النظام الرئاسي في تركيا بقيادة أردوغان نظام كفر، محاسبته والإنكار عليه فرض، ومتابعته بالرضى عنه والتعويل عليه حرام.
2018/12/24م
المقالات
7,733 زيارة
النظام الرئاسي في تركيا بقيادة أردوغان نظام كفر، محاسبته والإنكار عليه فرض، ومتابعته بالرضى عنه والتعويل عليه حرام.
أبو حنيفة – الأرض المباركة فلسطين
دأب الكفار بحيل المكر إلى تضليل الشعوب بتلبيس مشاريعهم السياسية لبوسًا يستهوي جماهير المسلمين حسب الطلب، تارة بلبوس قومي، وتارة بلبوس ثوري تحرري، وتارة أخرى بلبوس الممانعة… وها هي أميركا الكافرة تُطل علينا اليوم بنظام غارق في العلمانية حتى الأذقان في تركيا، تستره شعارات يظن المخدوعون بها بأنها إسلامية أو من الإسلام، وما هي من الإسلام في شيء. كانت البداية قبل ستة عشر عامًا، عندما اقتحم حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي المشهد السياسي في تركيا؛ على أثر الهزة الاقتصادية التي أحدثتها أميركا بسحب بليونات الدولارات من البنك المركزي التركي زمن ” أجاويد” عميل بريطانيا في 2001م؛ ما سبب أزمة تضخم خانقة أثارت ضجر أهل تركيا من الوضع الاقتصادي. وهذا عين ما أرادته أميركا، أن تحدث في البلاد هزة اقتصادية عارمة يعجز عملاء الإنجليز – أجاويد والعسكر – عن كبح جماحها، ومن ثم تُجرى انتخابات يدخلها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي بقوة الشعارات الإسلامية القريبة من مشاعر المسلمين في تركيا؛ فيحظى بتأييد الأغلبية الكاسحة على حساب الكماليين الذين عاثوا في البلاد فسادًا وإفسادًا وتنكُّرًا لعقيدة المسلمين وثقافتهم وكل ما يذكرهم بأمجاد العثمانيين. فكان أن انتخب أهل تركيا الحزب الذي رأوا فيه مظنة الخلاص من قرف الكماليين. فهل وجد الفارُّون من جحيم أذناب مصطفى كمال وأوصيائه على العلمانية، هل وجدوا ما تاقت إليه نفوسهم عند أردوغان وحزبه الإسلامي؟
يجدر بنا بدايةً أن نُجَذِر حديثنا ونؤصِّله تأصيلًا يزيد الثابت ثباتًا، والجلي جلاءً، مع التأكيد على أن محاسبة الحكام واجب شرعي وحق سياسي للمسلمين أفرادًا وجماعات. قال تعالى: ﴿وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ﴾. وهنا ثمة أسئلة تقدم نفسها بنفسها: هل وصل الإسلام أو بعض منه إلى الحكم بوصول أردوغان؟ وهل جعل أردوغان أصلًا الحكم بالإسلام كله أو أجزاء منه في برامجه السياسية، سواء قبل وصوله إلى الحكم أو بعد وصوله؟ هل هناك تصريح واحد يلمِّح فيه أردوغان بأنه سيعمل ولو بعد مائة عام على تحكيم شرع الله كله أو بعضه؟ هل ناصر أردوغان قضايا المسلمين داخل تركيا وخارجها في بلاد المسلمين المنكوبة؟ هل ظهر منه تحرك حقيقي أو حتى تلميح بتحرك عسكري حقيقي تجاه يهود وأميركا وغيرهم من القوى الاستعمارية الكافرة المحتلة لأراضٍ إسلامية لطالما حماها سلاطين أرطغرل بالدماء والأشلاء؟ هذه أسئلة وغيرها كثير وكثير مما يمكن أن يثور في فكر المسلم المتحرق على حال أمته وما وصلت إليه من لأواء؛ أملًا في الخروج بالجواب الشافي الذي يقنع العقل وتطمئن به النفس، فيتغير ما بالنفوس استجابةً لقوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوۡمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمۡۗ﴾ [الرعد: 11] فالله سبحانه لا يغير حال المسلمين من الهزيمة إلى النصر، من الذل إلى العزة، من الاستضعاف إلى الاستخلاف… ما دام المسلمون متمسكين بالرويبضات العملاء، ظانين بهم الخير وما هم إلا شر مستطير، وبلاء استفحلت خلاياه السرطانية في جسد الأمة فخدَّره وأقعده عن النهوض قرنًا من الزمان. وما نظام الحكم في تركيا بقيادة أردوغان المراوغ إلا خلية علمانية خبيثة تُضاف إلى نظائرها من خلايا أنظمة الكفر المنتشرة في جسد الأمة. فلم يكن صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم عام 2002م إلا قفزة أميركية تجاوزت بها عقودًا من الصراع المحموم مع الكماليين، سياسيين وعسكريين، حتى دان لها الأمر في البلاد باللعبة الديمقراطية على ظهر حزب رفع شعار الإسلام كذبًا وتضليلًا؛ فتحقق لأميركا هيمنتها على بلد عريق ظل محتضنًا للإسلام ودولة الإسلام على مدى أربعة قرون متصلة.
