مراقبة العبد لله
2014/03/29م
المقالات
7,546 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مراقبة العبد لله
شاهر أبو عبد الرحمن أبو الفيلات
الخليل- بيت المقدس
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمةً للعالمين، نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
الحمد لله الذي أكرمنا بأن جعلنا مسلمين، خلفاء له في الأرض بمسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة. الحمد لله الذي أنعم علينا بحمل الدعوة في زمن غابت فيه دولة الإسلام بل غيبت وأزيحت من الوجود على يد الكافر المستعمر وأذنابه من خونة العرب والعجم…
حديثنا في هذا الموضوع يحتاج إليه الكبير والصغير والرجل والمرأة لا سيما في هذا الزمان الذي تكاثرت فيه الفتن،
والحديث هو عن مراقبة الله عز وجل؛ فإن هذه القلوب يحصل لها ما يحصل من أنواع الغفلة، والنفس شَرود، وقد ركِّبت في النفوس محبة الشهوات، كما أن الفتن خطَّافة، وقد يحمل الإنسان حب الاستطلاع على أن يرد موارد الهلكة فتعلق الشبه في قلبه ثم لا يستطيع بعد ذلك الخلاص منها، فنسأل الله عز وجل أن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يحفظنا وإياكم وجميع المسلمين من كل بلاء ومكروه.
فإنَّ الله تعالى خلق الخلق لعبادته، والعبادة قائمة على أمرين: أمر ونهي، قال تعالى: ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)، يعني «لا يؤمر ولا ينهى»، ولولا مراقبة العبد لربه لما تأتَّى له فعل الأمر والكف عن المحرمات.
وحقيقة المراقبة هي: «دوام علم العبد وتيقُّنهُ باطلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، فاستدامتنا لهذا العلم هو المراقبة؛ فإذا تيقَّن الإنسان أن الله ينظر إليه، وأنه لا يخفى عليه شيء من أحواله، فهذا هو حال المراقبة
فهي: التعبد لله عز وجل باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير، الخبير، الشهيد، وما إلى ذلك من الأسماء.
ومن طرق الوصول إلى مقام المراقبة؛ أن نعرف معاني هذه الأسماء، والتي إذا أدرك العبد معناها وتعبَّد ربه بمقتضاها فإن ذلك يؤدي به إلى تحصيل مقام المراقبة. فالرقيب هو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء، والحفيظ الذي لا يغفل، والعليم الذي لا يعزب عنه مثقال شيء من أحوال خلقه، يرى أحوال العباد ويحصي أعمالهم، يعلم ويرى ولا يخفى عليه السر. قال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ( وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا { ومعنى الشهيد أن الله مطلع على كل الأشياء ويسمع جميع الأصوات، خفيها وجليها، ويبصر جميع المبصرات دقيقها وجليلها صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء. قال تعالى:( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) قال رجل لوهيب بن الورد رحمه الله: «عظني؟»، قال: «اتقِ أن يكون الله أهونَ الناظرين إليك”.
ويمكن أن تتنوع المراقبة أيها الأحبة في الله إلى حالتين:
الأولى: المراقبة قبل العمل: قبل أن تقدم على العمل ينبغي أن تسأل نفسك ماذا تريد بهذا العمل الذي تقوم به؟ حينما تريد أن تتصدق بصدقة هل هذه الصدقة تريد بها وجه الله أو أنك تجمع خسارة في الدنيا وعذاباً في الآخرة؟، إذا كان الإنسان ينفق من أجل أن يقال منفق، فيكون من أول من تسعر بهم النار يوم القيامة. وهذا الإنسان الذي يريد أن يطلب العلم، هل يريد أن يطلب هذا العلم من أجل أن يقال عالم؟ يسأل الإنسان حينما يريد أن يقدم على هذه الأعمال: هل هو لله؟، هل للنفس فيه هوى؟، هل للشيطان فيه نزغة فيتثبت؟، فإن كان لله أمضاه، وإن كان لغيره صحح نيته وأخلص قصده وعمله، وفي هذا يقول الحسن البصري رحمه الله: «كان أحدهم إذا أراد أن يتصدق بصدقة نظر وتثبت، فإن كان لله أمضاه، ويقول: رحم الله عبداً وقف عند همه للفعل، فإن كان لله مضى وإن كان لغيره تأخر”.
