العلمانية أو المدنية الغربية تضرب بنخاع الأمة الإسلامية وبعض الأحزاب والجماعات الإسلامية لم تنجُ منها
2014/03/29م
المقالات
2,298 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانية أو المدنية الغربية تضرب بنخاع الأمة الإسلامية
وبعض الأحزاب والجماعات الإسلامية لم تنجُ منها
المهندس حسب الله النور – الخرطوم
لا نريد أن نتحدث عن فكرة العلمانية وندخل في تعريفاتها ومدلولاتها، ولا عن تاريخ نشأتها وتطورها، وإنما سنركز على مسألة دخول العلمانية ديار المسلمين، وكيف تم التخطيط لذلك، وأثرها على حياة الأمة.
لقد اتخذ الاستعمار الأوروبي ثلاثة طرق للدخول إلى ديار المسلمين؛ وهي الاستشراق والتبشير والاستعمار المباشر. وكان ذلك بعد أن فشلت الحملات الصليبية الثمانية؛ التي شُنت للاستيلاء على البلاد الإسلامية، قال المستشرق (كيمون): «أعتقد أن من الواجب إبادة المسلمين والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد صلى الله عليه وسلم وجثته في متحف اللوفر»، (من كتاب قادة الغرب يقولون لجلال العالم). أما المبشر (بالكراف) فيقول: «متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه»، (الغارة على العالم الإسلامي).
نقول، بعد فشل هذه الحملات المتعاقبة على بلاد المسلمين، وضع المستعمر خطة أكثر خبثاً، وأشد مكراً وأعظم أثراً. وذلك بأن يتحول الصراع من حرب المسلمين إلى حرب الإسلام. والذي لم يعد ميدانه الرئيسي الأرض بثرواتها فحسب، بل الأدمغة كذلك، ولم يعد وسيلته السيف وحده، بل الفكر أولاً، وقد احتاطوا لنجاح هذه الحملة بالتكتم الشديد عن ذكر الإسلام، أو التصريح بعداوة المسلمين. وأول من لفت أنظار العالم الغربي إلى هذه الخطة هو القديس ملك فرنسا وقائد الحملة الصليبية الثانية؛ الذي هزم في المنصورة وأسر، وافتدى نفسه، وعاد إلى بلاده ليوصي بني ملته بالآتي:
1- تحويل الحملات العسكرية الصليبية إلى حملات صليبية سلمية تستهدف ذات الغرض، لا فرق بين الحملتين إلا من حيث نوع السلاح الذي يستخدم في المعركة.
2- تجنيد المبشرين الغربيين في معركة سلمية لمحاربة تعاليم الإسلام، ووقف انتشاره ثم القضاء عليه معنوياً واعتبار هؤلاء المبشرين في تلك المعارك جنوداً للغرب.
3- العمل على استخدام مسيحيي الشرق في تنفيذ سياسة الغرب.
4- العمل على إنشاء قاعدة للغرب في قلب الشرق العربي؛ يتخذها الغرب نقطة ارتكازه ومركزاً لقوته الحربية ولدعوته السياسية.
وقد أخذ بنصيحته حفيده نابليون؛ الذي أصدر عقب احتلاله لمصر، بياناً افتتحه بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)، قال فيه: «إن الفرنسيين أنصار النبي قد قهروا البابا وفرسان مالطا، فليصدقنا المصريون إن قلنا إننا حقاً مسلمون. إذا لم توافقوا على آرائي فأسمحوا لي على الأقل أن أتوسل إليكم حامياً وصديقاً للإسلام، ولا يهمني أن تعترفوا بى مسلماً حقيقياً، أو تنكروا وجودي بتاتاً، فشعوري نحو عبيد الله لن يتغير» (كتاب نابليون المسلم) وما زال العمل بهذه النصيحة يسير على قدم وساق، فالحرب على الإسلام سميت بالحرب على الإرهاب، وقد درج رؤساء أميركا منذ أن قال بوش الابن إن الحرب الصليبية قد بدأت – بزلة لسان- فقد درجوا على دعوة المسلمين لإفطار رمضاني دوري بالبيت الأبيض، بل سمحوا ببناء مسجد بالقرب من موضع الأبراج التي انهارت في أحداث سبتمبر، وها هي بريطانيا تنشئ ما يسمى بالبورصة الإسلامية، وتفتح مدارس إسلامية تمول من قبل الحكومة…
إن بريطانيا في سياستها تجاه المسلمين لا تختلف عن قرينتها فرنسا، فقد خاطب أحد رؤساء الوزارة البريطانية (غلاديستون) مجلس العموم في معرض حديثه عن خطة الاستعمار البريطاني للعالم الإسلامي، فقال: (ما دام هذا القرآن موجوداً بين أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان). وعلى هذا الأساس انتظمت جيوش الغزو على ثلاثة محاور: الأستشراق، التبشير، وقوى الاحتلال المباشر.
