ثارت الأمة فمتى تثور جيوشها؟
2011/08/12م
المقالات
1,839 زيارة
ثارت الأمة فمتى تثور جيوشها؟
بقلم محمد عايد – بيت المقدس
]إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ[
فاجأت ثورات الشعوب العربية المسلمة طواغيت العصر على اختلاف مواقعهم وأصابتهم بصدمة ورعب خلطت أوراقهم وأفسدت مخططاتهم وأطاحت ببعض رؤوسهم… فابن علي فر هاربًا على غير هدى ولم يعقب، ومبارك يقدم للمحاكمة ذليلًا بعدما أذل شعبه طيلة ثلاثين سنة ويزيد، وعرش بشار يهتز مترنحًا نحو السقوط بالرغم من إجرامه الذي فاق به الجميع، والقذافي يختبئ في جحر كالجرذان يهدد منه خصومه فيما كتائب الثوار تهدد عاصمته، وعلي صالح لم يعد صالحًا لشيء، وحكام الخليج يشتغلون بثورة اليمن يحاولون إجهاضها ليؤخروا ثورة أهل الخليج، و(أمير المؤمنين) في المغرب يغيّر دستوره، وغيرهم حائر لا يدري إلى أين تسير به الأمور ولا كيف ستواجهه ويواجهها.
أما أمريكا وأوروبا فقد ظهر عليهم الارتباك، فتارة يعلنون دعمهم لعملائهم المذعورين من الحكام، وما أن يصل الحبل إلى أعناق هؤلاء العملاء حتى يغيروا مواقفهم ويتظاهروا بانحيازهم للشعوب الثائرة محاولين التلاعب كعادتهم، ليجدوا لهم موطئ قدم يستطيعون من خلاله إبقاء نفوذهم ووجودهم في بلادنا، وما يجري في ليبيا واليمن وسوريا شاهد قوي ظاهر للعيان على كذب الغربي وعدائه للمسلمين، وما جرى في تونس ومصر من سرقة الغرب للثورة هناك من خلال عملائهم، وادعائهم بتقديم المساعدات الاقتصادية وضخ الأموال لفلول وبقايا النظامين المنصرمين. ودفع بعض الأنظمة إلى ادعاء محاولة الإصلاح كما حصل في الجزائر والمغرب والأردن. ودفع الملك السعودي بعض الأموال للناس لإسكاتهم وتأخير ثورتهم… إنما هي شواهد أخرى فيها الخبث والمكر ضد المسلمين ومطالبهم بتغيير الأنظمة المتعفنة التي أزكمت روائحها الكريهة أنوف الجميع.
إن الثورات التي تجتاح الوطن العربي أفرزت حتى الآن الحقائق والنتائج التالية:
1 – إن الشعوب العربية هي جزء من الأمة الإسلامية الواحدة، وإن ما يحدث في قطر تتأثر فيه بقية أقطار الأمة، وإن الحدود المصطنعة التي صنعها الكافر المستعمر هشة وكاذبة ولا تستطيع وقف تدفق مشاعر المسلمين وأفكارهم في جسم الأمة كلها، ويمكن إزالتها بسهولة، فعن النعمان بن بشير t قال: قال صلى الله عليه وسلم «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» متفق عليه.
2- إن أمة الإسلام ليست ميتة كما حاول أعداؤها أن يلصقوا بها هذه الصفة ويجعلوها حالة دائمة في الأمة، بل هي أمة جهاد وعزة وقوة وتضحية. وقوافل الشهداء الذين يسقطون كل يوم، وصبر الرجال والنساء والشيوخ والأطفال على المحن ومقارعة آلات بطش الحكام الطواغيت أظهرت كريم معدن هذه الأمة العملاقة الذي عز مثله في الأمم.
