالذي مكَّنه من هذا السلطان هي الأمة بإنابتها إياه ليطبق عليها أحكام وأنظمة المبدأ، ولن تكون لهذه الأحكام والأنظمة القوة الرادعة للحاكم قبل المحكوم إلا إذا كانت لها السيادة؛ فقوتها من سيادتها، وضمان بقائها راجع لقناعة الناس وتمسكهم بها وفاعليتها في سلامة تطبيقها.
والأصل في المبدأ أن يأتي بحلول ناجعة لمشاكل الواقع الذي يعيشه الناس، لكن هذه الحلول تتبع نوع المشكلة، وهي على نوعين:
النوع الأول: مشاكل تختص بعلاجها عقيدة مبدأ الأمة المؤمنة به،
والنوع الثاني: مشاكل تختص بعلاجها الخبرة والمعرفة.
أما النوع الأول: لا بد من علاجه بعقيدة مبدأ الأمة المؤمنة به، وينفذ عن طريق سلطانها النائب عنها المختار برضاها وقناعتها ومن ضمن دائرة عقيدة المبدأ لكي لا تتعدد المعالجات فيحصل الاختلاف والتنازع،
وأما النوع الثاني: فيكون علاجه من أهل الخبرة والاختصاص بشرط أن لا تناقض هذه الحلول عقيدة مبدأ هذه الأمة، وهنا تظهر أهمية سلطان الأمة النائب عنها في حسم الأمور وحسن الرعاية وصيانة المجتمع من الانحطاط والتفكك.
لقد أصبح الإعلام اليوم أكثر أهميةً عن ذي قبل؛ وذلك يرجع إلى تعدد وسائله وأساليبه وانتشاره، فقد جعل العالم كله كقرية صغيرة، سواء لخدمة الأفراد أم الدول، ومن ثم أصبح الاعتماد على الإعلام بشكل أكبر في نقل الأحداث وتبادل المعلومات والمراسلات. وكلما تقدمت التقنية العلمية كان إنجاز الأعمال بشكل أسرع وأدق، ووصول المعلومات للمتابعين لها بسهولة ويسر، هذا في الجانب الخدمي. كما أن للإعلام أهمية في الجانب الفكري والسياسي والمتمثل في تكوين الرأي العام عند الناس؛ لذا يقتضي منا نحن المسلمين أن نعي على حقيقة الإعلام أو ما يسمَّى بالسلطة الرابعة ودورها في صناعة الخبر وصياغته، ومن ثم تقديمه للناس بصورة تخدم مصالح المتحكمين في الإعلام. والأصل في الإعلام نقل صورة صادقة عن الحدث وإلا كان تضليلًا وكذبًا. والتضليل الإعلامي هو بث الأفكار والمعلومات المضلِّلة والخاطئة لرسم صورة مخالفة للواقع عند الناس.
إن الغرب لا يمل في صراعه مع الإسلام، وقد أبدع في استخدام الوسائل والأساليب التي تمكنه من حسم هذا الصراع لصالحه، فاستحدث أسلوبًا جديدًا لحرف اهتمام وتفكير الأمة لخدمة مصالحه وأنفق عليه المليارات، وكان الدور المنوط بهذا الإعلام هو إبعاد الأمة عن التفكير المنتج الذي يؤدي إلى التغيير الحقيقي بالإضافة إلى تكوين رأي عام مشوَّه عن الإسلام ونظامه عند عامة الناس.
إن خطر التضليل إذا لم يُنتبَه له فإنه يحدث شرخًا بين الأمة ومبدئها، ويحول بين الشعوب الأخرى واهتدائها إلى دين الحق كما هو حاصل هذه الأيام.
إن الأصل الذي يجب أن يكون عليه الإعلام في دولة الإسلام هو أن يتولَّى وضع السياسة الإعلامية للدولة لخدمة مصلحة الإسلام والمسلمين وتنفيذها، في الداخل لبناء مجتمع إسلامي قوي متماسك ينفي خبثه وينصع طيبه، وفي الخارج لعرض الإسلام في السلم والحرب عرضًا يبيِّن عظمة الإسلام وعدله وقوة جنده، ويبين فساد النظام الوضعي وظلمه وهزال جنده، وهذا ما سيكون عليه الحال عند قيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة القادمة قريبًا بإذن الله تعالى.