أين مصلحة (إسرائيل) فيما يقوم به بشار أسد من تدمير سوريا؟
2013/10/29م
المقالات
2,403 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أين مصلحة (إسرائيل) فيما يقوم به بشار أسد من تدمير سوريا؟
الدكتور حازم بدر – فلسطين
إن أخشى ما تخشاه (إسرائيل) هو أن يسقط نظام البعث المجرم في سوريا، ويقوم على أنقاضه حكم إسلامي مخلص يكون على رأس أولوياته تحرير فلسطين من رجس يهود.
والحاصل أن يهود، ولأول مرة في حياتهم، مرعوبون، وبمستوى غير مسبوق، من حقيقة زوال دولتهم اللقيطة، وباتوا يدركون أن سقوط حامي حماهم، بشار، وقيام حكم إسلامي رشيد مكانه معناه شيء واحد: أن نهايتهم باتت قريبة، ولذلك فهم مستعدون لأن يفعلوا أي شيء لأن لا يحصل هذا، وهذا ما صرح به نتنياهو في 17/05/2013م عندما أكد أنه سيفعل «كل ما يتطلبه الأمر لحماية أمن مواطني إسرائيل» وأنه «على استعداد في سبيل ذلك للتوجه إلى أي مكان، والالتقاء بأي شخص» في إشارة إلى ما يحصل في سوريا.
ويهود في فلسطين، وجميع أعداء الإسلام في العالم، من دول غربية صليبية، وأنظمة في بلاد المسلمين مأجورة لديها، أوجسوا خيفة كبرى من تحرك الشارع المسلم، في أكثر من بلد، بعد سبات عميق، وأدركوا أن الأمة الإسلامية أمة حية وتتململ، فعملوا ولا زالوا على حرف الثورات التي اندلعت، وحققوا نجاحاً، إلى الآن، في تونس وليبيا ومصر واليمن، فخطفت الثورات، وتغيرت الوجوه المحروقة بوجوه ملونة مزيفة استمرت برهن البلاد والعباد لصالح الكافر المستعمر، بعد أن قامت بتغييرات تجميلية تضليلية لشعوبها لم تغير من الواقع شيئاً.
وقامت ثورة أخرى في الشام، حسب أعداء الدين أنها ما تلبث أن تلحق بأخواتها، باستقدام حكام غير مكشوفين، يلتفون على جماهير المسلمين، فتهدأ حركتهم وتنطفئ نارهم. لكن أهل الشام أعلنوها «إسلامية» وأنهم يريدونها خالصة لوجه الله، وأن الشيء الذي يسعون إليه هو حكم إسلامي، وخلافة. وبرز حزب التحرير في هذه الثورة، يسدد ويقارب، يوجه وينصح، وهو الرائد الذي لم يكذب أهله، وهو المعروف عنه ثباته واستقامته عند أهل الشام منذ عشرات السنين، فتعاظمت قوته، والتفَّ الناس حول فكرته ودعوته، ما ساعد الثورة، إلى حد كبير، لأن تكون عصية على أعدائها، التي أرادوا وأدها في مهدها، وحرفها عن إسلاميتها، فلم يستطيعوا، ولن يستطيعوا بإذن الله.
وأعداء الثورة الإسلامية المباركة في الشام هم كل أعداء الإسلام في العالم، ابتداء من النظام البعثي العميل للأميركيين، والآيل للسقوط عما قريب بإذن الله، وكل الأنظمة المأجورة في المنطقة، التي تنفذ مؤامرات أميركا، وأدواتهم من أحزاب ومنظمات، وكذلك أوروبا وتحديداً بريطانيا وفرنسا، إضافة إلى روسيا والصين، اللتان تلعبان دور الداعم للنظام، والمخالف للأميركان في الظاهر، وأخيرا (إسرائيل) المرعوبة من سقوط سوريا في ايدي المخلصين. إن الغرب والشرق عدو لهذه الثورة المباركة، ولسبب واحد بسيط، وهو أنها يمكن أن تغير مجرى التاريخ إن قضى الله أن تكون نهايتها خلافة إسلامية، لأنها عندئذ ستهدد مصالح الكفار، وبل ووجودهم، ليس فقط في بلاد المسلمين، ولكن حول العالم. من أجل هذا يستعر القتل والمجازر في المسلمين في الشام، كما لم يحصل من قبل في التاريخ، وتدمر البلد فوق أهلها، ويباد الناس بشتى أنواع الأسلحة، لعل أهل الشام الأبطال يعودون عن ثورتهم، ويستسلمون، ولا فائدة. وهكذا فإن كل أعداء الثورة، على اختلاف مصالحهم السياسية، مجمعون على منع وصول قطار الثورة إلى محطة نظام حكم إسلامي مخلص، وتحديداً الخلافة الإسلامية، وهم أكثر من مجمعين على معاقبة الشعب المسلم في الشام، والبطش به عسكرياً، وإفنائه إن لزم الأمر، لأنه يطالب بالخلافة، ولا ينحني أمام أجنداتهم السياسية.