والثانية:المراقبة أثناء العمل: يحتاج الإنسان إلى مراقبة لله عز وجل وهو يعمل، ونحن نصلي نراقب الله عز وجل في صلاتنا في ركوعنا وسجودنا وما نقوله فيها. وفي صيامنا نراقب الله عز وجل لا نتكلم بكلام ينافي الصوم ولا نفعل فعلاً يخدشه، ونحن حينما نقوم بعمل من الأعمال الدعوية أو غير الأعمال الدعوية مما يحبه الله عز وجل ويرضاه أثناء العمل نصحح النية ونتابع، فإن القلب كثير التقلب؛ ولذلك قيل له الفؤاد والله أعلم لكثرة تفؤده وتوقده بالخواطر والأفكار والإرادات، يبدأ الإنسان بنية صحيحة ثم تجد قلبه يتقلب عليه، فيحتاج إلى ملاحظة دائمة أثناء العمل.
ومن الأسباب التي تعين على مراقبة العبد لربه أن يعلم أن جوارحه ستكون شاهدة عليه يوم القيامة بما عمل يقول جل وعلا( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) ) ومن الأسباب تذكره أن الأرض التي يمشي عليها ستشهد عليه يوم القيامة بما عمل عليها ( يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ) ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «تحدث أخبارها تخبر بكل من عمل عليها من خير أو شر»
ومن الأسباب المعينة على مراقبة العبد لربه في أحواله كلها كثرة العبادة والطاعة.
ولمراقبة الله ثمرات من أعظمها القرب من الله وبناء الإيمان وتذوُّق حلاوته. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاثٌ من فعلهنَّ فقد طَعِم طعمَ الإيمان: من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله. وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه، رافدةً عليه كلَّ عام، ولا يعطي الهرِمَة، ولا الدَّرِنَة، ولا المريضة، ولا الشَّرَطَ اللئيمة، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره. وزكـى نفسه». فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: “أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان»
ومن ثمرات مراقبة الله إحسان العمل وإتقانه لأنه يعلم أن الله مطلع عليه فيحسن أعماله وأفعاله، وبهذا يتحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم في معنى الإحسان وهو «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالحديث صريح في أن مراقبة الله تدعو إلى تحسين العبادة.
ومن ثمرات ذلك الإخلاص لله في الأقوال والأعمال فإن من يعلم أن الله مطلع عليه وعالم بأحواله يخلص أعماله له لأن الله لا يقبل العمل إلا إذا كان خالصاً لوجهه الكريم يبتغي به عامله وجه الله والدار الآخرة، قال تعالى( فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
ومن ثمرات مراقبة الله تعالى دخول الجنة، قال جل وعلا: ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ) وقال: ( جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) وقال: ( وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) )
وإن من أعظم ثمرات مراقبة الله والخوف منه هو التمكين والاستخلاف في الأرض للأمة، وزيادة الإيمان وطمأنينة النفس، قال عز وجل ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) إذاً الخوف من الله ومراقبته يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء..
وبالمقابل أيها الإخوة، فإن الذي لا يراقب الله ليس في قلبه إيمان؛ ولهذا ذكر الله من أخلاق المنافقين أنهم يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ، في قلوبهم خوف من المخلوقين وليس خوفًا من الخالق، قال تعالى: ( ولَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) ) والمعنى: «يستترون من الناس خوفًا من اطلاعهم على أعمالهم السيئة، ولا يستترون من الله تعالى ولا يستحيون منه، وهو عزَّ شأنه معهم بعلمه، مطلع عليهم حين يدبِّرون -ليلاً- ما لا يرضى من القول، وكان الله -تعالى- محيطًا بجميع أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منها شيء.
ومن لا يراقب الله في اعماله فان فيه تعريض للحسنات بالضياع. فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا الله عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ الله صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا؛ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا» رواه ابن ماجة. وليس معنى ذلك أنّ من دعته نفسه إلى معصية جاهر بها! كيف ذلك ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ الله عَنْهُ» وأما حديثُ ابنِ ماجة فالمراد به: من كان انتهاك حرمات الله عادتَه ودأبه، فلا يخلو بنفسه إلا اجترأ على معصية الله
ومن أخبار السلف الصالح في هذا المقام:
– مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة تريد من ابنتها أن تخلط اللبن بالماء، سمع ابنتها تقول لها: إن أمير المؤمنين نهى عن ذلك! فقالت: وأين أمير المؤمنين؟ إنه لا يرانا. فقالت البنت: ولكن الله يرانا.
– قال عبد الله بن دينار: خرجت مع عمر بن الخطاب رضى الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راع من الجبل، فقال له يا راع، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إنى مملوك. فقال: قل لسيدك أكلها الذئب .قال: فأين الله؟! قال فبكى عمر رضى الله عنه … ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه وقال: أعتقتْك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة.