أما المستشرقون فقد ظهروا في ساحة الصراع في وقت يعاني فيه المسلمون الإفلاس الحضاري، والخواء الروحي، وفقدان الثقة بالذات، مما جعل الفرصة سانحة بأن تثمر جهود المستشرقين؛ فقد طعنوا في حقيقة الإسلام، وحقيقة القرآن، ووصفوه بأنه تطوير محرف لليهودية، وإن جمعه جاء بعد أكثر من سبعين سنة، مما جعل جزءاً كبيراً منه قد ضاع، سيما وأنه مكتوب على الرقاع والعظام، وأن سلطة الدولة قد حملت الناس حملاً على نسخة منه، وأحرقت ما تبقى من النسخ، وكذلك هاجموا الرسول وهاجموا السنة، ومنهم من قال إن الإسلام قد استنفد أغراضه، ومنهم من قال إنه لا يعدو أن يكون عبارة عن طقوس وشعائر روحية. كما قالوا عن الفقه الإسلامي إنه مأخوذ من القانون الروماني، وإن الشريعة لا تتلاءم مع الحضارة الحديثة، وما إلى ذلك من الأقوال.
وأما المبشرون فإن غرضهم كان غامضاً، ليس على المسلمين فحسب بل إن بعض المبشرين كانوا لا يدركون الهدف الحقيقي الذي أتوا من أجله، مما اضطر القس (زويجر) رئيس مؤتمر القدس التبشيري إلى كشف الهدف، حيث قال: «أيها الإخوة الأبطال والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية، واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتهم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدس، لقد أديتم الرسالة التي أنيطت بكم أحسن الأداء، ووفقتم لها أحسن التوفيق، وان كان يخيل إليّ أنه مع إنجاحكم العمل على أكمل الوجوه لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه، إني أقرّكم على أن الذين أُدخلوا من المسلمين إلى حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين؛ لقد كانوا كما قلتم ثلاثة؛ إما صغيراً لم يكن له من أهله من يعرِّفه ما هو الإسلام، أو رجلاً مستخفاً بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، لقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش، أو آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية. ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دولة المسيحية بها في البلاد المحمدية، ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريم! وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلمين من الإسلام ليصبح المسلم مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم، وتكونوا أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم عليه دولة المسيحية والمسيحيون جميعاً كل التهنئة. لقد قبضنا أيها الإخوة في هذه الحقبة من الثلث الأخير للقرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، نشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوروبية والأميركية، إنكم أعددتم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي ندبتم له، إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده الاستعمار، لا يهتم بالعظام، ويحب الراحة والكسل، ولا يعرف همة في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم للشهوات، وإذا جمع المال للشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراكز للشهوات، في سبيل الشهوات يجود بكل شئ» (من كتاب عن جذور البلاد الاسلامية).
ولتحقيق ذلك الهدف فقد استخدم المستعمر الغربي العديد من الوسائل والأساليب؛ منها فتح المحاضن والمدارس والكليات والجامعات في أنحاء العالم الإسلامي، لتحطيم عقيدة الولاء والبراء، والتركيز على إفساد المرأة، والسيطرة على وسائل التربية والتعليم، وتشجيع تحديد النسل، واستغلال النصارى في العالم الإسلامي للقيام بالأعمال السياسية والفكرية التي ترتكز على فكرة فصل الدين عن الحياة من أولئك الرجال على سبيل المثال لا الحصر (بطرس البستاني ولويس شيخو وسلامة موسى وجورجي زيدان) ومن نماذج أفكارهم ما قاله شبلي شميل: (ليس الحكم الديني والحكم الاستبدادي فاسدين فحسب، بل هما غير طبيعيين، وغير صحيحين، فالحكم الديني يرفع بعض الناس فوق سواهم، ويستخدم السلطة لمنع نمو العقل البشري نمواً صحيحاً…. وهما يشجعان العقل على البقاء في حالة الجمود…. إلى أن قال: «إن الأمم تقوى بمقدار ما يضعف الدين، فهذه أوروبا لم تصبح قوية وممتدة فعلاً إلا عندما حطم الإصلاح والثورة الفرنسية سلطة الإكليروس على المجتمع، وهذا أيضاً على المجتمع الإسلامي» (عن القومية العربية في ضوء الإسلام) كما تحدث فرح أنطون قائلاً: «أن العالم تغيَّر، فالدولة الحديثة لم تعد قائمة على الدين، بل على أمرين: الوحدة الوطنية وتقنيات العلم الحديث» ومن أقواله: «أما في العصر الحديث فالوحدة تتم بخلق الولاء القومي، والفصل بين السلطة الدينية والسلطة المدنية» (المصدر السابق).
