شهر شوَّال مكمِّل شهر رمضان في الأجر
2020/06/04م
المقالات
5,726 زيارة
– أصل مشروعية صيام ست أيام من شوَّال قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن صام رمضان، ثُمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدَّهر» أخرجه مسلم عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. وقد جاء هذا الحديث مفسَّرًا بحديث صحيح آخر، بحديث ثوبان رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه ابن ماجة عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا». وفي رواية أخرى: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ».أخرجه النسائي وأحمد. وبهذا يكون صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان فيه استكمال لأجر صيام الدهر كله.
– من المعلوم أن مناسبات المسلمين هي عبادات، وأعيادهم مرتبطة بعبادات، على خلاف ما عند الغرب؛ إذ إنهم يتبعونها بالفسوق والمجون. ويحاولون إشاعة مثله في بلاد المسلمين بأن يجعلونها أيام لعب ولهو محرم. وها هو رمضان ، وهو شهر الصيام والقرآن، جائزته عيد الفطر. وشهر ذي الحجة شهر الحج جائزته عيد الأضحى، وها هو شهر رمضان يتبعه الله بست من شوال حتى يعمَّ المسلم أجر الصيام سائر أيام السنة، وها هو شهر ذي الحجة شرع الله فيه صيام تسع أيام فيه من أوله حتى يعمَّ الأجرَ من لم يحجَّ من المسلمين.. فديننا كله خير، ويسبقه الخير ويتبعه…
– ويقول ابن القيم رحمه الله في (المنار المنيف): «وَفِي كَوْنِهَا (مِنْ شَوَالَ) سِرٌّ لَطِيفٌ، وَهُوَ أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْجُبْرَانِ لِرَمَضَانَ، وَتَقْضِي مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الصَّوْمِ، فَتَجْرِي مَجْرَى سُنَّةِ الصَّلاةِ بَعْدَهَا وَمَجْرَى سَجْدَتَيِّ السَّهْوِ وَلِهَذَا قَالَ: «وَأَتْبَعَهُ» أَيْ: أَلْحَقَهَا بِهِ» فصيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإنَّ الفرائضَ تجبر أو تكمل بالنوافل يومَ القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من وجوه مُتعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقصٌ وخللٌ، فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال.
– إن الموفَّق من وفَّقه الله لصيام الأيام الستة من شوال، وكأنَّ الله سبحانه بعفوه وكرمه يريد من المسلم أن يحوز الأجر كاملًا… وهذا دليل على الرضى من الله على العبد إذا صامها… ففي صيامها تحقيق لسنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم واتباع لأمره. وفيه المداومة على العمل الصالح بعد رمضان، وهو من علامات القبول بإذن الله، وفيه استكمال الحصول على أجر صيام سنة كاملة، وفيه جبر النقص الحاصل في صيام رمضان.
– وقبل أن ينقضي شهر رمضان بفضائله الجمَّة، يطلب الله من المسلمين أن يكملوا العدة، ويقابلوا الشهر الذي يليه، وهو شهر شوَّال بالتكبير يقول الله تعالى: (يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ وَلَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ) ١٨٥ [البقرة: 185]، وتناديهم السنة الغراء عند بزوغ فجر أول يوم من شوال بإخراج زكاة الفطر، وعند الشروق بالخروج لصلاة العيد بالصحراء، بالإضافة إلى صيام ست من شوال كي يفوزوا بواسع مغفرة ربهم. أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال «حقٌّ على الصائمين إذا نظروا شهر شوال أن يكبِّروا الله حتى يفرغوا من عيدهم» لأن الله يقول (وَلِتُكۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمۡ) [البقرة: 185] وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه كان يكبِّر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد. وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي في سننه عن ابن عباس أنه كان يكبر: الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر ولله الحمد وأجلُّ، الله أكبر على ما هدانا. وذكره الإمام الشوكاني في تفسيره.
– وأما زكاة الفطر فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير: على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمرَ بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة. وروى أبو داود وابن ماجه والدارقطني والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث؛ وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.
– وأما صلاة العيد في الصحراء فقد روى البخاري عن أم عطية قالت: «أمرنا أن نخرج العواتق وذوات الخدور. وفي رواية: كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها، وحتى تخرج الحيض فيكنَّ خلف الناس فيكبرنَ بتكبيرهم ويدعون بدعائهم؛ يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته. وروى البخاري أيضًا عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إلى المصلى والعنزة (العنزة: أَطولُ من العَصا وأَقصرُ من الرمْح في أَسفلها زُجٌّ كُزجِّ الرُّمح يَتوكأَ عليها الشيخُ الكبير). بين يديه تحمل وتنصب بالمصلى بين يديه فيصلي إليها… فسنته صلى الله عليه وسلم خروج الرجال والنساء والصبيان جميعًا لصلاة العيدين بالصحراء.
2020-06-04