مفهوم الدولة الإسلامية بين التنظير والتطبيق
2014/07/29م
المقالات
2,197 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مفهوم الدولة الإسلامية بين التنظير والتطبيق
——————-
حسن الحسن
——————-
hasan.alhasan@gmail.com
ثمة رأي عام بين المسلمين واضح التأييد لإقامة الدولة الإسلامية بعنوانها الشرعي المحدد بالخلافة الإسلامية. وهذا أمر يكاد يكون ملحوظاً للقاصي والداني، يمكن رصده من خلال الاحتكاك المباشر بالناس، أو من خلال ما هو متوفر في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية، أو من خلال التقارير والدراسات الصادرة عن مراكز بحوث مختصة، سواء أكانت مرتبطة بمؤسسات أكاديمية أم أجهزة أمنية وحكومية في مناطق شتى من العالم. في ظل وجود هذه البيئة المؤيدة لفكرة الدولة الإسلامية، ظهرت جماعات إسلامية عديدة تنادي بإقامتها، يمكن تلخيصها بتيارات ثلاثة:
(١) التيار “الوسطي المعتدل” الذي يتمثل بشكل بارز في حركة الإخوان المسلمين وما يتفرع منها. وهو تيار يتأثر بالواقع ويتخذ من الواقع نفسه المعايير ليتعامل معه. ويعتبر هذا التيار أن الدولة الإسلامية بمعناها الشرعي التاريخي الذي يوجب نصب خليفة واحد يحكم الأمة بمختلف أقطارها وأقوامها وأعراقها قد تجاوزه الزمن من خلال الدولة الوطنية الحديثة المعمول بها في مختلف أنحاء العالم، والتي لا يعترف النظام السياسي الدولي بغيرها، بالتالي فإن الحديث عن الخلافة بهذا المعنى ضرب من الخيال أو أنه مجرد حلم عصي المنال في أحسن الأحوال. لذلك اكتفى هؤلاء أثناء الحديث عن إقامة الدولة الإسلامية بتطبيق ما أسموه المبادئ العامة للشريعة، وإسقاطها على الدولة الوطنية الحديثة بعمومياتها لإلباسها ثوباً إسلامياً واعتبارها بالتالي دولة إسلامية.
(٢) تيار الخلافة الراشدة الذي يعتمد نموذجاً محدد المعالم للدولة الإسلامية بحسب المثال الذي تم تجسيده في دولة الإسلام الأولى التي أقامها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وتبعه عليه الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم جميعاً. وبحسب هذا التيار فإن هذا هو النموذج الوحيد الذي يمثل الوحي، بالتالي يجب احتذاؤه وبناء نظام الحكم الإسلامي المنشود على أساسه، وأن لا شرعية لأي نظام حكم مغاير. ويعتبر حزب التحرير أبرز المؤصلين له والمنادين به، وقد بلور الحزب لنظام الحكم في الإسلام بأربع قواعد شرعية تتمثل بالسيادة للشرع، والسلطان للأمة، ونصب خليفة واحد فرض على المسلمين، وللخليفة حق تبني الأحكام الشرعية. بعبارة أخرى، إن نظام الحكم في الإسلام هو نظام سياسي يجمع الأمة بمختلف أقطارها وأقوامها وأعراقها ويصهرها في بوتقة واحدة برئاسة خليفة واحد يُبايع على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم كما التزم الحزب طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في عمله لإقامة الدولة الإسلامية باعتبارها طريقة شرعية ذات طبيعة عملية منتجة للتغيير فعلاً، وذلك من خلال توجيه الرأي العام لتبني وتأييد الحكم بالإسلام وتحويل ولاء ما يكفي من قوى نافذة في الدولة والمجتمع لصالح إقامة الخلافة .
(٣) تيار حاكمية الإسلام. وينزع هؤلاء إلى مفهوم الحكم بالإسلام على نحو مجمل، إذ يخلطون بين مفهوم الحاكمية الإلهية وتحكيم الشريعة والدولة المسلمة والخلافة الإسلامية، فيطلقونها كأنها شيء واحد. وينزع أكثرهم إلى اعتماد بُعد عقائدي للموضوع يأخذ منحى بعيداً عن الفكر السياسي، يتم التركيز فيه على دائرتي الكفر والإيمان، ما يصرف الذهن عن إدراك النظرة الشمولية لمفهوم الخلافة كنظام حكم فريد يحدد شكل الدولة ويعالج شؤون الناس اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وتعليمياً. إضافة إلى عدم وعيهم على كيفية مساهمة الخلافة في بناء نظام دولي جديد ينسجم مع التصور الإسلامي للعلاقات الدولية. وقد انعكست النظرة المجملة لديهم حول مفهوم الدولة وحول نظام الحكم في الإسلام في عدم وضوح كيفية إقامة هذه الدولة. فمنهم من يرى إنه لا بد من تنصيب خليفة ابتداء ودعوة الناس لمبايعته، حتى إذا أصبح هو وأتباعه من الكثرة بمكان أعلن الخليفة إقامة الخلافة! ومنهم من يعتبر أن إقامة الدولة الإسلامية إنما هو نتيجة طبيعية لسيطرة “الحركة الجهادية” بالقوة على حيز مكاني تقيم فيه الدين، وأن توحيد الأمة في الكيان الإسلامي الوليد رهن التمدد العسكري على الأرض الذي يقوم على مبدأ القضم والضم، بهذا تتحول الجماعة إلى دولة ويصبح المسلمون الآخرون ملزمين ببيعة أمير الجماعة كأمير للمؤمنين. ويعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” أبرز من يمثل النمط الأخير.
