الثبات على المبدأ
2018/10/13م
المقالات, كلمات الأعداد
18,172 زيارة
الثبات على المبدأ
عبد الكريم أبو مصعب
لقد كان سقوط الدولة الإسلامية عام 1924م ضربة قاسمة لهذه الأمة، وهو ما جسد على أرض الواقع خروج الإسلام من حلبات الصراع المحلي والدولي، وإبعاده عن المسرح العالمي، وأصبح المسلمون بعدها حقل تجارب لمحاولات الغرب تطويعهم تحت مسمى واحد هو (فصل الدين عن الدولة). ومع اختلاف أشكال الحكم في بلادنا المسلمة إلا أنها جميعها تحكم بالنظام الرأسمالي، بل نستطيع القول إن العالم بأسره الآن يحكم بهذا النظام.
فالرأسمالية اليوم تلامس حياتنا جميعها، وهي حاضرة في كل شيء حولنا تقريبًا، ليس فقط في الأشياء المادية من سلع وأعمال ومنتجات ومدنية، وإنما أيضًا في القيم والمفاهيم والأفكار التي نتبناها اليوم، إلا ما رحم ربي، والتي تحرك سلوكنا… فهي حاضرة في كافة التفاصيل التي تشكل طريقة حياتنا من بين مختلف الأفكار.
نعم، إن فكرة (فصل الدين عن الحياة) هي الأكثر تأثيرًا على الحياة اليوم، بل إنها نجحت في إزاحة الكثير من الأفكار التي أنتجها العقل الإنساني، وهي الوحيدة المتربعة اليوم على عرشها. وإن الرأسمالية اليوم هي أخطر مولود لها على البشر؛ وذلك لمناقضتها لعقل الإنسان وفطرته، ولمنافاتها لقيم الأخلاق وللعدالة بشكل صادم… ورغم كل وسائل التزيين والإعلام والبهرجة لم تستطع إخفاء عوارها وفسادها؛ ولذلك اعتبر مؤسسوها أن هلاكها ينمو مع بذور نشأتها.
وإذا دققنا النظر، نجد أن وجهة نظرها في الحياة قائمة على صراع تحقيق المصالح، ونجد أن من أهدافها التوسع الدائم والدائب في الإنتاج، ونجد أنه يقابل هذا التوسع حتمًا توسع في الاستهلاك؛ لذلك لا يسع الدول الرأسمالية الاستمرار إلا بالتنازع على الدول المستهلكة؛ ما أدى إلى ما نحن عليه اليوم من معاناة، والقيمة الأهم لديهم هي الربح. وبهذه القيمة تم سحق كل مكارم الأخلاق والفضيلة واستبدالها بقيم أخرى قائمة على التغوُّل والتوحُّش؛ وهذا ما أدى إلى وجود تنافس وتحارب دولي ظاهره تعايش كاذب، وترسخ عدم المساواة والاستغلال؛ ما أدى إلى عودة العبودية، ولكن بشكل مختلف عما كان عليه سابقًا. وللأسف إن تاريخ الرأسمالية البغيض، والقصير بالنسبة للتاريخ الإنساني، استطاع مجرموه أن يفرضوه فرضًا على الناس أنه النبراس الذي يهتدى به، والمثل الواقعي الوحيد لمزيد من الرفاهية الكاذبة الخاطئة، وللأسف إن متاهة الرأسمالية تدور حول مزيد من الجشع وحب الذات وقتل الغير وسحق الأحلام. وكم يصدق قول الله تعالى فيهم وفيمن يتبعهم: ﴿ وَمَنۡ أَعۡرَضَ عَن ذِكۡرِي فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةٗ ضَنكٗا وَنَحۡشُرُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ أَعۡمَىٰ ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرۡتَنِيٓ أَعۡمَىٰ وَقَدۡ كُنتُ بَصِيرٗا ١٢٥ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتۡكَ ءَايَٰتُنَا فَنَسِيتَهَاۖ وَكَذَٰلِكَ ٱلۡيَوۡمَ تُنسَىٰ ١٢٦﴾. [طه].
