العبر المستخلصة من الذكرى المئوية لحركة الخلافة في الهند (1919-1924) والتي أُسست للدفاع عن الخلافة
2020/06/04م
المقالات
5,935 زيارة
عبد الفتاح بن فاروق/ الهند
من أكبر الكوارث العظيمة التي أُصيبت بها الأمة هي هدم الخلافة في 28 من رجب 1342ه (3 من آذار سنة 1924م) ومنذ ذلك التاريخ توقف العمل بشريعة الله U، وتوقفت أحكام القرآن عن أن تكون مطبقة في المجتمع. ومنذ ذلك اليوم فقدت الأمة جُنّتها، وأصبحت الأمة فريسة للذئاب من الكفار المستعمرين؛ ولكن كان لهدم الخلافة العظيمة موجات ارتدادية في جميع أنحاء العالم الإسلامي؛ فلم يستطع المسلمون تخيُّل العالم بدون الخلافة وبدون أحكام الله، وإحلال العلمانية والديمقراطية محلها، وكان ذلك اليوم أسود الأيام في تاريخ المسلمين، وقد تعالت أصوات الأمة ضد هدم الخلافة، وأبرز تلك الأصوات كانت (حركة الخلافة) في شبه القارة الهندية؛ حيث أنشأ الأخَوان (مولانا محمد علي جوهر) و(مولانا شوكة علي) هذه الحركة في عام 1919م، حين شعرا بخطة بريطانية لهدم الخلافة العثمانية، وفي هذه المقالة نريد ان نُبرز العبر التي استفادتها الأمة من هذه الحركة النبيلة.
فرض الخلافة:
الخلافة أسٌّ من أسس الإسلام، والمسلمون منذ 1400 عام من تاريخ الإسلام قد فهموا أنّ الخلافة هي فرض عظيم في الإسلام، وأنّ العيش بدونها يؤدي إلى حصر الإسلام في الطقوس والشعائر الروحية. وقد اعتبر علماء المسلمين في شبه القارة الهندية أن الخلافة فرض رئيسي في الإسلام. وكان (شاه ولي الله دهلوي 1703م-1762م) من هؤلاء العلماء البارزين، وهو ممن يوقّره المسلمون من مختلف المذاهب. وقد كان كتاب «إزالة الخفاء عن خلافات الخلفاء» من الأعمال الشهيرة لـ (شاه ولي الله) رحمه الله؛ حيث بحث بعمق في الكتاب عن مركزية قضية الخلافة في الإسلام. وفي هذا الكتاب، عرّف شاه ولي الله الخلافة كما يلي: «الخلافة هي رياسة عامة لإقامة الدين بإحياء العلوم الدينية، وإقامة أركان الإسلام، والقيام بالجهاد وما يتعلق به من تجهيز الجيوش وفرض القتال، وتوزيع الفيء، والقيام بالقضاء، وإقامة الحدود، ورفع المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم»[1]. وقد ورث المؤسّسون والأعضاء البارزون لحركة الخلافة إرثَ العلم من (شاه ولي الله دهلوي)، من متدينين وصوفيين وسلفيين وغيرهم من الإصلاحيين السياسيين والمفكرين كمولانا المودودي.
