الثورة في سوريا مستمرة، والإسلام هو الحل، والطريق هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم
2019/05/19م
المقالات
6,538 زيارة
الثورة في سوريا مستمرة، والإسلام هو الحل،
والطريق هو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم
حسن عبد المعطي
صاغت الدول التي تدخلت في الثورة السورية وعلى مختلف المستويات، وسواء أكانت في صف المعارضة أم في صف النظام، صاغت نهاية الثورة على أساس الحل السياسي الذي يثبت النظام العلماني والنفوذ الأجنبي في آن معًا، بالقضاء على كل القوى المخلصة وتفتيتها، وإعادة قوى المعارضة المروَّضة الباقية إلى حضن النظام، وهكذا كانت محطة الثورة في إدلب متوقعة وليست مفاجئة، مع أن الآمال كانت عريضة والدعوات كانت كثيرة لتصحيح مسار الثورة والصمود، ثم النهوض لهزيمة النظام وإسقاطه قبل محطة إدلب المؤلمة.
إذًا، إدلب الآن هي محطة من محطات الكيد والمكر بالثورة السورية المباركة قبل الإجهاز عليها كليًا!! فهل سيستمر القطار بالسير وفق المخطط الخارجي المدمر؟! أم أن هنالك أملًا في تصحيح المسار، والحد من الأخطاء الداخلية الممزِقة، والاستمرار بالثورة حتى تحقق غايتها؟
وللجواب على هذا السؤال، ينبغي أولاً تقرير حقيقة ثابتة بأن الثورة هي إرادة التغيير؛ تغيير الواقع الفاسد والانتقال إلى واقع أحسن؛ وبغض النظر: هل تم بلورة صورة للواقع الأحسن أم لا، فإن إرادة التغيير كانت الباعث والمحرك للثورة على أوسع نطاق. وعلى الرغم من وجود قطاعات ضيقة لم تبدأ الثورة عندها حتى الآن، وهي منغمسة في الواقع الذي فُرض عليها في حضن بشار أو في حضن الدولار، وعلى الرغم من وجود قطاعات أوسع ممن انتهت الثورة عنده لأنه فقد الأمل أو ضاع في طرقات الهدن والمصالحات والتسويات؛ إلا أن القطاع الأوسع هو المستمر في النضال أيًّا كان الموقف، ومهما كانت المتغيرات. ولهؤلاء كتبت هذه المقالة لعلها توسع الأمل، وتضيء الطريق، وتجدد العزائم لتصحيح المسار.
ولن أحصر هؤلاء في إدلب وحدها، فمنهم الأسرى في مناطق النظام، ومنهم المهجرون في الشتات، ومنهم الباقون في المناطق المحررة، فلكل هؤلاء، أهل الثورة الحقيقيين، تكتب هذه الكلمات… نعم أرادت جميع الدول المتدخلة في سوريا وأد الثورة والعودة إلى نظام استعباد البشر تحت مظلة الاستعلاء والهيمنة العالمية، وكانت في الصورة محطة إدلب التي نُقلت إليها القوى الرافضة للمصالحات والتسويات، وأتت معها أو قبلها الكثير من العائلات والأفراد الذين تجسدت فيهم روح الثورة ورفض النظام.
وهذه الدول تحتاج إلى وقت وإلى فخاخ وأعمال سياسية حتى تنهي هذه القوى، وتنهي الأمل في حاضناتها، وتصل بالثورة إلى الحلقة الأخيرة في إخراج النظام الجديد الذي يرث سابقه بأمنه ومخابراته، ويحافظ على وظيفته الأساسية في رعاية مصالح الأجنبي ومحاربة الإسلام والحفاظ على أمن كيان يهود.
هذه القوى يمكن القول بأنها مخلصة ولاشك، بدون قياداتها. وهي في الواقع متنافرة ومتنافسة، ولن تجتمع هي لوحدها، ولن تجمعها تلك المبادرات الواقعية الناقصة، ولا تلك الأماني الحالمة. وهذا التأخير، وهذا الوضع هو ما يفيد اللاعبين الدوليين والمحليين في انتهاز الفرص وخلق المشكلات لتفتيتها والقضاء عليها.