فإذا كانت الرأسمالية بعقيدتها القائمة على (فصل الدين عن الحياة) وبنظامها الرأسمالي المتوحش على البشرية جمعاء، وبما تمتلكه من قوى مادية عسكرية واقتصادية، تحاول السيطرة على كل مفاصل الحياة البشرية؛ فمن الطبيعي أن يحاول المتضررون من هذا الواقع الدفاع عن أنفسهم ورفع هذا البلاء عنهم. وهذا يوجب أن يوجد حالة من الصراع تقوم على التناقض في التفكير بين الرأسمالي المهاجم وبين الآخر المدافع. فالآخر عليه أن يرفض في الرأسمالي أولًا فكره الذي أدى به إلى التفكير بالاستعمار، وأهم صفة يجب أن يمتلكها البديل المعارض هي أن لا ينتمي هذا البديل للمبدأ الظالم ولا بأي شكل من الأشكال، ولا تحت أي مسمى براق، مثل التقاء المصالح، أو التدرج في الطرح، أو الرضا بأنصاف الحلول ولا أرباعها، أو الرضا بالواقع… فإن هذا يكرس انتصار الرأسمالية عليه في صراعه معها. وعليه في الوقت نفسه أن يكون بعيدًا عن التفكير الأفلاطوني في التغيير فينظر له من غير أن يلامس الواقع، بل عليه أن يقوم تفكيره ومشروعه على ما يخالف المبدأ الرأسمالي في كل تفاصيله، وفي الوقت نفسه أن يحمل الحلول لجميع مشاكل الأمة والمشاكل التي يعاني منها العالم من خارجه؛ وإلا كان يداوي بالتي كانت هي الداء.
وإذا كانت الرأسمالية هي المبدأ السائد في كل ممارساتها في العالم، فإن الواقع يحدثنا أن الإسلام كمبدأ حياة هو البديل المغاير كليًا لها في كل شؤون الحياة، فمنهجه رباني، وتاريخه يدل على أنه يحمل الخير والحق والرحمة للبشرية. وما من حكم تطبقه الرأسمالية في أي شأن من شؤون الحياة ويحمل الظلم والاستغلال والفساد إلا وللإسلام حكم مثيل، ولكن على النقيض منه، يدعو إلى الخير، وينشر العدل، ويوجد الفضيلة… من هنا فإن على من يريد أن يحمل دعوة الإسلام الحقة أن يحمله حملًا مبدئيًا، حملًا يقوم على المفاصلة بين الحق والباطل، بين الخير والشر، لا على التوسط بينهما، قال تعالى: ﴿فَذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمُ ٱلۡحَقُّۖ فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ فَأَنَّىٰ تُصۡرَفُونَ ٣٢ ﴾ [يونس]
نعم، على من يريد أن يحمل الإسلام للعالم، أن يكون عنده هو البديل الحضاري الذي لا يلتقي مع الرأسمالية، وعليه أن يحمله أولًا حملًا مبدئيًا يقوم على المفاصلة، وأن يحصر عمله أولًا بأن يقوم له كيان خاص به، فعندما نقول إن الإسلام مبدأ فإن أول مستلزمات إقامة هذا المبدأ إقامة دولة له، دولة تكون مغايرة لدولة المبدأ الرأسمالي بكل مفاهيمها وتفاصيلها… فإذا قامت دولة الإسلام فلا يمكن بعدها مجابهتها؛ لأنها ستمتلك قوى ماية ومعنوية وروحية تمكنها من الانتصار، ولا يمكن مجاراتها لما تمتلكه من صدق الفكر وصحة المعالجة لجميع شؤون الحياة، ونشر الفضيلة، والحكم بالعدل، والبعد عن الفساد والجشع.
إن هذا الصراع الحضاري بين الغرب الرأسمالي وبين الإسلام، يعي الغرب حقيقته تمام العلم، وهو بدلًا من أن يصحح مساره ويغير منهجه في الاستعمار والفساد، نراه يغوص فيما هو فيه، ويكيد كيده الإجرامي للإسلام… نراه يعمل على إجهاض دولة الإسلام قبل ولادتها؛ باعتبارها مفتاح النهضة؛ فيدفع باتجاه إسقاط هذا المشروع عند أهله بالعمل على إبراز وجوه سمح لها بالظهور ليستخدمها في تشويه المبدأ الإسلامي ومشروعه في إقامة الدولة الإسلامية الجامعة، وهو الآن بعد أن سمح لها بالظهور بممظهر المجرم الإرهابي وقرب هزيمته عسكريًا نراه يتبعه بهجوم فكري يضغط فيه على الحركات الإسلامية لكي تبتعد عن المبدئية في طرح الإسلام، وتتبنى طريقته في فهم الإسلام. وفي هذا الإطار نرى شخصيات إسلامية يعمل على إبرازها، وحركات إسلامية تتقاطر وتركب في ركابه وتقدم مشاريعها التي يرضى عنها، والتي يقبلها، ليس عن قناعة بها، بل من أجل أن يظهر أنها تمثل الفهم الصحيح للإسلام؛ وليقضي بها على الفهم الصحيح له.
