أمة الإسلام أمة واحدة، ولا ينقصها لإعادة مجدها سوى إقامة دولة الخلافة الراشدة الجامعة
2018/08/12م
المقالات, كلمات الأعداد
8,734 زيارة
أمة الإسلام أمة واحدة، ولا ينقصها لإعادة مجدها
سوى إقامة دولة الخلافة الراشدة الجامعة
تعيش الثورة في سوريا أسوأ حالاتها، وتتكلم وسائل الإعلام عن بداية هزيمتها، وقد يظن الكثير أن العامل الأساس في إلحاق الهزيمة التي يكاد يعلن عنها هو هذا التآمر الدولي الذي جمع الأضداد الدولية، وعلى رأسها أميركا وروسيا، اللتان تمتلكان القوة الأعظم في العالم، واللتان اتفقتا على القضاء على هذه الثورة، بشكل مجرد من كل إنسانية، من غير وازع، ولا رادع من ضمير، ولا رقيب، ولا حسيب، حتى ولا قانون دولي يدعون أنهم يؤمنون به… ولكن هناك عاملًا يعتبر هو الأهم، وهو فقدان القائمين على الثورة للقيادة الفكرية التي تشكل إطارًا فكريًا يجمعهم على هدف واحد، ويوحد قوتهم وجهودهم باتجاه تحقيق هدفهم… وفقدان القيادة السياسية الواحدة التي تواجه هذا التآمر الدولي بناء على تلك القيادة الفكرية، وفقدان القيادة العسكرية الموحدة التي تضع الخطط العسكرية المحكمة، وتدير عملياتها باتجاه تحقيق انتصار كاسح. وبعبارة أخرى إن سبب الهزيمة جاء من الداخل أكثر مما جاء من الخارج.
قد يقول قائل، من باب التبرير لوصول الوضع في سوريا إلى ما وصل إليه: وأنَّى لهذه الثورة أن تصمد أمام مثل هذا التحالف الدولي، وهذا المستوى العالمي من الإجرام، فضلًا عن أن تتغلب عليه. وقبل الإجابة على هذا التساؤل لا بد من الإجابة على تساؤل يسبقه وهو: ما الذي دفع دول العالم إلى هذا التحالف غير المسبوق من دول متنافرة المصالح، ومن ثم القيام بهذا الإجرام المشهود؟. هل هي نصرة بشار أسد الذي لا قيمة سياسية دولية له؟ بالطبع لا، فالمجرم بشار إن هو إلا أداة قتل بيد أميركا تستخدمه لمصلحتها، بل لا بد من أن هناك سببًا استراتيجيًا يتعلق بالأمن القومي لكل دولة من هذه الدول التي دخلت في الحرب على هذه الثورة… لا بد من أنهم ينطلقون من اعتبار كبير خطير يجعلهم ينظرون إلى هذه الثورة على أنها تشكل تهديدًا وجوديًا لهم، وهذا الخطر يستوجب مثل هذا التدخل، ومثل هذا التآمر. أما ما هو هذا الخطر الذي جعل دول العالم تتحالف ذلك التحالف المجرم الهجين؟… إنه الإسلام السياسي، إسلام الحكم، إسلام الخلافة الذي بدأ يطل برأسه في المنطقة، ويصبح أمل الأمة في الخلاص مما هي فيه من أوضاع مأساوية.
حقًا، إنه إسلام الخلافة، إسلام الأمة الواحدة، إسلام الرسالة والشريعة الربانية الخالدة، إسلام الجهاد ونشر الدين وإدخال الناس في دين الله أفواجًا… فالغرب بات يعي أن شعوب المنطقة المسلمة بعمومها تريد التخلص من هيمنته واستعماره للمنطقة، وإسقاط أنظمة الحكم العميلة له، وإقامة حكم الإسلام على أنقاضها، وبات متأكدًا أن الأمة لم تفرقها الحدود ولم تمنعها من أن تبقى أمة واحدة لها فكر جمعي واحد، ونظرتها للحياة واحدة، وهي تسعى لحل مشاكلها على أساس دينها، ونظرتها لدينها أنه دين رسالة سماوية علوية، ولها حضارة وتاريخ تعتز بهما، وتتمثل دائمًا بهما، وتريد بعثهما من جديد، وأنها تبحث عمن يقودها… والغرب يدرك أن هذا التوجه لدى الأمة لا يمكن تركه، أو السماح بأن يأخذ مداه، بل يجب القضاء عليه، وهو قام من قبل بمحاولات كثيرة لمنع ذلك، فاحتلَّ بشكل مباشر كلًا من العراق وأفغانستان، ولكنه فشل… وهي تخاف الآن على نفسها من ثورات الأمة، وخاصة في الشام من أن تكون ولادة الخلافة فيها؛ لذلك كان ما يحدث من إجرام في سوريا يتجاوزها إلى الحرب على الإسلام نفسه كما صار معروفًا لدى القاصي والداني تحت مسمى الحرب على الإرهاب؛ وذلك كان سبب التوسع الدولي في محاربتها حتى شمل من الدول كل من كان له ماضٍ دموي مع دولة الخلافة خشية من أن يتجدد. هذا الأمر أصبح ملموسًا لدى دول العالم، ولا يغيب إلا عن ذهن كل من لا حظ له في الفهم السياسي. فتصريحات بوش ومعاونيه وسياسيي الغرب، إبان احتلال العراق وأفغانستان، تناقلتها وسائل الإعلام الدولية محذرة مما يسمونه إمبراطورية الإسلام (الخلافة). وقد تجددت هذه التصريحات مع الثورة في سوريا؛ من هنا يفهم لماذا هذه الحملة المسعورة اللئيمة على هذه الثورة اليتيمة. هذه الحقيقة باتت هي المسيطرة على مسرح السياسة الدولية.