الأخوَّة في الإسلام:
نموذج الدولة الوستفالية الحالية حوّلت الولاء والبراء للمواطنين إلى بلادهم. بينما يتجاوز الاسلام الحدود الوطنية ويركّز الولاء على مفاهيم وأفكار الإسلام كما جاء في كلام حبيبنا رسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» (البخاري). وفي الوقت الذي تاه المسلمون بفكرة الوطنية الفاسدة، كانت الخلافة تمثّل الأخوَّة في الإسلام تحت ظل حاكم واحد وهو الخليفة. والهجوم على المسلمين في دلهي ليس مختلفًا عن الهجوم على المسلمين في تركيا، وقد كانت ردود الفعل نفسها عند المسلمين. وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصف الأمة الإسلامية كالجسد الواحد، فكيف تكون ردود الأفعال على الآلام في الدين والدنيا؟! وقد تسبَّبت الحرب العالمية الأولى في خسائر فادحة للخلافة العثمانية، مما أدى إلى تعالي الأصوات من الهند لدعم إخوانهم المسلمين، وكان ذلك انعكاس طبيعي من الفهم الحقيقي للأخوَّة في الإسلام. وعندما وصلت أنباء تمرد (شريف مكة) ضد الخلافة العثمانية إلى الهند، رفض الأخوان علي تصديق هذا الخبر، وظنَّا أنه خبر كاذب.[4] وقد أعلنت لجنة عموم الهند للخلافة في اجتماعها أنّ الجنود المسلمين من الهند عليهم أن يرفضوا خدمة الحكومة البريطانية في أي حرب ضد تركيا، وأقرت بحرمة حمل المسلم السلاح على أخيه.[5].
ج) الحفاظ على الهوية الاسلامية لا هوادة فيها:
كانت الهند جزءًا من الخلافة حتى استعمرتها بريطانيا في عام 1857م، وبعدها شهدت تمرّد المسلمين على بريطانيا. وفي الوقت نفسه تشكلت تكتلات وطنية هندية لطرد بريطانيا. وكانت حركة (المؤتمر الوطني الهندي) من أبرز الحركات الهندية، والتي أُسّست في عام 1885م. ومن بين هاتين الجبهتين ضد بريطانيا، نلاحظ أنّه كان للمسلمين النصيب النبيل الأكبر في قتال وطرد بريطانيا؛ من أجل استمرار الهند كدار للإسلام وولاية من الخلافة. ووقف أهلها بكل ثبات قابضين على هذه الهوية بدون أي تنازل عنها، وقد انضمت حركة (المؤتمر الوطني الهندي) ودعمت الدعاة للخلافة، معتقدة أنّ هذا هو الطريق الوحيد ليحصل على دعم المسلمين، وليقبل سير المسلمين مع حركتهم الوطنية. والمسلمون حين كانوا يعملون مع الهندوس في مقاومة الاحتلال البريطاني لم يتنازلوا عن هويتهم الإسلامية أو عن مفاهيم الإسلام. وكان التنسيق مع الهندوس مبنيًا على فتوى تجيز التحالفات السياسية وعلاقات الصداقة مع غير المسلمين الذين هم من غير المعادين للإسلام، ومع ذلك أكَّدت الفتوى أنه لا يجوز أن تكون قيادة المسلمين بيد الكافر [6].
د) توحد المسلمين على الخلافة
أصبح المسلمون من مختلف المذاهب جزءًا من حركة الخلافة، وكان مولانا (أبو الكلام آزاد) من المذهب الظاهري، والذي قام بالكفاح مع غيره من العلماء الأصوليين للحفاظ على الخلافة. والذين كانوا يضعون خلافاتهم جانبًا لأجل المسألة المصيرية للحفاظ على تطبيق أحكام الله U، والذي لا يمكن أن تطبق إلا بوجود الخلافة. والعالم البارز مولانا (محمود حسن) من مذهب الديوبندي، قد أيّد وساهم في الحركة بعد رجوعه من سجن مالطا في عام 1920م. وكان هناك عضو بارز آخر، وهو مولانا (عبد الباري) من المدرسة الشهيرة «فرنجي محل». وكان مولانا عبد الباري من المذهب الصوفي. وكان عبد الباري نشِطًا في جمع الأموال لتركيا في عام 1911م مع زملائه في ولاية (أوتار براديش). وقام بالتواصل مع الأخوين علي في هذا النشاط، وقد أصبح بعدها عضوًا نشطًا في حركة الخلافة. وقد شهدت حركة الخلافة مشاركة العلماء من المذهب الشيعي أيضًا كـ (أمير علي)؛ حيث اتَّحد مع أهل السنة، ووضعوا خلافاتهم المذهبية جانبًا ليحافظوا على الخلافة العثمانية التي بايعوها على السمع والطاعة. وأصبحت حركة الخلافة حركة منتشرة في شبه القارة الهندية، وانتشرت في معظم ولايات الهند، وكان (علي مسليار) من ولاية (كيرلا) عضوًا نشِطًا أيضًا.