– جاءت امرأة إلى الإمام أحمد، وقد كان محبوساً في زمن المحنة، فقالت: يا أبا عبد الله! إن السلاطين يخرجون بالمشاعل على سطوح قصر الخليفة، أفيجوز أن أنسج الصوف في ظل نور قصر السلطان؟ قال: رحمكم الله! إنكم من آل بيت تقىً وزُهد، أنتم من آل فلان؟! قالت: نعم.قال: فذاك أمر لا يخرج إلا من عندكم.
– حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب منه، فما دخله أحد. فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه اللّه عليهم، فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاءه أحد، فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلاّ جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتني مسلمة فأخبره عنه، فأذن له فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً: ألاّ تسوّدوا اسمه في صحيفة « إلى الخليفة « ولا تأمروا له بشيء، ولا تسألوه ممن هو. قال: فذاك له. قال: أنا هو. فكان مسلمة لا يصلي بعدهم صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب”
– وكان الإمام أحمد يئن في مرضه، فلما أخبروه أن طاووساً يقول: إنّ أنين المريض شكوى ما أنّ حتى مات .
وحامل الدعوة أشد احتياجاً من غيره بإحساسه بمراقبة الله له عن غيره، ويزيد من إحساسه بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن الله ينظر إليه ليرى ماذا هو فاعل تجاه هذه المسؤولية، فهي مسؤولية حقيقية وليست موهومة ولا مزعومة. مسؤولية قامت على فهم الإسلام فهماً صحيحاً على حقيقته التي أرادها الله، ألا وهي أنه رسالة هدى ورحمة للعالمين وليس صفة شخصية أو خلق قويم يتلمس بها الإنسان صلاح شأنه دون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه البشر أجمعين. فإيمان حامل الدعوة تصديق جازم مطابق للواقع وعن دليل بوجود الله سبحانه وتعالى واتصافه بصفات الكمال، وأنه أزلي تستند جميع المخلوقات إليه ولا يستند هو سبحانه إلى أحد. وإيمان حامل الدعوة تصديق جازم بالقرآن الكريم أنه كلام الله المعجز الذي لا يتطرق إليه شك والمتعبد بتلاوته إلى الله سبحانه وتعالى. وإيمان حامل الدعوة تصديق جازم بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه رسول الله حقاً وصدقاً. هذا هو الإيمان الحق الذي يجب أن يكون عند حامل الدعوة وبه يقوى على تحدي الواقع وفساد أجوائه وفي نفس الوقت يزيد من الإحساس بالمسؤولية ومراقبة الله عز وجل. فعلى حامل الدعوة أن ينظر إلى إيمانه نظرة صاحب الفكر العميق المستنير ويسأل نفسه:
هل هو صادق في إيمانه؟!
هل هو يتصرف بحسب هذا الإيمان؟!
هل مازال يتعامل مع حقيقة وجود الله سبحانه وتعالى وكتابه الكريم ونبيه العظيم تعاملاً يحبه الله ورسوله؟
هل يقول بملء فيه وملء قلبه ثقة رضيت بالله رباً وبالإسلام دينا وبمحمدٍ نبياً ورسولاً؟
أم يكتفي بأقل القليل من التكاليف والالتزامات ويقول لنفسه: ها أنذا قد عملت المطلوب مني وأسقطت الفرض عن كاهلي فعندي أعباء وهموم وأشغالٌ، أم يجتهدُ في العمل والتكاليف ولسان حاله يقول: سأعمل فوق المطلوب مني وزيادة. فمصلحة التكتل هي مصلحتي. والعمل لاستئناف الحياة الإسلامية هو أعلى سلم أولوياتي واهتماماتي.
وأخيراً أخي المسلم، راقب الله في أمورك كلها، فهذا هو الدين الحق. ومراقبة العبد لربه من أخلاق الصالحين، وقدوتهم نبيهم صلى الله عليه وسلم القائل: «احفظ الله يحفظك»، كلمة عظيمة ومنهج يجب أن يسير المسلم عليه في حياته كلها، فيراقب الله في أداء الواجبات، ويراقب الله في البعد عن المحرمات، ويراقب الله في علاقته مع نفسه، وعلاقته مع أولاده وزوجته، وعلاقته مع أخوانه وتجارته وفي أعماله كلها وفيما أوكل إليه من مسؤولية.
نسأل الله أيها الأحبة أن ينفعنا بما نسمع، وأن لا يجعل ذلك حجة علينا، كما نسأله تبارك وتعالى أن لا يمقتنا، ونسأله تبارك وتعالى أن يتجاوز عنا، وأن يعفو عنا، وأن يجعل ما نقول عظة لنا وسبيلاً إلى صلاح قلوبنا وأحوالنا وأعمالنا.q
2014-03-29