مشكلات البحث العلمي والفجوة التكنولوجية في العالم الاسلامي
2013/11/29م
المقالات
2,245 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
مشكلات البحث العلمي والفجوة التكنولوجية في العالم الاسلامي
منذ أن تأسست أولى الحضارات الإنسانية والناس تسعى لتطوير وضعها المعيشي من خلال تحسين الظروف الصحية والقدرات الزراعية والإنتاجية للناس، وكذلك القدرات العسكرية والاقتصادية بشكل عام حتى يتسنى توفير الحماية للمجتمعات أو زيادة القدرة على توفير المصادر التي تضمن سد الحاجات الأساسية للناس من الخارج. وبسبب هذا السعي المستمر لسد الحاجات الأساسية وتوفير المصادر نتج أسلوب مميز مخصص للتطوير عرف بالبحث العلمي، وما برح هذا البحث يتقدم ويتطور حقبة بعد حقبة، وجيلاً بعد جيل، حتى غدا يتطور يوماً بعد يوم بوتيرة عالية يكاد يعجز حتى المختصين عن مواكبتها. ذلك أنه كلما دخل البحث العلمي في طور جديد تيسرت سبله واشتدت الحاجة إليه، فإذا به يصبح ملازماً لكل جزئيات حياتنا اليومية، فثمة ماكينة هائلة للبحث العلمي تمتد اليوم إلى معظم زوايا العالم تريد أن تنفذ بأدق ما يمكن تصوره للمادة وانتهاءً بمحاولة اختراق آفاق الكون، مروراً بكل تجليات الحياة ومظاهرها واستخداماتها واحتياجاتها ، ليكون البحث العلمي بذلك ربما الميزة الأهم والأخطر لعصرنا الذي نعيش في كنف متغيراته السريعة والهائلة.
وبسبب أهمية البحث العلمي راحت الأدبيات العلمية تسطر جوانب الأهمية والخطورة والفائدة لهذا الجانب من حياة الإنسان. فالعالم في سباق محموم من أجل الوصول إلى أكبر قدر من المعرفة الدقيقة والمثمرة التي تكفل الراحة والرفاهية والقوة والنفوذ للإنسان وتضمن له التفوق على غيره، كما يفيد البحث العلمي في تقصي الحقائق التي تعين الإنسان في التغلب على بعض مشاكله كالأمراض والأوبئة، ويفيد في فهم الظواهر الطبيعية ومحاولة تفسيرها والتنبؤ بها عن طريق الوصول إلى تعميمات وقوانين عامة كلية. كما أن أحد أهم الأهداف الرئيسة للبحث العلمي العمل على حل مشكلات حياة الإنسان بصيغ لا تقبل التجربة بالخطأ والصواب، وذلك ما يؤدي إلى تطوير تفكير الفرد الموضوعي الناقد ويرفع من مردوده السلوكي نوعاً وكماً، ويزيد من نسب النجاح التي يتوخاها.
لقد أولت الأمم اهتماماً بالغاً للتقدم التكنولوجي والبحث العلمي وتبنته كعامل استراتيجي لضمان قوتها وبقائها على الساحة الدولية بين غيرها من الأمم. إن الأمثلة على اهتمام المسلمين بالتقدم العلمي أكثر من أن تحصى، وهي من صميم العقيدة، ولكن منذ أن غُيِّب الإسلام عن الحكم بدأ التراجع في مختلف المجالات وأصبحت الفجوة عميقة بين المسلمين وأعدائهم في جميع مجالات التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، فإن المؤسسة الوطنية للعلوم في أميركا حددت أهدافها من وراء الإنفاق على البحث العلمي بثلاث:
(1) تعزيز التقدم العلمي (2) النهوض بالصحة الوطنية والازدهار والرفاه (3) تأمين الدفاع الوطني.
وتبلغ ميزانيتها السنوية حوالي 6.9 مليار دولار وهذا المبلغ مصدر لحوالي 20% من المبلغ المستخدم للبحث العلمي في الولايات المتحدة للسنة المالية 2010م غير شامل ما تساهم به المؤسسات غير الحكومية.
وقد أدى اهتمام الولايات المتحدة والكثير من الدول الاستعمارية بالبحث العلمي إلى تمكين هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة وأوروبا من التمسك بقيادة العالم في جميع مجالات العلوم والرياضيات والهندسة…
وفي واقع حياتنا كأمة إسلامية، فقد تراجع المسلمون لدرجة أصبحوا فيها متلقين لما يصنعه الغرب وليسوا منتجين لأي من الصناعات الثقيلة التي تتطلب تقنية عالية؛ وبذلك تأخرت الأمة ووصلت إلى ما وصلت اليه من انحطاط. إلا أن الانحطاط الذي وصلت إليه الأمة الإسلامية ليس بسبب تأخرها علمياً وإنما كان ناتجاً عن غياب دولة الخلافة التي ترعى شؤون المسلمين بما فيها الحث والحرص على التقدم التكنولوجي.