ولكن شاء الله تعالى أن يتواجد في الساحة من يريد الجمع والطرح على أسس ثابتة، ووفق رؤية واضحة، وإلى هدف صادق يطلبها بإلحاح كما هي تطلبه، جمعًا يرص الصفوف ويحزمها بحزام الحاضنة الثائرة، ويطرح النواقص والضفادع، ويقلب الطاولة على رؤوسهم، ويدفنهم في أحقادهم. وحتى تكتمل الصورة لابد من الوقوف على المحاور التالية: 1- طاقاتنا المتوفرة – 2- وعي الحاضنة المتلهفة– 3- القيادة الغائبة – 4- صياغة الحل.
1- طاقاتنا المتوفرة:
عندما قرعت طبول الحرب على إدلب – وهذا من خطة الماكرين ولا ريب – وجدنا أن القوى المدافعة هي أكبر حجمًا وعددًا وحماسةً وإصرارًا من الفصائل الموجودة والمشهورة على الساحة، بل من الحيف القول إن الفصائل استعدت ذلك الاستعداد اللافت للنظر، وكان المشهد غير بعيد عن أهل المكر والخداع حتى قال قائلهم: «إذا بدأت معركة إدلب، لا نضمن أن لا تستعيد المعارضة مناطق واسعة خاضعة لسيطرة النظام» ونحن هنا لسنا بصدد التحليل السياسي لنرصد كيف كانت حركات المتآمرين ومكرهم؛ ولكن نحن نرصد حركة الناس والقوى الكامنة فيها، ومن الجدير ذكره أن اتفاق سوتشي كان المخرج من حرب ربما يستطيع النظام وروسيا، ومن ورائهم أميركا، بدءها؛ ولكن لا يعرفون نهايتها ولا يعرفون نتيجتها.
ولابدّ لكل ذي رأي أن يحدد موقفه الرافض لاتفاق سوتشي، وأن يعمل بكل وسيلة على إفشاله، وقد كُتب في هذا الكثير وقيل فيه الكثير؛ ولكن الذي يجب التركيز عليه الآن هو مخرجات سوتشي؛ لأن هذه المخرجات وما يبنى عليها من أعمال سياسية وعسكرية هو ما يستهدف هذه القوى الكامنة، ويعطل ويشل كامل القوى، ويسقط الحاضنة في اليأس وفي طلب الخلاص بأي ثمن.
نعم، إن حركة القوى المتناثرة والمبثوثة بين الناس، وحتى تلك المنضوية اضطرارًا في فصائل كبرى، بل حتى حال عناصر الفصائل الكبرى المتململة قد أرعبت كل من يريد شرًا بنا ويريد إنهاء الثورة!! وليست القضية هنا البحث في موازين القوى بين الطرفين، ولا البحث في قدرات تلك القوى وحساب عتادها وعديدها!! ولكن موضع البحث هو الثورة وإرادة التغيير، فكانت صورة الحال في قرع طبول الحرب مع ما ظهر في الناس من تصميم على القتال والمواجهة مرعبة للغرب، صورة حقيقية وليست خيالًا ولا أوهامًا؛ ولهذا السبب تأجلت المعركة ولكن لم تلغَ من مخططات الماكرين… ولمزيد بيان نقول: إنه قد ولدت في أذهان الناس وفي عزائمهم حالة من التصميم على المواجهة كانت هي المغذية للثورة ومغذية لاستمرار الثورة، وهذا ما لا يريده الغرب بل يعمل على وأده وإنهائه بشكل نهائي. والسبب ببساطة أن مجموع الناس الآن قد اتخذت قرار المواجهة والقتال، ولم يُلتفت كثيرًا لقرار الفصائل ومواقفها؛ فكان رعب الغرب والنظام هو عودة الناس للقتال، وهذا معناه عودة صورة عام 2011م و2012م، وهي الصورة المرعبة التي لا يستطيع الغرب تحمل تكرارها ولو ليوم واحد، وكل ما سجله التاريخ في ذاكرة الثورة من مكر، وتآمر، وكذب الصديق، وبطش وعدوان العدو، وبيع وشراء بغرف الموك والموم، وخبث وعبث من منظمات الإغاثة ولواحقها، والحصار، والتجويع، والقتل، والتهجير… كل ذلك كان المقصود منه تثبيت فصائل خانعة تؤمر فتطيع، ويطلب منها الوقوف فتقف، ويطلب منها التوقيع والمصالحة فتقبل، فصائل كهذه هي الصيغة الوحيدة المقبولة دوليًا، وأي تغيير لهذه الصيغة يعني فشل الخطة الدولية للقضاء على الثورة ـ ولو مرحليًاـ وهو رعب وكابوس كان قد شيّب رأس أوباما سابقًا، وسيصدع رأس من أتى بعده وكل المشاركين في جريمة العصر.
