لكل دعوة أهلها: وأمثال هؤلاء هم أهل دعوتنا
2008/08/03م
المقالات
1,630 زيارة
لكل دعوة أهلها: وأمثال هؤلاء هم أهل دعوتنا
غلام صابر الطشقندي:
كان من أشد شباب الحزب نشاطاً في الدعوة، وهو أول من اعتقل منهم في أوزبكستان. فقد تعرض للتعذيب الوحشي من قبل ميليشيا النظام الإجرامي، ثم حكم عليه مدة 16 سنة بتهمة الاعتراض على النظام الدستوري في أوزبكستان. ومنذ ذلك الوقت بدأت الحكومة ونظامها الأمني تعتقل الشباب، وبمرور الأيام أخذت تشدد من ضغطها واضطهادها لهم، وحكمها عليهم لمدد طويلة تتراوح بين العشر سنوات والعشرين سنة، (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) [البروج 8]… منذ ذلك الوقت راح خدّام الميليشيا والأمن يعتقلون الشباب حيثما وجدوهم: في البيوت، أو المعامل، أو المدراس، أو المعاهد والجامعات، أو الحلقات الدراسية، أو الشوارع العامة، وحتى عندما يكونون في صلاتهم ساجدين لربهم وراكعين. وكان من بين زبانية النظام النازي، الفاشي، خدّام كريموف من الأمن القومي الخاص، الذين لم يكن لهم من عمل إلا طاعة أوامر سيدهم المجرم، فهؤلاء كانوا من ورثة رجال الأمن والمخابرات في دولة الاتحاد السوفياتي البائد، بل كانوا يتفوقون عليهم همجيةً في طرق التعذيب التي اكتشفوها، وبأقسى ما يكون، متبعين أساليب مريعة ينعقد اللسان عن بيانها، وكان التعذيب يجري أثناء التحقيق، وفي السجون بعد صدور الأحكام الجائرة. وكانت السجون مبنية بتصميم خاص مناسب للتعذيب، وفيها غرف خاصة زرعت فيها أقسى ما توصل إليه العقل البشري من آلات التعذيب، وكان موقع هذه السجون في سهول شاسعة مكشوفة، بعيدة عن السكنى حتى يصعب الفرار أو انتشار أخبار التعذيب منها، وذلك مثل معتقل جاسليك في سهل جاسليك… وكان الهدف من التعذيب الهمجي المنهجي أخذ اعتراف الشباب بدستور أوزبكستان وبالنظام الحاكم فيها أي بنظام الكفر والارتداد، وكان جلاوزة النظام من المحققين يحرصون من وراء التحقيق القاسي على كسر إرادة الشباب، والحصول على المعلومات المتعلقة بالحزب: نشاطاته، وامتداداته، ومن هم مسؤولوه وشبابه، وعناوينهم، وأماكن انعقاد الحلقات، والمطابع… وقد بلغت سادية كاريموف، هذا اليهودي الذي يعادي الإسلام من الصميم، أنه كان يشاهد تعذيب الشباب بواسطة كاميرات المراقبة، ليستمتع بهذه المناظر ويشفي غليل ساديته، ومن المضحك المبكي أن صنيعة إبليس هذا لا يستحي من ادعاء الإيمان مثله مثل سائر حكام المسلمين الذين ينطبق فيهم قول الشاعر:
قد بلينا بـ(حقير)1 ظلم الناس وسبّح
فهو كالجزار فينا يذكر الله ويذبح
1- (حقير) تحوير لكلمة (أمير)
إن عدو الله ورسوله ودينه والمؤمنين كان ولا يزال يسعى من خلال تعذيبه لشباب حزب التحرير إلى كسر إرادتهم لأنه يعلم أنهم الوحيدون الواقفون في وجه طاغوته وجبروته.
لقد زعم كريموف أنه سيغير كل مظهر إسلامي وكل فكر عقائدي في أوزبكستان؛ لذلك هو يقوم بمحاولات دؤوبة لإلغاء كل طقس إسلامي، من احتجاب النساء، والتحاء الشباب، وتكاثر المساجد، وامتلائها بالمصلين، وعندما وجد أن شباب حزب التحرير قد وقفوا في وجهه أصر على مواجهتهم وإنزال أقسى أنواع الملاحقة والتعذيب والسجن والقتل بغية استسلامهم أو هروبهم أو تخليهم عن الدعوة… ولكن والحمد لله وحده، وجد أنهم قد عقدوا العزم على مواجهته بقلوب ثابتة وإيمان راسخ، ورغم كل ما أصابهم فإنهم ما غيروا ولا بدلوا، وكلهم أمل بأن العاقبة من الله لهم إن شاء الله، وكلهم ثقة بقوله تعالى إن كريموف ونظامه، وسائر أنظمة الجور والفسق، سيصيبهم ما أصاب عاد وثمود وفرعون (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ، وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ، وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ، الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ) [الفجر 6-13].