أما أهم ما يرسم ويشتهي ويريد أعداء الثورة المباركة أن يتحقق سياسياً في سوريا حتى يتوقف القتل والتدمير الوحشي، على يد وكيلهم بشار، فيتمثل، بوجه عام، بالأمور التالية:
1- خضوع أهل سوريا وقبولهم بتغيير نظام البعث في سوريا شكلاً، كما حصل في بلدان الثورات العربية، سواء بقي شخص بشار أم تغير بوجه جديد.
2- بناء ودعم وترويج ما يسمى المعارضة السياسية للنظام، من ما يسمى مجالس وهيئات وائتلافات، والتي تصنع في أقبية المخابرات الغربية، وتحديداً الأميركية، وترعاها أنظمة الجور، لأن تكون (ممثلة شرعية وحيدة) للشعب، حتى تقفز على الثورة في توقيت مناسب، وتستلم الحكم خلفاً لبشار، وتنفذ أجندة أميركا هناك.
3- وهذا يستلزم الإتيان بوجوه جديدة، غير مفضوحة الإجرام، ترث النظام، ولا تغير في واقع الحكم شيئاً. وهذه الوجوه يمكن أن تكون جديدة كلياً، أو وجوه كانت جزءاً من النظام، ليستعان بها في الفترة القادمة التي يريدونها أن لا تتغير عن سابقتها، إضافة إلى الإبقاء على الأجهزة الأمنية المجرمة في حالة تم تغيير صورة الرئيس
4- وبما أن الشعب في الشام شعب مسلم ويتنفس وينادي بالإسلام، كان لا بد عندهم من تطعيم الوجوه المستقدمة لوراثة النظام بعناصر محسوبة على التيار الإسلامي المسمى معتدل، فهؤلاء جاهزون للمشاركة في الحكم، وهم ينادون بما ينادي به الغرب، ولا خوف منهم، وقد جربوا في تونس ومصر، ومستوى انبطاحهم لما يريده الغرب مبهر.
5- تشكيل جيش يحمي الحكام الجدد، مع أجهزة أمنية موالية للغرب (أميركا على وجه الخصوص)، والذي ستكون أولى مهماته ضرب المخالفين لها من أصحاب المشروع الإسلامي، والذين سيعمل على وصمهم بالإرهاب. وفي هذا الصدد ستحاول أميركا أن تستخدم فلولاً من الجيش الحر، وفلولاً من المجموعات المسلحة، وقد تمدهم بقوات متعددة الجنسيات فاعلة على غرار «إيساف» في أفغانستان، لتحمي مشروع حلها الجديد تحت ذريعة محاربة الإرهاب … وبعبارة أخرى «أفغنة الحل» في سوريا.
6- بناء دولة ديمقراطية مدنية تحارب الدين، وتدين بالولاء لقيم الغرب المجرم المستعمر، وتبقي سيطرته السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية في سوريا بعد (ذهاب) نظام البعث في سوريا.
وإذا كانت أميركا وبريطانيا وفرنسا، إضافة إلى روسيا والصين، تختلف قليلاً أو كثيراً في محاولة إخراج الواقع السياسي في سوريا ما بعد الثورة، كل حسب مصالحه، لكنهم متفقون تماماً على شيء واحد: أن لا تقع سوريا في أيدي المخلصين، وأن لا تقوم في سوريا خلافة إسلامية، تعيد مجد الإسلام، وتوحد الأمة الإسلامية من جديد، وتهدم صرح طاغوت الكفر في العالم، وترفع لواء الجهاد، وتهدد مصالح الكفر حول العالم.