وختام هذا المحور أن يحسّ أهل الثورة الحقيقيون، ونحس نحن المخاطبين بهذا المقال، بالمشهد المتغير. ونحس نحن بالنفوس التي نادت بالتغيير الحقيقي وهي تدرك فعلًا أنها قادرة على قلب المعادلة والاتجاه إلى الهدف، وهو النصر الذي يطلبها كما هي تطلبه.
2- وعي الحاضنة المتلهفة:
ربما لا أتردد في وصف مقاتل ألقى السلاح وجلس في بيته أو صالح النظام أو سافر إلى تركيا أو للخارج بأنه قد يئس وانتهت الثورة عنده، ولكن لا أتخيل أبدًا أن الثورة انتهت في نفوس الناس الذين يشكلون الحاضنة الشعبية التي حملت الثورة وتحمَّلت وضحَّت إلى هذا الوقت. واليأس الذي ربما يظهر عند الناس ليس مداره وجود القدرة على الخلاص من بشار وتوابعه القذرة من عدمها؛ لا، ليس هذا، ولكن اليأس عند الناس تمثَّل بوعي منهم، وبالقول إنه لا أمل في هذه الفصائل أن تنتصر أو تجتمع أو تحقق حتى الحماية والدفاع عن النفوس والأعراض… وهنا نرصد حالة الوعي التي تختلف عن حالة الالتهاب والاستعداد للمواجهة. إذًا، لابد من تشخيص الحالة بشكل جيد حتى يكون الرأي صائبًا غير زائغ ولا مزيف. إذًا، اليأس هو من الفصائل ومن قياداتها تحديدًا، وليس اليأس من التغيير والقدرة على إسقاط النظام. وكل من قال تعبنا وأرهقنا ومللنا كان يقصد التعب والضنك من عبث الفصائل ومن سلوكها المعوج، ولا يقصد بحال من الأحوال أنه تعب من الثورة أو المواجهة مع النظام!
لقد واجه الناس النظام بكل جرأة وصلابة، وهم لا يملكون شيئًا وهو يملك كل شيء! ولقد تحمَّل أهل سوريا فاتورة تأديب الشعوب المستعبدة قاطبة، كل من يفكر بالثورة في العالم الإسلامي أرادوا له أن ينقطع قلبه وينخلع فؤاده وتشل حركته مما يجري في سوريا، ومع ذلك صمد الناس ولم يترددوا في المضي بالثورة والإصرار على إسقاط النظام، هذا على مستوى أهل الشام، أما قابلية التحرك من قبل أبناء الأمة فهي ممكنة وواردة في أي منطقة في العالم الإسلامي، والخير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، ولعل مشهد الشام الدامي يكون محركًا للتفكير بالطريق الجاد للتغيير؛ ولذلك نقول إن الحاضنة الشعبية بصبرها وتحملها وإصرارها وبأبنائها المقاتلين هي إرادة التغيير، هي الثورة، وهي بعد التوكل على الله ضمان النصر بإذن الله تعالى.
وختام هذا المحور أن يحسّ أهل الثورة الحقيقيون بالوعي المتصاعد عند الناس، والمهم أن تنتقل الأمة من منطقة اليأس من قادة الثورة، ومن الوسط السياسي الفاسد الذي حاصر الثورة بجدار التآمر الدولي… إلى منطقة البحث عن القادة الحقيقيين، أو إيجاد المقاييس الصحيحة للقيادة الجديدة، وهو مطلبنا في بحث النقطة التالية.
