كلمة الوعي: مولد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مولد أمّة ومولد دولة
2001/06/01م
المقالات, كلمات الأعداد
1,721 زيارة
لقد كثرت عند المسلمين الأوائل الأعمال والمواقف المشرفة، وقلّ عندهم الوقوف على الذكرى؛ إذ كانوا هم الذين يسطّرون الذكرى والمواقف والأعمال. بينما اختلف الأمر عندنا اليوم، فكثر الوقوف على الذكرى وقل العمل… ولو كنا في وضع من قيام الدين لكنّا في مقام تسجيل أقوى المواقف وأروع الأعمال. ونحن المسلمين اليوم علينا أن ننظر إلى الذكرى من الزاوية التي تحفز المسلمين على صنع تاريخهم وتاريخ العالم أجمع. وإننا اليوم أمام ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلينا استجلاء ما تعنيه، والقيام بما تستوجبه.
إن أول ما يجب أن يلفت النظر إليه في هذه الذكرى أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كبشر لم يكن إلا ابن أمة تأكل القديد، وما كان أبا أحد من رجال المسلمين، ولم يملك خزائن الله، ولم يكن يعلم الغيب، ولم يكن ملكاً،… إنه كبشر مثل غيره ولكنه يمتاز عنهم بأنه يوحى إليه قال تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي)
وعلى من أراد أن يتأسى بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويقتدي به أن يعيش معه بتعاليمه ومواقفه فهو في مقام الأسوة والقدوة للمسلمين جميعاً. إنه الشخص الأول في الإسلام، والأوحد في الاتباع، اصطفاه الله سبحانه وتعالى، وهو أعلم حيث يجعل رسالته، لحمل أمانة الإسلام وتبليغها، وتطبيقها ونشرها، فكان أميناً قوياً، وكان أخشى المسلمين لله وأتقاهم، وقدّم أفضل صورة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان كإنسان حتى إنه عُدّ في نظر غير المسلمين «أعظم قائد عرفه التاريخ بمفهوم القيادة الشامل والخُلُقي». إنه رسول، والمهم في الأمر رسالته، وهو كبشر إن مات فإن الإسلام الذي جاء به باقٍ لا يموت، وعلى كل مسلم أن يحيا به مستلهماً من أقوال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأفعاله طريق النبوة الذي يجب أن يسلك اليوم. إن البشرية تحتاج إلى الشخصية الفذة والنموذج والمثال، الذي يقدم الحق بشكل عملي ويعطي أفضل صورة لما يمكن أن يكون عليه الإنسان كإنسان.
إن الوقوف عند ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو لتذكر النعمة التي أنعم الله بها على المسلمين في ذلك اليوم، لتذكر الرحمة المهداة، كما يقول عن نفسه صلى الله عليه وسلم. لقد أظهر الله سبحانه هذا الدين على يديه صلوات الله وسلامه عليه: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
دعا إلى الإسلام في مكة سراً وجهراً ولاقى وصحبه من قريش الأذى والعذاب الشديد والحصار في الشعب، والجوعَ. استشهد بعض أصحابه ووصل الأمر بكفار مكة أن يقرروا قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وكل ذلك لم يَثنه صلوات الله وسلامه عليه عن عزمه على تبليغ ما أوحى الله سبحانه له به، لم يَرْضَ بجاهٍ ولا سلطان ولا مال بديلاً عن الإسلام «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أو أهلِك دونه»، هكذا كان صلى الله عليه وسلم صادعاً بالحق سافراً متحدياً للكفر وأهله مسفِّهاً لعقائدهم وأصنامهم، لا يخشى في الله لومة لائم. واستمر صابراً محتسباً حتى أمره الله سبحانه أن يطلب نصرة القبائل من غير قريش، ولاقى في سبيل ذلك العَنَتَ والشدة حتى أكرمه الله باستجابة الأنصار، وكانت الدولة والجهاد، والعزة والمنعة، فظهر الإسلام في الجزيرة وصَغُرت الدول الكبرى آنذاك في عين الإسلام، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيشَ لغزو الروم، والرسلَ من قبلُ تصدع بالحق للدول الكافرة. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش الذي جهزه يتهيأ لغزو الروم.