– جاء في جواب سؤال أصدره حزب التحرير بتاريخ 22 من جُمادى الأولى 1428ه – 08/06/2007م: “لقد تبين لأميركا أن التصدي المباشر للجيش التركي أمر صعب، وإيجاد قوة موازية له أمر محفوف بالمخاطر، فرأت أسلوبًا آخر بأن تعمل على إقصاء الجيش عن طريق (الديمقراطية) بأن توصل أحد رجالها للحكم بأغلبية برلمانية بحيث يستطيع تشريع القوانين التي تحد من سلطة الجيش. وهكذا كان، فقد وقع اختيارها على أردوغان وعبد الله غول، وهما كانا قد أُخرِجا من حزب الفضيلة بعد حادثة 28 شباط وبدءا العمل مع أوساطهم، وشكلوا حزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، وهو يتمتع بصفات مشابهة لأوزال، فأردوغان صوفي الطريقة، وتظهر عليه المشاعر الإسلامية رغم أنه علماني، ومن رجال أميركا المخلصين لها، فقد سار معها منذ رئاسته لبلدية إستانبول. بعد ذلك بدأت تهيئة المسرح لوصول أردوغان، فقد قامت أميركا بسحب (5-7) بليون دولار من البنك المركزي التركي عام 2001م، ذلك أن الامتيازات الاقتصادية التي وضعت أساساتها في فترة أوزال مكنت أميركا من القيام بهذه العملية بيسر وسهولة، فأوجدت هزةً اقتصاديةً، وبدأ تذمر الناس لأن القوة الشرائية لليرة انخفضت انخفاضًا شديدًا، وازدادت نقمة الناس على أجاويد وحكومته. وهكذا أعلنت انتخابات مبكرة في 3/11/2002م، فاز فيها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات فوزًا ساحقًا، وبخاصة وأنه كان في دعايته الانتخابية يمزج بين العلمانية وبين شيء قليل من مسحة إسلامية، ولكنها على قلتها كانت تجذب إليه أصوات عامة المسلمين لما لاقَوْه من عداء علمانيي الجيش والكماليين الاستفزازي للإسلام، وهكذا فاز وضَمِنَ الأغلبية البرلمانية، فشكَّل الحكومة وحده… ثم كانت الخطوة التالية بتوقيع وثيقة الرؤية المشتركة بين الحكومة التركية وحكومة الولايات المتحدة التي وقعها عبد الله غل مع كوندليزا رايس في 05/07/2006م، وقد جاءت خطوطها العريضة، كما ظهرت في البيان الصحفي الذي نشر في 05/07/2006م على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية، مبدوءةً بمقدمة جاء فيها «إننا مشتركون في القيم والأفكار المتعلقة بالأهداف الإقليمية والعالمية: تطور السلام، الديمقراطية، الحريات، الرفاه»، وبعد المقدمة ذكرت الخطوط العريضة، والتي منها: الولايات المتحدة وتركيا تتعهدان بالعمل سوية في كافة المسائل التالية: تطوير السلام والاستقرار من خلال الطريق الديمقراطي في الشرق الأوسط الموسع، دعم المساعي العالمية الرامية لإحلال حل دائم للصراع العربي-(الإسرائيلي)، والمساعي العالمية الرامية لإحلال حل دائم للصراع الفلسطيني-(الإسرائيلي) قائم على أساس الدولتين، رفع المستوى الأمني حول مصادر الطاقة من خلال تنويع المصادر والخطوط، بما فيها الخطوط القادمة من بحر قزوين، تقوية العلاقات مع منطقة المحيط الأطلسي (عبر المحيط الأطلسي) والتغيرات في حلف الناتو، محاربة الإرهاب وتوابعه، منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، رفع مستوى التفاهم والاحترام والتقدير بين الأديان والثقافات وداخلها… انتهى بشيء من التصرف”.