ه) السياسة جزء لا يتجزأ من الدين:
من الآثار الكارثية للعلمانية على المسلمين هو تغييب مفاهيم السياسة في الإسلام. غير أن هذا المفهوم لم يكن له وجود في تاريخ المسلمين في الهند؛ حيث كان للأفكار السياسية تأثير كبير في حركة الخلافة، فالسياسة جزأ لا يتجزأ من الدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا ؟قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». وقال مولانا (أبو الكلام آزاد) في مجلته الشهيرة «الهلال»: «إن المسلم الذي يريد فصل الدين عن السياسة هو مرتد؛ ولكنه يعمل بشكل صامت»[2]. وقال تلميذ (محمود الحسن) المفتي (كفاية الله) في خطابه أمام رابطة المسلمين: «لا يَعتبر المسلم الحقيقي أن الدين والسياسة أمران منفصلان».[3]
و) التضحيات من أجل الخلافة:
هناك اقتباس في اللغة الأردية عن (بي أمّان) وهي والدة الأخَوين علي، قالت أم محمد علي: «يا بُنيّ، امنحْ حياتك للخلافة» وقد كانت بنفسها تدعم الإسلام، وقد تم القبض عليها وسُجنت، حيث قالت «يا بنيّ، خذوا الإسلام بقوة، ولا تهتموا لحياتكم ولو تم التضحية بها في سبيل الإسلام» وكان أولادها يستمدون قوتهم من كلامها، وكانوا في طليعة الحفاظ على المسألة المصيرية في الإسلام، أي الخلافة، فبارك الله في (بي أمّان) وولديها الصالحين، مولانا محمد علي ومولانا شوكت علي!. اللهم آمين!.
العالم البارز (محمود الحسن) الذي جمع طلابه للقتال من أجل الحفاظ على الخلافة العثمانية، وسميت حركته المشهورة بحركة خط الحرير، ولهذا سجنته بريطانيا لعدم تأييده لخيانة الشريف حسين حين سافر إلى مكة، وكان مسجونًا في سجن مالطا ثلاثة سنوات؛ حيث تعرض للتعذيب الشديد، حتى صدم الناس عند غسله وتكفينه، إذ لم يجدوا عليه لحم أو دهون؛ حيث كان قد وُضع قضيب ساخن على خصره في سجن مالطا وقيل له «يا محمود الحسن! أَفتِ لصالح بريطانيا»، ولما همد ألمه واستعاد وعيه، كان يقول «أيها البريطاني! أنا من ورثة بلال، قد تسلخ جلدي؛ ولكني لن أفتي لصالح بريطانيا أبدًا».
ز) الخطورة في عدم وجود الوعي السياسي
جمعت لجنة الخلافة الأموال وأرسلتها إلى حكومة أنقرة في تركيا برئاسة مصطفى كمال الخائن في عام 1921م لأنها لم تكن تعرف بخيانته. واعترف أعضاء حركة الخلافة بخيانته بعد إلغائه للخلافة. وقد تأثر الخائن مصطفى كمال بأفكار حركة الشباب التركي ولجنة الاتحاد والترقي، التي قامت على أفكار العلمانية والليبرالية والوطنية. حيث تواطأ كمال مع بريطانيا لتدمير الخلافة العثمانية من الداخل وإقامة الدولة الديمقراطية على أساس الهوية الوطنية.
أقام مصطفى كمال حكومة موازية في أنقرة في عام 1921م، وحاول إيجاد رأي عام ضد الخليفة متّهمًا إياه بأنه عميل لبريطانيا، وأظهر نفسه على أنه منقذ للمسلمين وعدو لبريطانيا. بينما هو في الحقيقة عدو للإسلام والمسلمين ويؤمن بأفكار الكفر، أفكار الوطنية التركية والليبرالية العلمانية؛ لذلك كان الوعي السياسي منقذًا للأمةَ من خطط الكفار، ويمكِّنها من معرفة أعداء الإسلام والمسلمين، كما ويجب أن يكون عند المسلمين الوعي السياسي من باب القاعدة الشرعية «ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب».