حفيظ الله الطشقندي:
هو شاب من الشباب الناشطين في حزب التحرير في أوزبكستان، وهو عالم من أسرة من العلماء. كان من التلاميذ المتقدمين للشيخ عبد الولي القارئ (الذي اعتقل سرياً سنة 1995م من قبل رجال الأمن القومي كأمير حركة الوهابيين في إنديجان، وفقد بلا أثر، وقضي على حركته في البلاد). فأقبل حفيظ الله على التثقف من ثقافة حزب التحرير من تلقاء نفسه وتأثر بها، وأدرك أن قضية المسلمين المصيرية اليوم هي استئناف الحياة الإسلامية عن طريق إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ثم انضم إلى الحزب بشوق كبير، وقام بنشاط فكري وسياسي في صفوف الشباب فأصبح من متقدميهم، وهذا ما أزعج زبانية كريموف فأخذوا يتعقبونه باهتمام بالغ على أثر أعماله المؤثرة في المجتمع. وعدّوه أحد أوائل أعدائهم الذين يثيرون الخطر العظيم على الحكومة. وبعد تعقب جدي وطويل استطاع خدّام الأمن القومي اعتقاله… وهناك، وأثناء التحقيق معه، ضربوه ضرباً مبرحاً وعذبوه عذاباً شديداً، وحكموا عليه مدة 20 سنة. ثم بعد الحكم عليه، وأثناء قضاء فترة حكمه في السجن، قاموا بحملة تعذيب له لم تشهد مثلها العيون، ولا تتوقعها العقول، وكانوا يرجون من ذلك تحطيم إرادته وعزمه ومن ثم الارتداد عن دينه، ولكن على العكس من ذلك، وجدوا عنده إيماناً يستقوي به من قدرة لا يرونها، وإرادة وأعصاباً تتشربان القوة والصلابة من مؤازرة لا يدركونها. فأما من كان يقوم بحملة التعذيب، فقد كان فاقداً لأدنى حس بالإنسانية، ومعظمهم كان كذلك، فلم يعقل معنى هذا الصبر والإيمان، بل على العكس من ذلك ازداد غيظاً وحقداً فصب جام غضبه عليه وأغلظ في تعذيبه… وأما من كان عنده ولو شيئاً يسيراً من الإيمان، ومن الحس الإنساني، وهو نادر فيهم، لم يتغافل عن مثل ذلك بل تأثر واندهش وتيقن أن هناك شباب الحزب لن يحطمهم المحطّمون ولن يخضعهم المخضّعون. ومن هؤلاء كان ناظر السجن، الذي كان على بينة من كل ما يتحمله شباب الحزب من إيقاع أشد أنواع الأذى والتعذيب عليهم من قبل زبانية كريموف، ويشهد قوة صبرهم ومضاء عزيمتهم، فإنه حينما وجد أن العقوبات والأذى التي يجرونا على حفيظ الله لم تفت من عضده، وكيف أنه يتلقاها بإيمان وصبر وشجاعة وقوة وبأس… اندهش من كل هذا وتحير، وذات يوم دخل خلسة إلى زنزانة حفيظ الله المنفردة، وسلم عليه بالعناق الشديد وقال له هامساً وباكياً: أيها البطل! أنا أريد من ابني عندما يكبر أن يكون مثلك.
اللهم يا جبار يا منتقم، إن عبدك حفيظ الله مظلوم، فعليك ممن ظلمه وآذاه، ويا رحمن ويا رحيم، ارحم حفيظ الله، واقبله في عبادك الشهداء الصالحين.
