مواقف تاريخية: رسالة إلى العالم
1988/02/22م
المقالات
2,878 زيارة
الإسلام دين للناس كافة, ودعوته لجميع الشعوب والأمم. وهذا ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبعد أن ثبّت وضعه وقوّى مركز الدولة الإسلامية في الحجاز, وقضى على نفوذ اليهود وسلطانهم السياسي في خيبر وما يستغلونه في حيلهم ومكرهم ضد الإسلام, أرسل رسله إلى ملوك العالم يدعوهم إلى الإسلام, والى الدخول في سلطان المسلمين.
المسير إلى خيبر
بعد أن اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم لجهة قريش, وعزلها عن يهود خيبر بعقده معها صلح الحديبية, أصبح قادراً على القضاء على خيبر وسلطان اليهود السياسي.
ولما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, أقام فيها بقية ذي الحجة وبعضاً من محرم لسبع خلون للهجرة, ثم أمر بتجهيز الجيش, وسار في ألف وستمائة من المسلمين, ومعهم مائة فارس يريدون خيبر, ووصلوها في ثلاثة أيام.
وكان اليهود قي خيبر متفرقين في حصون مختلفة, وعلى مسيرة منهم يهود فدك وتيماء ووادي القرى. ورغم أن اليهود كانوا يتوقعون أن يغزوهم الرسول صلى الله عليه وسلم, إلا أنهم فوجئوا بالمسلمين حتى أن المسلمين باتوا أمامهم, وأصبح الصباح وغدا عمال خيبر خارجين إلى مزارعهم ومعهم مساحيهم ومكاتلهم, فلما رأوا جيش المسلمين ولوا الأدبار يتصايحون: هذا محمد والخميس معه, فقال صلى الله عليه وسلم: “الله أكبر”, خربت خيبر, إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين”.
المفاجأة
وكان اليهود قد علموا بصلح الحديبية بين المسلمين وبين قريش. فاعتبروا ذلك نكوصاً من قريش. فكان بعضهم يرى تأليف كتلة منهم ومن يهود وادي القرى وتيماء لغزو المدينة، ورأى غيرهم الدخول في صلح المسلمين لعل ذلك يمحو ما ثبت من كراهيتهم في نفوس المسلمين. ورغم أنهم كانوا يتذاكرون بذلك، ويعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم لابد سائر إليهم، إلا أنهم فوجئوا بجيش المسلمين فاستعانوا بغطفان، وحاولوا أن يثبتوا في حصونه أمام المسلمين.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم لما سار من المدينة قد نزل بوادٍ يقال له الرجيع ما بين منازل غطفان ويهود خيبر، ليحول بين غطفان وبين أن يمدوا أهل خيبر.
أما غطفان، فإنهم لما سمعوا بمقدم المسلمين إلى خيبر، واستنجاد أهلها بهم، جمعوا للمسلمين وخرجوا ليظاهروا يهود عليهم. غير أنهم لما خرجوا وابتعدوا سمعوا خلفهم في أموالهم وأهليهم حساً, فظنوا أن المسلمين قد خالفوا خيبر إليهم. فرجعوا على أعقابهم وأقاموا في أهليهم وأموالهم, وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر.
وبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم يفتتح الحصون حصنا ًحصناً. وروي أنه صلى الله عليه وسلم كان كلما أشرف على حصن من حصونهم يقول: «اللهم ربّ السموات وما أظلَلن, ورب الأرضين وما أقللن وربَّ الشياطين وما أضللْن, ورب الرياح وما أذريْن, فإنَّا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها, ونعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها وشرّ ما فيها».
القضاء على اليهود
وفتح الله على المسلمين حصون خيبر, فما امتنعت عليهم. فكان أوَّل حصن افتتح حصن ناعم, فالقموص حصن سلاّم بن أبي الحقيق, ثم حصن الصعب بن معاذ وكان كثير الطعام. وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم يتدنّى الحصون والأموال, ففُتحت جميعها إلا اثنين, هما الوطيح والسلالم. حتى إذا أيقنوا بالهلكة, سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن يسيّرهم وأن يحقن لهم دماءهم ففعل.
ولمّا سمع أهل فَدَك بهم وقد صالحوا الرسول صلى الله عليه وسلم على الخروج, بعثوا إليه أن يسيّرهم وأن يحقن دماءهم, ويخلّوا له الأموال, ففعل. ثم عاد وصالحهم على أن يكون له النصف مما يجنون من الأموال على أنه إذا شاء أخرجهم، وصالح أهل الوطيح والسلالم على مثل ذلك. فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين, وكانت فدك خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب. ثم إلى المدينة وأقام بها حتى ذهب لعمرة القضاء.
وبالقضاء على سلطان خيبر السياسي, وإخضاعهم لسلطان المسلمين, أمن الرسول صلى الله عليه وسلم ناحية الشمال إلى الشام, كما صار قبل ذلك بمأمن من ناحية الجنوب بعد صلح الحديبية. وفتحت الطريق أمام الدعوة في داخل جزيرة العرب, كما فتحت الطريق أمامها في الخارج.
