بسم الله الرحمن الرحيم
التمكين في الأرض… يعني خلافة على منهاج النبوة
ولا يعني دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية!
سائد مرعي – فلسطين
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي منَّ علينا بنعمة الإسلام، ونُشهد اللهَ تعالى أننا على الحق ماضون، وعلى هدي نبيه سائرون، فنسأله تعالى أن يثبتنا على الحق المبين ويلهمنا الإخلاص لهذا الدين، وأن يميتنا وهو عنا راض ونحن عنه راضون.
الحمد لله القائل: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الشرك». أخرجه أحمد والحاكم.
منذ هدم دولة الخلافة لم تعرف الأمة منذ ذاك اليوم أي معنى من معاني الظفر والنصر والتمكين في الأرض، ولم تذق يوماً حلاوة العزة والسيادة والرفعة على الأمم، ولم تلمس أي معنىً مادي لقول الله تعالى: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )، بل كل الذي عرفته أنها تتنقل بين ردهات الذل وسياط الظلم، حتى ظن الكافر بعد طول استعباد لها ومكر بها أنها قد ماتت ولن تحيا، وأنها ألفت حالها ولن تقوم لها قائمة، فقد ظن وهو خائب أن هذه الأمة قد فنيت ولم يعد هناك تهديد اسمه الإسلام، وأمة اسمها أمة الإسلام.
واليوم، وقد كسرت حاجز الخوف والذل الذي لفها عبر عقود مضت، ثارت الأمة على الكافر وأوليائه لتنتزع سلطانها وعزتها وسيادتها بيدها، وباتت تلمس بنفسها وترى بأعينها… كيف أن حكامها هم طليعة عدوها عليها، يمنعونها من التخلص من براثن الذل والهوان الذي ترزح فيه… لإبقائها تحت وصاية أعداء الله عليها ليحولوا بينها وبين إقامة دولة الخلافة التي تقطع دابر الكافرين عنها وتنفي وجوده وسلطانه وأزلامه.
اليوم، وقد علمت الأمة يقيناً بأنها لن تنال مكانتها التي أرادها الله لها بأن تكون خير أمة أخرجت للناس إلا بامتثال أمره وتحكيم شرعه وإقامة دولته.
لهذا… كانت ثورة الأمة المباركة على الظلم وعلى العبودية للبشر، ثورة على الكافر بكل صوره وأشكاله وأدواته.
ولهذا.. بتنا نرى نوراً يبزغ في بلاد الشام -عقر دار الإسلام- يعلن أن لا ركوع لغير الله، ولا حكم غير حكم الإسلام.
وبتنا كذلك نستبشر بطليعة الأمة الثائرة على الظلم والذل الذي اكتوت به طوال سنين عجاف، نستبشر بالمخلصين الذين كشفوا مؤامرات الغرب وردوه خائب الحال والمآل، حين أراد خداعهم بديمقراطية عفنة ودولة مدنية علمانية كافرة خُدع بها نفر من الناس، فكان هذا برهان ساطع وسلطان لامع… بأن الأمة تسير في طريق التغيير الحقيقي بعد أن قررت تغيير ما في نفسها تجاه واقعها للخلاص من الذل والظلم والهوان.
فكانت هذه تبشرة من الله لهذه الأمة بقرب تغير حالها إلى خير حال مصداقاً لقوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
ويحق للعاملين لإعادة الخلافة اليوم أن ترتفع أبصارُهم نحو أي بصيص من الأمل يُبَشر بحلول ساعة النّصر وبزوغ شمس الفرج، ونحن نرى جموعاً من الأمة في بلاد الإسلام تنادي: أما آن لهذا الظلم أن ينتهي؟ أما آن لأهل الحق أن يرفعوا رؤوسهم عالياً وهم أعزة؟ أما آن لأهل الباطل والخونة والرويبضات أن تنخرس ألسنتهم ويُخلَعوا عن كراسيِّ حكمهم حتى يعلوَها أهلُ الحق؟ أما آن لسيف الحق أن تحمله الأيدي المتوضئة كي تحسم الصراع مع يهود وتنهي مهزلة التنازلات؟
إن الله سبحانه وتعالى قد بشر هذه الأمة بالنصر والتمكين في الأرض حيث قال سبحانه في سورة النور: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﮆ )
فهذه الأمة تملك في جعبتها أقوى رصيد لها يمكنها قطعاً من نوال ما تهفو له من عزة وسيادة وسلطان، تملك رصيداً يجعلها تستعلي على الباطل وجنوده، يثبت أقدامها عند المحن والبلايا، ينقلها من مهانة العبودية للبشر إلى عز العبودية للعزيز الجبار مالك السموات والأرض، ذاك الرصيد هو عقيدتها التي بين جنباتها، هو إيمانها الراسخ بأن الله يدافع عن الذين آمنوا، وأن الله كاف عبده، وأنه سبحانه العزيز ذلت له رقاب العباد، الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ…( قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ )
إن هذه العقيدة بهذا التصور تعطي للأمة معنى حتمية أن تكون عزيزة ممكنة ذات سيادة وسلطان، وليس للكافر عليها سبيل، ووجوب أن تكون صاحبة القول الفصل، وهي الحَكَم على العالم كله، مرهوبة الجانب عزيرة القدر، رائدة الدنيا وجسر الآخرة.