3- انتهاء حالة الوهم والخوف والإحباط في الأمة، وانتقالها إلى حالة التحدي والبحث عن مكانها الصحيح بين الأمم، وخروجها على أمْرِ طواغيتها وخلعهم والخلاص منهم، عن حذيفة t قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» رواه الترمذي وقال حديث حسن، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا رَأَيْتَ أُمَّتِي تَهَابُ الظَّالِمَ أَنْ تَقُولَ لَهُ: أَنْتَ ظَالِمٌ، فَقَدْ تُوُدِّعَ مِنْهُم» رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.
فها هي الحناجر المؤمنة تصدح بأصواتها تشق عنان السماء (الشعب يريد إسقاط النظام)، (أرحل) وغيرها من الشعارات التي قُطعت بعض الحناجر بسببها كما فعل نظام بشار المجرم في سوريا الثائرة البطلة.
4- لقد ظهر أن الأمة مؤمنة بدينها ومتمسكة به في كل مكان، ابتداء من تونس مرورًا بكل من مصر وليبيا واليمن وصولًا إلى سوريا. فالنداء بــــ (الله أكبر) يصدح في كل مكان، وكلمة الشهادة ينطق بها كل شهيد قبل موته. ونودي بالخلافة في أكثر من مكان، صدحت فيها الأصوات الثائرة في الأردن وسوريا ولبنان واليمن، وهتف مئات الآلاف بـــــ (الله أكبر) عندما خاطب الشيخ الزنداني جماهير ساحة التغيير: أبشركم بأن الخلافة ستعود، وأنه أظلنا زمانها وحان أوانها. وفي حمص رفعوا في إحدى المظاهرات شعار “نعلن سوريا خلافة إسلامية” وصاحوا بها فكانت بداية طيبة عسى أن تؤذن نهايتها بإقامتها حقيقة هناك في عقر دار الإسلام بلاد الشام. وبهذه الحقيقة ذكر بشار في خطابه الثالث: “البعض يريد أن يعيدنا إلى الخلف إلى عصور الجهل والتخلف ونحن في القرن الواحد والعشرين عصر التقدم والرقي” على حد زعمه.
5 – إن نساء الأمة الإسلامية لسن متخلفات جاهلات كما كان يحاول الغرب وعملاؤه إعطاء هذه الصورة عن حرائرنا، بل هن طاهرات مستورات يشاركن بكل جرأة في حمل قضية أمتهن، ويضحين كالرجال تمامًا، والصور شاهدة في اليمن ومصر وليبيا والشام وغيرها، وتكررت مواقف الخنساء هذه الأيام مع امرأة في سوريا فقدت الزوج والأبناء فاحتسبتهم عند الله أن يتقبلهم شهداء بصبر وثبات منقطع النظير.
6 – إن ما يسمى بقوى وأحزاب المعارضة, ما هي إلّا الوجه الآخر للنظام في كل البلدان التي تزعم أن فيها معارضة، ويستعمل النظام بعضهم كما يريد، أو تستعمل أمريكا وأوروبا بعضهم الآخر لمساعدتها في الالتفاف على إنجازات الثورات التي سميت بــ (ربيع العرب). وهذا متكرر في كل الأقطار تقريبًا، ابتداء من تونس إلى مصر واليمن حيث أحزاب اللقاء المشترك لا همّ لهم إلا الوصول إلى الحكم رغم انتقاد شباب الثورة لهم. ومعارضة سوريا المصطنعة يستعملها النظام في الداخل وأمريكا وأوروبا في الخارج ليصنعوا للنظام المتهرئ طوق نجاة يخرجه من محنته ويبرروا جرائمه وفظاعاته التي يرتكبها ضد أهل سوريا الأباة أو من أجل أن يسقط في يد الطرف الآخر…
