على ضوء الثورات الحالية: “التغيير المنشود”
2011/08/12م
المقالات
1,774 زيارة
على ضوء الثورات الحالية: “التغيير المنشود“
أبو أحمد العامري – صنعاء – اليمن
هل حققت الثورات التغيير الحقيقي؟ وهل التغيير المنشود من هذه الثورات هو هذا؟ وهل وصل الناس إلى مبتغاهم من هذه الثورات مثلاً في مصر وتونس؟ وهل هذه الثورات، وهو السؤال الأهم، مرضية لربنا؟ وهل هي الطريق الصحيح للتغيير؟ أو هناك طريق آخر؟ وما هو؟ وهل أحدثت الثورات بالفعل ثورة صناعية واقتصادية وتعليمية وتكنولوجية وسياسية بحيث تنتج في نهاية المطاف الدولة الأولى في العالم أو حتى دولة متقدمة لها وزنها في الميزان الدولي؟ هذه الأسئلة في غاية الأهمية وتحتاج إلى إجابة لكي نعرف التغيير الحقيقي ونباشر العمل به ونتقدم بالفعل فلا تكون أعمالنا وتحركاتنا كحركة الدجاجة المذبوحة التي تقربها من أجلها.
1- الثورة:
إن الثورة كلمة آتية من ثار يثور ثائر، والثورة تعني الاندفاع وردة الفعل والرد السريع غير العقلاني وغير المدروس وغير المسؤول والمشاعري العاطفي اللافكري، أي محاولة تغيير واقع وصلت القناعة عند أصحابه بضرورة التغيير بالرغم من عدم معرفة حجم الفساد الذي أصاب هذا الواقع، وما الطريقة الفعالة لتغيير هذا الواقع؛ لذلك كان هناك بون شاسع بين الثورة والتغيير الجذري وهذا ما سيتناوله المبحث الثاني (التغيير الجذري) في هذا الموضوع فها هي الثورات في البلاد الإسلامية انطلقت بدءًا من تونس فمصر فليبيا فاليمن فالبحرين فسوريا، وقد حققت هذه الثورات تغييرًا طفيفًا حسب حجم أو رؤية واقع الفساد الذي أصاب هذه البلاد، فقد كانت ترى هذه البلاد أن الفساد يكمن فقط في رأس النظام من الرئيس والوزراء أي أنه قصر العيب على الأشخاص دونما المساس بالدستور سوى بعض الفقرات من مثل: لا للتوريث، لا للتجديد، فتغيرت في فقرات فيه وكأن الدنيا انقلبت رأسًا على عقب، وهو إن دل فإنما يدل على مدى الاحتقان الذي أصاب الأمة من حكامها حتى ظنوا أنه إذا ما تغير الحكام انتهى الفساد دونما إدراك أن النظام ليس شخص الحكام فقط بل هو وغيره. وللأسف لم يحدث سوى تغيير في القشور لا في القلوب، فالقلب ما زال ينبض بالنظام الرأسمالي في كل مناحي الحياة،صحيح أن رأس النظام في مصر مبارك وزبانيته ذهبوا إلى غير رجعة ولكن من المؤكد أنه سيعمل الأمريكان على الإتيان بغيره ليكمل مسيرة العمالة والخيانة، وهذا ما حدث بالفعل فقد أتي بالمجلس العسكري الذي كان في عهد مبارك (على غرار تونس مع اختلاف العمالة للإنجليز). فقد أسرعت أمريكا بأمر مبارك بالتنحي بعد أن وصل الأمر إلى شعور الأمريكان بالخطر وضياع مصر منهم في حالة بقائه فكان البديل جاهزًا وهو المجلس العسكري، الجيش الذي كان على أساس أنه على الحياد وأن المجرم هو قوات الأمن والشرطة مع أنهم كلهم منفذون لأمر مبارك، بخلاف ما حدث في اليمن وليبيا حيث لم يكن الجيش على الحياد بل هو الذي كان يقمع ويقتل فلم يتوفر البديل لاحتضان الثورة والالتفاف عليها فطال المشهد. وهنا يرد تساؤل: هل حدث تغيير حقيقي بالفعل مثل محاكمة رموز النظام؟ أو هل حدث تغيير بالنظام الاقتصادي بحيث يحدث انتعاش اقتصادي يدير عجلة البلاد الاقتصادية أحسن إدارة بحيث تكون هناك واردات وصادرات على أساس اقتصادي سليم يجنب البلاد الفقر والجوع وينعشها اقتصاديًا ويعين الناس على قضاء حاجاتهم الأساسية ومن ثم الثانوية؟ أو هل تحسنت رواتب الناس أو قويت العملة بحيث تكون لها قوة شرائية مرتفعة؟ أو هل نظمت الأموال بحيث تشمل الملكية العامة أو الملكية الخاصة أو ملكية الدولة؟ أو هل فرض نظام حكم متميز يراعي حقوق الناس أو قانون ينظم سلطة الحاكم وأمواله وصلاحياته ويفصل القضاء عن رئيس الدولة؟ وكذلك قانون يوضح مهام مجلس الأمة وليس مجلس النواب المحرم شرعًا؟ أو هناك قانون ينظم القضاء ويجعله يقوم على أساس الإسلام بعيدًا عن القوانين الوضعية، أو إعلام لا يقوم على الرذيلة والفاحشة بحجة الحرية والحضارة بل إعلام يقوم على الحياء والشرف ويوضح ثقافة الإسلام للعالم عبره؟ وهل حدث تغيير في نظام العقوبات فعلًا كما جاءت بها الشريعة الإسلامية لا كما هو في الغرب، وهل حدث تغير في النظام الاجتماعي بحيث تكون علاقة الرجل بالمرأة واضحة على أساس قانون صحيح يحمي الجميع ويصون كرامتهم ويحفظ المرأة ويجعلها بالفعل عرضًا يجب أن يصان لا سلعة يروج لها؟وهل نودي بتحرير فلسطين؟ وهل أصبح دستور الدولة إسلاميًا كوننا مسلمين وبالتالي لابد أن يكون دستورنا إسلاميًا لا علمانيًا مثل الغرب.
2- التغيير الجذري:
هناك فرق بين الثورة والتغيير الجذري وهذا ما أسلفنا ذكره، فقد ذكرنا ما يحدث في الثورة من أنها اندفاع دون فكر، أما التغيير الجذري فهو تغيير حقيقي لأنه تنضم تحت لوائه ثلاث نقاط هي:
1- معرفة الواقع ودراسته وقراءته قراءة صحيحة أي المرحلة التشخيصية لمعرفة حجم ونوع المرض.
2- معرفة نوع العلاج المناسب للمرض من خلال الإسلام (الفكرة والطريقة).
3- بدء تطبيق العلاج والتداوي بالدواء مع مراقبة الحالة وأثره عليها.
فالنقاط الثلاث مهمة لإحداث تغيير فعلي وحقيقي يؤدي في نهاية المطاف إلى انتشال المريض من حالته واسترداد عافيته. فمعرفة واقع المرض الذي تعاني منه الأمة هو واقع الحكم بغير ما أنزل الله، وواقع الغثائية كما جاء في الحديث، فالدستور غير إسلامي لأن أساسه ومصدره وأركانه وروحه قائم على أساس غير الإسلام، على أساس علماني لا إسلامي، فكل فقراته لا تستند إلى دليل شرعي يذكر فيه قال الله وقال رسول الله، بل يستند إلى فقرة تقول إن دين الدولة الإسلام، وعند الرجوع إلى فقراته لا ترى أي دليل شرعي من الكتاب أو السنة. أما التطبيق فحدث ولا حرج فإنما هو تطبيق لدستور غير إسلامي (علماني) وضعه الغرب (فرنسا وبريطانيا) لا يحكم فيه بالإسلام، سواء في الاقتصاد أم الحكم أم الاجتماع أم القضاء أم العقوبات أم التعليم أم غيرها من أنظمة الحياة. إذًا لا بد أن يكون التغيير ليس حسب الهوى أو العقل أو الواقع أو المصلحة، بل يجب أن يكون وفق طريقة صحيحة تعكس الكمال، وهذه تكون من الله فحسب وليست من بشر ناقص محتاج لغيره. فالإسلام شرع لنا في كل كبيرة وصغيرة حتى دخول الخلاء، فهل يعجز الخالق عز وجل أن يعلمنا كيفية تغيير الواقع؟ وكما أسلفنا الذكر إن واقعنا اليوم هو واقع شبيه بواقع الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان في مكة من وجود حكم بغير ما أنزل الله بحسب شريعة قريش وهو نفس واقعنا اليوم من الحكم بغير ما أنزل الله بحسب النظام الديمقراطي الرأسمالي، فوجه الشبه بيننا وبين قريش، أن كلانا نحكم بغير ما أنزل الله، فقريش تحكم بنظام طاغوت وكفر ونحن نحكم بنظام رأسمالي ديمقراطي (طاغوت وكفر). فالتغيير يكون بنفس طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم لتشابه الحالتين ولتشابه المرض. فالعلاج واحد. والصراع الفكري كان سابقًا حول عبادة الأوثان والغش في الميزان والربا ووأد البنات وقتل العبيد، وأسرهم أما الصراع اليوم فهي عبادة الديمقراطية والحريات والاحتكار والربا وشيوع الزنا والملكية والجمهورية والمدنية وغيرها من الأفكار والمفاهيم الرأسمالية الباطلة، وبالتالي كان لا بد من الخوض في ثلاث مراحل للتغيير وإعادة الحكم بما أنزل الله بإقامة الخلافة الإسلامية، وهي الطريقة التي سار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي:
١- مرحلة التثقيف: وهي مرحلة صرع الأفكار الباطلة، وذلك ببيان زيفها وإبراز أفكار الإسلام الصحيحة، وهذا يتمثل في كتلة وجماعة تسلك هذا المنهج وتدرس في الحلقات وتتعلم الإسلام لتدعو له، وتفضح المؤامرات وتكشف المخططات وتناقش الناس وتدعوهم لحمل الدعوة لتبرأ الذمة أمام الله عز وجل.
٢- مرحلة التفاعل: ويبرز هذا الدور من خلال إظهار هذا الفكر علنًا بعد أن يتفاعل مع أصحابه ومع الناس بحيث يصبح منتشرًا يتحدث به الناس ويتكون عندهم رأي عام منبثق عن وعي عام عن الإسلام وأفكاره. ويتم هنا الاتصال بأهل القوة والنفوذ ليحملوا هذا الفكر ويدعوا الناس وأهل القوة أمثالهم للانقياد له وإرضاء لله سبحانه وتعالى، وهذا يكون بعد أن تصل القناعة عندهم إلى التضحية والموت في سبيل الله. وهم كأمثال الجيوش ومراكز النفوذ في الدولة.
٣- مرحلة استلام الحكم: وهي مرحلة يتم فيها تسليم الحكم من قبل أهل القوة لمن هم أهل لحكم البلاد بما أنزل الله، ومن هم أهل للثقة، ومن هم ضحوا في سبيل الإسلام وساروا على الطريقة الصحيحة للتغيير الجذري لإيجاد دولة الإسلام.
هذه هي الطريقة الصحيحة للتغيير. أما الثورات والمظاهرات فهي من قبيل الوسائل والأساليب وليست طريقة، وقد فعل مثلها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قامت مسيرة جابت أنحاء مكة تعلن الصدع بالحق، وهناك فرق بين الطريقة والوسائل والأساليب. فالطريقة حكم شرعي يجب إتباعه ولا يتغير بتغير الزمان والمكان، بينما الوسائل والأساليب مختلفة وتتغير بتغير الزمان والمكان، ولذلك كان الأصل أن نتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى نرضي ربنا عز وجل ونجني الثمرة ونحقق الهدف ألا وهو التغيير الجذري والحقيقي.