3- القيادة الغائبة :
لقد شكَّل غياب القيادة المسيطرة على الناس والفصائل عقدة في الحل الأميركي للقضاء على الثورة والمحافظة على النظام في سنوات الثورة الأولى. وقد أجمع الكثير من المراقبين أن طول الأزمة السورية سببه غياب تلك القيادة، وأما ما تم تصنيعه في الخارج فلقد كان ممسِكًا بصندوق المال وشاشة الإعلام ليس غير؛ ولذلك كانت كل محاولات الغرب هي إيجاد قيادات تمسك بالقوى المسلحة أولًا، وقادرة على التحكم بالناس ثانيًا، حتى تعطيهم أميركا فرصة الصعود إلى السلطة في سوريا مع بشار أو بدونه.
ولكن هذه العقدة في الحل الأميركي لم تمنع الدول من المكر واللعب بأوراق أخرى، ليس الاقتتال والاتجار والحصار والتجويع بأولها، ولا المصالحات والهدن والتسويات آخرها… فغياب القيادة وإن كان معطِّلًا للحل الأميركي، ومؤخِّرًا له حينًا من الزمن؛ ولكنه معضلة في سير الثورة ونمائها وتكامل رصيدها حتى تبلغ مداها وهدفها من جهة أخرى، ومنه كان فقد القيادة سببًا رئيسًا في تأخر الإنجاز، وضياع الطاقات، وتبدد الجهود، وارتفاع فاتورة الدماء والدمار.
وختام هذا المحور أن يحسّ أهل الثورة الحقيقيون بضرورة إيجاد القيادة الواعية المخلصة، وضرورة وضع المقاييس الصحيحة التي تقبل بها قيادة أو ترفضها أخرى، والأَولى من ذلك كله هو أن يباشر أهل الثورة بأنفسهم ومن بينهم إيجاد من يأخذ زمام القيادة على أسس صحيحة. وهنا نلج إلى خاتمة الختام في محور صياغة الحل.
4- صياغة الحل:
الحل كلمة صعبة وشاقة على السياسيين المخلصين، ومسؤولية عظيمة ملقاة على كواهلهم. وأما الحلول المطروحة فهي سهلة ميسورة مبتذلة عند كل بوق فارغ، وعند كل سمسار لزبائن السفارات ومرتادي المؤتمرات وأقزام المؤامرات. ولن نبالغ إذا قلنا بأن أميركا بقوتها ومكرها وأدواتها، وروسيا بكل حساباتها وحقدها، والغرب بكل ما يتربص به ويحاول ويقدم ويؤخر… نقول بأن الكل لا يملك الحل في سوريا، ولا في أيّ قضية من القضايا العالمية. والمقصود بالحل من وجهة نظرهم هو الحل الذي يثبت أقدامهم كدول كبرى تريد القسط الأكبر من الكعكة، وتريد نهاية الثورة في نفوس الناس، ونهاية التمرد على النظام العالمي؛ لتعود القطعان إلى الحظيرة، ويرجع الدجاج إلى القن. هذا هو الحل الغربي الذي توسوس به شياطينهم ومفكروهم، ويحلم به أشد المتفائلين من ساستهم. وأما الواقع الذي يؤمنون به فهو أنهم يؤخرون ساعة سقوطهم عن عرش الاستكبار والطغيان العالمي.
والناظر إلى أبرز القضايا في بلاد المسلمين يرى أن أفضل ما حصل عليه الغرب بكل تدخلاته وعظيم مؤامراته وفداحة أخطاء المسلمين وقباحة جرائم الخونة والمتعاملين كان كسب جولة أو نصف جولة كما حصل في فلسطين أو أفغانستان أو العراق… نعم كسب جولة أو نصف جولة هو أفضل إنجاز للغرب إن صح التعبير، فلا تزال المنطقة ساخنة والقضايا مشتعلة والحلول على القياسات الغربية بعيدة المنال ومرفوضة من عامة الناس، ولعل أجدر عمل نجحت فيه أميركا على وجه الخصوص هو تدوير الأزمات وإدارتها نحو تثبيت عملائها على كوم من الخراب والركام في دول هشة لا تأتيها بفائض الكسب المعتبر الذي يناسب عقليتها الرأسمالية الجشعة، وكلها دول تسبح على فوهة بركان يغلي وقابل للانفجار في أي لحظة.