7- إن محاولة الغرب وعلى رأسه أمريكا الترويج لما يسمى بالدولة المدنية الديمقراطية وإبعاد المسلمين عن العودة إلى جذورهم الصحيحة بالتمسك بمفاهيم دينهم وأحكامه إنما هو تضليل لا يتوافق مع طبيعة الأمة، وسينكشف إن شاء الله تعالى لمصلحة الدولة الإسلامية وتحديدًا دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
8 – إن ثورة الناس على طغيان الحكام النواطير الذين نصبهم الاستعمار الغربي ورعايته لهم عقودًا طويلة هو فشل للغرب وعلى رأسه أمريكا وإيذان ببدء نهاية مرحلة الحكم الجبري ونهاية نفوذ الغرب في بلادنا، وإيذان ببداية مرحلة جديدة ستكون إن شاء الله مرحلة الخلافة الراشدة الثانية، حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث أورده الإمام أحمد: «ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
9 – الثورات لا تنجح من غير مساندة وحماية الجيوش الممثلة في القوات المسلحة، وقد حصل هذا في تونس ومصر حيث احتضن الجيش الثوار ولم يبطش بهم على عكس قوى الأمن الفاسدة؛ فكان أن سقط رأسا النظامين، أما في ليبيا فقد اختص القذافي القوى المسلّحة الحقيقية بأحد أبنائه، بينما الجيش كان اسمًا من غير مسمى يذكر؛ لذلك أخذت عملية التغيير طابع الدموية من قبل القذافي لامتلاكه القوة العسكرية. وكذلك ما حصل باليمن، أما سوريا فإن الجيش في قبضة الحكم رغم محاولات بعض أفراده التمرد، ولكن المستقبل يبشر بتغيير كبير في جيش سوريا وبدور فعلي له في عملية التغيير لمصلحة الإسلام بإذن الله
10- لقد فشلت أمريكا وأوروبا حتى الآن في تضليل الثوار في تونس ومصر خاصة وجعلهم يرضون ويكتفون بسقوط رأسي النظام، وعجزت عن تحقيق مطالب الناس بالحرية والحياة الكريمة التي نادى بها الناس الثائرون.
فلقد عاد الناس للثورة مرة أخرى في قصبة تونس وشوارعها وميادين التحرير والتغيير في مصر، فكانت جمعة بعد جمعة يحتشد فيها مئات الآلاف بل الملايين يجددون ثورتهم مطالبين بتصحيح المسار وتحقيق الآمال. وتخبط الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وعدم تمكنه من تغيير وزاري لإرضاء الشباب الثائرين يشير بكل وضوح إلى هذا، وصوت الخلافة أصبح ظاهرًا للعيان الآن في مصر الكنانة بحمد الله من خلال الدعوة إلى مليونية تطبيق الشريعة الإسلامية، والأمر في مصر يتطلب حاليًا موقفًا واضحًا صادقًا من بعض الضباط في الجيش المصري الباسل ليحسموا فيه هذه القضية ويعيدوا الأمة إلى سابق مجدها وعزها ويخرسوا أبواق وأصوات الظلاميين الداعين إلى إبقاء نفوذ العلمانية والدولة المدنية الممثلة لأفكار الكفر الذي ترفضه الأمة وتريد الانعتاق من ربقته وفساده. فالأمة كما تريد من أبنائها تطبيق الإسلام، كذلك تريده من ضباطها.