رسالة عالمية
وحيث أن الإسلام دين الناس كافّة, وحيث أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل للعالم كله, قال تعالى: )وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (وقال:) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(, وقال: )هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(, بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتصال الخارجي بإبلاغ دعوته مع السفراء, أي إلى خارج سلطان دولة الإسلام.
لكنه صلى الله عليه وسلم لم يبدأ دعوته الخارجية إلاّ بعد أن اطمأن إلى تركيز السياسة الداخلية, وهيّأ القوّة الكافية لسند السياسة الخارجية. فالدعوة إلى الإسلام يلزمها هيبة للدولة, وقوة تستطيع بها أن تفتتح البلاد. وعندما صار الحجاز كله تحت سيطرة النبي صلى الله عليه وسلم, خرج يوماً على أصحابه فقال: «أيّها الناس, إن الله قد بعثني إلى الناس كافّة, فلا تختلفوا علىَّ كما اختلف الحواريّون على عيسى بن مريم». قالوا: وكيف اختلف الحواريّون يا رسول الله؟ قال: «دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه, فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضي وسلم, وأما من بعثه مبعثاً بعيداً فكره وجهه وتثاقل». وذكر لهم أنّه مرسل إلى هرقل والملوك يدعوهم إلى الإسلام, فأجابه أصحابه إلى ما أراد.. وصُنع له خاتم من فضّة نُقش عليه «محمد رسول الله».
إلى ملوك العالم
وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قيصر الروم, وكسرى ملك الفرس, والى النجاشيّ ملك الأحباش, والى المقوقس عظيم القبط في مصر, كما بعث إلى ملكي عُمان, وملكي اليمامة, وملك البحرين, وإلى الحارث الحِمْيَري ملك اليمن. وانطلق هؤلاء الرسل كلّ إلى حيث أرسله النبي صلى الله عليه وسلم, وبلّغوا كتب النبي إلى حيث أُرسلت إليهم.
أمَّا أمراء العرب, فقد ردَّ ملك اليمن وملك عمان على رسالة النبي ردَّاً سيئاً. وردَّ ملك البحرين ردَّاً حسناً وأسلم. وردَّ ملك اليمامة مظهراً استعداده للإسلام إذا هو نصّب حاكماً, فلعنه النبي لمطامعه.
وأمّا غير المسلمين, فإن كسرى ما لبث حين تُلي عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلّم إلاّ أن استشاط غضباً وشقَّ الكتاب, وبعث إلى عامله على اليمن – وهو غير الحارث الحميري – باذان بأن يبعث إليه برأس هذا الرجل الذي بالحجاز. فلما بلغت النبي مقالة كسرى وما فعله بكتابه, قال: «مزق الله ملكه». ولما وصل كتاب كسرى إلى باذان عامله على اليمن, بحث في الإسلام وأعلن إسلامه, وبقي عاملاً للنبي صلى الله عليه وسلم على اليمن.
وأمّا المقوقس عظيم القبط, فقد ردَّ رداً جميلاً, وأرسل هديَّة للنبي صلى الله عليه وسلم. وأما النجاشي فكان ردَّه جميلاً, وقيل أنه أسلم.
وأمّا هرقل عظيم الروم, فإنه لم يعبأ بهذا الداعي, ولم يقل شيئاً, ولما استأذنه الحارث الغسّاني في أن يقوم على رأس جيش لمعاقبة هذا المدّعى النبوة لم يُحبه إلى طلبه, ودعا الحارث إليه لبيت المقدس.
وكان من أثر هذه الكتب أنَّ العرب قد بدأوا يدخلون في دين الله أفواجاً. وبدأت وفود القبائل تتتابع على الرسول صلى الله عليه وسلم وتعلن إسلامها, وتدخل في سلطان الإسلام.
السياسة الخارجية
وبذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم سياسته الخارجية, وحدّدها بأنَّها الدعوة إلى الإسلام. وإنما كان تعامله مع سائر الحكام والملوك في المنطقة من أجل هذا الهدف المحدَّد. والواقع أن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية يحددها الشرع, فإذا كانت الدولة أساساً لحمل الدعوة الإسلامية, فإن سياستها الخارجية لا يمكن أن تكون حفظاً للمصالح, أو عملا من أجل السلام العالمي, أو أي هدف آخر, بل سياستها الدعوة إلى الإسلام. والخطاب مع الحكام لا يكون إلا لدعوتهم إلى الإسلام والدخول في سلطان المسلمين.
ومثل هذه السياسة الخارجيّة لا بد لها من قوَّة, وهذه القوّة توفّرها الأمة. فإذا كانت الأمّة عميقة الإيمان ومتماسكة المبدأ, مستعدة للتضحية والفداء في سبيل الله, فإن من شأنها الوقوف في وجه العالم أجمع ودعوته – بقوة وبهيبة – إلى الإسلام, ودعوة الشعوب إلى الإسلام والثورة على حكّامهم من أجل الانضمام إلى الدولة الإسلامية.
عسى الله أن يهدينا إلى سواء السبيل, وأن يمنَّ على المسلمين بدولة خلافة راشدة على منهاج النبوة, لتطبيق حكم الشرع وحمل رسالة الإسلام.□
1988-02-22