نعم، قد تجيد أميركا إدارة الأزمات وتدويرها وتطويلها حتى يتهيأ الحل الذي تريد، وهي لا تيأس ولا تترك الساحة أبدًا ما كان فيها عرق ينبض؛ ولذلك تجدُ الفارغين والمتلاعبين الذين يجيدون العزف والغناء على الألحان الدولية المشدودة على أوتار العمالة والخيانة لازالوا في المشهد أو في سدة الحكم، فقد يأتي حامد كرزاي، أو المالكي، أو عباس، أو السيسي، أو السبسي… مع جولة أو نصف جولة من جولات الغرب الماكر؛ ولكن لا أحد يجد الحل، وليس عند أحد الحل، وقد تزداد وتيرة بطشهم وجبروتهم بمقدار ما يزاد خوفهم وانقطاع قلوبهم مما سيلحق بهم وبعروشهم عند التغيير القادم الذي يطاردهم ويقضُّ مضاجعهم.
نعم إن الحل كلمة صعبة شاقة على السياسيين المخلصين؛ ولكنَّه من السهل جدًا، ومن الميسور جدًا، إدراكه والاهتداء إليه!! لقد جاء في طيات هذه المقالة عبارة أن الهدف والنصر تطلبه الجماهير كما هو يطلبها، نعم هذا هو مفتاح الحل، وهذه هي الإشارة إليه التي تلوح كلما قرأ العاقل الواقع وقلب الفكر فيه، وصدق الشاعر حين أنشد:
إن اللبيب إذا تعقد أمره
فتق الأمور مشاورًا ومناظرًا
وأخو الجهالة يستبد برأيه
فتراه يعتسف الأمور مخاطرًا
إن الذي يخضع الحل للعاطفة، تفاؤلًا كانت أم تشاؤمًا، والذي يخضع الحل للواقع مساعدًا كان أم ممانعًا، والذي يخضع الحل للهوى كريمًا كان أم متنازلًا، فإنه لن يجني العنب ولن يحصد الخير له ولا لأمته، ولن يقدم لأحداث الزمان غير أصفار الخيبة. وأبلغ ما يمكن أن يبلغه هو أن يكون جسرًا تمر عليه المصائب والمكائد والنكسات على البلاد والعباد، وأسوأ من هذا وذاك من يستجدي الحل من عدوه، ومن يطلب العون من قاتله. وصدق من قال: «إن طلب الحلول الدولية من هيئات التآمر الدولية هو الانتحار السياسي بعينه».
إن الحل ثقيلٌ، وحملهُ ليس سهلًا؛ ولكن الاهتداء إليه سهل جدًا من رجال وطدت نفوسها لقبول الحق والتواضع لقول الحق، من رجال صدقت مع نفسها واحترمت عقولها أولًا، وصدقت مع أهلها وأخلصت لبلادها ثانيًا؛ وذلك أنها قصدت الحل من مصدرٍ صحيح موثوق، لا من شرق ولا من غرب ، لا من عاطفة ولا من هوى، ولم تجعل الواقع ولو ثقلت قيوده على كاهلها مقيدًا لفكرها ولإرادتها ولحركتها، نعم الحل فكرٌ صحيح وإرادة حرة وحركة مستقيمة، لا تقبل الخطأ ولا الخنوع ولا الانحراف مهما كان الثمن، ومهما طال الزمن أو قصر.