وأخيراً جاء الاستعمار بجيوشه فبسط نفوذه بالكامل على الحياة في معظم البلاد الإسلامية، فوجد فيها أناساً فيهم قابلية الاستعمار نتيجة للجهود السابقة كما سماها مالك بن نبي، أو فيها قابلية الاستعباد كما سماها المودودي، فنجد أن الدساتير والقوانين التي وضعها الاستعمار قد أُبعِد عنها الإسلام تماماً. وعمد إلى كافة جوانب الحياة وصبغها بالصبغة العلمانية، وكان هذا هو الهدف الأساس، وهذا ما صرح به ساستهم ومفكروهم؛ منهم جب الذي قال: «إن التعليم عن طريق المدارس العمرية والصحافة قد ترك في المسلمين من غير وعي منهم أثراً جعلهم يبدون في مظهرهم العام علمانيين إلى حد بعيد»، وذلك هو اللب المثمر في كل ما تركته محاولات الغرب في حملتهم على العالم الإسلامي وعلى حضارته من آثار؛ فالواقع أن الإسلام كعقيدة لم يفقد إلا قليلاً من قوته وسلطانه، لكن الإسلام كقوة مسيطرة على الحياة الاجتماعية قد فقد مكانته، فهناك مؤثرات أخرى تعمل إلى جانبه وهي في كثير من الأحيان تتعارض مع تقاليده وتعاليمه تعارضاً صريحاً ولكنها تشق طريقها إلى المجتمع الإسلامي بقوة وعزم. وإلى عهد قريب لم يكن للمسلم اتجاه سياسي يخالف الإسلام، ولا أدب إلا الأدب الديني، ولا أعياد إلا الأعياد الدينية، ولم يكن ينظر للعالم الخارجي إلا بمنظار الدين، وكان الدين كل شيء بالقياس إليه. أما الآن فقد أخذ يمد بصره إلى ما وراء الحدود، وأصبح الرجل من عامة المسلمين يرى أن الشريعة الإسلامية لم تعد هي الفيصل فيما يعرض له من مشاكل، ولكنه مرتبط في المجتمع الذي يحيا فيه بقوانين مدنية لا يعرف أصولها ومصادرها، ولكنه يعرف على كل حال أنها ليست مأخوذة من القرآن، وبذلك فإن الإسلام قد فقد سيطرته على حياة المسلمين الاجتماعية، وأخذت دائرة نفوذه تضيق شيئاً فشيئاً حتى انحصرت في طقوس محدودة».
وينتهي (جب) إلى القول: (إن العالم الإسلامي سيصبح خلال فترة قصيرة جداً علمانياً في كل مظاهر حياته) (عن مذكرة المذاهب الفكرية للسنة الرابعة بكلية الشريعة). ويقول في موضع آخر (وكان طبيعياً أن يبقى الإسلام، وقد يكون الدين الرسمي للدولة لكنه سلب الحقوق التشريعية، ونزل إلى مكانة الديانة المسيحية في الدول الأوروبية).
وهكذا نجح الغرب أيما نجاح حينما جعل للأمة رموزاً تتبنى وجهة نظره (العلمانية) في الحياة وتدافع عنها بل وتعمل على ترسيخها في أذهان أبناء الأمة من أمثال رفاعة رافع الطهطاوي وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وغيرهم كثير.
ومن نماذج أقوالهم؛ ما قال به الشيخ على عبد الرازق: (تكلم عيسى بن مريم عليه السلام عن حكومة القيصر وأمر بأن يعطى ما لقيصر لقيصر… وكان ما جرى في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الإمامة والخلافة والبيعة لا يدل على شيء أكثر مما دل عليه المسيح حينما ذكر بعض الأحكام الشرعية عن حكومة قيصر) (الإسلام وأصول الحكم). وقد علق المستشرق (شمنتز) على هذه المقولة بأن لها الفضل في تخفيف وطأة ما فعله أتاتورك بمشاعر المسلمين.
أما جمال الدين الأفغاني فيقول: (إن الأمة هي مصدر القوة والحكم، وإرادة الشعب هي القانون المتبع للشعب، والقانون الذي يجب على كل حاكم أن يكون خادماً له وأميناً)، (الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية).
ومن أقوال قاسم أمين في (كتابه تحرير المرأة): (هذا هو الداء الذي نبادر إلى علاجه، وليس له دواء إلا أن نربي أولادنا على أن يتعرفوا على شؤون المدنية الغربية، يقف على أصولها وفروعها وآثارها، وإذا أتى ذلك الحين – ونرجو أن لا يكون بعيداً – انجلت الحقيقة أمام أعيننا ساطعة سطوع الشمس، وعرفنا قيمة التمدن الغربي وتيقنا أن من المستحيل أن يتم إصلاح أحوالنا إذا لم يكن مؤسساً على العلوم المعاصرة) (192ـ193).