محمد الطشقندي:
هناك حوادث كثيرة عجيبة تستجلب الابتهاج وتستدعي التفكير في قدرة الله الجليلة ومشيئته الحكيمة. ومن هذه الحوادث أن شاباً من شباب حزب التحرير اسمه محمد، وكان مريضاً بمرض مزمن وخطير، وزيادة على ذلك فقد انكسرت قدمه أثناء إحدى المطاردات له؛ فكان عليه أن يدخل المستشفى لإجراء العملية الجراحية متوكلاً على الله. وبالمناسبة، لم يكن الجراحون على علم بأن الحكومة أعلنت البحث العام عنه، فأتموا العملية الجراحية وهم لا يعلمون بمطارته، وبعد العملية مباشرة عرف خدّام أمن الدولة بدخوله المستشفى وإجراء العملية له، فدبروا عملية للقبض عليه، فاستخبر محمد، بمشيئة الله، بذلك، فاضطر إلى ترك المعالجة والمستشفى، على الرغم من أن محل الجراحة في قدمه كان مكشوفاً لم تكتمل الخياطة الجراحية فيه، فأفلت منهم بعون الله وقدرته. أما خدّام الميليشيا والأمن فاستمروا بتعقبه في أنحاء البلاد، وقاموا بالتفتيش في بيوت أقاربه ومعارفه، واقتادوهم إلى دار المباحث الجنائية للاستجواب من غير تقديم أي استدعاء رسمي لهم، وضيّقوا عليهم بالتهديد باتهامهم بكتمان الجريمة، وضربوا بعضهم… وكان محمد يتجول متخفياً في بيوت أقاربه بسبب خوفهم من اتهامهم بكتمان الجريمة. وفي يوم من الأيام ذات الهم، عرف رئيس فرع المباحث الجنائية الخاصة بملاحقة محمد الدار التي يختبئ فيها، فاقتحم تلك الدار مع فرقة من المباحث الجنائية حيث كان محمد يتوضأ لصلاة الظهر في غرفة فيها بمساعدة شاب من الشباب، فاهتزت الدار، فاندفع الشاب إلى خارج الغرفة، فقبض عليه رئيس الفرقة وأخذ يستجوبه ويسأله عن محمد الأعرج فلم يكشف الشاب عن مكان محمد، فوضع الأغلال في يده واقتاده إلى السيارة لينقل إلى قسم المباحث لينال نصيبه هناك، وأمر باستمرار التفتيش. أما محمد فقد كان في الغرفة، وقد سمع كل ما جرى، وأخذ يتلو سورتي المعوذتين، ويدعو ربه أن يؤازره بتقوية إيمانه في مواجهة هؤلاء السيافين لكريموف، وينتظر دخولهم عليه، بعد أن راحوا يفتشون الغرف الأخرى، غرفة غرفة، وكان يظن أنه واقع به لا محالة، ولا يستطيع الإفلات منهم، وكانت تحدثه نفسه أنه قد حان وقت اعتقاله، وأن الله سيمتحنه منذ تلك اللحظة بابتلاء الاعتقال والتعذيب وأذى الزنازين مما يعرفونه ويسمعون عنه كثيراً، ومما يتحمله إخوته الحزبيون في السجون… ولكن حدثت حادثة جليلة تدل على قدرة الله العظيمة ومؤزارته الحكيمة، إذ فتش رجل ميليشيا غرف الدار فلم يجد محمداً، ثم اقترب من الغرفة التي كان يوجد فيها قاعداً على السرير، وكان باب الغرفة مفتوحاً قليلاً ففتحه على مصراعيه، ونظر فلم يرَ أحداً، ولم يدخل الغرفة، وربما كان على يقين من قبل أن ليس فيها أحد لأنه وجد الباب مفتوحاً… على كل حال، فقد ولى ظهره وخرج إلى الشارع، ولكن محمداً لم يفهم الواقع ابتداءً، فظن في نفسه أن رجل الميليشيا رآه فخرج ليبلغ آرتيق آمر الفرقة عن عثوره على محمد، وأنهم داخلون حالاً، ومتوثبون عليه ليحملوه بأيديهم إلى المعتقل فالتعذيب فالسجن… إلا أن شيئاً من ذلك لم يحصل، فقد سمع أزيز سيارة الميليشيا وتحركها، وأحس بابتعادها عن الشارع، فوقف متسمراً منذهلاً… ثم فهم وأدرك أن الله نجاه منهم وصرفهم عنه، فالحمد كله لله وحده دائماً وأبداً.
اللهم احفظ محمد وأدم نعمة الحفظ عليه، واجعل في قلبه الإيمان والحكمة واختم له بخاتمة السعادة.