إن مسألة الصراع التي نتكلم عنها تتعلق بوجود مبدأ الإسلام الراسخ، والذي بقي ثابتًا رغم عوادي المكر والتلبيس والإجرام، وإن الانتصار والهزيمة لا تعلق لهما بصحة المبدأ أو عدم صحته، بل يتعلقان بأهله الذين عليهم هم أن يقوموا بما يتطلبه الإسلام من أجل إظهاره.
إن نجاح الغرب في إسقاط الدولة الإسلامية، وبالتالي إقصاء إسلام الحكم عن مسرح الحياة، كان بسبب الفصل الذي أوجده الغرب في واقع المسلمين، وفي أذهانهم. وإن عودة الإسلام إلى مسرح الحياة من جديد، واستئناف الحياة الإسلامية يقوم أول ما يقوم على انطلاق العمل التغييري من منطلق أخذ عقيدة الإسلام أخذًا سياسيًا، باعتبار عقيدته عقيدة سياسية روحية تسيِّر أعمال المسلمين والجماعات الإسلامية والدولة الإسلامية، وتحدد لهم وجهة النظر في الحياة، وتجعل مقياس أعمالهم الحلال والحرام، الطاعة والمعصية. فنجاح الغرب ليس نجاح مبدأ، بل إن مبدأهم هو أفسد مبدأ، وانهزام المسلمين ليس انهزام مبدأ، وإنما انهزام لهم لأنه لم يحملوه كما أراد الله لهم أن يحملوه.
من هنا، كان الواجب الأول على حملة هذا المبد بشكل صحيح أن لا ينتموا إلى المبدأ الرأسمالي، ولا بأي شكل من الأشكال.
وفي الحقيقة، هؤلاء وحدهم من يقع على عاتقهم توعية وانتشال هذه الأمة من الواقع الذي تتردى فيه إلى الواقع السامي الذي اختاره الله سبحانه وتعالى لها لكي تكون كما قال تعالى: ﴿ كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ وَلَوۡ ءَامَنَ أَهۡلُ ٱلۡكِتَٰبِ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۚ مِّنۡهُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَأَكۡثَرُهُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ١١٠ ﴾ [آل عمران] وعن السدي، قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال: أنتم، فكنا كلنا، ولكن قال: كنتم في خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنيعهم، كانوا خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
والفارق بين الحركات والشخصيات الإسلامية التي ترتوي من ماء الرأسمالية، والتي يسميها الغرب (الحركات الإسلامية المعتدلة) أو (الشخصيات الإسلامية المعتدلة) وبين الحركات الإسلامية المبدئية، أن الأولى تلتقي معه، أي مع الغرب. وهي بمقدار ما أذنت لنفسها أن تلتقي وتسير معه حُقَّت عليها الخيانة والعمالة، وهي ستسير معه أينما سار، ولن تصل معه إلا إلى بئس المصير. أما الثانية، أي المبدئية، فإنه لا يستطيع السيطرة عليها، وهي تستمد قوتها من قوة التزامها، وتستمد حياتها من تقصيها لارتكاباته وفضحه وبيان زيفه وطلمه، وإظهار أنها البديل عنه. لذلك هو يُصعِّب عليها مهمتها… ويتخذ معها سلاح التعتيم، والاعتقال البعيد عن الإعلام، وتشويه الصورة بواسطة أعوانه من الإسلاميين المعتدلين.
والناظر بين هذين التوجهين يرى أنهما يكادان أن يكونا على طرفي نقيض فيما يتعلق بالعمل التغييري، فلا لقاء بينهما؛ ويظهر الغرب هذه الحركات والشخصيات الإسلامية المعتدلة أنها هي صاحبة الفهم الصحيح، ويظهرها وكأنها رديف للغرب ولمشروعه، ويتقوى بها على الحركات المبدئية بالعمل على إسقاطها وادعاء أنها متطرفة وإرهابية وأصولية.