3- ما حققته الثورات:
إن الناظر للثورات التي بدأت بالأمس في مصر وتونس واليوم في اليمن وسوريا وليبيا وما أنتجته سلبًا أو إيجابًا ليدرك إدراكًا حقيقيًا أن ما أنتج لم يكن محققًا لطموحات الأمة حتى البسيط منها ألا وهو تحقيق لقمة العيش كحد أدنى، وهذا يعود بالفعل إلى أن مريدي التغيير ألا وهم الأمة والشعوب لم تكن لها رؤية مستنيرة لطريقة التغيير، وكيف تبدأ، ومن يقوم بها، وما هي دلالات التغيير الحقيقي وماهيته. فها هو البديل عن الحكم السابق والذي يحكم الآن في مصر وتونس لم يحمل تغييرًا حقيقيًا؛ لأن التغيير هناك كان عملًا مسرحيًا أتقن ممثلوه فن التمثيل فخدع الكثيرين ليمتص الشعوب ويركب الثورة ويخترقها ابتغاء رضى الغرب والضحك على عقول البسطاء من الناس، وبالطبع كانت النتيجة أنه لم يحدث تغيير حقيقي ولن يحدث إلا بتناول حيثيات التغيير الحقيقي كما ذكرنا، فهل استمرار النظام كما هو تغيير؟ وما الذي تغير؟ وهل الذي تغير بالفعل يحدث تغييرًا في مسار البلاد؟ فهل تغيير الحاكم وبعض الوزراء والمحافظين وتعديله مادة أو ثماني مواد من الدستور مثلًا تغييرًا حقيقيًا، بحيث تبدو القضية وكأنها قضية شخصية وتحل المشكلة، إذا كان الأمر كذلك فما هو الضمان لإحلال شخص آخر يحل محل الأول والذي قد يكون أسوأ منه؟ إن الضمان الحقيقي بتغيير حقيقي يشمل النظام كاملًا بكل مكوناته، وهو ما سيتناوله المبحث الرابع، وحتى المطالب التي يطالب بها المغيرون وهو الشعب هي بسيطة لا ترقى لأن يحدث بها تغيير حقيقي وتؤدي إلى إسعاد البشر في الدنيا والآخرة فبم يطالبون؟ فعندما كنا نناقش الناس في بدء الثورة كانوا يقولون فليرحل النظام أولًا، وكنا نقول: لا بد من إيجاد بديل، ولا بد من إلغاء الدستور وإيجاد دستور إسلامي؛ لأن الدستور هو من مكونات النظام، فالدستور الإسلامي ينظم الحياة كاملة وينظم العلاقة بين الدولة والناس، والناس مع بعضهم، ويوزع المال توزيعًا صحيح ويورده إيرادًا صحيحًا. فأين نحن من هذا كله؟ هذا ما تكلمنا به وحذرنا منه مرارًا وتكرارًا من أن هذا لا يفيد، وعندما واجه شباب مصر الواقع وما حدث من تغيير طفيف جدًا لا يكاد يذكر بدأت الناس تعود إلى صوابها، وصارت تنادي بإجراء تغيير حقيقي فعلي، فما بثته القناة الأولى المصرية من مطالب للمتظاهرين والذين خرجوا في يوم الجمعة في 8/7/2011م في مظاهرة تحت عنوان “الثورة أولًا” حيث طالبوا بأنه لم يحدث شيء فالمجلس العسكري هو نفسه نظام مبارك، فهم موظفون عند مبارك ولم يتغيروا، وطالبوا بإقالة المشير الطنطاوي، وما بثته قناة الجزيرة كذلك في نفس اليوم من مطالب للمتظاهرين فقد طالبوا: بمحاكمة مبارك ورموزه، واستقلال القضاء وتطهيره، وإعلان الحد الأدنى للأجور، والإصلاح الأمني، وإدارة عملية الانتقال بشكل صحيح وتصحيح المسار، ومحاكمة المدنيين بمحاكم مدنية لا عسكرية، ومحاكمة الضباط محاكمة عادلة، وتوظيف وإعادة العمل للعمال، وإعادة الأموال المنهوبة للبلاد، وإقالة النائب العام والقضاة والمحافظين، واستقلال الأزهر، وإطعام الفقراء، وخاصة أن هناك أسئلة مطروحة عن الموازنة العامة، وما مستجدات صندوق النقد الدولي، وعندما كنا نسأل أين التغيير الذي حدث خرج علينا المطبلون والمزمرون ليقولوا: هذا أول الغيث، وأول الغيث يأتي بقطرة، والتغيير وخاصة الدستور يحتاج إلى وقت. أي وقت هذا، فهل يحتاج إيجاد دستور إسلامي إلى وقت طويل؟ فهل يعد تأليفًا أم هو جاهز من خالق البشر وما على البشر إِلا تنفيذه؟ كنا نناقش أصحاب هذه الرؤى ونقول لهم: حسنًا يحتاج الدستور لوقت، إذًا فأين التغيرات السريعة من محاكمات صحيحة وليست مجاملة؟ وأين الشفافية في عرض ما يحدث ليطمئن الشعب ويتابع عن كثب ما يجري بحيث يطلع المجلس العسكري الشعب على ما يجري من تغيرات حتى يشعر بصدق المغيِّر وأن هناك بالفعل تغييرًا حقيقيًا؟
وها هو يطل علينا عصام شرف رئيس الوزراء المكلف ليرفض طلب المتظاهرين من إقالة القضاة، وكذلك إقالة النائب العام، ويقيل الضباط الذين تورطوا بالهجوم على المتظاهرين، أين المحاكمة ياسيد شرف فكن اسمًا على مسمى ولا تخدع الناس بخدع لا تنطلي حتى على الأطفال.
لقد حاول الغرب وصنيعته في البلاد التي حدثت فيها ثورات أن يضحك على الأمة، وكما يقال في المثل الشعبي (حبال الكذب قصيرة) أو (الكذب ماله رجلين) بكل تأكيد لا تنطلي مثل هذه الأكاذيب على الأمة، والأمة سئمت الكذب وتحتاج بالفعل إلى تغيير حقيقي وهي تواقة له، فما الواجب تحقيقه حتى نقول بالفعل إن هناك تغييرًا حقيقيًا؟
4- ما الواجب تحقيقه؟:
إن المتمعن بمطالب المتظاهرين فيما سبق عرضه ليجد أنها مطالب لا تشير إلى المشكلة الحقيقية عند الأمة بل هي أعراض للمرض الأكبر، وهو عدم وجود مبدأ تستند إليه هذه الأمة وتحكّمه في حياتها، إن المبدأ الذي نتحدث عنه هو مبدأ الإسلام الذي لا نحكم به، فمنذ هدم الخلافة الإسلامية ونحن نحكم بمبدأ رأسمالي يقوم على عقيدة (فصل الدين عن الحياة)، مبدأ ليس منسجمًا مع قناعاتنا، إن قناعاتنا قائمة على أساس عقيدة (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهُ) وهي الفكرة الأساسية والتي يقوم عليها نظام يشمل جميع جوانب الحياة في الحكم والاقتصاد والاجتماع والعقوبات والقضاء والتعليم والصحة والإسكان والطاقة والمياه والتموين والصناعة والزراعة وغيرها، فالإسلام ليس دينًا كهنوتيًا بل هو دين له دولة تسمى الخلافة تطبق قانون الإسلام من خلال دستورها المنبثق من عقيدتها، والذي يحافظ فيه على الحقوق والواجبات للمسلمين وغير المسلمين من أهل الذمة ويعطيهم حقوقهم من غير نقص ولا بخس، وتورد فيها الثروات وتوزع توزيعًا عادلًا للجميع، دولة فيها استقلالية القضاء ويحاكم فيها الحاكم (الخليفة) وكل من هو حاكم أو له علاقة في الحكم بمحكمة خاصة تسمى محكمة المظالم، فهي دولة ليست رأسمالية تقوم على وضع الدين جانبًا وجعله مسجونًا في دار للعبادة يزوره من يشاء ويهجره من يشاء، وليست دولة تقوم على الحريات، فتمارس فيها الحرية الشخصية التي تسمح بممارسة الزنا، وتمارس فيها حرية العقيدة حيث يحق للمواطن في هذه الدولة أن يكفر وأن يغير دينه كما يشاء، وتمارس فيها حرية التملك فيتملك