وهكذا، ومنذ بداية ثورة الشام، الثورة التي تعبرعن الأمة الإسلامية، وأهدافها وتطلعاتها الحقيقية، وأعداؤها لم يفتروا في حبك المؤامرات السياسية لإحباطها، وحرفها، وخطفها، مستعينين بالبطش غير المسبقوق لإرهاب المسلمين في الشام، إلا أن كل الألاعيب والمؤامرات السياسية التي تقودها دول الكفر قد تحطمت، والحمد لله، على صخرة رفض الشارع المسلم في سوريا لها، ما ينبئ أن الله يكافىء أهل الشام على صبرهم، واستقامتهم، وعدم خذلانهم لدينهم، ويبشر أن تكون جائزتهم من الله فتحاً قريباً، وخلافة تعزهم وترفعهم.
أما عن يهود في فلسطين، وعن علاقتهم بما يجري في سوريا، وعن سياستهم وأهدافهم تجاه ما يحصل هناك، أقول:
-
على الرغم من التضليل الإعلامي الذي رافق علاقة دولة يهود بالنظام البعثي منذ أن قامت دولتهم، من أن نظام أسد نظام ممانعة وصمود وتصدٍ، وغير ذلك من الترهات، إلا أن نظام البعث، في حقيقته، ومنذ أن قام، موالٍ ليهود، ومطيع لسياسة سيدته أميركا في المنطقة. فهو نظام بعثي دكتاتوري منذ عشرات السنين، وفي رقبته عشرات الآلاف من المسلمين من أهلنا في سوريا، فالنظام البعثي المجرم قتل من المسلمين في حماة وحدها 40 ألفاً، إضافة إلى المقابر الجماعية هنا وهناك.
-
أما السياسة الأساسية التي رسمتها أميركا للنظام السوري، خلال سني حكمه، فهي المحافظة على أمن يهود حتى تأذن له بالمضي قدماً في طريق (سلامه) معهم، وأيضاً في احتضان ما يسمى بفصائل الممانعة الفلسطينية على أرضه، حتى إذا ما جاء السلام مع يهود قدمها قرباناً على مذبح يهود وأميركا. ومن سياسة النظام البعثي حربه الشرسة على المسلمين، أو ما يسمى بالارهاب، وسجونه، وأقبية غرف التعذيب فيها شاهدة على فعله بالداعين إلى الله، وإقامة الخلافة. ومن سياسته أيضاً مساعدة أميركا في حربها على العراق، ومساعدتها في إبقاء سيطرتها على لبنان ووجودها هناك، والذي تزعزع بعد مقتل الحريري. أما لغة العداء الكاذبة لأميركا، الذي دأب النظام على ترويجها، فيكشفها وجود سفير أميركي في سوريا، اسمه روبرت فورد، يسرح ويمرح في ربوع البلاد منذ سنوات، ويفضح هذه العمالة السياسية الأمنية للنظام البعثي تصريحات كثيرة منها تصريح وليم بيرنز مساعد وزير الخارجة الأميركية في شباط/فبراير 2010م قال فيه: «إن منسق وزارة الخارجية لمكافحة الارهاب، السفير دان بنجامين، سيبقى في دمشق يوماً إضافياً لعقد لقاءات مع مسؤولين سوريين، في إطار تعميق الحوار للتقدم نحو الأمام.» وكان سيمون هيرش الصحفي الأميركي المشهور، والذي يعمل في صحيفة نيويوركر، قد كشف في شهر 2/2010م أن «جهاز الأمن السوري قد استأنف تعاونه مع جهاز المخابرات الأميركية CIA « وهو الأمر الذي يؤكد التبعية السورية لأميركا من الناحية الأمنية السياسية، ناهيك عن شراكة اقتصادية بين البلدين لا يتسع المقام لذكرها، وتكشف التضليل في تزوير الرؤية عند المسلمين عن نظام الأسد التابع والخادم لأميركا ويهود. وهذا ما أكده الرئيس السابق لجهاز الموساد (الإسرائيلي)، أفرايم هاليفي، عندما قال في 12/05/2013م «إن بشار الأسد هو رجل تل أبيب في دمشق» وأن «إسرائيل تضع في اعتبارها منذ بدأت أحداث الثورة السورية أن هذا الرجل ووالده تمكّنا من الحفاظ على الهدوء على جبهة الجولان طيلة 40 سنة.»