الشهيد نعمان الطشقندي (رحمه الله):
من شباب حزب التحرير الشهداء بإذن الله تعالى. كانت أعماله أمثولة في الشجاعة، وقدوة في الدعوة، وتحكي مواقفه المشرفة في مواجهة نظام الطاغوت كريموف (لعنه الله) عن رجل ليس كالرجال، عن رجل لا يمكن أن تسطر مواقفه الجريئة إلا بصحائف من نور:
كان خدّام الأمن القومي برئاسة كريموف قد عدوا نعمان في رأس قائمة أعداء النظام، وأقسموا جهد أيمانهم على تصفية نشاطه في مجال السياسة، إما بسجنه أو بإخراجه من بلده هرباً من مطاردتهم له أو بقتله، لأنهم كانوا قد ضاقوا ذرعاً مما يقوم به في مجال الدعوة مع الحزب من كسب الناس لصفوفه وتشكيلهم في حلقات دراسية، وتوسيع مجال العمل بإقامة محليات جديدة، وقيامه هو ومن يعمل معه من الشباب بتوزيع النشرات بصورة سافرة علنية تحمل معنى التحدي للنظام ولرجال أمنه الذين يضيقون ذرعاً بأقل بكثير من هذا التصرف، فكيف بمثل هذا المستوى من التحدي. وقد بلغ الأمر به أنه كان يفاجئ السياسيين والموظفين ونواب مجلس الحكومة بحضوره ويقوم بفتح مواضيع الدعوة معهم بكل جرأة، ويدعوهم إلى الله بكل إخلاص، رغم أنه كان مطارداً من النظام ومطلوباً بتهمة أنه إرهابي، وبالتالي فإنه كان لا يستطيع أن يبيت في منـزله المراقب على الدوام، وكانت صوره معلقة في الشوارع.
ومن مآثره التي تشهد على جرأته في الحق أنه دخل إلى مبنى وزارة الداخلية، فأعطى منشوراً للحزب لسائق الوزير وقال له: قل لصاحبك ولمن هو أعلى منه وأقل منه رتبة من السيافين: «إن شباب الحزب لن يكسرهم جور الجائرين وفتن الفتانين. فاليوم لكم وغداً عليكم، فإن لم تمتنعوا عن الخضوع لرئيسكم هذا، وهو يهودي، وليس منكم، قبل أن تفوت الفرصة، فإن دولة الخلافة التي ستقام غداً بإذن الله تعالى، لن تهمل الانتقام من الذين ظلموا المسلمين وآذوهم وقتلوهم، وظاهروا على إخراجهم من ديارهم»، قال له هذا الكلام وفي خلده أنه ما من شك أنه متى سمع وزير الداخلية هذا الكلام، ومنه سمع كريموف، فإنهم سيتقدون غيظاً وسيخافون من مستقبلهم الأسود الذي ينتظرهم.
ومما يدل على عظيم لطف الله تعالى بنعمان وحفظه له أنه مرة علم خدام الميليشيا والأمن القومي نتيجة تحرياتهم المستمرة عنه أن نعمان قد دخل شارعاً معيناً بغية الإشراف على حلقة دراسية حزبية، فحاصروا كل أطراف الشارع، فلما انتهى نعمان من إعطاء الحلقة، وبينما هو في الشارع، أحس بوقوعه في كمين المخابرات، وأنه لا منجى أمامه من هذا الحصار والكمين، فلم يكن أمامه إلا التوكل على الله والتوجه قدماً، وبكل جرأة وثبات، نحو خدّام الأمن القومي، بدل أن يهرب بدون جدوى، وهنا حدث ما لم يكن بالحسبان، فقد كان ينتشر في بداية كل منفذ للشارع خدّام الأمن القومي المسلحون وبثياب مدنية، وسياراتهم تسد المنافذ، ولا قبل لأي سيارة أن تخترق الحصار، وهؤلاء كانوا يحلمون ليلاً ونهاراً بالقبض على نعمان، فرأى نعمان أحدهم وعرفه، فتوجه إليه بلا خوف، وعيناه كانتا شاخصتين إلى عيني الخادم، فتسمّر في مكانه ولم يملك نفسه وارتعشت أصابعه من الخوف، فمر نعمان بسهولة ويسر من جهته وخرج من الشارع المحاصر ثم أوقف سيارة أجرة وذهب. ولم يرَ الباقون ما حدث… وَلَكم كدّر هذا الشابُ هؤلاء الزبانيةَ بتوكله على الله، وبإقدامه، وبحسن إدارته للعمل ثم بتدبره السياسي.
بعد كل هذه المحاولات الهادفة إلى القبض على نعمان وفشلها، اتقد كريموف وزبانيته غيظاً، ودبروا أسلوباً آخر للقبض عليه، وعلى غيره من الشباب، وكان هذا الأسلوب أسلوب الجبناء الغادرين الذين لا شرف لهم، فقد اعتقلوا زوجة نعمان بدون توجيه أية تهمة لها، ووضعوها في قبو للميليشيا وملؤوه بالماء حتى ركبتيها، وجعلوها رهينة حتى يسلم نعمان نفسه لهم، وقالوا في أنفسهم إنه إذا كان نعمان رجلاً جريئاً فسيفدي نفسه وينقذ زوجته.
