من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم (1):
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ» رواه البخاري.
o «جَهْدِ الْبَلَاءِ» هو عسره ومشقته وقسوته، وعدم القوة على احتماله، وفقدان الحيلة في الخروج عنه والتخلص منه، وضيق الصدر عن مواجهته، والعجز عن إدراك ما معه من المنح وما بعده من الثواب على تحمله؛ فإن البلاء هو الامتحان، والامتحان يكون بالخير والشر، كما قال جل شأنه: ( كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ٣٥).
o «وَدَرَكِ الشَّقَاءِ» هو بفتح الراء وسكونها، ومعناه: لحوق الشقاء بالعبد في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما معًا.
o والشقاء: ضد السعادة، وهو نوعان: شقاء حسي، وشقاء معنوي. أما السعادة فنوع واحد، هي شعور المرء بطمأنينة القلب ورضا النفس، وهذا لا يتأتى إلا بذكر الله والإيمان بقضائه وقدره. والعبد حين يتعوذ بالله من «دَرَكِ الشَّقَاءِ» ينبغي أن يجمع همته على تلافي كل ما يؤدي إليه من المعاصي والمخالفات. وبين البلاء والشقاء عموم وخصوص، فكل شقاء بلاء، وليس كل بلاء شقاء. فقد يُبتلى المرء بمحنة فيصبر ويشكر، فتنقلب المحنة منحة، كما في قوله تعالى: ( وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥
ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧ )
o «وَسُوءِ الْقَضَاءِ» فالمراد به المقضي، أي الفعل الواقع على الإنسان، وليس المراد القضاء بمعنى الحكم؛ فقضاء الله عدل لا ظلم فيه، وخير لا شر فيه، فالشر مضاف إلى من وقع عليه القضاء لا إلى القضاء نفسه، فليعلم العبد ذلك فيحسن الأدب مع الله في الدعاء؛ فإن الله – عز وجل – يقضي لعبده بقضاء يرى العبد أنه شر عليه وهو عين الخير له؛ وذلك لأن عقله قاصر ونظره محدود. ولو علم العبد الغيب لرضي واختار ما اختاره الله له. فالله يقضي لعباده ما فيه شدة وبلاء، كالفقر والمرض، أو ما فيه خير البلاء كالغنى والصحة؛ فإن هو رضي وصبر وحمد الله على قضائه هذا كان قضاء خير، وإن لم يرضَ، ولم يصبر، ولم يحمد الله كان قضاء سوء عليه. وإن هو شكر الله على ما أعطاه ومنحه كان ابتلاء خير، وإن هو لم يشكر الله على ذلك كان قضاء سوء عليه… فالقضاء من الله هو قضاء فحسب، والمسلم هو الذي يجعله قضاء خير بصبره على النقم، وشكره على النعم، أو يجعله قضاء سوء بعدم صبره على النقم، أو بعدم شكره للنعم…. وهذا الإيمان يؤدي بالمسلم أن يعلم أن كل حال هو عليها هي من الله فحسب، وانه سبحانه اختارها له لأنه عليم خبير به، ويريد عز وجل أن يكرمه بها، وهو سبحانه قد دله على الإكرام بامتثال أمره في مواجهتها والتعامل معها، وهذا يؤدي به إلى أن يصبر ويشكر عن قناعة وطواعية. وهذا هو خير القضاء، وإلا أوقع المسلم نفسه في سوء القضاء.
o وأما شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ فمعناها: فرحُهم بما يصيبه من شر وما يلقاه من عسر وحرج، وهو أمر يُغيظ المصاب ويُقلقه، فيزيده بلاءً على بلائه وشقاء على شقائه، وهنا عليه الصبر عليه، فهو شر في الظاهر يلحق بالبلاء، منفصلًا عنه ويعده العبد شرًا مستقلًا، فيكون ذكره في الدعاء حينئذ من باب الاستطراد والإطناب، وهو أمر محمود في الدعاء.
وذكر شرَّاح الحديث أن سفيان الثوري – رحمه الله – قد روى هذا الحديث، وأخرجه عنه البخاري، وصرح رحمه الله أنه زاد واحدة، ورجح كثير منهم أنها هي «شَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ». وهذه الرواية رواها البخاري في كتاب الدعوات عن أبي هريرة أيضًا بلفظ: «كَانَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، قال سفيان: الحديث ثلاث زدت أنا واحدة لا أدري أيتهن هي».