أما عن تفاوت القوة بين المسلمين وبين أعدائهم فليس هذا بالأمر الجديد، فإن المسلمين بما يحملونه من مفاهيم الإيمان بالله واليوم الآخر، وقوة الالتزام بشرع الله، وحب إظهار هذا الدين ووجوب نشره عن طريق الجهاد، وحب الاستشهاد طلبًا للجنة واستمداد العون منه وحده، وحسن التوكل عليه سبحانه… مكَّنَهم في السابق من تحقيق النصر على إمبراطوريتي فارس والروم في وقت قياسي قصير، يوم كانت الدولة الإسلامية دولة ناشئة، ومكَّنَهم من تحقيق النصر على أمم الغرب مجتمعة في حروبهم الصليبية يوم كان للمسلمين دولة خلافة تجمعهم. وهو يمكن أن يمكنهم اليوم من تحقيق النصر عليهم مجتمعين. وهذه المعضلة واجهت دعوات الأنبياء السابقين وواجهت رسولنا الكريم، وهي بالأصل يجعلها الله تعالى ابتلاء للمؤمنين وتمحيصًا لهم، قال تعالى: ﴿ الٓمٓ ١ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢ وَلَقَدۡ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۖ فَلَيَعۡلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعۡلَمَنَّ ٱلۡكَٰذِبِينَ ٣﴾ ولا بأس أن نأخذ بعض الآيات من القرآن الكريم من قصة سيدنا داود وطالوت مع الطاغوت جالوت بشيء من التفصيل لما فيها من عبرة. فالقرآن الكريم ذكر عن طالوت فقال: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِٱلۡجُنُودِ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ مُبۡتَلِيكُم بِنَهَرٖ فَمَن شَرِبَ مِنۡهُ فَلَيۡسَ مِنِّي وَمَن لَّمۡ يَطۡعَمۡهُ فَإِنَّهُۥ مِنِّيٓ إِلَّا مَنِ ٱغۡتَرَفَ غُرۡفَةَۢ بِيَدِهِۦۚ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ قَالَ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ ٱللَّهِ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦ قَالُواْ رَبَّنَآ أَفۡرِغۡ عَلَيۡنَا صَبۡرٗا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٥٠ فَهَزَمُوهُم بِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُۥدُ جَالُوتَ وَءَاتَىٰهُ ٱللَّهُ ٱلۡمُلۡكَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَعَلَّمَهُۥ مِمَّا يَشَآءُۗ وَلَوۡلَا دَفۡعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعۡضَهُم بِبَعۡضٖ لَّفَسَدَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ ذُو فَضۡلٍ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢٥١ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ ٢٥٢﴾.
يقول تعالى مخبرًا عن طالوت ملك بني إسرائيل، حين خرج في جنوده ومن أطاعه من ملأ بني إسرائيل، أنه قال لهم: إن الله مبتليكم بنهر، من شرب منه فليس مني، أي فلا يصحبني اليوم في هذا الوجه، ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده، أي فلا بأس عليه. قال الله تعالى: ﴿ فَشَرِبُواْ مِنۡهُ إِلَّا قَلِيلٗا مِّنۡهُمۡۚ﴾. وقد روى البخاري عن البراء بن عازب قال: «كنا أصحاب محمد ﷺ نتحدث أن عدة أصحاب بدر على عدة أصحاب طالوت، الذين جازوا معه النهر، ولم يجاوز معه إلا مؤمن، بضعة عشر وثلاثمائة».
