نص البيان التأسيسي «لحركة الاتجاه الإسلامي» في تونس
1988/02/22م
المقالات
2,704 زيارة
برز اسم “حركة الاتجاه الإسلامي” في وسائل الإعلام في الأشهر الأخيرة، عندما قامت السلطات في تونس باعتقال ومحاكمة أعضاء من هذه الحركة، ومنهم “راشد الغنوشي” رئيسها.
وقد وجّهت إلى أعضاء “حركة الاتجاه الإسلامي” تهم عديدة،منها “التآمر لقلب نظام الحكم”، وتخريب منشآت عامّة في البلاد”، و “الاتصال بدولة أجنبية والتآمر معها”. وقد حكمت السلطات الحاكمة في تونس آنذاك بالإعدام على بعض المعتقلين، وحكم على البعض الآخر بالسجن فترات مختلفة.
وقد كانت هذه الحركة مثاراً للاهتمام عند وسائل الإعلام والكتاب والمتتبعين لأوضاع السياسية في المنطقة العربية في الآونة الأخيرة، ونسبت إليها أمور كثيرة من علاقات ونشاطات واتصالات، وبين الآراء الكثيرة، لم يكن يمكن الاحاطة بهذه الحركة الإسلامية وما تدعو له وتعمل من أجله.
وبعيداً عن كل الآراء، ننشر ههنا نصّ البيان التأسيسي لهذه الحركة، رغبة منا في اللقاء الضوء على الفكر الأساسي الذي تلتزمه “حركة الاتجاه الإسلامي” في تونس. وبين الأخذ والرد، تبقى أفكار هذه الحركة المقياس الوحيد والصحيح للحكم عليها، ونترك ذلك للقارئ الواعي:
توطئة
يشهد العالم الإسلامي – وبلادنا جزء منه – أبشع أنواع الاستلاب والغربة عن ذاته ومصالحه، فمنذ التاريخ الوسيط وأسباب الانحطاط تفعل فعلها في كيان امتنا وتدفع بها إلى التخلي عن مهمة الريادة والإشعاع، طوراً لفائدة غرب مستعمر وآخر لصالح أقليات داخلية متحكمة انفصلت عن أصولها وصادمت مطامح شعوبها.
وكان المستهدف الأول طوال هذه الأطوار كلها هو الإسلام، محور شخصيتنا الحضارية وعصب ضميرنا الجمعي. فقد عزل بصورة تدريجية بطيئة، وأحياناً بشكل جريء سافر عن مواقع التوجيه والتيسير الفعلي لواقعنا. فهو رغم بروزه عاملا محددا في صنع الجوانب المشرقة من حضارتنا وفي جهاد بلادنا لطرد المستعمر، قد بات اليوم أو يكاد مجرد رمز تحدّق به المخاطر ثقافيا وأخلاقيا وسياسيا نتيجة ما تعرض له في المرحلة المعاصرة والأخيرة خاصة من إهمال واعتداء على قيمه وعلى مؤسساته ورجاله.
وإضافة إلى هذه المعطيات الحضارية التي تشترك فيها بلادنا مع سائر بلاد العالم الإسلامي، عرفت تونس في أواخر الخمسينات وطيلة عشريتي الستينات والسبعينات ـ رغم حصولها على وثيقة الاستقلال- أوضاعا خصوصية اتسمت بالتأزم واحتداد الصراع الاجتماعي وتعطل سبل النمو الشامل. وقد تكرّس هذا الوضع نتيجة أحادية الاتجاه السياسي المتحكم “الحزب الدستوري” وتدرّجه المتصاعد نحو الهيمنة على السلطة والمؤسسات والمنظمات الجماهيريّة من ناحية، ونتيجة ارتجالية الاختبارات الاقتصادية والاجتماعيّة وتقلبها وارتباطها بمصالح دوليّة تتعارض مع مصالح شعبنا الوطنية من ناحية أخرى.
في هذا المناخ ظهر الاتجاه الإسلامي بتونس في بداية السبعينات بعد أن توفرت له كل أسباب الوجود، وتأكدت ضرورته، وقد ساهم هذا الاتجاه من مواقعه في إعادة الاعتبار للإسلام فكرا وثقافة وسلوكا، وإعادة الاعتبار للمسجد. كما ساهم في تنشيط الحياة الثقافية والسياسية فأدخل عليها لأول مرّة نفساً جديداً في اتجاه تأصيل الهوية والوعي بالمصلحة وتأكيد التعدد بتجسيمه واقعياً.