هذا الدين بهذه العقيدة لا يقبل أن يكون رقماً بين معتقدات البشر، بل ليس من طبيعته ذلك، وهذه الأمة لا تقبل أن تكون مسلوبة الإرادة والقدر والكلمة، ودولة الإسلام التي فرضها ربنا سبحانه لتطبيق شرعه ليست هي مثالاً لأي كيان هزيل عرفته البشرية من دول مصطنعة هزيلة وضعية ممسوخة لا تملك رعاية نفسها فضلاً عن رعاية أمة، ولا تملك الدفاع عن نفسها فضلاً عن دفاعها عن الأمة ودينها ومقدراتها وسلطانها… لا والله حاشا أن تكون تلك هي الدولة التي أرادها الله لكم…
بل، إن دولة الإسلام، دولة الخلافة، هي نظام فريد لا يشبهه أي نظام آخر في الأرض، هي التي تجسد على الحقيقة معنى قول الله تعالى: ( وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ) تطبق الإسلام كاملاً غير ناقص، ترعى الأمة بأحكام الله تعالى وليس بأحكام الغرب الشاذة الوضعية، تهدم الكفر وأركانه وتقيم العدل وبنيانه، تقيم الحدود، وتعلن الجهاد، وتستعيد بلاد المسلمين المسلوبة، وتسترد فلسطين كاملة إلى ديار الإسلام، وتزيل دولة يهود عن خارطة العالم، وتسترد القوقاز والقرم والأندلس، تسيِّر الجيوش لفتح رومية، توزع ثروات الأمة عليها عدلاً، ترفع راية الإسلام، راية العقاب، راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق ربوع الأرض، تلغي كل مناهج الفساد والإفساد التي يتلقاها أبناؤنا في مدارسهم وجامعاتهم لتصوغ منهاجاً يرفع قدر الأمة ويعلي شأنها بين الأمم، تلغي كل ما هو قائم على أساس النظام الرأسمالي العفن من بنوك ربوية ومعاملات محرمة وتجارة باطلة، حتى لا يبقى شيء من أدران هذه الجاهلية إلا ومحته وأبدلته… وحينها بإذن الله سنرفع صوتنا عالياً مكبراً يزلزل الأرض ويجلجل في السماء: ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ).
هذا هو معنى التمكين في الأرض، وهذا هو معنى أن نكون مستخلفين، ولا معنى غير ذلك على الإطلاق.
واليوم: لقد أفلس الغرب حضارياً وانكشفت سَوْءته وبان للقاصي والداني إفلاسه الفكري، بينما لا يزال يلهث وراءه المضبوعون في بلاد الإسلام مقتفين أثره حتى لو دخل جحر ضَب دخلوه وراءه. يحاولون إنقاذ علمانيته من السقوط، لتبقى ذراع الغرب موصولة لبلادنا، تحفظ مصالحه، ويدعمون أنظمته التي خرجت الأمة تركلها بدمائها، وهؤلاء المضبوعون من ساسة ومفكرين وعلماء سوء وأحزاب وحركات وصمت نفسها (بالاعتدال) يريدون أن يسوِّقوا لنا بضاعته الفاسدة الهالكة المهلكة على أنها العلاج الشافي من جميع الأسقام، بينما هو السم الزعاف، علموا أن الأمة تريد الإسلام ولا تريد الغرب وعلمانيته، علموا أن الأمة تريد حكماً عادلاً يحقق الأمن والعدل والحرية نقيض عبودية البشر للبشر، يحفظ البلاد ويصون العباد ويمنع المقدرات أن تُسلب والبلاد أن تُستعمر، ويفتح آفاق العزة والكرامة أمام الفرد…!، هذا ما أراده الثائرون في بلاد الإسلام، وهذا ما خرجوا لشأنه، أن يعيدوا حكماً عادلاً وعزة مضاعة ودينا يَحكم بالسلطان.