-
ويهود لا يريدون لنظام بشار أن يسقط إن كان البديل نظاماً يمكن أن يهددهم، خصوصاً نظام خلافة لا يساوم في اجتثاث كيانهم، وتحرير فلسطين، فقد نشرت صحيفة التايمز البريطانية في 18-05-2013م تقريراً بعنوان «(إسرائيل) تقول إن على الأسد أن يبقى» تذكر فيه الصحيفة نقلاً عن مسئولين (إسرائيليين) أن «(إسرائيل) تفضل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد إذا كان البديل هو وصول المعارضة المسلحة الإسلامية إلى السلطة». وقالت مصادر استخباراتية (إسرائيلية) إن «بقاء نظام الأسد، ولكن بصورة أضعف، هو أفضل خيار (لإسرائيل) وللمنطقة المضطربة”. وهذا ينسجم مائة بالمائة مع ما يعلن عنه صديقهم ورجلهم في دمشق بشار عندما يقول في في 17/4/2013م «نحن نحارب القوى التكفيرية» في إشارة إلى أصحاب المشروع الإسلامي في سوريا، ومتعمداً التضخيم والتضليل بادعائه أن «القاعدة هي العنصر الغالب في سوريا حالياً» ومحذراً الغرب من أنهم «كما موَّلوا القاعدة في أفغانستان في بدايتها، ودفعوا الثمن غالياً لاحقاً… الآن يدعمونها في سورية وفي ليبيا، وفي أماكن أخرى، ويدفعون الثمن لاحقاً في قلب أوروبا، وفي قلب الولايات المتحدة». وهو بهذه التصريحات يعمل على إبراز القاسم المشترك بينه وبين الغرب، ودولة يهود أيضاً، وهو العداء المستحكم للإسلام. وقد سبق أن أكد الأسد هذا العداء، نيابة عن كل أعداء الإسلام، عندما ذكَّر الغرب أن سوريا هي «المعقل الأخير للعلمانية في المنطقة.» أي أن رسالته العاجلة لكل أعداء الثورة الإسلامية، حلفاؤه في الغرب: أن عاجلوا بحماية نظامي بأي ثمن، فالعواقب ستكون عليكم وخيمة إن لم تفعلوا.
-
وقد عبَّر كثير من السياسيين والعسكريين في (إسرائيل) عن خشيتهم من سقوط نظام بشار على يد ما يسمونهم «المتطرفون» لأن ذلك يهدد وجودهم. فقد حذر قائد سلاح الجو الصهيوني عمير إيشل في 23/05/2013م من أن «تكون الحرب المقبلة مفاجئة للكيان الصهيوني، ومتعددة الجبهات، مؤكداً أنها لن تسمح للجهاديين بالحصول على أسلحة متطورة.» وقال إن «التفوق الجوي الإسرائيلي هو شرط لانتصار سريع، وله أبعاد استراتيجية، ولهذا لا يمكن لإسرائيل أن تسمح بوقوع هذه الأسلحة بأيدي مجموعات مختلفة، وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة في لبنان وفي غزة». وقال رئيس الأركان (الإسرائيلي) الجنرال بني غينتس في 11/05/2013م «إن الحرب التي يخوضها الجيش السوري قد تتحول إلى شأن إسرائيلي» وهو يقصد بذلك المرحلة التي يسقط فيها النظام السوري وتصبح (إسرائيل) في مواجهة مباشرة مع أعداء حقيقيين لا يخونون الله في علاقتهم مع دولة يهود. وهذا ما أشار إليه الكاتب الأميركي توماس فريدمان، في مقالة له في نيويورك تايمز، في 10/02/2013م من أنه «في حال ما تحولت سوريا إلى أفغانستان أخرى على الحدود الإسرائيلية، فإنها ستصبح ملاذاً للجهاديين، والأسلحة الكيمياوية وصواريخ أرض – جو، والتي ستنتشر جميعها بحرية في كافة أرجاء المنطقة» وأضاف أن بعض الجنرالات (الإسرائيليين) يعتقدون أنه في حال استمرت الحرب في سوريا، فإنها ستشكل بكل تأكيد خطراً استراتيجياً عظيماً يهدد (إسرائيل).