وقد عبر الاتجاه الإسلامي من خلال نشاطه ومواقفه العديدة عن التحامه بذات أمته وتجسيده آمال شعبه وتطلعاته فالتفت حوله قطاعات عريضة من المحرومين والشباب والمثقفين. وكان نموه السريع مجلبة لاهتمام الملاحظين وترصد القوى والأنظمة السياسية في الداخل والخارج. ورغم سعيه الرصين المتعقل لتلمّس أنجع سبل التطوّر والتغيير فقد تعرّض هذا الاتجاه إلى سلسلة من التهم الباطلة والحملات الدعائيّة المغرضة نظمتها ضدّه السلطة الحاكمة ووسائل الإعلام الرسميّة وشبه الرسمية، بلغت هذه الحملات حد الاعتداء تعسفا على وسائل إعلامه قصد منعه من إبلاغ صوته وتطورت بعد ذلك إلى أشكال أشد قهرا فقدمت عناصره إلى المحاكمات وتكثفت ضد أفراده التتبعات والتحقيقات وفتحت أمام شبابه السجون والمعتقلات حيث الضرب والتعذيب والإهانة.
إن استمرار أسباب تخلف الوضع السياسي والاقتصادي والثقافي في مجتمعنا يرسخ لدى الإسلاميين شعورهم المشروع بمسؤوليتهم الربانية الوطنية والإنسانية في ضرورة مواصلة مساعيهم وتطويرها من أجل تحرر البلاد الفعلي وتقدمها على أسس الإسلام العادلة وفي ظل نهجه القويم.
وقد يذهب البعض إلى أن هذا العمل هو من باب إقحام الدين في دنيا السياسة وأنه مدخل إلى احتكار الصفة الإسلامية ونفيها بالتالي عن الآخرين. إن هذا الفهم فضلا عن كونه يعبر عن تصور كنسي دخيل على ثقافتنا الأصلية يكرس استمرارية “حديثة” لواقع الضياع التاريخي الذي عاشته أمتنا.
على أن “حركة الاتجاه الإسلامي” لا تقدم نفسها ناطقا رسميا باسم الإسلام في تونس ولا تطمع يوما في أن ينسب هذا اللقب إليها. فهي مع إقرارها حق جميع التونسيين في التعامل الصادق المسؤول مع الدين، ترى من حقها تبني تصور للإسلام يكون من الشمول بحيث يشكل الأرضية العقائدية التي منها تنبثق مختلف الرؤى الفكرية والاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تحدد هوية هذه الحركة وتضبط توجهاتها الإستراتيجية ومواقفها الظرفية. وبهذا المعنى تكون “حركة الاتجاه الإسلامي” واضحة الحدود محددة المسؤولية غير ملزمة بكل صنوف التحركات والمواقف التي قد تبرز هنا وهناك ـ إلا ما يقع تبنيه منها بصورة رسمية ـ مهما أضفى أصحاب هذه التحركات على أنفسهم من براقع التدين ورفعوا رايات الإسلام.
وتأكيدا لهذا الوضع من ناحية، وتكافؤا مع جسامة المهمة ومقتضيات المرحلة من ناحية أخرى، فإنه يتعين على الإسلاميين دخول طور جديد من العمل والتنظيم يسمح لهم بتجميع الطاقات وتوعيتها وتربيتها وتوظيفها في خدمة قضايا شعبنا وأمتنا. ولا بد هذا العمل أن يكون ضمن حركة مبلورة الأهداف مضبوطة الوسائل ذات هياكل واضحة وقيادات ممثلة.
إن “حركة الاتجاه الإسلامي” التي حالت بينها وبين جماهيرها المسلمة العريضة ظروف القهر والإرهاب، لتأمل أن تكون مساهمة جماهيرها أعمق وأشمل في مستقبل الأيام.
المهام
تعمل هذه الحركة على تحقيق المهام التالية:
أ ـ بعث الشخصية الإسلامية لتونس حتى تستعيد مهمتها كقاعدة كبرى للحضارة الإسلامية بأفريقيا ووضع حد لحالة التبعية والاغتراب والضلال.