– هكذا استهلَّ أردوغان قيادته لبلد العثمانيين بارتباط استراتيجي بأميركا رأس الكفر وموضع عمود الرأسمالية، وهكذا استمر دون حيد قيد شعرة عن هذه الاستراتيجية منجزًا لأميركا مصالحها الحيوية في تركيا والشرق الأوسط. والأدهى من ذلك أن هذه الخدمة المجانية جاءت في وقت بدأت أمارات الوهن الفكري والسياسي تدبُّ في الدول الرأسمالية ومبدئها العفن. هذا من جانب، ومن جانب آخر حدث كل ذلك أيضًا في وقت بدأ فيه نجم الإسلام السياسي يتصاعد في بلاد المسلمين. أي أن الظروف أصبحت مواتية ومهيأة لأردوغان وغير أردوغان بأن يستجيبوا لله القائل: ﴿ ٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ ﴾. ولا تكون الاستجابة بطرح شعارات مغلفة بشيء من الإسلام من غير أن يكون للإسلام دين الله العظيم وجود عملي في واقع الحياة والدولة والمجتمع، وكأن الإسلام بات رَكوبةَ المتسلقين يمتطيها كل خوَّان أثيم، حتى إذا بلغ مبتغاه وجلس على كُرسيِّ الخيانة والتبعية للكافر المستعمر؛ نبذ كتاب الله وعقيدة الأمة وشريعتها وراء ظهره كأنه لم يتغنَّ بها بالأمس!
– وحتى تكون محاسبتنا السياسية لنظام الحكم في تركيا بقيادة أردوغان محاسبة شرعية مستندة إلى أسس شرعية ترضي رب العزة سبحانه، ولو كره كل من باعوا عقولهم لهوى النفوس وتعلقها بأضغاث أحلام المتآمرين عليهم من حيث يدرون أو لا يدرون؛ نعرض هنا إلى الكيفية الشرعية التي وصل بها رسول الله – صلوات ربي وسلامه عليه – إلى الحكم عرضًا مُجملًا؛ لأن هذه الكيفية ملزمة للمسلمين حكامًا ومحكومين باعتبارها أحكامًا شرعية واجبة الاتباع دون تحايل على دلالاتها، وملزمة لكل حزب إسلامي يرفع أو يتبنى الإسلام صادقًا مع الله، لا يبتغي من ذلك إلا التمكين لدين الله في الأرض، والسيادة لشرعه على كل شرعة ومنهاج، والسلطان للمسلمين ولو كره كل الكافرين، ولو تكالب على المسلمين مَن بأقطارها. فقد حمل الرسول صلى الله عليه وسلم الإسلام في فترتين: الفترة المكية، وفيها كان حمل الإسلام حملًا فكريًّا سياسيَّا بحتًا بهدف تثبيت أفكار الإسلام في المجتمع على شكل مفاهيم ومقاييس وقناعات لدى القوى المؤثرة والمتحكمة في مفاصل التغيير في هذا المجتمع، فتتبنى هذه القوى الإسلام وتجعل السيادة له بدلًا من التحاكم إلى طاغوت الجاهلية وأصنام الضلال. ولما تغلفت قلوب المشركين في مكة بغلاف الكبر والعناد والإصرار على طاغوت الآباء والأجداد، وأُغلق المجتمع المكي أمام الدعوة الإسلامية؛ بحث النبي صلى الله عليه وسلم عن محضن آخر لدعوته، ومجتمع آخر يعتنقها ويحميها ويتبناها عمليًّا على شكل مفاهيم تحدد سلوك أبناء المجتمع، ومقاييس تضبط علاقات الناس بربهم وبأنفسهم وبغيرهم من بني البشر على أساس الحلال والحرام، وقناعات تصبح أفكار الإسلام بحسبها مُسلَّمات عند المسلمين. فكانت نُصرة الأنصار رضي الله عنهم في بيعة العقبة الثانية للإسلام بوابة السيادة لدين الله على كل شرعة ومنهاج يخالف الإسلام في فكرته وطريقته، أي في عقيدته وأحكامه، ومن شِعب العقبة الثانية – حيث كانت البيعة – انبثقت دولة الإسلام، وأرى رب العزة رسوله الكريم دار