-
من أجل ذلك فإن يهود سعداء بما يجري في سوريا من تدمير منظم للبلد، وبنيته التحتية، وجيشه على يد النظام المجرم، إضافة إلى القتل المسعور، والإبادة التي يقودها النظام تجاه الثوار والمخلصين الذين خرجوا عليه. إن لسان حال يهود يكاد يعلن: إذا لم يكن مفر من سقود نظام الأسد في النهاية، فنحن نريد سوريا خربة مدمرة ضعيفة، لا تقوى على شيء. وهكذا فيهود يرحبون بالفظائع التي تجري في الشام، ويرحبون بكل من يمد النظام بالسلاح والعتاد والرجال لفعل ذلك، كروسيا والصين وأميركا وإيران وغيرهم، وسيأتي يوم يتكشف فيه للعالم أن (إسرائيل) نفسها دعمت الأسد في حرب بقائه، كماً ونوعاً.
-
وعلى الرغم من أن يهود يرقبون ما يجري في الشام، ولم يتدخلوا تدخلاً ظاهراً ومباشراً إلى الآن، إلا أنهم، في الحقيقة، يدعمون نظام بشار عسكرياً، واستخبارياً منذ اندلاع الثورة المباركة في سوريا، وبتنسيق مع أميركا على وجه الخصوص، إضافة إلى روسيا وغيرها من الدول التي تريد القضاء على الثورة. فعلى المستوى العسكري، فإن يهود يقومون بمهمات خاصة ونوعية في داخل الأراضي السورية، سواء من الجو، من خلال قصف الثوار، وطائرات التجسس، أم على الأرض من خلال فرق كوماندوز تدخل لتنفيذ مهمات محددة. فمن العمليات الجوية، التي كشف عنها، قصف يهود لمنشآت حيوية في سوريا في 05/05/2013م حتى لا يستفيد منها الثوار المخلصون، إضافة إلى قصف الثوار أنفسهم ومقدراتهم المحدودة. أما على الأرض فيكفي ذكر ما كشفت عنه شبكة فوكس نيوز الأميركية، في 19/05/2013، من خلال فيديو مصور، عن قيام فرقة كوماندوس (إسرائيلية) بتنفيذ «نشاط عملاني» داخل سوريا، بحسب صحيفة هآرتس. والنشاط «العملاني» المقصود هنا هو قتل أواغتيال أو تدمير. أما استخبارياً، فإن يهود يساعدون النظام، ويكشفون له تحرك الثوار، وتقدمهم على الجبهات المختلفة، إضافة إلى تنبيهه تجاه أي انشقاق في الجيش يمكن أن يحصل، ومساعدته في قصف من يخرج عليه بالفعل.
-
ويهود، وهم يفعلون كل هذا، يضللون الرأي العام، إعلامياً، أنهم غير معنيين بتوتير الأوضاع على جبهة الجولان، وأنهم ليسوا مع التصعيد مع نظام أسد، وأنهم يحذرونه من مغبة تهوره والاشتباك معهم، ويصورون أن حركتهم العسكرية على الحدود (المحدودة والمضطر لها) هدفها منع وصول أسلحة نوعية لأيدي منظمات متطرفة. فقد قال وزير المياه والطاقة (الاسرائيلي) سيلفان شالوم في 30/05/2013م إن (إسرائيل) لا تريد التسبب «بتصعيد» عسكري مع سوريا، لكنها لن تسمح بنقل أسلحة «استراتيجية» لا سيما إلى حزب الله الشيعي اللبناني. وقال شالوم «من غير الوارد التسبب بتصعيد، وليس هناك من داع لاثارة توتر على الجبهة مع سوريا، هذا لم يكن هدفنا ولن يكون كذلك». ورداً على سؤال حول تزويد أنظمة دفاعية من نوع «إس-300» لسوريا، حاول شالوم الطمأنة قائلاً: «منذ سنوات، تملك سوريا أسلحة استراتيجية، والمشكلة ستطرح إذا كان هناك خطر أن تقع هذه الأسلحة بين أيدي أطراف أخرى، وأن تستخدم ضدنا، وفي هذه الحالة سنتحرك». طبعاً المقصود «بأيدي أطراف أخرى» ليس (حزب الله) الذي يخدم بقتاله إلى جانب الأسد مصلحة يهود بامتياز، فهو لا خوف منه على يهود، وإنما المقصود هنا الثوار المخلصون. كما أن يهود يرحبون بأي سلاح نوعي روسي، وغير روسي، يصل للنظام المجرم في سوريا، فهم يدركون أنه لن يستخدم ضدهم، بل ضد الثوار.