ولما علم نعمان بفعلتهم الشنعاء لم يتمالك نفسه، فاندفع إلى وسط المدينة حيث يوجد مركز الميليشيا ليسلم نفسه، ولم يستطع أحد من الشباب أن يقنعه ويرده عن عزمه إلا صاحبه حفيظ الله الذي مر ذكره آنفاً، فإنه اعترض سبيله وعانقه بقصد منعه من إكمال طريقه. وقال له: يا حبيبي يا أخي، لا تذهب وتسلم نفسك لهم، فإنهم لا يقصدون من هذه الفعلة إلا تسليم نفسك ثم تسليم الآخرين، أي أنهم سيطبقون هذا الأسلوب الدنيء على الآخرين من إخوتنا بعدما تسلم نفسك لهم لتنقذ زوجتك من براثنهم، فقال نعمان وهو يبكي: يا أخي، إن زوجتي وحيدة هناك تستغيث… فأجابه حفيظ الله، وهو لا يتمالك من منع نفسه عن البكاء: يا حبيبي، يا أخي، لا تحسب أن زوجتك التي استرهنوها وحيدة هناك، بل إن الله سبحانه وتعالى معها، يغيثها بالصبر والإيمان، فتناحب الصديقان المتعانقان وقتاً طويلاً.
نعم، لم يسلم نعمان نفسه للجبناء، فأغاث الله زوجته بالصبر والإيمان، فأطلقها الزبانية، وفشل أسلوبهم الفاضح في اعتقال نعمان وسائر الشباب عن طريق هذا الأسلوب الدنيء.
وبعد مرور سنتين تقريباً، اعتقل نعمان بعدما قام الزبانية بحملة تفتيش واسعة، بقصد التصفية العامة للحزب وشبابه بحسب اصطلاح هؤلاء الزبانية في بلده طشقند… فقاموا بتعذيبه عذاباً شديداً وضربه بشكل متواصل لمدة ثلاثة أيام، وبإيقاع أبشع أنواع الأذى الجسدي عليه، فقتلوه، قتلهم الله عاجلاً غير آجل، محبة بهذا الدين ونصرة له،… فاستشهد نعمان بإذن الله وارتحل منها إلى الرفيق الأعلى بإذن الله، وتطهر من أقذار الدنيا ورزق من نعيم الجنة بإذن الله.
إن أمثال نعمان لا يموتون، فهو عند الله نحسبه شهيداً، ولا نتألى على الله بشيء. وهو في الدنيا حي بذكره ومواقفه التي تحيي غيره.
اللهم يا حبيب الشهداء، ابعث نعمان مقاماً محموداً، واجعله من سادة الشهداء في الآخرة، اللهم آمين.
الشهيد عثمان حمراقولوف (رحمه الله):
ولد الشهيد في مدينة قارسو عام 1952م وأنهى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدينة نفسها، ثم ذهب إلى الخدمة العسكرية، وأثناءها أخذ يشعر كيف يحكم الكفارُ المسلمينَ بالظلم والاستبداد. وصار يفكر كيف ينقذ المسلمين من سيطرة الكفار واستعمارهم. وبعد إنهائه الخدمة العسكرية حصل على شهادة من مدرسة تعليم سَوْق السيارات وعُيِّن فيها مدرساً، وأتقن اللغة الروسية. وجرَّه تفكيره في إنقاذ المسلمين إلى تعلّم السياسة، فبدأ يقرأ الكتب المدونة بالروسية عن السياسة والمنظمات السياسية. وكانت الكتب المهمة تؤلف آنذاك بالروسية. فجزم أنه لا ينقذ المسلمين إلا طريق واحد وهو الطريق السياسي بالفكر السياسي والكفاح السياسي. وحاول أن يؤسس حزباً إسلامياً يشتغل بالسياسة، ولكنه لم يعرف كيف يؤسسه لأنه لم يُثقَّف ثقافةً إسلامية، ولم يعرف اللغة العربية التي تساعده على فهم القرآن والسنة والفقه الشرعي. فصار يزور العلماء والأئمة ويقترح عليهم تأسيس حزب إسلامي سياسي… فلم يستجيبوا له. وهكذا مضت عشر سنوات ولم يؤسسه. وكان حينما يراقب السياسة، وخاصة الدولية منها، ويفهمها يحزنه ما وصلت إليه أحوال المسلمين.