وفي ظل هذه النتائج والحقائق المشاهدة على أرض الميدان لا بد من الإشارة إلى أمور مهمة لابد منها لاستكمال عملية التغيير والحصول على النتائج المرجوة التي تنشدها جماهير الأمة الغاضبة الثائرة الباحثة عن العزة والحرية الحقيقية المتمثلة برفض الاستعباد إلّا لله وحده:
1 -هذا الجسم الكبير المتمثل في الأمة بمجموعها المطالب بالتغيير يأخذ عليه البعض أنه يتحرك من غير قائد مدبر واحد له، لهذا لا بد من البحث عن قائد يشترط فيه أن يكون رأسًا تقيًا نقيًا واعيًا مدركًا لمطالب الأمة عارفًا لكيفية قيادتها وتنفيذ أهدافها بإخلاص ومعرفة… ولا بد من البحث عن قائد يختلف عمن جربتهم الأمة سابقًا ممن كانوا ينادون بالديمقراطية والعلمانية والدولة المدنية، لا يهادنها ولا يسايرها ولا يجاملها على حساب مصالح الأمة لأن في ذلك الفشل والضياع. إن هذا القائد موجود بين أوساط الأمة، ويتصل بها ليل نهار، وليس غريبًا عنها، يحمل همها دائمًا ويعتبر نفسه خادمًا لها حريصًا عليها وعلى دينها إنه حزب التحرير الذي طالما طالب الأمة أن تسقط هؤلاء الطواغيت وتخلع ربقتهم من عنقها، وتحكم شرع الله في حياتها لتفوز بعز الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
2- إنه لا يكفي أن نسقط الصنم ليوضع لنا صنم آخر باسم جديد، لا بل لا يكفي أن نسقط كل الأصنام المتمثلة في أفراد بل يجب أن نخلع نظام الأصنام من جذوره حتى ينتهي عهد الطاغوت ويحل محله عهد الخير والإيمان. فقد ورد في صفة الصفوة عن عكرمة أن عمرو ابن الجموح بن زيد بن حرام السلمي كان له صنم في بيته اسمه مناف، فلما قدم مصعب بن عمير المدينة يعلم الناس القرآن بعث إليهم عمرو: ما هذا الذي جئتمونا به، فقالوا: إن شئت جئناك فأسمعناك، فواعدهم يومًا فقرأ عليه ]الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[، فقال: إن لنا مؤامرة في قومنا، وكان سيد بني سلمة، قال: فخرجوا فدخل على مناف، فقال: يا مناف تعلم والله ما يريد القوم غيرك فهل عندك من نكير، فقلده السيف وخرج لحاجته، فقام أهله فأخذوا السيف، فلما رجع دخل عليه فلم ير السيف، فقال أين السيف؟ ويحك والله إن العنزة لتمنع إستها، والله ما أرى في أبي جعار غدًا من خير، ثم قال: إني ذاهب إلى مالي بعلياء المدينة، فاستوصوا بمناف خيرًا، فإني أكره أن أرى له يوم سوء، فذهب فأخذوه فربطوه وكسروه وربطوه إلى جانب كلب ميت وألقوه في بئر، فلما جاء قال: كيف أنتم؟ قالوا: بخير يا سيدنا، وسع الله عز وجل في منازلنا وطهر بيوتنا من الرجس قال: والله لأراكم قد أسأتم خلافتي في مناف، قالوا هو ذاك وانظر إليه في جنب البئر، فأشرف فإذا هم ربطوه إلى جنب كلب، فبعث إلى قومه فجاؤوا فقال: ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا: بلى أنت سيدنا قال: فإني أشهدكم أني آمنت بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
عندما سقط صنم عمرو وأدرك أن هذا الصنم باطل وما يمثله باطل تخلى عنه وعن كل ما كان يمثله هذا الصنم ودخل في الإسلام الذي أيقن صحته وأهليته لأن يكون دينًا له بقية أيامه… إنه لم يذهب إلى صنم آخر، ولم يترك منافًا إلى اللّات أو العزى، فالأصنام واحدة ونظامها واحد باطل.
وكذلك أنتم أيها المسلمون لا يكفي أن تسقطوا الأصنام الرموز، بل يجب أن تتركوا أصنام النظم والأفكار التي كانوا بها يحكمون ويظلمون وأن تتجهوا إلى الإسلام الحنيف بكل ما يعنيه، ولا يكفي أن نصلي في ميدان التحرير بالملايين، وأن نحج مكة بالملايين، بل يجب أن نحمل الإسلام بكل أفكاره ومعانيه كما فعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وحزب التحرير إلى هذا أخًا ناصحًا أمينًا بل خادمًا لأمته حانيًا عليها ومخلصًا لها.