من هنا فإن خطورة البحث العلمي تكمن في أنه صار يرتبط حقيقة بمسألة السيادة وليس بمسائل التنمية وحسب. عند هذه النقطة الجوهرية والفائقة الأهمية، فإن ثمة سؤالاً بديهياً يطرح نفسه: أين تقف أمتنا الإسلامية من مسيرة البحث العلمي العالمية؟ إن استقراءَ الواقع العام لأمتنا من ناحية، واستقراء واقع البحث العلمي خصوصاً، يؤشران أن الفجوة ربما آخذة في الاتساع بين مانحن عليه وما عليه العالم المتقدم، على الرغم من كل الهيكليات التي تبدو وكأنها تواكب مسيرة البحث العلمي العالمية، فما تزال- في الأصل – الإشكالية قائمة في الحكم على مرحلة النهضة العلمية التي يفترض أن بلادنا مرت بها، وهل حققت التحولات المهمة في حياة الأمة أم لا؟.
إن ما تحقق على مستوى (النهضة العلمية) لم يكن في الحقيقة سوى محاكاة شكلية لأبسط صور التقدم الحياتي الذي شهده العالم المتقدم ، وإن هذا الذي تحقق لم يكن في الحقيقة جهوداً (نهضوية) إنه من ثمار الغزو الثقافي والحضاري الغربي لبلادنا. وإذا ما قصدنا بالنهضة اعتماد الجهود الذاتية الأصيلة في تحقيق التحولات، أو على الأقل الانطلاق من معطيات النهضة العلمية في الغرب باتجاه تطويرها أكثر بجهود الأمة الذاتية، وباعتماد الجهود الأصيلة وليست القائمة على المحاكاة، فإننا ما نزال بعيدين عن النهضة، إن ما تحقق في بلادنا ليس سوى ارتجاعات لحضارة الغرب، وما سمح به الغرب وأراده ليس إلا من أجل أن يسوق منتجاته في أسواقنا.
وحتى ندرك حقيقة ما نحن عليه من (نهضة علمية) علينا أن نعرف أن بلداً مثل السودان تصل نسبة الأُمية فيه إلى (80%) في حين لاتتعدى في روسيا (2%) وفي أمريكا (1,5%). وإذا كانت الأمية ظاهرة الأثر في الرجال فإنها بين النساء أظهر منها ، لأنها تؤثر في وظيفة الأمومة والطفولة سلباً. رسم تقرير دولي (المعرفة العربي 2009م) صورة قاتمة لوضع المعرفة في الدول العربية قاطبة، بعد أن أشار إلى جملة من المؤشرات التي كشفت عن أمية معرفية ورقمية يعيشها العالم العربي، فلا يزال، وفقاً للتقرير، ثلث السكان الكبار عاجزين عن القراءة والكتابة، ولا يزال هناك 60 مليون أمي عربي، ثلثاهم من النساء، وما يقارب 9 ملايين طفل في عمر المدرسة، لكنهم خارج أسوار الدراسة.
وصنَّف تقرير «المعرفة العربي» الذي أصدرته بدبي مؤسسة محمد بن راشد المكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة للتنمية، دولاً مثل المغرب في المراتب المتأخرة من حيث نسبة الإلمام بالقراءة والكتابة بين الدول العربية بحوالى 41 في المائة من نسبة الأمية. بينما لا يتجاوز معدل الالتحاق بالتعليم الثانوي في البلاد عتبة 56 في المائة، حسب تقرير المعرفة العربي لعام 2009م.