وفي أحد الأيام زاره واحد من شباب حزب التحرير ودعاه للعمل، فاستجاب فوراً وحمد الله على أن هداه إلى ما كان يتلمسه منذ سنين. فأخذ يدرس في حلقة مع الحزب بشغف فائق واطمئنان كامل على أن هذا هو وحده الطريق الصحيح الذي يوصل إلى إنقاذ الأمة الإسلامية جميعها من الظلم والطواغيت بكل أشكالهم. وقال كاتب هذه الكلمات عن الشهيد عثمان حمراقولوف: في أحد الأيام طلب من مشرفه أن يلتقي معي فلقيته، وما كنت رأيت رجلاً كئيباً حزيناً مثله. فلما سألته عن سبب ذلك أجابني بأنه سمع أن حزب التحرير لا يقبل لعضويته إلا من كان شاباً وهو قد كبر في السن. ولم يذكر ممن سمع ذلك. وحينما أفهمته بأن كل الناس يمكنهم دخول الحزب، وأن ما سمعه يعني أن كل من يدخل هذا الحزب هو شاب ولو كان في سنّ التسعين. ولما فهم ذلك أصبح وجهه مشرقاً كالقمر، وما رأيت رجلاً سُرَّ مما سمعه مثلما سرَّ هو، وصار يبكي من سروره، ولم يتخلف ولم يتأخر عن الحلقات قط منذ أن التحق بصفوف الحزب بعذر أو بلا عذر. وكان الشهيد أمة وحده في الشجاعة والإقدام وقول الحق دون أن يخشى في الله لومة لائم، وكان الشهيد شعلة ملتهبة في العمل لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، وخاصة في العمل السياسي في ثقافته وكفاحه وصراعه. وكانت تحليلاته السياسية قريبةً من تحليلات قيادة الحزب. وعاش الشهيد فقيراً تقياً، وكانت صحته ضعيفةً لا تسمح له أن يشتغل بالأعمال الشاقة، ومع ذلك لم يَشْكُ ولم يُشعر أحداً أن صحته ليست جيدة. وفي أحد الأيام اشترى له أحد الشباب آلة تصوير (فوتوكوبي) ليشتغل بها ويكسب رزقه، فلم يرضَ وقال: لا أريد أن أطبع ورقة واحدة فيها ظلم على مسلم.
وبعد حادثة 16 شباط عام 1999م (محاولة اغتيال رئيس أوزبيكستان) التي اتهم بها الطاغوتُ الأكبر كريموف حزبَ التحرير، بدأ طواغيت كريموف يعتقلون شبابَ حزب التحرير، واعتقلوا مُشْرِفَ الشهيد النشيط التقي. وهذا أثر فيه أشد التأثير، وبعد ذلك لم يضحك ولم يأكل ولم يشرب إلا ما يسد به رمقه، ويقول: كيف نأكل ونشرب ونسرّ وإخواننا ومُشْرفونا في السجون يعذَّبون؟ وصار همه الوحيد الدعوة فقط. وفي عام 2001م قبضوا على الشهيد وحكموا عليه بالسجن لمدة ستة عشر عاماً. وقد عذبوه عذاباً شديداً بكل أنواع التعذيب، وطلبوا منه أن يتبرأ من الحزب وأن يطلب العفو من كريموف، فأبى الشهيد وتحمّل كل العذاب بالصبر والثبات، وكسروا أضلاعه وعذبوه بالكهرباء. وفي 12 أيار عام 2001م قتلوه في سجن طشقند بعد تعذيبهم إياه بالكهرباء. وقال الطواغيت: لم نَرَ رجلاً صابراً ثابتاً جريئاً مثله قط. وبقي جسده الطاهر عندهم خمسة أيام، وكان الطقس حاراً، وحينما استلمنا الخبر عن شهادته ظن بعض الناس أن الحر يمكن أن يؤثر في جسده الطاهر خلال هذه الأيام. والمسافة بين طشقند ومدينته خمسمئة كيلومتر. وآلاف من المسلمين والشباب انتظروا وصول جسده الطاهر. وبعد الظهر أحضروا جسده، فإذا هو كأنه لم يمت بل ينام ووجهه كالقمر، ولونه أحمر وليس لونَ ميت، وجبينُه يعرق وتفوح منه رائحة طيبة جداً كرائحة الورد الأحمر. وكل من حضر جنازته تأثر أشد التأثر، وكان في موته أشد وعظاً منه في حياته، وخطب الخطباء والشباب في جنازته خطاباً بليغاً ذكروا فيه بعض مآثره ودفنوه بالتكبيرات: الله أكبر الله أكبر. وحينما سمع رجال الأمن والشرطة التكبيرات هربوا كلهم من المكان. وفي جيب الشهيد وُجِدَتْ علبة لنظارته وفيها مكتوب: حسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير.
