الإسلام يساوي بين جميع المواطنين
1988/06/18م
المقالات
2,573 زيارة
لقد جعل الإسلام لرعايا الدولة الإسلامية أحكاماً خاصة بهم ساوى فيها بينهم وبين جميع المواطنين، فمن حيثُ الحُكُم ورعاية الشؤون يرى الإسلام أنّ الذين يحكمهم هم وحدةٌ إنسانية بغضّ النظر عن الطائفة أو الجنس. أما من حيث تطبيق أحكام الإسلام فإنه يأخذ بالناحية التطبيقية التشريعية القانونية لا الناحية الروحية.
يرى الإسلامُ أن الذين يحكمُهُمْ هم وَحْدَهٌ إنسانيةٌ بغضِّ النظر عن الطائفةِ والجنسِ، فلا يشترط فيهم إلا التابعية، لا توجد في الإسلام الأقلياتُ، بل جميعُ الناس، باعتبارٍ إنساني هم رعايا ما داموا يحملونَ التابعية، وكلّهم يتمتعُ بالحقوقِ التي قررها الشرع، سواء أكان مسلماً أو غير مسلم، وكل من لا يحمل التابعية يحرم من هذه الحقوقِ ولو كان مسلماً.
هذا من حيثُ الحكمُ ورعايةُ الشؤون. أما من حيث تطبيقُ أحكامِ الإسلام فإنه يأخذ بالناحية التشريعية القانونية لا الناحية الروحيةِ، ذاكَ أن الإسلام ينظرُ للنظام المطبقِ عليهم باعتبارٍ تشريعيّ قانونيّ، لا باعتبارٍ دينيّ روحي.
فالذين يعتنقون الإسلام يكون اعتناقهم له واعتقادهم به هو الذي يلزمهم بجميع أحكامه. لأنَّ التسليم بالعقيدة تسليمٌ بجميع الأحكامِ المنبثقة عنها، فكان اعتقادهم ملزماً لهم بجميع ما أتت به هذه العقدية إلزاماً حتمياً.
ثم إن الإسلام جعل المسلمين يجتهدون في استنباط الأحكام، وبطبيعة تفاوت الإفهام حصل الاختلاف في فهم الأفكار المتعلقة بالعقائد وفي كيفية الاستنباط، وفي الأحكام والآراء المستنبطة، فأدى ذلك إلى وجود الفرق والمذاهب. وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الاجتهاد وبيَّن أن الحاكم إذا اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحدٌ وإذا أصاب فله أجرانِ اثنان.
فتح الإسلام إذاً باب الاجتهاد، ولذلك لم يكن عجيباً أن يكون هنالك أهل السنة والشيعة والمعتزلة وغيرهم من الفرق الإسلامية، ولم يكن غريباً أن يكون هنالك الجعفرية والشافعية والزيدية والحنفية والمالكية والحنابلة وغيرهم من المذاهب الإسلامية. وجميع هذه الفرق والمذاهب الإسلامية تعتنق عقيدة واحدة هي العقيدة الإسلامية، وجميع هؤلاء مخاطبون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه، ومأمورون باتباع الحكم الشرعي لا اتباع مذهب معين.
وعلى الدولة ألاَّ تتعرض لهذه الفرق الإسلامية، ولا لاتباع المذاهب الفقهية. ما دامت لا تخرج عن عقيدة الإسلام. والمسلمون مطالبون بجميع أحكام الإسلام، إلا أنّ هذه الأحكام منها ما قطعي ليس فيه إلا رأي واحد كتحريم الربا ووجوب الزكاة، وكون الصلوات المفروضة خمساً، وما شاكل.
وهناك أحكامٌ وأفكارٌ وآراء قد اختلف المسلمون في فهمها. فهمها كل مجتهدٍ خلاف فهم الآخر، مثل صفاتِ الخليفة وإجارة الأرض. وتوزيع الإرث وغير ذلك، فهذه الأحكام المختلف فيها يتبنى الخليفة رأياً منها فتصبح طاعته واجبةٌ على الجميع.
ولكن العبادات لا يتبنى الخليفة منها شيئاً لأنَّ تبنيه في العبادات يجعل المشقة على المسلمين في عباداتهم، ولذلك لا يأمر برأي معين في العقائد مطلقاً، ما دامت العقيدة التي يعتقدونها إسلامية، ولا يأمر بحكم معين في العبادات ما عدا الزكاة. ما دامت هذه العبادات أحكاماً شرعية، وفيما عدا ذلك يتبنى في جميع المعاملات، كالإجارة والبيع والنفقة والشركة الخ… وفي العقوبات جميعها من حدودٍ وتعزير.
نعم، إن الخليفة ينفذ أحكام العبادات فيعاقبُ تارك الصلاة والمفطر في رمضانَ، كما ينفذُ سائر الأحكام سواء بسواء. وهذا التنفيذ هو واجبُ الدولة، لأن وجوب الصلاة ليس مجال اجتهادٍ ولا يعتبر تبنياً وإنما هو تنفيذ لحكم شرعي مقطوع به عند الجميع، ويتبنى لتنفيذ العقوبات على تارك العبادات رأياً شرعياً يلزم الناس بالعمل به، هذا بالنسبة للمسلمين.
وأما غير المسلمين، فيتركون وما يعتقدون وما يعبدون، فيسيرون في أمور الزواج والطلاق حسب أديانهم، وتعين الدولة لهم قاضياً منهم، ينظر في خصوماتهم في محاكم الدولة. أما المطعومات والملبوسات فإنهم يعاملون بشأنها حسب أحكام دينهم ضمن النظام العام. وأما المعاملات والعقوبات فتنفذ على المسلمين وغير المسلمين سواء بسواء، من غير تمييز أو تفريق على اختلاف أديانهم وأجناسهم ومذاهبهم، فهم جميعاً مكلفون باتباع الأحكام والعمل بها. غير أنَّ تكليفهم بذلك إنما هو من ناحية تشريعية قانونية، لا من ناحية دينية روحية، فلا يجبرون على الاعتقاد بها، لأنهم لا يجبرون على الإسلام، قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن أن يفتن أهل الكتاب في دينهم.
حديث شريف
عن ثوبان، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله زوى لي الأرض، فرأيتُ مشارقها ومغاربها، وإنّ أمّتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها وأُعطيتُ الكنزين: الأحمر، والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَة عامّة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد، إني إذا قضيت قضاء، فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامّة، وأن لا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من أقطارها ـ أو قال: من بين أقطارها ـ حتى يكون بعضهم يُهلك بضعاً، ويسبي بعضهم بعضاً».
رواه مسلم
1988-06-18