ومن النوادر أن خرجت هدى شعراوي ورفيقاتها في مظاهرة يطالبن فيها بإخراج الاستعمار فمزقن الحجاب وأحرقنه في ميدان عام. (من كتاب سعد زغلول تأليف محمد إبراهيم الجزائري)، وهذا غيض من فيض.
أما الأحزاب السياسية فقد عمد المستعمر على صنعها على عين بصيرة، فقد قال اللورد ميكالي: (يجب أن ننشئ جماعة تكون ترجماناً بيننا وبين ملايين من رعيتنا، وستكون هذه الجماعة هندية في اللون والدم، وإنجليزية الذوق والرأى واللغة والتفكير). وبموجب هذا الكلام شكلت الأحزاب السياسية في بلاد المسلمين. فهذا هو الحزب الوطني، أول حزب سياسي في مصر يعلن برنامجه الرسمي سنة 1882م، ونجد فيه: (الحزب الوطني حزب سياسي لا ديني، فإنه مؤلف من رجال مختلفي العقيدة والمذهب، وأغلبيتهم مسلمين لأن تسعة أعشار المصريين المسلمين وجميع النصاري واليهود وكل من يحرث أرض مصر ويتكلم بلغتها منضم إليه؛ لأنه لا ينظر إلى اختلاف المعتقدات، ويعلم أن الجميع إخوان، وأن حقوقهم في السياسة والشرائع متساوية). (الاتجاهات الوطنية) وها هو أحد زعماء الثورة العرابية يقول: (كنا نرمي منذ بداية حركتنا إلى قلب مصر إلى جمهورية مثل سويسرا، ولكن وجدنا العلماء لم يستعدوا لهذه الدعوة لأنهم كانوا متأخرين عن زمنهم، ومع ذلك فنجتهد في جعل مصر جمهورية قبل أن نموت) (الاتجاهات الوطنية).
هكذا تشكلت كل الأحزاب في البلاد الإسلامية على أساس وطني وديمقراطي كما أريد لها، وساقت الأمة في هذا الاتجاه العلماني إلى يومنا هذا، وقوانين الأحزاب في كل العالم الإسلامي تقريباً تمنع أن يقوم الحزب على أساس ديني وتشترط أن يكون الحزب وطنياً يؤمن بالديمقراطية. وحتى الجماعات والأحزاب الإسلامية لم تنجُ من العلمانية، فالجماعة إما أن تقوم على إصلاح العقيدة أو الأخلاق أو تهذيب الفرد، وكلها تبتعد عن السياسة بوصفها عملاً لا يليق بالمسلم التقي، وحتى إلى عهد قريب يعتبر الحديث في المساجد إن كان سياسياً عملاً غير مقبول حتى من عامة الناس.
أما الأحزاب الإسلامية فهذه الحركة الإسلامية في السودان وبعد أكثر من 24 عاماً في السلطة لم تستطع أن تضع دستوراً إسلامياً، بل تخلت حتى عن الشعارات الإسلامية التي تبنتها في بداية الثورة وبموجبها التف أهل السودان حولها.
وكذا حزب النهضة في تونس، يعلن جهاراً نهاراً على لسان أحد قياديه إنهم لا يريدون تطبيق الإسلام. وفي مصر يقرون الدولة المدنية وجميع الاتفاقات الدولية، ولا يذكرون الإسلام ببنت شفة طيلة العام الذي حكموا فيه. وفي المغرب يتحالف حزب العدالة والتنمية الإسلامي مع حزب التجمع الوطني للأحرار الأكثر علمانية في المغرب.
نعم إن العلمانية قد ضربت عميقاً في جذور الأمة؛ فشملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحكم وغيره من أوجه الحياة. غير أن ذلك كله لا يعني أن نُلقي باللائمة على الكفار وننسب إليهم الانهيار الحاد في بلاد المسلمين، كأنما هم قوة أسطورية اجتاحت بلادنا بغتة؛ إن ذلك بما كسبت أيدي الناس وما هذا الهوان إلا ببعدنا عن دين الله الحنيف.
وبفضل من الله، ومن أبناء الأمة المخلصين، فقد أصبح الوعي السياسي على كثير من هذه المخططات مكشوفاً، وأصبح الشوق إلى الإسلام عارماً بين أبناء الأمة، ولكن يحتاج إلى مزيد من الصبر والمصابرة، مع العمل الدؤوب من المخلصين من أبناء الأمة لتوجيه الأمة الوجهة الصحيحة بأخذ أفكارها ومفاهيمها وأنظمة حياتها من مبدأ الإسلام العظيم وحده دون سواه، والانعتاق من هذه الأفكار التي طالما كبَّلتها وجعلتها في ذيل الأمم، مع أن الله سبحانه وتعالى وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس. يقول الحق تبارك وتعالى: ( وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ).
2014-03-29