ولأن الغرب الكافر وأولياءه يعلمون حساسية المسلمين من مصطلح العلمانية لوصف الدولة التي ينبغي أن يطالب بها المسلمون، جاءوا لهم بمصطلح الدولة المدنية وزينوه وجمَّلوه لينخدع الناس به، وأصبحوا يتغنّون بهذا المصطلح. وإمعانا في الخداع صار يروج لهذه الدولة على أنها دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية!!
الدولة المدنية هي آخر ما تفتقت عنه العقلية الغربية الكافرة، وهي البديل الخبيث عن الدولة العلمانية اللادينية، فالهدف من الدولة المدنية الاستعاضة بها عن الدولة الإسلامية التي يطالب بها معظم المسلمين من جهة أخرى.
ومن هنا نجد أن الغرب حرص على طرحها في وسائل الإعلام، بحيث جعلها مقياساً لكل من يريد خوض العمل السياسي في البلاد الإسلامية، واعتبر كل من يدعو إلى (دولة الخلافة) خارجاً عن الإطار السياسي والقانوني المقبول لأنه يخالف ذلك المقياس.
ولقد استجابت كثير من الحركات الإسلامية – وللأسف الشديد- لهذا المقياس الذي وضعه الغرب الكافر للمسلمين، وصاروا يجدّون بالمغالطة لتحويله إلى مقياس شرعي مصطنع، فادّعوا بأن الدولة في الإسلام كانت دولة مدنية تُشبه الدول الديمقراطية القائمة في الغرب، وتجاهلوا تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التفصيلية تجاهلاً تاماً، مع أن نظام الخلافة الشرعي هو نظام الحكم الوحيد المعتبر في الإسلام.
إن فكرة الدولة المدنية فكرة هشة لأنها نسخة عن الدولة العلمانية المرفوضة، وبالتالي فإنها سوف تتلاشى وتتبدد سريعاً في أقرب وقت، الأمة سوف تنبذها نبذ النواة وذلك بعد اكتشاف حقيقتها ولمس تناقضها الصارخ مع الإسلام، وإدراك تبعيتها المطلقة للغرب المستعمر. إنها حيلة جديدة لقبول العلمانية… ونبذ الحكم بالإسلام والمتمثل بالخلافة. إذ لا تحقق فكرة الدولة المدنية أي تمكين للأمة، بل إنها تحفظ للغرب مصالحه وتزيد من سلطانه على الأمة وتحافظ على وجوده، وتريح الغرب من كابوس دولة الخلافة المؤرق الذي يتهددهم كل لحظة!.
إن تمكين الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة ليس معناه أن تأخذ الإسلام مرقعاً ممسوخاً لا أثر له في الواقع، بل معناه ما أورده القرطبي في تفسيره «أن يأمن المسلمون ويرثوا الأرض والديار والأموال، ويبدل الله حالهم فيصبحوا قاهرين بعد أن كانوا مقهورين، وطالبين بعد أن كانوا مطلوبين، وأن يؤمنهم ويملكهم ويمكنهم في الأرض، فاللام في ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ ) جواب قسم مُضمَر لأن الوعد قول، أي: قال الله للذين أمنوا وعملوا الصالحات والله ليستخلفنهم في الأرض فيجعلهم ملوكها وسكانها، وهو مصداق قوله صلى الله عليه وسلم : «والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون». وهذا تبيان قول الله تعالى: ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ) . ثم إن الله تعالى قد ضرب مثالاً للاستخلاف والتمكين الذي سيناله الذين آمنوا وعملوا الصالحات حيث قال: كما استخلف الذين من قبلهم: أي بني إسرائيل حيث أهلك الله الجبابرة بمصر والشام وأورثهم الأرض والديار.
وقال الماوردي في تفسير قوله تعالى: ( لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ) إن المراد بالأرض بلاد العرب والعجم. وعلى ضوء هذا التفصيل لمعنى التمكين في الأرض يسهل علينا تصور الواقع الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها».
فأين هي الدولة المدنية في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! وأين هي في سيرة صحابته الخلفاء من بعده؟! بل أين ذكرها في كتب الفقه والسياسة والحكم في الإسلام؟! فليس بمؤمن حقاً من ألبس الكفر لبوس الإسلام، وليس بمؤمن حقاً من حرَّف وبدَّل ونكث وخذل، وليس بمؤمن حقاً من افترى على الله الكذب بتشريع سيادة الغرب وتمكينه من رقاب الأمة، وليس بمؤمن حقاً من دعا لدولة مدنية صنعت على عين الكافر ثم ذكر اسم الله عليها زوراً وبهتاناً إمعاناً في التضليل وقد قال تعالى: ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ).
إن ما يسمونه دولة مدنية تعني باختصار إلغاء تسع أعشار الإسلام عن الواقع، ولو طبق منه شيء فسيكون على استحياء من الغرب الذي أتى بهؤلاء الحكام الجدد لينفذوا سياسته وغايته في بلادنا.