ما يشاء حتى لو كانت من الملكية العامة أو من ملكية الدولة، وتمارس فيها حرية الرأي فيعبر عن رأيه صراحة أو كتابة حتى لو كان مخالفًا للإسلام فيتبجح على الدين ويشتمه ويتلفظ بألفاظ بذيئة بحجة حرية الرأي، وهذا ما حدث أخيرًا من المخرجة الملحدة التونسية نادية والتي يصفها الغرب بالمبدعة حيث أخرجت فيلم (لا ربي لا شيء) أخزاها الله، وقد قام شباب حزب التحرير في تونس حماهم الله بالخروج بمظاهرة ضد دار السينما التي تعرض الفيلم فيما اعتبرته أوساط غربية أنه محارب للديمقراطية وللتعبير عن حرية الرأي. ومن المؤسف والمبكي والمحزن ما صرحه مسؤول حزب النهضة هناك (والمحسوب أنه في حزب إسلامي) في مقابلة أجراها معه مذيع الـــ “بي بي سي” أنه سأله: ما رأيك فيمن قام بنزع العلم التونسي من على دار السينما ووضع بدله علم (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فأجاب: إنها فضيحة. ونسي ما استشهد عليه زيد بن الحارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة عندما فدوا أنفسهم برفع علم (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) مخافة من أن يسقط على الأرض. يا للعيب ويا للعار!!
إن الدولة الإسلامية ليست مثل الدول الاشتراكية التي عانت شعوبها من الاضطهاد والقتل والحرمان من الملكيات الخاصة والقوانين الوضعية الجائرة، وهي ليست دولة دينية تقوم على التسلط الديني والقهر والكبت والضحك على الشعوب واستغلال جهلهم وبساطتهم كما كان يحكم باسم الدين في أوروبا، بل هي دولة بشرية تحكم بالإسلام وتقيم للإنسان وزنًا فتحاورهم وتناقشهم وتقنعهم.
إن الواجب عمله في خضم هذه الثورات هو:
1- النقاش والاتصال وعمل ندوات والمشاركة في ندوات الآخرين وطرح الأفكار الإسلامية الصحيحة، وتوزيع المنشورات والبيانات التي توعي الناس بشكل عام وخاصة أصحاب الثورات بكل عناصرها وأفرادها وتجمعاتها وأحزابها وجمعياتها، ونشر فكرة إيجاد الخلافة الإسلامية والحكم بما أنزل الله. فعامة أهل هذه البلاد مسلمون، ومن البديهي أن لا يحكموا بدستور لا يمثل هويتهم، فهويتهم أنهم مسلمون وبالتالي يجب أن لا يحكموا إلا بدستور إسلامي، وبما أنهم مسلمون فهم مطالبون بالعمل لإيجاد فرض إقامة الخلافة لأنه فرض على كل مسلم، وهذا بالدليل من الكتاب والسنة. فالمطالبة بدولة إسلامية وليس بدولة مدنية قائمة على الديمقراطية والحريات مغالطة لحرف اتجاه الثورة بكلمة يصورونها جميلة وهي “المدنية” لينطلي خبث هذه الفكرة على البسطاء. إن المشكلة قائمة من محورين: الذي يحكمنا هل هو صالح يخاف الله وتقي؟ وبماذا يحكمنا، هل بدستور إسلامي؟ فهل عجز الإسلام بدولته الإسلامية عن تحقيق السعادة وتأمين احتياجاتهم وصون كرامتهم وأعراضهم حتى نأتي بمفهوم الدولة المدنية والذي يريد الغرب بها تأخير قيام الخلافة الإسلامية؟
2- شرح ماذا يقصد بالنظام وأركانه وعناصره ومكوناته، وكيف يكون التغيير الصحيح حتى تكون الجملة مفيدة “الشعب يريد إسقاط النظام” وحتى بالفعل يسقط النظام ولا يسقط فقط رموز النظام وأشخاصه دونما تغيير حقيقي.