وفي الختام: لا يزال المسلمون مَدينين لهذه الحركة النبيلة التي حاولت إنقاذ الخلافة، وهناك عبرة من كفاح المخلصين منهم والنبيل لإنقاذ الإسلام، ويجب علينا أن نظل نفكّر في كفاح علمائنا الأجلاء في شبه القارة الهندية، وأن نسعى لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة في العالم الإسلامي، وأن نُعيد الأمة إلى مكانتها الصحيحة، لتُخرج الناس من ظلمات الديمقراطية والعلمانية إلى عدل الاسلام. قال الله تعالى (وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَٰكُمۡ أُمَّةٗ وَسَطٗا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيۡكُمۡ شَهِيدٗاۗ ).
الإخوة الأعزاء! استمر حزب التحرير في كفاحه على مدار ستة عقود لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ويجب أن نظلَّ ماضين في الطريق الواضح من خلال اجتهاد أميرنا الأول الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله، بدون تغيير أو تنازل في الطريق. وقد بدأ هذا الركب بالشيخ تقي الدين رحمه الله، واهتزت عروش الطغاة في العالم الإسلامي، وقد تعرَّض أعضاء الحزب للتعذيب في زنازين الطغاة المظلمة، وقد زاد هذا التعذيب من عزيمة الشباب، وفي مضيِّهم قدمًا في العمل لإقامة الإسلام، قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم: «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة.
الإخوة الأعزاء! لقد مضى حوالى قرن من الزمن ونحن بدون حكم الله في الأرض، وقد أصبحت الأمة يتيمة، وتم افتراسها كما تفترس الذئاب فريستها، وتسلَّط الحكام العملاء على الأمة في العالم الإسلامي. وقد ازدادت الأعمال الإجرامية والظلم ضد هذه الأمة النبيلة، ويجب علينا أن نذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إنما الإمام جُنّة يُقاتل من ورائه ويُتقى به».
أيها المسلمون! لقد مضت المهلة التي أباحها الشرع على تنصيب الخليفة، أي ثلاثة أيام؛ لذلك وقع المسلمون في الإثم منذ زمن بعيد، وقد حان وجوب بيعة الخليفة الذي ذكر في الحديث؛ حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِىَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ. وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِى عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
أيتها الأمة النبيلة! لقد حان زمان عودة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوَّة، ويقترب تحقيق بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من التحقق، فسارعوا إلى الخير لتكونوا جزءًا من الكفاح النبيل لتحقيق بشارة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أيديكم بإقامة الخلافة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
References
-
Izalat al-Khafa›an Khilafat al-Khulfa – vol 1, Pg 6
-
Hardy, Peter. The Muslims of British India. Cambridge University Press, 1972 – Pg 180
-
Minault, Gail. The Khilafat Movement: Religious Symbolism and Political Mobilization in India. Oxford University Press, 1982 – Pg 61
-
Minault, Gail. The Khilafat Movement: Religious Symbolism and Political Mobilization in India. Oxford University Press, 1982 – Pg 57
-
Minault, Gail. The Khilafat Movement: Religious Symbolism and Political Mobilization in India. Oxford University Press, 1982 – Pg 139
-
Minault, Gail. The Khilafat Movement: Religious Symbolism and Political Mobilization in India. Oxford University Press, 1982 – Pg 121
-
Minault, Gail. The Khilafat Movement: Religious Symbolism and Political Mobilization in India. Oxford University Press, 1982 – Pg 34
-
Abdul Qadeem Zallum, How the Khilafah was Destroyed. Al-Khilafah Publications, 2000 – Pg 147
2020-06-04