وإننا إذا أنعمنا النظر اليوم في واقع العمل الإسلامي السياسي، فإننا نجد الكثير من الحركات الإسلامية المعتدلة، ولكننا لا تجد سوى حركة إسلامية واحدة مبدئية هي حزب التحرير الذي أسَّسه العالم المجتهد القاضي الشيخ تقي الدين النبهاني، وقد امتلك هذا الحزب فهمًا مبدئيًا جذريًا راقيًا للإسلام، وأدرك واقع هذه الأمة، والسم الذي دسه الغرب في شرايين حياتها، ووضع طريقة عمله متأسيًا فيها بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التغيير، واعتمد على طريقة الاجتهاد الشرعية في استنباط أحكام عمله، وحدد هدفه لإيجاد النهضة لدى المسلمين، والتي من أول اهتماماتها أن تمتد وتنتشر لتعم العالم كله، إنه باختصار يعمل لإيجاد خلافة راشدة، تكون على منهاج النبوة، وهي أرقى صورة يمكن أن تحققها الدعوة إلى الإسلام، وهي أن توجد خلافة كخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، رضوان الله عليهم أجمعين، والتي قال الرسول صلى الله عليه وسلم عنها: “عضوا عليها بالنواجذ” والتي بشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: “ثم تكون خلافة راشدة”.
فبشرى الرسول كائنة نصدقها من صميم قلوبنا، ونعمل لها بكل جوارحنا، ممتلئين ثقة المؤمنين بربهم الذي لا يخلف وعده. وهذا الوعد من الله والبشرى من رسوله يعني أن مشروع الحركات الإسلامية المعتدلة سيكون فاشلًا، وسيذهب هو وأسياده.
إن حزب التحرير هذا وضع هدفًا له هو استئناف الحياة الإسلامية، وأنعم به من هدف، واتبع في ذلك خطى الرسول الكريم لتحكيم المنهج الرباني الصافي الذي فيه خيري الدنيا والآخرة، وسار ثابتًا على المبدأ، لا يحيد عن طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم قيد شعرة، لا يحابي ولا يداهن أحدًا، يرجو رحمة ربه، ويطمع بنصره، وتسيطر على شبابه قناعة ملؤها الإيمان بأن الله ناصر من ينصره، وأنه مهما ضاقت السبل، وانقطع الرجاء، وخابت الآمال… فإن حبل الله ممدود، وسبيله لا ينقطع، ونصره آتٍ لكل من يثبت على الحق، ولكنه لا يأتي على كفٍّ من الراحة،بل بعد ابتلاء يمحص به ما في القلوب، ويبتلي ما في الصدور، ويكون قد أعذر من أنذر: قال تعالى: ﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَأۡتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوۡاْ مِن قَبۡلِكُمۖ مَّسَّتۡهُمُ ٱلۡبَأۡسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلۡزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصۡرُ ٱللَّهِۗ أَلَآ إِنَّ نَصۡرَ ٱللَّهِ قَرِيبٞ ٢١٤﴾ [البقرة]
إن الأقنعة تسقط يومًا بعد يوم، ومن لم يتزود بالإيمان النبوي من الحركات والشخصيات الإسلامية، نراه يسقط ويتغير ويتلون ويستسلم للواقع ويصبح جزءًا منه، ومن ثم يدمغ بدمغة (الاعتدال)، وتسهل له مهمة رسمها الغرب عدو الإسلام الأول ليخدمه في الانتصار على الإسلام دين الله الحق.
إن هذه الحركات وهذه الشخصيات الإسلامية هي أخطر على الإسلام من عدوه الظاهر؛ إذ إنهم يصدقون على مقالة الغرب في دينهم أنه لا يستطيع أن يكون هو الدين الذي فيه خلاص البشرية، وأن الرأسمالية الكافرة القائمة على فصل الدين عن الحياة هي الحق النهائي، وأن الصراع الحضاري حسم لمصلحتها.