هجرته مقر دولة الإسلام المدينة المنورة، فكانت الهجرة وكان قيام الدولة الإسلامية، وكان بناء المجتمع الإسلامي. وبقيامها في المدينة المنورة دخل المسلمون في الفترة المدنية، فترة حمل الإسلام إلى الناس كافة؛ ولكن هذه المرة، لا بالاقتصار على قوة الإسلام الفكرية وحسب، ولكن مُضافًا إليها قوة الدولة وهيبة الحكم. وبالمجمل فإن الكيفية التي جرى بحسبها حمل الدعوة الإسلامية في الفترة المكية لإيجاد الكيان السياسي – الدولة الإسلامية – للمسلمين ، هذه الكيفية تعتبر طريقة الإسلام وخطابه المتعلق بأفعال الحزب السياسي الإسلامي الذي يرفع شعار الإسلام، وأعلن عن نفسه حزبًا إسلاميًا أخذ على عاتقه حمل الدعوة الإسلامية حملًا حقيقيًّا لإيصال أحكام الإسلام إلى سدة الحكم، لا ليرفع الإسلام لاستقطاب مشاعر المسلمين الذين علَّقوا عليه آمال الخلاص من ضنك العيش تحت وطأة أنظمة الملك الجبري، فيَصِل هو إلى الحكم، ولا يصل من الإسلام معه إلا ما سمحت به العلمانية اللادينية من حريات فردية للمسلمين وغير المسلمين.
– وعلى هذا يمكن أن نخرج بجملة من الخطوط العريضة المستنبطة من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في حمل الدعوة في الفترتين: المكية حيث العمل لإقامة الدولة، والمدنية حيث قيام الدولة وتطبيق الإسلام عمليًّا في المجتمع الإسلامي؛ فتكون هذه الخطوط أصلًا نبني عليه محاسبتنا السياسية للأحزاب السياسية العاملة للتغيير، ولأنظمة الحكم في بلاد المسلمين ومنها النظام الرئاسي التركي:
1- الإسلام عقيدة ومنهاج حياة، نزل على رسوله صلى الله عليه وسلم ليسود على كل عقيدة وتشريع. والمسلمون من بعد النبي – عليه الصلاة والسلام – مكلفون بتحقيق هذه السيادة.
2- الإسلام والكفر ضدَّان لا يلتقيان، ولا مجال للجمع بينهما تحت أي ظرف. وهذا ينسحب على كل مبدأ أو فكرة تتناقض مع عقيدة التوحيد في كل زمان ومكان. فالوثنية والنصرانية واليهودية والرأسمالية والاشتراكية والوطنية والقومية… كلها كفر، أو من الكفر، والإسلام يتناقض معها كلها في عقيدته ونظامه.
3- الدولة الإسلامية – دولة الخلافة – وجودها واستمرارها كيانًا سياسيًا للمسلمين كل المسلمين واجب شرعي يحرم تعطيله أو التهاون في تنفيذه، وضرورة بشرية ضامنة لتحقيق كرامة الإنسان على أساس تكريس عبودية البشر لله تعالى من خلال هذه الدولة.
4- الصراع الفكري والمادي بين الإسلام والكفر سنة ثابتة باقية إلى قيام الساعة، ولا يمكن إخماد جذوة هذا الصراع. فإما أن تكون السيادة للإسلام، وإما أن تكون لغيره.
5- الكفار من يهود ونصارى وهندوس وبوذيين، كلهم كفار يعادون الإسلام ويسعون من خلال دولهم الاستعمارية للقضاء عليه بكل الوسائل.
6- طريقة وصول الإسلام إلى الحكم يجب أن تُؤخذ من الإسلام نفسه، وطريقة الانتخابات الديمقراطية طريقة محرمة لا يصل الإسلام من خلالها حتى وإن أوصلت الإسلاميين.
7- يجب المباشرة في تطبيق أحكام الإسلام فور استلام الحكم بشكل انقلابي شامل، كاملًا غير منقوص، وتعطيل الشريعة أو تأخير العمل بها بحجة التدرُّج المزعوم جريمة كبرى وكبيرة سياسية تستحق غضب الله تعالى.