ثم سار على نهجه الصحابة والتابعون بإحسان، فَعَلا دينُ الله في الأرض وارتفعت راية الإسلام، راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله» على معظم أصقاع العالم المعروف: فتحوا الأندلس وطرقوا أبواب فرنسا وأسوار فينّا، وعلت أبصارهم المحيطَ غرباً وتخومَ الصين شرقاً، وأزالوا دولة الفرس وفتحوا حاضرة بيزنطة ووقفوا قبالة روما يتشوقون لفتحها، يسيرون في فتوحهم والعدل يسير معهم، لا ظُلْمَ ولا طغيان ولا استعباد، بل هدىً ونور وأمن وأمان.
أولئك هم السلف الصالح، كانوا أقوياء بربهم أعزاء بدينهم، إذا قالوا قولة دبت في جنبات الدنيا، وإن نطقوا كلمة أدخلت الرعبَ في قلوب الكافرين، أفعالُهم تسبق أقوالهم، يرسل خليفتهم لملك الروم (ما تراه دون أن تسمعه) جواباً على رسالته، وهكذا يكون. فتتسابق جيوش المسلمين يقودها خليفتهم، مع المُرسَل بالجواب إلى ملك الروم، فيسمع الطاغية ضربات الجنود قبل أن يبصر كلمات الخليفة، فيعود إلى صوابه ويَذِلّ ويَخزى.
بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم للإسلام دولة، تطبق أحكامه، وتجاهد في سبيله، ويسير على خطاه من يحبون الله ورسوله، ومن يعتزون بمولده وبعثته صلى الله عليه وسلم، فتصبح دولتهم قوية الشكيمة مرهوبة الجانب، تكفي صرخة استغاثة (وامعتصماه) من امرأة مسلمة يظلمها عِلْجٌ من علوج الروم، حتى يَهُبَّ الخليفة قائداً جيشه مستجيباً وملبياً لتلك الصرخة، يدك ثغور الروم ويسأل عن مسقط رأس ذلك العلج فيذهب إليه يدكه ويهدم بنيانه ليعلم الكفار عزة الإسلام ومنعته.
ثم خَلَفَ من بعدهم خَلْفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يَلقوْن غَيّاً. لقد تآمر الكفار وعملاؤهم على دولة الإسلام، وبعد أن نجحوا في القضاء عليها نصبوا على رقاب المسلمين حكاماً رويبضات، لا همّ لهم إلا الحفاظ على عروشهم، ينظرون إلى جثث المسلمين في فلسطين فلا يتحركون، ويسمعون صيحات الثكالى والأرامل والأيتام فلا يأبهون، كأن الصمت على جرائم يهود من متطلبات حسن الجوار! وعلى الرغم من مواقف هؤلاء الحكام المخزية فإنهم يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم على طريقتهم: يقيمون احتفالات برعاية الرئيس أو وزيره، ثم تنشد الأناشيد وتلقى الكلمات، وقد يتكرم رئيس الدولة بإعلان إغلاق النوادي الليلية والخمارات تلك الليلة احتفاءً بالمناسبة العطرة، ثم ينفضّ السامر وينتهي كل ذكر للإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم، بل يحارَب الإسلام ويلاحَق حَمَلَة الإسلام، ويتخاذل الحكام أمام يهود ومجازرهم ضد المسلمين. وبعد هذا وذاك يزعمون أنهم يحبون الرسول صلى الله عليه وسلم ويحتفلون بذكراه، لا يرعوون ولا يستحيون من الله ولا من رسوله ولا المؤمنين، قاتلهم الله أنى يؤفكون.
لقد فهم المسلمون الأوائل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعثته: حُكْمٌ بما أنزل الله، وجهاد في سبيل الله، وفَتْحُ الفتوح ونَشْرُ الإسلام في العالم، وعزّة لله ولرسوله والمؤمنين… فأعزهم الله ونصرهم، وجعلهم قادة الدنيا ومنارة العالم. هذا هو اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، عملٌ كما عمل وسيرٌ كما سار: إنه إعادة الخلافة، وإزالة كيان يهود وفتح روما كما فتحت القسطنطينية… وإنا لفاعلون ذلك إن شاء الله، وماضون على الطريق بإذن الله، وإننا ندعو الأمة للسير معنا في هذا المسار لعز الدنيا ونعيم الآخرة: (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) q
2001-06-01