نعم، لم يبقَ اليوم، بعد سقوط كل الأقنعة، في الساحة سوى “حزب التحرير” الذي أنشأ شبابه على التقيد بالمبدأ؛ فخاضوا أعباء الدعوة لا يغيرون في فكرهم وطريقتهم شيئًا، ولا يحيدون ولا يحابون أحدًا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم. فأفراده آمنوا بأفكاره وانجذبوا إليها وتعايشوا معها؛ فأصبحت تسيطر عليهم وتقيِّد سلوكهم؛ فأصبحوا شخصيات إسلامية مبدئية، يتجسد المبدأ بهم بحيث أصبحوا رجال دولة إلى جانب كونهم رجال دعوة.
وقد قدَّم هذا الحزب، بفضل الله ومنِّه الكثير من الأعمال اللازمة للتغيير المنشود، ومن ذلك:
-
أعمال تنتمي للمبدأ الإسلامي فقط.
-
أعمال ضمن الواقع الواجب تغييره.
-
أعمال تنتمي وترتكز على المبدأ الرأسمالي.
أعمال تنتمي للمبدأ الإسلامي فقط
– وهي كثيره جدًا، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أوجد هذا الحزب دستورًا يحاكي مشاكل الأمة ويحلها جميعها، وجعل العقيدة الإسلامية هي القاعدة الأساسية التي تبنى عليها الدولة، وموادُّه مستمدة من كتاب الله عز وجل، والسنة الشريفة، وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس الشرعي المنضبط بطريقة الإسلام الوحيدة في الاجتهاد. وهو متوفر على مواقع الحزب لمن أراد.
– بنى شبابًا يفهمون معنى حمل الدعوة المبدئية. وهؤلاء بذلوا ويبذلون الغالي والرخيص في سبيل تحقيق هدفه، وهو استئناف الحياة الإسلامية، ويعون كيف يُحمل الإسلام فكرة وطريقة، وهم لا ينظرون بمنظار الرأسمالية؛ فأعمالهم جميعها مرتبطة بنيل رضوان الله وليس لهم مطالب دنيوية سوى إعلاء كلمة الله؛ ولذلك لم يكن للرأسمالية ونظامها وحكامها وعملائها ومخابراتها… أي سيطرة عليهم، وقد وصفتهم مؤسسة “هاريتاج ” عام 2003م: “حزب التحرير هو الخطر الناشئ ضد المصالح الأميركية”
– ربط كل من ينتمي إليه برابطة الإسلام، ونبذ كل الروابط المنحطة؛ لذلك تراهم جسدًا واحدًا وفكرًا واحدًا ورأيًا واحدًا، وهكذا كان حال الصحابة الكرام في تمسكهم بالإسلام.
– جعل طريقته من صلب فكرته، وتمسك بطريقة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في كيفية إنشاء دولة الإسلام، وعانى من اتهامات وجهت إليه أنه يخالف الواقع، ومع ذلك، لم يتنازل فيجعل الواقع مصدر تفكيره، بل أصر على أن يكون الشرع وحده مصدر التفكير، ونصح الأمة ومازال ينصحها ثابتًا راسخًا متمسكًا بمبدئه، راجيًا من الله عز وجل النصر والتمكين، طامعًا بالفلاح عند الله من قوله تعالى: ﴿وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤﴾ [آل عمران] وطامعًا بنصره من قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرۡكُمۡ وَيُثَبِّتۡ أَقۡدَامَكُمۡ ٧﴾ [محمد].
أعمال ضمن الواقع الواجب تغييره:
– أولى الحزب اهتمامًا كبيرًا بهذه الأمة، وفضح جميع المخططات التي تحاك ضدها، ووجَّه الأمة بشكل دائم ودائب نحو الاتجاه الصحيح، وقارع الكفر بكل وسيلة متاحة له لا تخالف مبدأ الإسلام.
– وضع ثقافة إسلامية صافية نقية تلزمه لإقناع الأمة بمشروعه، وسعى جاهدًا لبيان ماذا يحمل المبدأ الإسلامي للمسلمين من خير، وماذا تقدم الرأسمالية للعالم من شر.
– نظر إلى الأمة على أنها أمة واحدة ما دامت العقيدة سليمة، ولم يورط الأمة بأي شيء يؤذيها ويحعلها تحت مقصلة الحكام، ولكن أكتفى بأن يكون هو بشبابه المضحي الوحيد، وهو اليوم على أتم الاستعداد لقيادة هذه الأمة إلى بر الأمان بإذن الله في القريب العاجل، فإننا حملة خير وأعددنا أنفسنا على طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في الإعداد.