فإذا كان هذا حال (النهضة) في بلدين فقيرين مثل السودان والمغرب، فما وجه (النهضة) في البلدان الغنية ؟! إن فائض البترول الخليجي لم يحدث نماءً إلا بقدر البنية المؤهلة لاستهلاك الفائض السلعي الأوروبي ليتوازن الميزان التجاري، فهذا الفائض أسهم في إنعاش اقتصادات العالم المتقدم بما يوفره من سوق استهلاكي ناشط. ولم يعد سراً تدفق أموال الفائض النفطي الخليجي هذا على أوروبا وأميركا للاستثمار هناك حيث (الأرباح الأوفر) وحيث (الأمان الأمثل) وهكذا فان بلداننا الفقيرة والغنية في انعدام ملامح (النهضة) الحقيقية سواء ، عدا اختلاف نسبي في الشكل. كل هذا يؤشر إلى انعدام الأثر الحقيقي لمعطيات ومخرجات البحث العلمي في بلداننا. إن من أبرز ملامح النهضة الحقيقية والجادة هو مستوى النشر العلمي ، فالقراءة لا تشكل جزءاً من الاهتمامات الأساسية للفرد في بلادنا عامة. و(عادة القراءة) تواجه منافسة شديدة من لدن الإذاعتين المرئية والمسموعة ومن وسائل القراءة السهلة والسريعة كالصحف والمجلات التجارية. ولا تحتل اللغة العربية مكانة حقيقية بين اللغات الرئيسة المعتمدة في النشر، إذ إن 95% من النشر العلمي جاء باللغات الإنكليزية ثم الألمانية ثم الروسية ، وهناك أكثر من 4000 لغة من بينها العربية تبلغ حصتها من النشر (5%) فقط.
والمتتبع لتقارير التنمية الإنسانية العربية منذ سنة 2002م يجد أن المشاكل في تأخر التنمية في هذه المنطقة يعود حسب هذه التقارير إلى العوامل التالية:
– إخفاقات في تحقيق الحوكمة والحكم الرشيد
– الحاجة إلى المزيد في مجالات العلوم والتكنولوجيا والإبداع
– تعميق ثقافة المعرفة
– الفجوة التكنولوجية
وتلخيصاً للنقطة الأخيرة، فإنه مما لا شك فيه أن الفجوة التكنولوجية بين المسلمين وغيرهم كبيرة جداً وتتسع باستمرار. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستتعامل دولة الخلافة مع هذا الأمر حال قيامها؟. اذ ستجد نفسها في مؤخرة الدول من الناحية التكنولوجية، وسياسة التصنيع مربوطة قطعاً بالتكنولوجيا، وهي أساس القوة المادية التي ستكون الدولة بحاجة إليها. وهنا يجب إيضاح بعض الأمور:
1- إن الغرب الآن حريص على عدم وصول التكنولوجيا إلى المسلمين، ومن المتوقع أن يزيد هذا الأمر تعقيداً حال قيام الخلافة. بل إن الغرب سيعمل بجد على تعطيل أي تقدم تكنولوجي وإعاقة وصول التكنولوجيا إلى دولة الخلافة.
2- إن الفجوة التكنولوجية ليست ناتجة عن شح الإمكانات وقلة الخبراء، ولكن نتيجة لعدم وجود ثقافة البحث العلمي لدى الأنظمة الوضعية القائمة. ويكاد الإنسان لا يرى معهداً بحثياً عالمياً إلا وفيه من المسلمين الذين هم عنصر أساسي في ما وصل إليه الغرب من تقدم تكنولوجي، ومعظم هؤلاء العلماء هم ممن ترك بلده نتيجة للقهر والذل الذي تمارسه الأنظمة الوضعية.
3- من هذا المنطلق، فإن العلاج لهذه المشكلة هو علاج لكل المشاكل التي ترتبت على غياب الحكم بالإسلام، وحلها يكون مرتبطاً بوجود هذه الدولة الرعوية التي ترعى مختلف شؤون المسلمين. فإن توفرت الدولة القادرة على احتضان العلماء وتوفير العيش الكريم لهم فسترى الكثير من العلماء خصوصاً المغتربين قد عادوا إلى هذه الدولة ليساهموا في التقدم التكنولوجي. ومثال تلك الدول كندا حيث استطاعت بتوفيرها العيش الكريم للعلماء واستقطابهم، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية، أن تصبح من الدول الصناعية السبع على الرغم من حداثة سنها وقلة سكانها خلال فترة وجيزة.
4- هذا بالإضافة إلى أن هنالك المجال للكثير من المقايضة والمبادلة بين ما يمكن أن تقدمه دولة الخلافة مثل الطاقة وبين الحصول على التكنولوجيا المتقدمة من الكثير من الدول التي لا تأثير كبير للغرب عليها حالياً مثل كوريا الشمالية والهند. وهذا شبيه بما حصل مع أسرى بدر من الكفار: الحرية مقابل منح المعرفة.
5- وأخيراً، بالرغم من صعوبة الوضع فيما يتعلق بالفجوة التكنولوجية، إلا أن دولة الاسلام ستضيِّق الفجوة وتلحق بغيرها من الأمم بفترة وجيزة نتيجة للعدل الذي تحمله والثقافة الرعوية التي تتبناها واحتضانها ،كالأم لأبنائها، فهي الأمل الوحيد المنشود لتضييق الفجوة التكنولوجية، ووضع المسلمين في المكان الذي يجب أن يكونوا فيه بين الأمم.q
2013-11-29