لن نفصل كثيراً هنا في دحض طرح تيار “الإسلام الوسطي المعتدل” الذي بات يعيش أزمة شاملة وخانقة بكافة معانيها بعد خسارة الإخوان الحكم في مصر وتنازل حركة النهضة عن الحكومة في تونس وتسليم حماس أمر السلطة لعباس في فلسطين، وبعد إقرار أردوغان في تركيا علمنة الدولة والدعوة لها، فضلاً عن إخفاق وفشل بقية فروع هذا التيار في المناطق الأخرى بخاصة في العراق والسودان. كما لن نستعرض منهج وفكر الجماعات الأخرى بشكل مفصل، فهذا أمر يضيق المقال عن بحثه، وليس هو مرادنا أصلاً. لقد استعرضنا تصور كل تيار بشكل موجز بخصوص مفهوم الدولة الإسلامية للفت النظر إلى أن الحديث عنها (الدولة الإسلامية) ليس واحداً عند كل من ادعى العمل لها. وغايتنا هنا أن نعالج مشكلة محددة تتعلق بمفهوم الدولة وتوضيح ما يتعلق بها وإزالة الغموض عما يعتريها حتى يميز الناس معنى الدولة ويستقيم العمل على إقامتها. وكي نظل في إطار عملي، سنتطرق إلى ما نحتاجه من أمثلة وطروحات بما يلزم لتوضيح الموضوع، لا سيما تنظيم “الدولة الإسلامية” بخاصة بعد التداعيات الكبيرة والخطرة التي تجلت في الواقع إثر إعلانه إقامة دولة إسلامية في العراق والشام، داعياً الآخرين إلى بيعة أمير التنظيم بيعة إمارة عامة للمؤمنين في كلا البلدين، مما أدى إلى:
(أ) تشتيت جهود التكتلات الإسلامية المسلحة وتمزيق صفوفهم واحترابهم مع بعضهم، في وقت هم أشد الحاجة إلى تجميع الصفوف وتحشيدها لمجابهة أعتى أنظمة القهر والقتل والفساد وداعميها في المنطقة.
(ب) إحداث بلبلة بين الناس الذين باتوا شغوفين بإقامة الخلافة الإسلامية بعد أن أدركوا أن لا خلاص لأمتهم إلا بها، وأنها دولة وحدة وشريعة ورحمة ورعاية وجُنّة تحمي الأمة، تحتضن أبناءها، وتدفع عنهم أعداءها.
(ج) منح الغرب وأبواقه من العلمانيين ومن في قلوبهم مرض فرصة كبيرة لتعزيز حملة افتراءاتهم على الإسلام وللشماتة والتهجم البشع على مفهوم الحكم بالإسلام وعلى العاملين لإقامة الدولة الإسلامية.
(د) قلب الصورة المألوفة والمعروفة عن الدولة الإسلامية، التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها في رحمتها وعفوها وعدلها وإنصافها لأعدائها قبل المختلفين معها من أبناء جلدتها وعقيدتها.
(هـ) إشاعة الرعب بين المسلمين أنفسهم فضلاً عن غيرهم من الأقليات التي تعيش معهم من المصير الذي يمكن أن يصيبهم على يد “الدولة الإسلامية” جراء ممارساتها القاسية بحق خصومها بمن فيهم أشقاء الأمس ورفاق الدرب، إضافة إلى ما يُشاع من حملات اعتقال وتعذيب وقتل باسم الدولة.
(و) تقزيم دولة الخلافة، إذ لم يعد ملموساً عند الناس مفهوم احتضان الدولة كافة رعاياها، مسلمين كانوا أم كفاراً، وذلك جراء اعتماد النهج الطائفي الذي يهدف إلى قيام كيان للسنة مقابل كيان للشيعة، ما يعني تشويه نظام الحكم الإسلامي الذي يفترض أن يتسع لجميع الرعايا، والسقوط في فخ الدول الكبرى التي تحاول جاهدة خلق شرخ لا يمكن لأمه بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم.