3- قطار التغيير الذي انطلق من تونس ويطوف بلاد العرب كلها الآن لا يمكن إعادته إلى الوراء أو إيقاف دورانه، لأن في ذلك أسوأ النتائج فتكون كالمنبت الذي لا ظهرًا أبقى ولا أرضًا قطع. والسماح لقوى ما يسمى بالعلمانية الديمقراطية وأسيادهم السيطرة على الأمور يعني إضاعة كل شيء وهدر الطاقات والدماء التي بذلت للخروج من حالة الظلم التي كانت جاثمة على صدور الأمة إلى حالة أسوأ بلون آخر، فالديمقراطية فاشلة في عقر دارها علاوة على أنها نظام كفر لا يجوز للمسلمين الاحتكام إليها. أما انتخاب الحاكم بالأكثرية والرضا فهي من مبدأ الإسلام الذي هو دينكم الكامل ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[ وكذلك الأحكام الشرعية المتعلقة بالشورى وانتخاب الحاكم ومحاسبته ليست ديمقراطية ولا علاقة لها بالديمقراطية، فالديمقراطية نظام وضعي من البشر، والشرع من رب البشر، لذا يحرم أخذ أي شيء منها أو تطبيقه أو الدعوة إليه. قال تعالى: ]وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ[ وقال تعالى: ]أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ وقال: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ[ إذًا فلم يبق لكم إن أردتم عز الدنيا وثواب الآخرة إلّا العمل مع العاملين على أساس الإسلام النقي لإقامة دولة الخلافة ليطبق دين الله وتعلو كلمة الله فيكون الخير كله إن شاء الله، ونخرج جميعًا من مرحلة ظلم وظلام الحكم الجبري إلى نور وعدل الخلافة الراشدة الثانية، إن شاء الله.
4- لا تحسم الأمور ويبلغ الثائرون أهدافهم إلا إذا توفرت القوة الكافية لإيصالهم إلى الحكم، وتكمن هذه القوة اليوم في الجيوش المسلحة، وأقول لجيوش المسلمين في البلاد العربية وخاصة جيش مصر الباسل وجيش سوريا البطل، أنتما جناحا النسر الإسلامي الذي طالما أذاق الغزاة والطامعين بأمة الإسلام مر الهزائم، وأذكركم أيها الأبطال بما فعله أسلافكم في حطين وعين جالوت وما فعلتموه أنتم في حرب رمضان (تشرين 1973م) حيث أذقتم يهود طعم الهزيمة لولا خيانة حكامكم آنذاك: السادات وحافظ الأسد، وها هي أمتكم ثارت على الظلم فمتى تثورون ثورة حقيقية وقد جاءتكم الفرصة فتنصرون حزب التحرير بإعلان دولة الخلافة، فتدخلون التاريخ من أوسع أبوابه، وترضون ربكم الكبير، وتكتب سيرتكم بصحائف من نور، وتكونون الأنصار الجدد الذين يعلي الله شأنهم كما أعلى شأن أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد اهتز عرش الرحمن لموت سيد الأنصار سعد بن معاذ رضي الله عنه. ]وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[
أيها الضباط والجنود الشرفاء، هذه فرصتكم فكيف تصمتون وأنتم درع أمتكم وقوتها؟ وقد خرجت ثائرة على الظلم حتى النساء والأطفال؟ فمن يثأر للحرائر اللاتي دنس الطغاة كرامتهن؟ ومن يثأر للأطفال الذين مزق جلاوزة الظالمين أجسادهم، ومن يعيد المشردين في أوطانهم إلى ديارهم؟ انصروا المستضعفين في الأرض من أهلكم… انصروا من يدعونكم إلى عز الدنيا وفردوس الآخرة.