8- المسلمون أمة واحدة من دون الناس، لا يجوز أن يفصل بينهم حدود سياسية على أسس وطنية أو عرقية أو طائفية. وضَمُّ بلاد المسلمين في وحدة سياسية واحدة تحت راية دولة الخلافة واجب وخلافه حرام.
9- نُصرة المسلمين، كل المسلمين، واجب على المسلمين، وواجب على الحكام، وهي في حق الحكام آكد، والحاكم الذي يخذل المسلمين بعدم نصرتهم يُعتبر خائنًا لله ولرسوله وللمؤمنين.
10- موالاة الكفار وموادَّتهم والمشاركة في أحلافهم العسكرية، وتنفيذ خططهم السياسية، وتحقيق مصالحهم، والقيام بأي عمل يجعل لهم سبيلًا إلى بلاد المسلمين حرام وجريمة بحق الإسلام وأهله.
– بعد ذلك كله نعود ونقول: إن قيام حزب العدالة والتنمية لم يقم ابتداءً على فهم صحيح للإسلام، ولم يكن تكتله تكتلًا طبيعيًّا بهدف إحداث تغيير جذري في تركيا يخرجها من ذُلِّ التبعية للكفار وعلمانيتهم، ويعيدها إلى حظيرة الإسلام وخلافته من جديد. فقيام حزب العدالة جاء نتيجة لظروف الصراع الدولي على تركيا بين أميركا وبريطانيا التي استعرت في حادثة 28 / شباط / 1997م؛ وتفصيل ذلك عندما أنشأ (أوزال رجل أميركا) حزب الوطن الأم في الثمانينات من القرن الماضي، وبدا لعملاء الإنجليز في الجيش خطورة هذا الحزب الذي أخذ يظهر تعاطفه مع المسلمين، فكان أن أوصلت بريطانيا (مسعود يلماز) إلى رئاسة حزب الوطن الأم، وأخرجوا رجال أوزال من الحزب، فضمن الكماليون ولاء الحزب لعلمانيتهم على طريقة المجرم مصطفى كمال. وفي المقابل انضمت العناصر التي تم طردها من حزب الوطن الأم، لولائهم لأوزال وأميركا، انضموا إلى حزب الرفاه؛ لميولهم الإسلامية، وأصبح لهم تأثير قوي في حزب أربكان، ورجحت كفة أميركا فيه رغم أن أربكان كان أقرب إلى رجال الإنجليز؛ وهذا ما جعل حكومة الائتلاف في التسعينات – من حزب الطريق القويم (تشيلر) الموالي لأميركا، وحزب الرفاه (أربكان) الذي تأثر بدخول عناصر أوزال إليه – تبدو وكأنها تُسيَّر من أميركا، فخشي الجيش على عودة أميركا إلى الإمساك بالسلطة كما كانت في عهد أوزال؛ لذلك تدخل الجيش وأنهى حكومة الائتلاف واستولى على السلطة. وكان ذلك في 28 شباط 1997م، ودخلت هذه الحادثة التاريخ باسم حركة 28 شباط. بعد ذلك عمد رجال الإنجليز إلى حزب الرفاه فحلُّوه، وأُعيد تشكيله باسم حزب الفضيلة بعد أن أُخرج منه كل جماعة أميركا، سواء الذين انضموا إليه من حزب أوزال أم الذين كانوا أصلًا فيه ولكنهم ساروا مع أميركا مثل عبد الله غل وأردوغان اللذين بدءا بتشكيل حزب العدالة والتنمية مدعومين من أميركا إلى أن انتهى المطاف بأردوغان وعبد الله غول وحزب العدالة إلى الوصول إلى الحكم بعد الانتخابات التي أشرنا إليها سابقًا عام 2002م.