(ز) إفشاء أجواء نموذج الدولة الدينية التي تجعل الأمير أو الحاكم ظل الله على الأرض، وتجعل من رأيه مقدساً ومقياساً للحق والباطل، رغم أن صلاحية الإمام في الخلافة الحقة نفسها هو تبني الأحكام الشرعية لوضع قوانين تنظم شؤون المجتمع والدولة، وهي رغم أنها واجبة التنفيذ، لكنها لا تُعتبر مقدسة ولا تَعتبر الدولة من يحمل رأيا اجتهادياً مخالفاً خارجاً عليها، كما أنها لا تفتش على المخالفين لقهرهم وإرهابهم وإكراههم على حمل رأيها أو الموت.
لذلك كان هناك حاجة ماسة لبلورة مفهوم الدولة الإسلامية استناداً لقواعد نظام الحكم في الإسلام، بخاصة القاعدتين الشرعيتين اللتين تنصان على أن “السيادة للشرع والسلطان للأمة”، لا سيما أن مفهوم هاتين القاعدتين مشترك عند كافة التيارات العاملة لإقامة الدولة الإسلامية،بالتالي فإن اعتمادهما يشكل مرجعاً واضحاً لحصر الموضوع مدار البحث وضبطه على النحو التالي:
(١) السيادة للشرع، أي أن الذي يضع المعالجات والقوانين والمعايير التشريعية التي يجب أن تسود الدولة والمجتمع والأفراد هو الإسلام، الذي لا يصح الحكم بغيره، وقد جعل شؤون هؤلاء جميعاً خاضعة وجوباً لأوامر الله ونواهيه بدليل قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ومعنى رده إلى الله والرسول أي جعل الشرع حاكماً عليه. بهذا يثبت بطلان جعل ما استجد في الواقع من مفاهيم باطلة كالدولة الوطنية الحديثة أو الاقتصاد الرأسمالي الظلامي المتفشي أو الاندماج بالمؤسسات الدولية التي تكرس تفوق الغرب واستعماره أو غيرها أصلاً يصح البناء عليه، بل يجب العمل على تغيير هذه المفاهيم وهدمها ما أمكن لأنها منكرات تخالف الشرع.
(٢) السلطان للأُمة، وهي قاعدة شرعية “مأخوذة من جعل الشرع نَصبَ الخليفة من قِبَل الأُمة، ومن جعل الخليفة يأخذ السلطان بهذه البيعة. أما جعل الشرع الخليفة ينصب من قِبَل الأُمة فواضح في أحاديث البيعة الكثيرة، كرواية مسلم عن عبادة بن الصامت «بايعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره»”. إذن الأمة هي صاحبة الحق الأصيل في السلطة، بالتالي هي التي تختار وتبايع عن رضى من تريد في ظل سيادة الشرع ممن هو أهل لذلك بحسب الشروط الشرعية. لذلك قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه “من بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين، فلا يتابَعُ هو ولا الذي بايعه، تغرَّةَ أن يقتلا”. ويتسق كلام عمر تماماً مع الحديث النبوي الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه، وفيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر». والحديث يفيد كما ذكر العلماء بأن البيعة الشرعية التي يلزم الوفاء بها إنما هي تلك التي تكون (ثمرة القلب)، أي تكون نابعة من القلب، ومعبرة عن الرضى والاختيار، فثمرة القلب هي خالص المودة. “أما مجرد صفقة اليد أو اللسان، بدون ثمرة القلب، فإنما هي نفاق أو إكراه، وكل منهما ليس له اعتبار ولا أثر في الشرع”.
كما يجدر التنبيه إلى أن التصور الذي تضعه قواعد الحكم في الإسلام، لا ينفك بحال عن التمكن من تجسيده واقعاً بين الناس، فالدولة التي تمثل إرادة الأمة في تحكيم الشريعة يجب أن تستند إلى قواها الذاتية، وإلا أصبحت رهن من يملك إرادتها، ويصبح إنفاذ السياسات والقوانين المعتمدة تراعي حالة التبعية للقوة الفعلية صاحبة التأثير، حينها تكون السياسات المرسومة في الدولة مجرد امتداد لمصالح صاحب النفوذ الحقيقي، وأن أي تغير في مخططات هذا أو مصالحه سينتج سياسات وإجراءات لا علاقة لها بتصورات الأمة ومصالحها.
على صعيد آخر فإن اعتماد سياسات أو معالجات لشؤون الناس أو إدارة أوضاعهم بشكل أو آخر يحتاج إلى استقرار سلطان الدولة، أي يكون استقرار أحوالها هو السمة الغالبة، وإلا كان من العبث إعلان الدولة وإلزام الناس ببيعة القائمين عليها والخضوع لها. فعندما تكون السلطة شكلية أو مهزوزة أو مؤقتة، فإن الدولة تصبح عاجزة عن القيام بالدور المنوط بها، وتصبح عبئاً على الناس بدل أن تكون مسؤولة عنهم وراعية لهم.