كذلك روى البخاري عن البراء: «… ولهذا قال تعالى:﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُۥ هُوَ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ قَالُواْ لَا طَاقَةَ لَنَا ٱلۡيَوۡمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِۦۚ﴾ أي استقلُّوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم، فشجعهم علماؤهم، وهم العالمون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله ليس عن كثرة عَدد ولا عُدد؛ ولهذا قالوا: ﴿ كَم مِّن فِئَةٖ قَلِيلَةٍ غَلَبَتۡ فِئَةٗ كَثِيرَةَۢ بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٢٤٩﴾». وكذلك حدثنا القرآن الكرية عن عظيم منِّ الله تعالى على رسوله وعلى المؤمنين بالنصر مع القلة، فقال: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فََٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٢٦﴾ وواجه الرسول ﷺ الكفار بالقلة وانتصر، فمعيار النصر أول ما يقوم على الإيمان بالله والالتزام بطاعته… فهذا أول ما يجب توفره للنصر، ثم يأتي بعد ذلك تدبر القوة التي من أول متطلباتها أن يكون المقاتلون صفًا واحدًا ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ ٤﴾ [الصف]… إن من أهم ما يجب توفره للنصر هو وجود القيادة العسكرية الموحدة التي يتوفر لها القيام بمعاركها بشكل مدروس…
ولكن هناك أمرًا بالغ الأهمية يجب توفرُّه حتى يتحصل النصر، وهو أن الدول تواجه دولًا، والجيوش تواجه جيوشًا لتحقق النصر، وهذا ما فهمناه من فعل الرسول ﷺ، فهو عندما كان في مكة قام بطلب النصرة وإيجاد الأنصار لإقامة الدولة الإسلامية، وليس لمواجهة القبائل بهؤلاء الأنصار، فالرسول ﷺ حقق النصرة لإقامة الدولة بالأنصار، ثم هاجر إلى المدينة وأقام فيها الدولة، ومن ثم أعلن الجهاد، فآيات الجهاد لم تشرع قبل الدولة، بل بعدها ومعها.
وهنا ننتقل إلى الحديث عن القيادة السياسية الواحدة المتمثلة بالدولة الإسلامية، وكونها دولة إسلامية يعني أنها تقوم على القيادة الفكرية بالإسلام، أي تسيرها مفاهيم وأفكار وأحكام الإسلام.
نعم، إن الأمة تتوق إلى الفرج من ربها، وإن مفتاح الفرج جعله الله في إقامة الخلافة، التي يُعَزُّ بها الإسلامُ وأهلُه، ويُذَلُّ بها الكفرُ وأهلُه. والغرب يفهم هذه المعادلة ويعتبر الحيلولة دون ذلك قضية مصيرية له. وللأسف هناك بعض المسلمين لا يفهمونها.
وقد يداخل نفوس بعض المسلمين أن ذلك من المستحيلات، وأن الغرب لن يسمح بذلك، ولهؤلاء نقول: إن هذا هو فرض الله عليكم، وفيه وحده خلاصكم، وكونه فرض الله عليكم يعني أنه من ضمن الوسع؛ لأن الله تعالى لا يكلف بما هو فوق الطاقة، قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ﴾ فهو إذًا ليس من المستحيلات، ولكن تحقيقه هو من أصعب الصعوبات. أما أن الغرب لن يسمح بذلك، فهذا لا يقرر نتائجه الغرب، وإنما رب العالمين، وقد كان عمل الرسول ﷺ في مكة منصبًا على إقامة الدولة الإسلامية التي أقامها في المدينة، وكان في سيره مؤتمرًا بأمر الله، صابرًا على ما يلاقيه، هو ومن آمن معه، وما آمن معه إلا قليل، وكان عاقبة أمره ﷺ أن مَنَّ الله عليه ﷺ وعلى المؤمنين بأن آواهم بعد أن كانوا مشردين، ونصرهم بعد أن كانوا مستضعفين، ورزقهم من الطيبات بعد أن كانوا محاصرين في الشعب، قال تعالى: ﴿وَٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ أَنتُمۡ قَلِيلٞ مُّسۡتَضۡعَفُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ ٱلنَّاسُ فََٔاوَىٰكُمۡ وَأَيَّدَكُم بِنَصۡرِهِۦ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ ٢٦﴾ فالنصر من الله وحده، وليس الكفار هم الذين يسمحون به أو يمنعونه. لذلك إن تأخر النصر فليس لأن الكفار هم الذين أخروه، وإنما لأن المؤمنين هم الذين قصروا فيه، ولم يلتزموا أمر الله في إقامة دولة الخلافة.