السيدة الداعية سعادتخان (رحمها الله)
ولدت عام 1935م، ولها ثمانية أولاد، وهي ربت أولادها تربية حسنة حسب ما عَلِمَتْ. وحينما علمت أن حزب التحرير دعا الناس إلى الإسلام ويدرس الناس في حلقاته، حضرت حلقاته هي وأولادها، فتأثرت بدعوته تأثراً كبيراً، وقبلت جميع أفكاره بشغف فائق. ولما نضجت ثقافتها التحقت في صفوف حزب التحرير. وأحدث حزب التحرير في حياتها وحياة أولادها انقلاباً كبيراً، فالتحق سبعة من أولادها بصفوف الحزب. وكان أحد أولادها نقيباً وإحدى بناتها أيضاً كانت نقيبة. وأصبحت أسرتها وحدها حزباً صغيراً، وكل اجتماع في الأسرة أصبح كحلقة شهرية، وكل كلام كان يدور فيما بينهم عن مفاهيم الحزب وأفكاره. وقد أصابت الأمراض سعادتخان فشُلّت قدماها ولم تعد تستطيع أن تحركهما، ومع ذلك كانت دائماً تحاسب أولادها وتحثهم على الدعوة والزيارة المقصودة للناس، وترسل حفيداتها إلى النسوة وتجمعهن وتدعوهن، وبهذه الواسطة يزرنها بدل أن تزورهن، وتكسبهن وتشكل منهن الحلقات. وكانت تقول لأولادها: لو صحت قدماي كما هي أقدامكم لما سكنْتُ ولا جلست في مكان، بل لزرتُ الناس ودعوتهم. وكانت تجمع أولادها مرة في كل أسبوع وتجمع فيه التزامات منهم وتثبّتهم وتحثهم على الدعوة وتوصيهم بالتزام الحق والدعوة إليه، وأن لا يخافوا من ظلم الظالم ولومة اللائم.
وبعد عام 1999م حينما شن الطاغوت كريموف حملته البشعة على شباب حزب التحرير اعتقل جلادوه ابنها وحكموا عليه بالسجن لمدة 14 سنة، وقد ثبت ابنها هذا في السجن وصبر على التعذيب. ثم اعتُقلتْ ابنتها، وأثناء المحاكمة ذهبت هذه الابنة بولدها الصغير إلى المحكمة، وأثناء المحاكمة سألها رجال الأمن: لماذا تأتين بولدك الصغير؟ فأجابت: أنا أتيت به عن قصد، أتيت به من أجل أن يعرف الظالمَ والطاغوت، وحينما يكبر يأخذ منه القصاص. وكانت جريئة في الدعوة وقول الحق ومواجهة الظالمين. هكذا كانت التربية في أسرتها، وجميع أولادها كانوا أهل جرأة وصدق قلَّ نظيرهم، ليس في المدينة وحدها بل في الدولة أيضاً. وحكموا عليها بالسجن، فثبتتْ وصمدت صمود الراسيات، وقلّ نظير صمودها حتى بين الأبطال. بقي أولادُها خلال سجنها عند جَدَّتهم، فرَبَّتهمْ جدتُهم تربية الأبطال، وحفظوا منها الأفكار والأشعار التي تحث الناس على التزام الإسلام ومواجهة الظالمين وحياة الدعاة. وحينما كانوا ينشدون في المساجد ما كانت جدتهم قد علمتهم إياه كان الناس يتجمعون حولهم يتعجبون منهم ويتأثرون بهم.
لم تيأس السيدة والداعية بحق سعادتخان ولم تضعف، بل أصبحت حياتها مثالاً للجرأة وقول الحق في وجه الظالمين، وتوفيت رحمها الله وخلّفَتْ خلفها الأبطالَ من الأبناء والبنات والأحفاد. ولم يُكتَب لها أن تقرَّ عيناها برؤية إقامة الخلافة. فعسى أن يشارك أولادها وأحفادها الموجودون الآن في رفع راية الخلافة والعيش في ظلها ونشر رسالتها إلى العالم.