إنّ الدولة لها واقع معين يمكن لمسه ولها وظائف محددة تقوم بها، إنها ليست كياناً افتراضياً أو خيالياً أو مزاجياً. ويصبح إدراك واقع الدولة أكثر إلحاحاً وأهمية عندما يتعلق بإعلان الدولة الإسلامية، حيث إن إقامتها يعني عملياً تغييراً في الواقع السياسي الاستعماري المفروض على الأمة، سواء فيما يتعلق بالجغرافيا السياسية، أو فيما يتعلق بالسياسات وعموم أنواع الحلول التي يشرعها الإسلام لمعالجة أزماتها ومشاكلها فضلاً عن العلاقات الدولية.
بناء على ما سبق فإن إعلان تنظيم ما (هذا حاله) نفسه دولة هو تجاوز واضح لمفهوم الدولة، كما أن الدولة هي للأمة لا لجماعة منها، ولو أعلنت كل جماعة تستأثر بحكم منطقة ما نفسها دولة، لتعددت دول المسلمين بتعدد جماعاتها المسلحة، ولأدى إلى ما لا تحمد عقباه من شقاق وصراع، وهو أمر مخالف للنصوص الشرعية الواضحة التي توجب وحدة الأمة واجتماع صفوفها ووحدة كيانها، فقد أوضح الشرع أن نصب خليفة واحد على المسلمين فرض عليهم،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” رواه مسلم، والبيعة لا تكون إلا لخليفة. وأما كون الخليفة واحداً فقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، وهذا صريح بتحريم أن يكون للمسلمين أكثر من خليفة.
إن واقع الحال يؤكد بأن تحكم مجمل الجماعات المسلحة في أماكن تواجدها هو جزئي ومؤقت، وحتى لو تفردت بالتحكم في بعض الأماكن فإن استمرارها يخضع في كثير من الحالات لمؤثرات وعوامل خارجة عن قوتها الذاتية، أي أن ما تمتلكه تلك الجماعات من قوة وسلطة لا يستطيع أن يضمن استمرارها ولا حمايتها فضلاً عن حماية رعاياها، بالتالي فإنه لا يتوقع منها رسم سياسات يمكن إنفاذها، إلا بشكل عشوائي وظرفي ومؤقت. وما حصل في أفغانستان والصومال والبوسنة والعراق واليمن وما يحصل الآن في الشام من وقائع يؤكد هذا.
في هذا السياق نرى مثلاً تمدد الجماعات المسلحة في مناطق معينة يتم بشق الأنفس، خلال شهور أو سنوات، ثم تنسحب منها تلك الجماعات في ليلة ظلماء، إما لأن الجهات الداعمة أوقفت التمويل والتسليح، أو لأن قراراً دولياً صدر بالتخلي عن تلك المنطقة، على نحو ما جرى في البلدان التي سبق ذكرها، أو كما جرى منذ وقت قريب في عدد من مدن الشام كالقصير وحمص ويبرود وتل كلخ والسفيرة وكسب وغيرها. ولم يعد هذا الأمر خافياً أو سراً على أي متابع للوضع في سوريا مثلا! فقد أقر قادة الكتائب المسلحة بذلك صراحة مراراً وتكراراً.
بهذا يكون التمدد أو التقلص في نفوذ الجماعات المسلحة وتحكمها بالمناطق المختلفة إنما يتم بحسب معطيات وعوامل خارجة عن حساباتها وسياساتها وإمكانياتها الذاتية، ما يعني انعدام أحد شَرْطَي اعتبار الدولة المعلنة دار إسلام. فالحكم بالإسلام والأمان الخاص الذي تكفله قوى الأمة بمقدراتها وإمكانياتها الذاتية هو المعتبر في تحصيل ذلك. ولطالما شاهدنا في تاريخنا المعاصر سيطرة جماعات على أراض شاسعة وإذا بها تتقوقع وتختفي في شعب الأودية والجبال إثر تدخل دولي مباشر أو عبر عملاء لتحجيمها أو استئصالها. وحري بمن كان حاله كتلك الجماعات أن يتدبر امتلاك القوة اللازمة كي يتمكن من الأمر قبل دعوة الناس للرضوخ له ومحاربة من يأبى منهم ذلك.
نكتفي بهذا القدر كبيان فكري يستند إلى المفاهيم الشرعية المتفق عليها وإلى ما يلمسه العقل السوي كما هو متجرداً من رغبات النفس وأمنياتها. والله من وراء القصد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
2014-07-29