وإننا نقول: إن العمل لإقامة الخلافة على الرغم من صعوبته، إلا أنه ليس في بدايته، بل نقول بكل اطمئنان إنه مشرف على نهايته، فهناك دعوة بين المسلمين، منذ أكثر من خمسين عامًا قد قطعت شوطًا كبيرًا، في تحقيق متطلبات النصر التي أمر بها الشرع، وبالتالي أصبحت عوامل النصر اليوم كلها متوفرة لدى المسلمين: من وجود فكرة جامعة لدى الأمة من حيث إنها تريد تطبيق الإسلام عليها، وهذا موجود وبشكل مخيف للغرب. ومن وجود جماعة من المسلمين قد أعدت نفسها للقيام بهذه المهمة السامية على مستوى ما كان عليه زمن الخلفاء الراشدين، وهذه موجودة والحمد لله وهي متمثلة بـ«حزب التحرير» الذي صار اسمه علمًا على الخلافة، والخلافة علمًا عليه… إنها تحتاج فقط لأهل قوة من المؤمنين ينصرونها، وهؤلاء موجودون في الجيوش، ولكن بشكل متفرق، ويجب العمل على أخذ نصرة بعضهم ليحوزوا مرتبة أن يكونوا أنصارًا لله ولرسوله ولدينه، كالأنصار الأوائل الذين نصروا الله ورسوله؛ فنصر الله بهم الأمة وأقام لها الدولة.
إذًا، الأمة لا زالت على موعد مع نصر الله متى تحقق لها هذا الأمر… وهكذا نرى أن كل المشروع يتوقف اليوم على هذا الجانب… ولا يظنن ظان أن ما يحدث من إجرام سيمنع النصر أبدًا، بل إن ما يلاقيه المسلمون من إجرام يجب أن يكون موقظًا ومنبهًا لهم أن هؤلاء المجرمين ما ينطلقون في محاربتهم لنا إلا من كونهم كفارًا قد نقموا على الإسلام فسمَّوه إرهابًا، وعلى المسلمين العاملين لإقامة الدين فسمَّوهم إرهابيين وأصوليين وظلاميين ومتطرفين… وما حدث في سوريا هو أقرب مثال على صحة ما نقول، فقدكانت مواقف الناس مشرِّفة بالنسبة إلى دينها، وكان التجاوب مع إقامة الخلافة في أرضها لافتًا حتى للغرب؛ لذلك هو سخَّر كل ما لديه من إمكانيات من أجل القضاء على هذه الثورات.
إن أميركا ومعها دول العالم قد منعت المسلمين حتى الآن من إقامة دولتهم المنشودة، ولكنها لم ولن تستطيع أن تغير إرادتهم في التغيير، وإن لهذه الدول الكافرة موعدًا مع الهزيمة مع المسلمين لن تُخْلَفَه؛ وإن الأمة مع ما يطالها من أذى في كل مكان في العالم تصرُّ على التغيير المنشود، وإنه لكائن بعون الله، ويعزز الثقة بكونه كائنًا هو إفلاس الغرب الحضاري، وحاجة العالم إلى قيادة فكرية عالمية صحيحة تخرجه من ظلمات الرأسمالية ونتنها وتوحشها. وإننا على موعد مع آيات الله الكريمة الواعدة بالنصر، حيث قال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٥٥﴾. وأحاديث الرسول الشريفة المبشِّرة بإقامة الخلافة حيث قال ﷺ: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها… ثم تكون ملكًا جبرية فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» رواه البزار والطبراني ورجاله ثقات. حتى يمكننا القول إن أحاديث رسول الله قد بشرت العالم كله أن الإسلام سينتصر وسيصل إليهم، فقد روى ابن حبان في صحيحه عن المقداد بن الأسود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًا يعز الله به الإسلام، وذلًا يذل به الكفر». وبشر المسلمين جميعًا وخاصة أهل فلسطين أن يهود ستزول دولتهم ويُقتلون فقال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ.» [مسلم].
ولكن كل هذه الإرهاصات، وكل هذه المبشرات لن تأتي على كف من الراحة، ولا بأن ترفع الأيادي إلى السماء تلهج بالدعاء فحسب… بل لا بد من أن يشمِّر المسلمون عن ساعد العزم، ويقوموا بحق الله عليهم بنصرة دينهم على طريقة رسول الله… ولا بد من أن يسبق الدعاء ويصحبه العمل الصالح الذي يرضي الله؛ لذلك نقول للأمة: إنك ما دمت تريدين الحكم بالإسلام، وما دام فيك من يستطيع أن يقوم بذلك على طريقة الخلفاء الراشدين؛ فإنك لن تهزمي أبدًا، وإن الله لمقيٍّضٌ لك أنصارًا بهدايته، وبشرى رسوله تملأ علينا قلوبنا أن النصر آتٍ، وكل آتٍ قريب.
قال تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمۡ لِمَا يُحۡيِيكُمۡۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَقَلۡبِهِۦ وَأَنَّهُۥٓ إِلَيۡهِ تُحۡشَرُونَ ٢٤﴾
2018-08-12