حزب التحرير والديمقراطية الكافرة
2011/02/03م
المقالات
1,383 زيارة
حزب التحرير والديمقراطية الكافرة
نشرت جريدة الاتحاد مقالاً عن حزب التحرير بعنوان «حزب التحرير والديمقراطية الكافرة» للكاتب خليل علي حيدر. وقد أحبت الوعي نشره إتماماً للفائدة ولإدراك مدى تغلغل وتأثير فكر الحزب الذي يأبى أن يكون رهين التعتيم.
العديد من الجماعات والأحزاب الإسلامية في العالم، تؤيد وضع الدساتير وإجراء الانتخابات وتأسيس المجالس والبرلمانات، لكنها في الأغلب لا تؤمن بالديمقراطية نهجاً، وبخاصة التعددية الليبرالية التي نراها في أوروبا والولايات المتحدة واليابان والهند وغيرها. وهي إنْ آمنت بها حصرتها غالباً في مجال البرلمان وحده قدر المستطاع، وضيقت عليها الخناق في مجالات الحياة الأخرى كالثقافة والحريات الاجتماعية وحرية الفكر والعقيدة. ويتميز «حزب التحرير»، من بين هذه الجماعات، بأنه الأقدم والأشد والأصرح في إعلان موقفه المعادي للديمقراطية، بل تكفيرها وربما تكفير من يؤمن بها معاً!
وبالطبع، لا يمنع هذا الرفض للديمقراطية كأداة أو فلسفة حياة، حزب «التحرير» أو «الإخوان المسلمين» أو غيرهما، من الاستفادة من الفرص الانتخابية والحرية الإعلامية والحقوق الديمقراطية والإنسانية أينما وجدت. وقد ظل التيار السلفي في الكويت مثلاً متردداً ممتنعاً عن دخول الحياة السياسية والصراع البرلماني، منتقداً «الإخوان» على هذا السلوك الدنيوي المبتذل. ثم تبنى فتوى جديدة، ودخل الحلبة السياسية بشغف، بل انقسم هو نفسه إلى تيارات!
إن موقف التيارات الإسلامية من قضية الديمقراطية قد عولج في كتب عديدة، مثل «التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية» للدكتور حيدر ابراهيم علي، و«الحركة الإسلامية والبرلمان» لبشير أبومازن. وقد تعكس اجتهادات د. القرضاوي والغنوشي مواقف بعض الانتقائيين الراغبين في تحديث فكر الجماعات وتوسيع نفوذ الإسلاميين داخل الطبقة المتوسطة والمتعلمين.
ويمكن اعتبار «حزب التحرير» جماعة تكفيرية عريقة منذ ظهور الحزب عام 1952م – 1953م، إثر نكبة فلسطين، معبراً عن غضب وحنق قطاع من رجال الدين والنخبة المحافظة وغيرهم، على كل ما ومَنْ تسبب في اعتقادهم، بكارثة النكبة عام 1948م. فحزب «التحرير» يكفِّر دولاً وحكومات وشعوب أوروبا وأميركا، ويكفر الرأسمالية والاشتراكية والقومية والقانون المدني، وربما كل فكر يرى أن «أصوله غير إسلامية».
يقول حزب «التحرير»، «الديمقراطية التي سوّقها الغرب الكافر في بلاد المسلمين هي نظام كفر لا علاقة لها بالإسلام، لا من قريب ولا من بعيد. وهي تتناقض مع أحكام الإسلام تناقضاً كلياً وفي الجزئيات، وفي المصدر الذي جاءت منه، والعقيدة التي انبثقت عنها، والأساس الذي قامت عليه، وفي الأفكار والأنظمة التي أتت بها». ويعتبر الحزب، كما يقول د. عبدالغني عماد، «إن دوائر الاستعمار لم تستطع إدخال النظام الديمقراطي إلى بعض بلاد المسلمين إلا بعد إيهام المسلمين وخداعهم بأن هذا النظام يوافق الإسلام ويطابق الشورى». لذلك يبذل الحزب في كتبه جهداً كبيراً لبيان تناقض الإسلام والديمقراطية. فقد هاجم «النبهاني» مؤسس الحزب، الديمقراطية في مؤلفاته، فلما توفي عام 1977م وتولى الشيخ عبدالقديم يوسف زلوم (1924م-2003م) إمارة الحزب، جدد بدوره وأكد معارضته للديمقراطية وانتقاده لها، وكذلك ما نراه من مؤلفات «حافظ صالح»، مثل كتاب «الديمقراطية وحكم الإسلام فيها»، الذي طبع في لاهور بباكستان أولاً عام 1985م ثم أعيد طبعه، وهو معتمد للتدريس داخل الحزب. والآن، ما هي الاختلافات التي يراها «حزب التحرير» بين مبادئ الإسلام والديمقراطية تفصيلاً؟
الديمقراطية، تقول كتب الحزب، نظام وضعي بشري تأسس على عقيدة فصل الدين عن الحياة، بينما الإسلام هو النظام الذي أوحى به الله إلى رسوله. والديمقراطية تجعل السيادة للشرع لا للأمة، والله هو وحده المشرع في الإسلام. والقيادة في الديمقراطية جماعية، يؤثّر فيها الوزراء ونواب البرلمان، بينما هي في الإسلام فردية، والوزراء معاونون للخليفة فقط. واستفتاء الشعب في النظام الديمقراطي واجب، بينما هو في الإسلام، كما يقول حزب «التحرير»، ليس واجباً، لأن الشورى من المباحات، وهي مُعْلمة وليست ملزمة للخليفة. وبينما تلتزم الحكومة في النظام الديمقراطي برأي الأكثرية وتشريعها، لا يرجح رأي الأكثرية، في الإسلام، كل القضايا والمسائل.