ب ـ تجديد الفكر الإسلامي على ضوء أصول الإسلام الثابتة ومقتضيات الحياة المتطورة وتنقيته من رواسب عصور الانحطاط وآثار التغريب.
ج ـ أن تستعيد الجماهير حقها المشروع في تقرير مصيرها بعيدا عن كل وصاية داخلية أو هيمنة خارجية.
د ـ إعادة بناء الحياة الاقتصادية على أسس إنسانية وتوزيع الثروة بالبلاد توزيعا عادلا على ضوء المبدأ الإسلامي “الرجل وبلاؤه، الرجل وحاجته” أي (من حق كل فرد أن يتمتع بثمار جهده في حدود مصلحة الجماعة وأن يحصل على حاجته في كل الأحوال) حتى تتمكن الجماهير من حقها الشرعي المسلوب في العيش الكريم بعيدا عن كل ضروب الاستغلال والدوران في فلك القوى الاقتصادية الدولية.
هـ ـ المساهمة في بعث الكيان السياسي والحضاري للإسلام على المستوى المحلي والمغربي والعربي والعالمي حتى يتم إنقاذ شعوبنا والبشرية جمعاء مما تردت فيه من ضياع نفسي وحيف اجتماعي وتسلط دولي.
الوسائل
لتحقيق هذه المهام تعتمد الحركة الوسائل التالية:
– إعادة الحياة إلى المسجد كمركز للتعبد والتعبئة الجماهيرية الشاملة أسوة بالمسجد في العهد النبوي وامتداد لما كان يقوم به الجامع الأعظم، جامع الزيتونة، من صيانة للشخصية الإسلامية ودعما لمكانة بلادنا كمركز عالمي للإشعاع الحضاري.
– تنشيط الحركة الفكرية والثقافية، من ذلك: إقامة الندوات، تشجيع حركة التأليف والنشر، تجذير وبلورة المفاهيم والقيم الإسلامية في مجالات الأدب والثقافة عامة وتشجيع البحث العلمي ودعم الإعلام الملتزم حتى يكون بديلا عن إعلام الميوعة والنفاق.
– دعم التعريب في مجال التعليم والإدارة مع التفتح على اللغات الأجنبية.
– رفض العنف كأداة للتغيير، وتركيز الصراع على أسس شورية تكون هي أسلوب الحسم في مجالات الفكر والثقافة والسياسة.
– رفض مبدأ الانفراد بالسلطة “الأحادية” لما يتضمنه من إعدام لإرادة الإنسان وتعطيل لطاقات الشعب ودفع للبلاد في طريق العنف. وفي المقابل إقرار حق كل القوى الشعبية في ممارسة حرية التعبير والتجمع وسائر الحقوق الشرعية والتعاون في ذلك مع كل القوى الوطنية.
– بلورة مفاهيم الإسلام الاجتماعي في صيغ معاصرة وتحليل الواقع الاقتصادي التونسي حتى يتم تحديد مظاهر الحيف وأسبابه والوصول إلى بلورة الحلول البديلة.
– الانحياز إلى صفوف المستضعفين من العمال والفلاحين وسائر المحرومين في صراعهم مع المستكبرين والمترفين.
– دعم العمل النقابي بما يضمن استقلاله وقدرته على تحقيق التحرر الوطني بجميع أبعاده الاجتماعية والسياسية والثقافية.
– اعتماد التصور الشمولي للإسلام، والتزام العمل السياسي بعيدا عن اللائكية والانتهازية.
– تحرير الضمير المسلم من الانهزام الحضاري إزاء الغرب.
– بلورة وتجسيم الصورة المعاصرة لنظام الحكم الإسلامي بما يضمن طرح القضايا الوطنية في إطارها التاريخي والعقائدي والموضوعي مغربيا وعربيا وإسلاميا وضمن عالم المستضعفين عامة.
– توثيق علاقات الأخوة والتعاون مع المسلمين كافة: في تونس وعلى صعيد المغرب والعالم الإسلامي كله.
– دعم ومناصرة حركات التحرر في العالم.
تونس في 6 – 6 – 1981.□
1988-02-22