وأخيرًا أود أن أذكّر ببعض الأحاديث التي خص بها الرسول عليه الصلاة والسلام بعض بلاد المسلمين الثائر أهلها اليوم على ظلم الظالمين. قال تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[
– عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا: جَنْدًا بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْعِرَاقِ وَالْيَمَنِ، قَالُوا: “فَخِرْ لَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ”، قَالَ: “عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ” قَالُوا: “إِنَّا أَصْحَابُ مَاشِيَةٍ وَلا نُطِيقُ الشَّامَ، قَالَ: “فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ» رواه البزار والطبراني وقال: «فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِه»
– وعن العرباض بن سارية، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام يومًا في الناس فقال: «أَيُّهَا النَّاسُ، تُوشِكُونَ أَنْ تَكُونُوا أَجْنَادًا مُجَنَّدَةً، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ»، فَقَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ الزَّمَانُ فَاخْتَرْ لِي، قَالَ: «إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ; فَإِنَّهُ خِيرَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَصَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا صَفْوَتِهِ مِنْ خَلْقِهِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيُسْقَ مِنْ غَدْرِهِ; فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ». (رواه الطبراني ورجاله ثقات)
– وعن خريم بن فاتك الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه سمع رسول الله يقول: «إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ وَلا يَمُوتُوا إِلا غَمًّا وَهَمًّا» رواه الطبراني وأحمد.
– وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أَمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ دِمَشْقَ وَمَا حَوْلَهُ، وَعَلَى أَبْوَابِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ، لا يَضُرُّهُمْ خِذْلانُ مَنْ خَذَلَهُمْ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ» رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
– عن سعيد بن المسيب قال: «يَكُونُ بِالشَّامِ فِتْنَةٌ، أَوَّلَهَا كَلَعِبُ الصِّبْيَانِ كُلَّمَا سَكَنَتْ مِنْ جَانِبٍ طَمَتْ مِنْ جَانِبٍ آحَر، حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ أَلَا إِنَّ الْأَمِيرَ فُلَانٌ» ثم قال فذلكم الأمير ثلاث مرات.
وأحداث سوريا بدأت من درعا من خلال صبيانها حيث اعتقلهم النظام وعذبهم أشد العذاب مما أثار أهل درعا وتداعت لها سوريا كلها فيما بعد، ولم ولن يستطيع النظام المجرم أن يقهر سوريا وأهلها لأن الشام تكفل الله بها وبأهلها ومن هو في كفالة الله منتصر وقاهر لعدوه إن شاء الله تعالى.
– وعن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى عند وفاته فقال: «اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً، وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ» رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح
– وعن كعب بن مالك قال: سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: «إِذَا فُتِحَتْ مِصْرُ، فَاسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِ خَيْرًا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا» يَعْنِي أَنَّ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ كَانَتْ مِنْهُمْ رواه الطبراني.
– وعن أبي هانئ حميد بن هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي وعمرو بن حريث وغيرهما يقولان: إن رسول الله عليه السلام قال: «إِنَّكُمْ سَتَقْدُمُونَ عَلَى قَوْمٍ، جُعْدٌ رُءُوسُهُمْ، فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ قُوَّةٌ لَكُمْ، وَبَلاغٌ إِلَى عَدُوِّكُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ» يعني قبط مصر رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح.
فهذه مصر اليوم يرتفع فيها صوت المناداة بالعودة إلى دولة الخلافة نسمعه من أهلها ومن بعض فضائياتها الإعلامية، وهي بلد الرجال وكنانة المسلمين، وإنّا لنرجو الله أن يكرم أمة الإسلام قريبًا بإعادة دولة الخلافة، وأن تكون ثمرة هذه الثورات المباركة، فتشرق الأرض بنور ربها من جديد ويعود إليها العدل والخير والنصر، قال تعالى: ]وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ وقال تعالى: ]وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ[.
2011-08-12