3- الشرح للناس أننا مسلمون وأننا عبيد لله، فالقضية ليست قضية لقمة العيش واللهث وراءها بل هو أهم وأكبر من ذلك وهو تحكيم شرع الله، ومن شرع الله تأتي لقمة العيش ]وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ[.
4- الانتباه على كل فكرة أو مفهوم خاطئ وخطير والتحذير منه بل وضربه من خلال مجلة دورية أو نشرة تصدر كل أسبوع ويوزع منها الآلاف، حتى يضيع المشروع الغربي ونفوت الفرصة عليه وبالتالي نضرب أفكاره مثل فكرة الدولة المدنية التي دخل بها الغرب في ساحات التغيير، فالواجب ضربها وبيان زيفها.
5- إفهام الناس أن التغيير الحقيقي يكمن بالتأسي بطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم مثلما عمل في مكة والمدينة فقد قام باثنتين:
1- رأي عام منبثق عن وعي عام عن الإسلام. 2- طلب النصرة من أهل القوة (الجيش) بعد إقناعه.
فحقيقة إيجاد زلزال يغير الواقع ويهز العالم لن يجدي ولن يكون إلا بوجود قوى مادية بالفعل يستطيع أصحاب التغيير الحقيقي أن يمسكوا بواسطتها مقاليد الحكم ليحكموا بالإسلام؛ ولذلك كان من الواجب تحقيقه في ظل هذه الثورات هو:
1- محاكمة رموز النظام بدءًا بالحاكم بمحكمة شرعية لا غير، فينال حكم الله العادل الذي قال رسول «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» (متفق عليه)، وهذا أول أمر يقام به لو كان هناك تغيير حقيقي وليس محاكمة صورية.
2- إلغاء الدستور كاملًا وفرض دستور إسلامي صحيح يقوم على عقيدة الإسلام بحيث تكون كل فقرة من فقراته مرجعها من الكتاب والسنة، وبحيث تعطي تصورًا للأنظمة التي تسيّر شؤون البلاد، سواء أكان في الحكم أم الاقتصاد أم العقوبات أم الاجتماع أم التعليم أم القضاء أم الصحة أم الإسكان أم الصناعة أم الزراعة…
3- وضع وفرض نظام اقتصادي إسلامي فعلًا، ولا يكون رأسماليًا تابعًا للغرب ولصندوق النقد والبنك الدوليين، بحيث يعالج المشكلة الاقتصادية حسب وجهة نظر الإسلام، وبحيث تتضح فيه موارد وصادرات الدولة والملكيات العامة والخاصة وملكية الدولة، ويوضح كذلك دواوين بيت المال، وتوضع موازنة عامة للدولة وفق منهج الإسلام، وأن يعالج موضوع الصناعة كذلك وفق أحكام الإسلام بحيث تكون هناك ثورة صناعية حقيقية تقوم على الصناعات الثقيلة لتصبح الدولة الأولى في العالم.
4- إفهام الناس الدستور الإسلامي وأدلته لتكون هناك قناعة قوية به.
5- فرض نظام الحكم كاملًا، وإنشاء قضاء تفصل فيه المحاكم على الطريقة الإسلامية من كونها: محكمة الحسبة، محكمة القضاء، محكمة المظالم.
6- إعادة هيكلة الجيش والشرطة والأمن العام بشكل عام بحيث ينفذ كل منهم الدور المنوط به من الحفاظ على البلاد والشعب، فلا يقتل ولا يبطش ولا يتجسس ولا يسمع كلامًا في معصية الله إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل يعين ويحمي ويحب الأمة ويكون فداءً
لها وحارسًا أمينًا لا يبتغي إلا وجه الله، ومجاهدًا في سبيل الله يعمل على نشر الإسلام وإدخاله كل حضر ومدر.
7- تأمين الحاجات الأساسية لكل تابع للدولة الإسلامية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس ثم تأمين الحاجات الكمالية إن وجدت وتوفرت.
“نعم إن مشروع الخلافة الراشدة الثانية “هو مشروع هو القرن، فهل من مجيب؟
2011-08-12