– فحزب العدالة لم يخض غمار العمل السياسي على أساس الإسلام ابتداءً، ولم يتبنَّ الإسلام بفهم شمولي، أي أنه لم يحمل الدعوة الإسلامية بهدف إيصال الإسلام إلى سدة الحكم على غرار ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية من حمل للدعوة حملًا سياسيًّا منضبطًا بطريقة شرعية محددة في السير تنتهي بقيام كيان سياسي إسلامي – دولة إسلامية – وهذه مصيبة العاملين على الساحة الإسلامية من الحركات الإسلامية، يطرحون الإسلام طرحًا عامًّا غير مبلور، فيأخذهم الهوس بعيدًا عن العمل المركز والمنضبط بأحكام الإسلام؛ والنتيجة المرة التي ما بعدها مرارة، يصل الإسلاميون بأشخاصهم إلى الحكم، ولا يصل معهم من الإسلام شيء! هذا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية ومخالفته لطريقة الرسول – صلى الله عليه وسلم – في التغيير، وأن هذه المخالفة إن كانت أوصلت الحزب إلى الحكم، لكنها لم توصل الإسلام، ولا حتى بعضًا منه إلى الحكم، شاء المـُكابرون أم أَبَوا. أما بالنسبة لأردوغان بعد وصوله إلى سدة الحكم، فقد أصبح حاكمًا تجري عليه أحكام الإسلام بوصفه حاكمًا مُكلفًا بتطبيق الإسلام وإلا كان كافرًا أو ظالما أو فاسقًا. ولست هنا في معرض تكفير أردوغان أو حتى الخوض في هذا المجال أصلًا، فليس هذا محله، بل محله القضاء الإسلامي في دولة الخلافة القادمة قريبًا بإذن الله، هناك سوف تجري أحكام الله على كل من تعدى على الإسلام والمسلمين وتآمر عليهم كُلٌّ حسب جريرته. والذي يعنيني بالدرجة الأولى هنا تكفير نظام أردوغان السياسي، فهو نظام كفر قولًا واحدًا، فلا النظام البرلماني الذي ورثته تركيا عبر الكماليين عن الإنجليز بعد هدم الخلافة نظام حكم إسلامي، وفيه ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية وتكون الصلاحيات كلها أو معظمها لرئيس الوزراء. ولا النظام الرئاسي الذي صدَّرته أميركا هذه المرة لتركيا نظام إسلامي، وفيه ينتخب عامة الشعب الرئيس وتكون له الصلاحيات الكاملة. فأميركا عندما وجدت أن النظام البرلماني يُكرِّس النفوذ الإنجليزي على تركيا؛ حيث رئيس الوزراء أُلعوبة بيد العسكر الذين حرسوا العلمانية على طريقة مصطفى كمال المجرم. عندها أرادت أن تقبض هي على البلاد، ولا يكون ذلك إلا بقصقصةِ أجنحة عملاء الإنجليز والحدِّ من نفوذهم وتأثيرهم في الحكم، فكان النظام الرئاسي ممثلًا بأردوغان حصانها ورَكوبَتها للعبور إلى بلد العثمانيين من أوسع أبوابه؛ لذلك يجب على المسلمين – وفي مقدمتهم المضبوعون بأردوغان – يجب عليهم أن يدركوا أن نظام أردوغان الجمهوري نظام كفر ليس من الإسلام، لا في شكله ولا في الأصل الذي بُني عليه، وأن كونه نظامَ كفر يقضي بوجوب محاسبته محاسبة سياسية قائمة على أساس وجوب نُصح الحكام وتحذيرهم من الكفر والحكم بالكفر، ومن الانقياد للدول الكافرة، وأن ذلك كله حرام وجريمة بحق الإسلام وخيانة لله ولرسوله وللمسلمين. فإن استجاب أردوغان للنصيحة، فقد أحسن إذ أقلع عن الحرام وأذهب سيئاته بحسنة الرجوع إلى الهدى وجادة الصواب. أما إذا أصَرَّ على ما هو عليه من تحاكم إلى الطاغوت وقد أُمِرَ أن يكفر به، وارتباط وتبعية للغرب الكافر، وخذلان للمسلمين المستصرخين بملء أفواه الصبايا واليتامى والأرامل والمنكوبين في فلسطين والشام والعراق وبورما والقائمة تطول؛ فقد لزم حينئذ تقريعه بالغليظ من القول، وعدم التهاون في فضحه وكشف ارتباطه بالدول الكافرة. وليعلم (المضبوعون بأردوغان) أنه لا مقدس في هذا الوجود إلا الله، وأن ما دون الله سبحانه بشر جَرَوا في مجرى البولِ مَرَّتَين، وأُذكِّر من كان أهلًا للذكرى، أن بيت النبوة وما أدراك ما بيت النبوة؟ لم يرتفع على جلالة قدره عن مفهوم المحاسبة والخضوع لأوامر الله تعالى. اقرؤوا إن شئتم قوله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿ يَٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأۡتِ مِنكُنَّ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖ يُضَٰعَفۡ لَهَا ٱلۡعَذَابُ ضِعۡفَيۡنِۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٗا ٣٠ ﴾ [الأحزاب: 30]. فهل كان أردوغان وغير أردوغان أكرم منزلة وأعلى قدرًا من بيت النبوة، ما لكم كيف تحكمون؟
– وتبقى هنا مسألة بحاجة إلى بيان، يقول المـُعذِّرونَ من الذين يختلقون المعاذير والحجج الواهية لأردوغان: إن أردوغان لم يتمكَّن بعد من مفاصل الحكم في البلاد، وأمامه عقبات، وله أعداء ومناوئون، ويتربَّص به خصوم كثيرون، وهناك دول كبرى عندها من القوة ما عندها، وأخرى تابعة لتلك تُسخرها لوأد أي محاولة أو ململة تومِئُ بتغيير حال المسلمين ولو إيماءً. وردًّا على ذلك نقول: هذا صحيح وصحيح جدًّا، لكن هل غاب عن فكر هؤلاء أن الدعوات الصادقة ابتداء لا تبلغ غايتها بالنصر والظفر إلا بعد أن تخوض المخاض العسير مع الباطل، وهل بنى نوحٌ – عليه السلام – سفينته إلا في صحراء مقفرة يأبى العقل والمنطق لهذه السفينة أن تبحر في يوم من الأيام على رمال الصحراء؟ ولكنها أبحرت في نهاية المطاف، وحملتها أمواج كالجبال بعد أن حملت عليها المؤمنين فنجَوا وغرق الكافرون، ثم استوت واستقرَّت بإذن الله بما عليها على الجوديِّ.قال الله المنتقم الجبار: ﴿وَقِيلَ يَٰٓأَرۡضُ ٱبۡلَعِي مَآءَكِ وَيَٰسَمَآءُ أَقۡلِعِي وَغِيضَ ٱلۡمَآءُ وَقُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ وَٱسۡتَوَتۡ عَلَى ٱلۡجُودِيِّۖ وَقِيلَ بُعۡدٗا لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ ٤٤﴾ [هود: 44]. إن سنة الله تعالى في كل دعوة صادقة تقضي بوجوب مجابهة الحق للباطل مجابهة فكرية ودموية، فيبتلي الله المؤمنين والعاملين الصادقين بالبأساء والضرَّاءِ؛ فيبلغ الأمر مبلغ زلزلة المؤمنين حتى لا يبقى في صفِّهم إلا المؤمن الصادق، والثابت على مبدئه فلا يغير ولا يبدل ولا يرعوي للباطل وأهله؛ هنالك يستحق المؤمنون نصر الله تعالى وتمكينه.
– لقد واجه الرسول صلى الله عليه وسلم من العقبات الكثير الكثير، فقُتل من أصحابه – رضوان الله عليهم – من قُتل، وعُذِّب من عُذِّب، وشُرِّد من شُرِّد؛ فكان سلا الجزور، وكانت المحاصرة في شعب أبي طالب، وكان التنكيل وكانت الملاحقة، وكانت الدعايات الإعلامية الكاذبة، وكان اللجوء السياسي عند ملك الحبشة فرارًا من الظلم والاضطهاد، وغير ذلك كثير. وبعد استلام الحكم في المدينة المنورة وقيام الدولة، ظلت العقبات والتحديات تحيط بالدولة عن يمينها وشمالها، ومن خلفها وقدامها، بل ومن داخلها حيث قامت الدولة في مجتمع ثلثه من المشركين تحول معظمهم بعد ذلك إلى منافقين يظهرون الإسلام ويُبطنون عداوته، وثلثه الآخر من اليهود أعداء الملة الذين كانوا يحيطون بالمدينة بحصونهم وقلاعهم وسيطرتهم على السوق والموارد الاقتصادية والبنى التحتية، وثلثه الآخر من المسلمين، منهم المهاجرون حملة الفكرة والواعون عليها، وأكثرهم من الأنصار أهل القوة والمنعة الذين لم يمضِ على إسلامهم إلا سنة قبل الهجرة، لا يعرفون من الإسلام إلا فكرته الأساسية (لا إله إلا الله محمد رسول الله). ثم هناك العقبات الخارجية، قبائل العرب المشركة بزعامة قريش يتربصون جميعًا بالدولة الإسلامية الناشئة. وهناك الروم والفرس دول كبرى تأبى أن ينازعها على السيادة الدولية قوة تُطلُّ عليهم من وسط جزيرة العرب التي لم تكن في حساباتهم إلا مساحة مسحوقة من القبائل المتناحرة، فكيف إذا كانت هذه القوة دولة مبدئية عالمية، رسالتها حمل الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد؟