رضي الله عن سيدنا أبي بكر الذي قد أعد العدة وجهز الجيوش لمحاربة من أقتطع حكماً شرعياً واحداً من الإسلام وقال قولته المشهورة : «أينقص الدين وأنا حي»… ففي محنة مانعي الزكاة؛ ادلهمَّ الخطب واشتدت المحنة، والتبس الأمر حتى على كبار الصحابة، فوقف الصدِّيق رضي الله عنه لهم بالمرصاد وقال: «والله لا أفرق بين الصلاة والزكاة، ولأقاتلن من فرق بينهما»… «أينقص الدين وأنا حي؟!..» كلمة ترسم منهجاً واضحاً لتطبيق الإسلام. تطبيقاً كاملاً دون نقص…
فكيف بالأمة الآن وهي ترى أن أحكام الإسلام كلها قد غيبت عن الوجود وحكمت الأمة بأحكام الكفر. ثم يُقال لها إنك تُحكمين بنظام مدني مرجعيته إسلامية؟!… فبالله عليكم ماذا كان سيقول الصديق رضي الله عنه لو كان بيننا الآن وهو يرى تطبيق أحكام الكفر باسم الإسلام، والله تعالى يقول: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ). إن سنة الله اقتضت أن يكون له عباد يصطفيهم على مرِّ السنين لحمل راية هذا الدين وتبليغها للعالمين. قال صلى الله عليه وسلم : «لا تزال طائفة من أمتي، ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله».
وإننا نحن في حزب التحرير قد ارتضينا حمل أمانة الإسلام، وعاهدنا الله أن نكون حراساً أمناء على هذا الدين، نقوِّم به اعوجاج الحال، نعمل له ونذود عنه، وندعو للعمل له آناء الليل وأطراف النهار، نقول الحق لا نخشى في الله لومة لائم، فالله حسبنا وكفى، وعنده الملاذ والملتقى، هو ناصر المتقين وولي المؤمنين.
فيا أيها المسلمون: إنكم قد علمتم حق العلم… كيف أننا صدقناكم النصح وبيَّنا لكم فصل الخطاب، وإنا ختاماً يتوجب علينا أن نبين لكم أموراً لتدركوها ولتتخذوا منها موقفاً يرضى عنه ربكم ونبيكم:
إن إعادة الإسلام للحكم لا يكون إلا بإقامة دولته دولة الخلافة، والتي جعل الله العمل لإقامتها هو أعظم فرائض الدين، والذي عملت كل قوى الشر لإقصائكم عن العمل به، وهذا الفرض العظيم هو من أعظم فرائض الإسلام.
إن إعادة سلطان الإسلام بإقامة دولة الخلافة مكان هذه الأنظمة الطاغية الباغية هو وعد الله تعالى وبشرى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا يصح بحال أن ترضى بغيره الأمة تتويجاً لثوراتها على الطغاة والمجرمين بعد التضحيات العظيمة التي نراها، والتي يعمل الغرب الكافر الآن على اختطافها ووضع البدائل على إثرها من مجرمين يكملون مسلسل التآمر والإذلال للأمة.
إن كل الغرب وأدواته لن يفلحوا في قطع طريق الأمة وهي تفر لربها تحكِّم دينه وتعيد سلطانه للأرض مهما امتلكوا من أدوات وخطط ومكر ودهاء، فالله غالب على أمره، ولن يجد أتباعُهم ولا أولياؤهم من دون الله موئلاً، ولن يجدوا إذا جد الجد وحانت ساعة النصر والتمكين من دونه ولياً ولا نصيراً، فقد أظل زمان الحق وأهله، وإنا نبشركم بأن نفوذ الغرب وتسلطه إلى زوال وأفول، وأن الأمة الآن لن يصدها شيء عن سبيل الله ودينه وحكم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإن غداً لناظره قريب بإذن الله. قال الله تعالى: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ).
فسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، كونوا كما يحب الله لكم، قوامين لله شهداء بالقسط، فلقد تَبَيَّنَ لَكمُ الْهُدَى وعرفتم سبيل الرشاد، فلا تدَعوا للشيطان فسحة في نفوسكم، ولا تصغوا لما يمليه عليكم أعداؤكم، بل اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ، ونحن دعوناكم بدعوة ربكم وهدي نبيكم وما زلنا… بأن تكونوا مع العاملين الصادقين لكم، المخلصين لله ربكم، فتشاركونا المسير والمصير، لنفوز وإياكم بعز الدارين في الدنيا والآخرة… عز في الدنيا تحت ظلال دولة الخلافة وحكم الإسلام… وعز في الآخرة حيث تحشرون مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً… ( وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ) q