إن الإسلام هو الحل حقيقة لا شعارًا، فطاقاتنا وقدراتنا المبعثرة لا يجمعها غير الإسلام بعقيدته الصافية النقية التي توجد حرارة إيمان تدفع إلى العمل، قال تعالى في محكم التنزيل ( وَإِن يُرِيدُوٓاْ أَن يَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِيٓ أَيَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٦٢ وَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡۚ لَوۡ أَنفَقۡتَ مَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مَّآ أَلَّفۡتَ بَيۡنَ قُلُوبِهِمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّهُۥ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ). وقال تعالى: ( وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ)
فطاقاتنا وقدراتنا المبعثرة لا يجمعها غير الإسلام، ولا يضعها في مكانها ويحافظ عليها غير الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار. قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما شأن المقتول؟ قال لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه». وقال الله جل وعلا: (وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُوا بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ ). وقال تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ). وعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ – رَضِيَ اللهُ عَنهُ – قَالَ: كُنَّا عِندَ النَّبيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَمِينِه،ِ وَخَطَّ خَطَّينِ عَن يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ في الخَطِّ الأَوسَطِ فَقَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: (وَأَنَّ هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦلَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ) رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ. وَقَالَ تَعَالى:(وَلَوۡ أَنَّهُمۡ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِۦ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَشَدَّ تَثۡبِيتٗا ٦٦ وَإِذٗا لَّأٓتَيۡنَٰهُم مِّن لَّدُنَّآ أَجۡرًا عَظِيمٗا).
وعن ثوبان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خير أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ، وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ» أخرجه الحاكم في مستدركه، والمعنى: أي لن تحصوا الخيرات المتأتية من الاستقامة .وقال تعالى:( يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤ وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ).
ولن يثمر عملنا ويلتقي مع النصر الذي يطلبنا إلا على طريق الإسلام، قال تعالى: (وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ). وثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها”. وقال تعالى:( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسۡتُضۡعِفُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنَجۡعَلَهُمۡ أَئِمَّةٗ وَنَجۡعَلَهُمُ ٱلۡوَٰرِثِينَ ٥ وَنُمَكِّنَ لَهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَنُرِيَ فِرۡعَوۡنَ وَهَٰمَٰنَ وَجُنُودَهُمَا مِنۡهُم مَّا كَانُواْ يَحۡذَرُونَ ٦ )
هذه الحقيقة هي كالشمس في رابعة النهار، راسخة في القلوب رسوخ الإيمان، واضحة في العقول وضوح البديهيات، مدركة بالحس إدراك الكليات والجزئيات؛ لكنها لن تأتي لوحدها، ولن تأتي بها الملائكة على أجنحة تحملها، بل تحتاج أن يحملها الرجال الرجال حملًا صادقًا قويًا، أي حمل المشروع الإسلامي كاملًا غير منقوص حملًا واعًيا ومتحديًا وسافرًا، ولابد لحملة الدعوة أن يبرزوا في الميدان، ولابد أن يرفعوا الصوت ويوقظوا النائم وينبهوا الغفلان ويزجروا المتهاون الجبان.
إن الإسلام هو الحل، هو برنامج عمل يحمله ويعمل به بصدق حزب التحرير، وإنه لواضح ومفصل عنده على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من المناسبة بيانه للقارئ الكريم في هذه العاجلة، ولكن ما يجدر التركيز عليه في هذه المقالة هو أن كل ما صدر عن حزب التحرير في طريقته الشرعية للتغيير، ونظرته للدولة الإسلامية المنشودة ودستورها وأجهزتها وإدارتها… كان من المصدر الموثوق عند كل المسلمين: القرآن والسنة وما أرشدا إليه من طريقة صحيحة في الاجتهاد، وكل ما بيَّنه حزب التحرير في معالجة قضايا المسلمين المشتعلة عامة، ومنها الثورة السورية المباركة خاصة، كان مستندًا إلى فهم مستنير للواقع، وإدراك عميق للمؤامرات الدولية، وأخذ الحلول والمعالجات من الإسلام الصافي الزلال، فكان عملًا دؤوبًا ومتواصلًا لجعل الإسلام هو الحل، أي لأخذ الحل من شريعة الله التي أنزلها الله رحمةً ونورًا وتبيانًا لكل شيء، والأمل أن يمتلئ المسلمون شوقًا لمعرفة ما في خزانة حزب التحرير من كنوز الانضباط بالشرع الحنيف، والالتزام بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم المستقيمة على أمر الله في التغيير، وهذا ما يترجم نداء المنادين من أهل الثورة بأن قائدهم إلى الأبد فيها هو سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم… هذا هو طريق الحل الذي يرضي ربنا، وينقذ أمتنا، ويستجلب النصر الذي يطلبنا كما نطلبه، والله المستعان وعليه التكلان.
2019-05-19