– وبعد وفاة النبي – عليه الصلاة والسلام– اضطربت أحوال الدولة الإسلامية الداخلية، حيث الردة التي اجتاحت جزيرة العرب تحت لواء مسيلمة الكذاب وسجاح والأسود العنسي وطليحة بن خويلد الأسدي، ولم يثبت على الإسلام إلا المدينة المنورة والطائف ومكة المكرمة وقرية جواثى في البحرين. فكانت وثبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وثبة الأسد الهصور، فأنفذ بعث أسامة بن زيد إلى بلاد الروم فقاتلهم وقَفِلَ ظافرًا، وحارب المرتدين ومانعي الزكاة في حروب ضارية استُشهد فيها الكثير من الصحابة ومن حفظة القرآن الكريم. وبالجملة فقد واجه أبو بكر التحديات الداخلية والخارجية بعزيمة القائد المؤمن الواثق بتأييد الله له، وبحزم السياسي المحنك القادر على الخروج من الأزمات بسلامة الدين وأمان المسلمين؛ وهكذا واجهت دولة الخلافة الراشدة الأولى العقبات الداخلية والخارجية في آن واحد، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: “واللَّهِ الذي لا إِلَهَ إلا هو، لولا أنَّ أبا بَكرِ استُخلِفَ ما عُبِدَ الله”. وحرِيٌّ بكل مسلم غيور صادق مع الله، مخلص لأمته، حريٌّ به أن يسير في الأرض، فينظر كيف جدد عبد الرحمن الداخل الإسلام في الأندلس بعد أن ساءت أحوال المسلمين فيه إلى حد ينذر بزواله، وكيف أعاد آل زنكي وصلاح الدين وحدة الأمة بعد اضطراب أحوال المسلمين أيام الحروب الصليبية، وكيف استطاع محمود بن ممدود سيف الدين قطز من مصر الكنانة وحدها، كيف استطاع مجابهة التتار والنصر عليهم خلال 11 شهرًا فقط، وبقية الحكاية تجدونها في كتب التاريخ عند ابن الأثير وابن كثير وغيرهم. إذًا فوجود العقبات لا يجوز أن يتخذه المرجفون والمعوِّقون والمـُعذِّرون مانعًا أو حائلًا من عودة الإسلام وإمكانية تطبيقه في دولة إسلامية من جديد. على أن الإسلام نفسه قد وضع معالجات وأحكامًا شرعيةً مفصلة في كتب الفقه لمواجهة هذه العقبات واجتياز تلك التحديات مهما تعاظم خطرها على المسلمين. وهل يمكن أصلًا ألَّا يكون في الإسلام مثل هذه الأحكام، وهو الذي أحاط بكل أفعال العباد، واشتمل على المعالجات الضامنة للخروج من كل أزمة يمكن أن تعصف بالأمة الإسلامية؟ والغريب العجيب أننا نجد أردوغان متفانيًا في مواجهة خصومه من سياسيين وعسكريين، وتحديدًا منذ حادثة الانقلاب الفاشلة الأخيرة في 15/7 /2016م، ويظهر براعة في كبح جماح خصومه واضطرارهم إلى أضيق المواقف. فلماذا لا يستخدم أردوغان هذه البراعة لإعادة الإسلام مطبقًا في دولة الخلافة؟ وعندها سيجد أهل تركيا خلفه صفوفًا يقدمون فلذات الأكباد في سبيل الله، بل وسيجد أمة تتوق لصيحة قائد رباني يخرج بها من حقبة المـُلك الجبري إلى فجر الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. ولو خُيِّرَ أهل تركيا بين العلمانية بنسختيها الإنجليزية الكمالية والأميركية الأردوغانية، وبين عبدٍ حبشيٍّ رأسه كالزبيبة يحكمهم بشرع الله، لنبذوا أردوغان ومن خلفه الكماليين وراء ظهورهم، واختاروا بيعة العبد الحبشيِّ على هؤلاء جميعًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
2018-12-24