اللهم ارحم السيدة سعادتخان رحمةً واسعةً وأسكنها وأهلها أجمعين فسيح جناتك.
السيدة الداعية إنابتخان (رحمها الله)
ولدت عام 1939م، ولها خمس بنات وولدان. توفي زوجها وكان أولادها ما زالوا صغاراً، كنت أعرفها وأولادها منذ الصغر، وكان ولدها الأكبر صديقي، فربت وحدها أولادها جميعهم تربية إسلامية رغم ضغط الشيوعيين وتضليلهم وملاحقتهم للمسلمين ولكل من يربي أولاده تربية إسلامية. وكثيراً ما كانت تردد أمام أولادها: اصبروا، والزموا الحق والهداية، وعليكم بالتقوى، ولا تخافوا في الله لومة لائم ولا ظلم ظالم. وهي مع تربية أولادها كانت تربي البنات من أهل منطقتها في بيتها خفيةً عن الدولة، وكان بيتها كمدرسة صغيرة للبنات كبيت الأرقم بن أبي الأرقم، ولكن لم تأخذ ولا مرة واحدة أجرة لخدمتها رغم فقرها، وكان ولداها يدرسان الإسلام باللغة العربية خارج بيتها.
في بداية تسعينات القرن الماضي دعونا أولادها للدرس في حلقات حزب التحرير، ولم يتردد واحد منهم بل قبلوا جميعهم وفوراً، وبدأوا يحضرون الدراسة فيها، ثم دعوا أمهم للدراسة أيضاً، وقبلت فصارت تحضر الحلقات وتدرس فيها بجدية، والتحق أولادها بصفوف حزب التحرير، ثم التحقت هي بها، ونشطت ودعت النسوة وقامت بأكثر مما طُلب منها، وأعطت الالتزامات أكثر من غيرها مع فقرها واحتياجها إليها، وأحياناً كانت تعطي نصف ما عندها.
بعد عام 1999م شن الطاغوت كريموف حملته المجرمة على شباب حزب التحرير، واعتقل جلادوه ابنها الأكبر وحكموا عليه بالسجن لمدة 14 سنة، وبقي أولاده الخمسة الصغار عندها. ولاحق الظالمون ابنها الصغير، فاضطُرّ أن يهرب منهم، وبقي أولاده الآخرون عندها. ثم لاحقوا ابنتها فاضطرّت أن تختفي عن أنظارهم، ثم اعتُقلت وحكموا عليها بالسجن لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر، وهي كانت حاملاً وولدت في السجن وأخذوا منها ولدها. ثم اعتُقل ابنها الثاني وحكموا عليه بالسجن لمدة 12 سنة، وهو كان مسؤولاً في إحدى المناطق. ثم اعتُقلتْ زوجة ابنها الأكبر وحكموا عليها بالسجن لمدة خمس سنوات وستة أشهر. وكانت إنابتخان تصبر في الله صبراً جميلاً، وتربي أحفادها تربية إسلامية، وتدعو الناس إلى ما آمنت به، وتوصيهم بالحق وتوصيهم بالصبر، وتقول دائماً لهم: لن تنالوا الراحة بالراحة. وكانت تزور أسرة من يعتقل من الشباب وتثبتهم. وحينما خرجتُ من السجن زارتْني فرأيتها سُرَّتْ وكأنما قد خرج أولادها جميعهم من السجن. وبعد هنيهة صارت تسألني عن الواجبات الحزبية الإضافية كأنه لا هم لها إلا همّ الحزب وهمّ الإسلام، وكأنه لم يسجن أحد من أولادها. وكانت توصي أولادها دائماً بالتزام الحق والإسلام وبالطاعة للأمير.
توفيت رحمها الله في الثالثة والستين من عمرها. وقال رجل يعرفها، وهو ليس من أعضاء الحزب: «قد حضرت جنازتها، وحضر جنازتها جم غفير من الناس، وما رأيت حضوراً مثله لجنازة غيرها. ومن حضرها إما هي زارته وإما عرفها بحق. ولو كانت همة الرجال كهمتها، وصبرهم كصبرها، والتزامهم بالإسلام كالتزامها، وجرأتهم كجرأتها، وعدم خوفهم من ظلم الظالم ولومة اللائم كعدم خوفها؛ لأقيمت الخلافة من قَبْل، بل لما كانت هُدمتْ أصلا»… ولقد صدق القائل.
اللهم ارحم السيدة إنابتخان رحمةً واسعةً وأسكنها وأهلها جميعاً فسيح جناتك.
2008-08-03