أعمال تنتمي وترتكز على المبدأ الرأسمالي.
حزب التحرير يحمد الله، ويعتبره وسام شرف على صدور شبابه، بأنه لا ينتمي إلى المبدأ الرأسمالي الجشع بأي صورة من الصور، بل هو على النقيض من ذلك، فهو منقطع الصلة به، ويعتبر نفسه أنه العدو الأول له في العالم؛ والحزب، رغم كل المواحهة القاسية جدًا التي ووجه بها، وليس أقلها التشويه والتعتيم والاعتقال والتغريب والتعذيب؛ ولم يستطع بأي شكل من الأشكال أن ينهي حكام الغرب وعملاؤه وجوده، ولا أن يشوهوا صورته، ولا أن يوقفوا حراكه؛ بل استطاع، وبفضل الله وحده وتأييده أن يجعل هدفه بإقامة الخلافة هو هدف الأمة الذي اختارته من بين كل الطروحات المضللة التي يقف الغرب وراءها عن طريق الحركات والشخصيات الإسلامية التي يسميها معتدلة، وأصبحت الرؤية واضحة جلية عند الأمة، إلا عند من أصرَّ على أن ينظر من خلال الغربال الأميركي الغربي.
وللأسف نجد اليوم أن أميركا بعد فشلها في تشويه صورة الإسلام، وعجزها عن حسم الصراع لمصلحتها، بعد كل هذا الكيد والمكر والإجرام، من لعبٍ بورقة الإسلام المعتدل، والإسلام الديمقراطي، والإسلام المدني… ومن خوضٍ لحرب شعواء على إسلام الحكم، والإسلام السياسي، والحركات الإسلامية المخلصة واتهامها بالإرهاب… بعد كل ذلك لم تستطع أن تغير دفة السفينة عند الأمة، ولا أن تحرفها عن هدفها، وهي إسقاط الأنظمة والحكام، أي إسقاط الغرب، باعتبار أن هذه الأنظمة وهؤلاء الحكام هم من صنائعه. بل إن الغرب قد وصل إلى مرحلة من العداء للإسلام أنه يفكر في شطب نصوص من القرآن، وتعطيل السنة، وتغيير أحكام قطعية فيه لتتوافق مع العلمانية باسم تجديد الدين، وتطوير الخطاب، وتعديل المناهج، وكل ذلك تحت عنوان تحقيق مقاصد الشريعة، وإحياء روح الدين، على حساب الالتزام بالنصوص والتقيد بمعانيها.
أيها المسلمون، إن واقعنا اليوم يحمل في طياته بشارة وتحذير، وكلاهما يقع على عاتقنا. فبعد كل ما عانت الأمة منذ سقوط دولتها الإسلامية، ومحاولات الغرب الدؤوبة لإنهاء الأمة كأمة؛ فإنهم فشلوا فشلًا ذريعًا؛ وهذا مرده إلى عظمة هذا الدين، وعظمة الأمة وتمسكها بمعتقدها، فهم فشلوا ولم يستطيعوا حرف الأمة عن هدفها ومطلبها، وهي تسير نحوه بخطىً ثابتة لتحقق بشرى رسول الله ﷺ. وأما التحذير، فمن إعطاء قيادتكم إلى من هم على غير مبدئكم، ممن هم معتدلون تابعون للغرب، واستسلامكم للواقع المرير، فهذا حرام. بينما الواجب عليكم هو أن تحاربوا كل مخططات الغرب. فالذي ينظر بعمق واستنارة إلى الصراع الحضاري بين الغرب والإسلام، فإنه يرى أن الإسلام هو القوي ويتقدم نحو هدفه، والغرب هو الضعيف المائل إلى السقوط. وكما قلنا في سياق هذا البحث.
إن من يخوض هذا الصراع من المسلمين يجب أن يكون خوضه له خوضًا مبدئيًا، لا التقاء فيه مع الغرب، بل يعتبر أدنى التقاء معه يؤخر النصر ويمد في عمر الرأسمالية، ويطيل في ظلمها على المسلمين وعلى الناس أجمعين.
قال تعالى: ﴿ وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوۡمِهِمۡ فَجَآءُوهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَٱنتَقَمۡنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجۡرَمُواْۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيۡنَا نَصۡرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٤٧﴾ [الروم]
2018-10-13