أما مسألة الحريات فهي مصدر الفساد ومنبع الظلم والطغيان برأي حزب «التحرير»، فالحرية عنده تعني «الانحدار إلى درك الحيوان»، وهي تتناقض مع الأساس الذي جاء به الإسلام ويقضي بأن يكون المسلم عبداً لله تعالى. ومن كمال العبودية أن يطيع العبد أوامر المعبود. وصفة العبودية هذه تتنافى مع ممارسة السيادة دون ضغط وإكراه والتي تبشر بها الديمقراطية. والحريات العامة التي تتلخص بحرية الاعتقاد، فهذه، يقول الحزب، تتناقض مع الإسلام؛ لأنها تعني أن يعتقد الإنسان ما يشاء وأن يتخلى عن عقيدته أو يلحد متى يشاء. و«حرية الرأي» وتعني أن يمارس الإنسان إرادته في نقض أو نقد أي رأي يخالف عقله أو هواه، وليس لأحد الحق في أن يمنعه من ذلك. وهذا يناقض عقيدة الإسلام التي يجب أن يكون أي رأي منبثقاً منها. و»الحرية الشخصية»، وهي شر البلاء، فهل هناك أسوأ من أن نترك للإنسان أن يتخذ إلهه هواه؟ وهكذا، فالحرية والديمقراطية كفر وظلم وفسق.
ماذا عن حرية العمل السياسي والتعددية الحزبية في دولة حزب «التحرير»؟ لم يتغير موقف الأمير الثاني للحزب، الشيخ عبدالقديم زلوم، عن موقف مؤسس الحزب، في كتاب «نظام الحكم في الإسلام» الذي صدر باسم النبهاني أولاً، ثم صدرت نسخة منه «موسعة منقّحة» باسم الشيخ زلّوم. فالإسلام يأمر، كما يؤكدان، على إقامة أحزاب سياسية، لتدعو إلى الإسلام، ولتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتحاسب الحكام. ولكن هذه الأحزاب، «يجب أن تكون أحزاباً إسلامية تقوم على العقيدة الإسلامية وتتبنى الأحكام الشرعية، ولا يجوز أن تكون أحزاباً شيوعية أو اشتراكية، أو رأسمالية، أو قومية، أو وطنية أو تدعو إلى الديمقراطية، أو إلى العلمانية، أو إلى الماسونية، أو تقوم على غير العقيدة الإسلامية، أو تتبنى غير الأحكام الشرعية. ويجب أن تكون هذه الأحزاب علنية غير سرية. ويجب أن تكون أعمال هذه الأحزاب غير مادية، لأن عملها هو القول، لذلك يجب أن تكون وسائلها سلمية، ولا تستعمل السلاح، ولا تتخذ العنف وسيلة لعملها. لأن حمل السلاح في وجه الحاكم غير جائز، إلا في حالة واحدة، وهي حالة ما لو أظهر الكفر البَواح الذي عندنا من الله فيه برهان».
ولا تبرهن هذه الفقرة على الطابع الاستبدادي القمعي لحزب «التحرير» فحسب، بل تظهر كذلك تناقضه مع تاريخه ونفاقه. فالثابت أن الحزب قد تورط في أكثر من محاولة انقلابية ، وأقر مبدأ «النصرة»، أي الاستعانة بالمتنفذين في الجيوش، لوصوله إلى السلطة. كما أن حزب «التحرير»، منذ أن رفضت السلطات الأردنية طلب ترخيص العمل العلني والإشهار عامي 1952م و1953م، لا يزال يعمل سراً ويشكل الخلايا ويتحرك في كل البلدان دون الحرص على موافقة السلطات دائماً. وقد عاش النبهاني نفسه بالقدس فترة ثم اختفى عن الأنظار، وكان يتنقّل بأسماء مستعارة. وكان يقيم تارة في بيروت، مع زوجته اللبنانية، وتارة في دمشق، إلى أن استقر في بيروت حتى وفاته. وقد حصل الحزب على ترخيص بمزاولة نشاطه السياسي في لبنان عام 1959م. انتشار الحزب الأساسي كان في الوسط السُني اللبناني والفلسطيني، في طرابلس خصوصاً، وبشكل أضعف في كل من بيروت وصيدا. وقد أصدر عام 2003م كتيباً بعنوان «الحكم الشرعي في الانتخابات النيابية اللبنانية»، هاجم بشدة النظام السياسي والانتخابي اللبناني وكفّره، واعتبره حكم طواغيت، وكذلك السلطة القضائية، لأنها تفصل بين الخصومات بالقوانين الوضعية، والسلطة التشريعية والبرلمان، «المؤسس على النظام الديمقراطي الذي يجعل السيادة للشعب»، والذي يناقض الإسلام من الأساس. وجاء في الكتيب أنه «لا يجوز للمسلم أن يترشح للنيابة إلا بأن يصرح خلال حملته أمام الناس جميعاً أنه يعتبر النظام القائم نظام كفر، وأن لا يقترح أي قانون وضعي ولا يصوت لصالحه، وأن لا ينتخب أي رئيس للجمهورية طالما أنه يريد الحكم بالدستور اللبناني والقوانين المنبثقة عنه».
2011-02-03