-
إن (إسرائيل) لا تنتظر سقوط نظام البعث، ولا تفعل شيئاً لحماية نفسها، وهي لا تركن فقط إلى صنيع الأسد وهو يدمر ويقتل، فعلى الرغم أن ذلك يريحها، كما تعتقد إلى حد بعيد، مما سيأتي لو سقط النظام لصالح نظام إسلامي مخلص، إلا أنها تتأهب وتتحضر. فبالإضافة إلى أن يهود، كما ذكرنا، لهم يد في مساعدة النظام بالفعل داخل سوريا، فهم يقومون بأشياء كثيرة على جبهتهم الداخلية، فهم يحصنون الحدود، ويبنون الجدران، ويلغمون الأرض، ويوزعون الكمامات، وهم يستنفرون الجيش كله، ويجهزون وحدات النخبة، ويستدعون الاحتياطي، ويقومون بمناورات داخلية مستمرة تحاكي حرباً قادمة، ويجرون مناورات خارجية مع الأميركان والأتراك والأوروبيين وغيرهم، ويعقدون اجتماعات أمنية مع أطراف كثيرة كأميركا وروسيا والأردن وتركيا. ومثال ذلك ما ذكرته صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية في 22/04/2013م من أن العاهل الأردني عبد الله الثاني قرر فتح المجال الجوي لبلاده أمام طائرات سلاح الجو (الإسرائيلي)، إضافة إلى ما ذكرته صحيفة معاريف في 21/04/2013م من أن مصدراً أردنياً رفيع المستوى كشف للصحيفة (الإسرائيلية) النقاب عن أنه في الأشهر الأخيرة جرت عدة لقاءات سرية بين رئيس الوزراء (الإسرائيلي) والعاهل الأردني بهدف تنسيق مواقف البلدين من سورية.
-
إن قادة يهود، وهو ينتظرون مآل الحال في سوريا، يتمنون أن لا يأتي وقت يضطرون فيه لأن يدخلوا في حرب شاملة مع النظام الجديد في سوريا، ونرجو الله أن يكون خلافة المسلمين، فيهود يدركون أن كذبة الردع والجيش الذي لا يقهر قد انتهت، وهم يدركون أنهم مرشحون لخوض حرب تختلف عن كل (حروبهم) السابقة. فهم يسمعون الثوار يقولون إن القدس وجهتهم القادمة، وأن صراعهم مع يهود صراع عقدي، لا تكتيكي سياسي كما كان يحصل مع يهود من قبل. وهذا يرعب يهود، وهم يتساءلون: ماذا يمكن أن نفعل تجاه هؤلاء الثوار، وأهل الشام، أكثر مما يفعله نظام البعث اليوم؟ وكيف لنا أن نواجه من صبر على المجازر، والغازات السامة، والكيماوي …؟ إن أكثر ما يرعب يهود اليوم هو اضطرارهم لأن يواجهوا رجالاً قابلوا مثلهم زمن الرسول صلى الله عليه وسلم … زمن خيبر وأخواتها، وتاريخهم ينبئهم أن فرصتهم في البقاء معدومة إذا كان الخصم من أمثال سعد بن معاذ، وما صنعه بأجدادهم بني قريظة. من أجل ذلك فإن يهود لا يتمنون الوصول إلى هذه المرحلة، وهذا يعني أنهم لا يرون أن تدخلهم، الظاهر والقوي، الآن في سوريا أمر مفيد لهم، لأن تدخلهم يمكن أن يسرِّع في وصولهم إلى المجابهة العسكرية الكاملة التي تقضي على كيانهم، فتدخلهم سيسرِّع في سقوط حليفهم الأسد، لأن المسلمين عندئذ سيستنفرون في سوريا وخارجها، وتتعاظم قوتهم، ويستأسدون في قتالهم، ويهبون من كل حدب وصوب من أجل عقيدتهم ودينهم، ولن يستطيع أحد حينها أن يوقف ملحمتهم الكبرى، حتى يحرروا، بإذن الله، كل شبر في فلسطين. ولهذا السبب أيضاً تردَّدَ حلفاء النظام البعثي في الغرب من التدخل عسكرياً، وبشكل مباشر في سوريا، فهم يفضلون أن يقوم بهذا العمل نظام الأسد نيابة عنهم، ثم جهات عسكرية عربية (نظامية أو حزبية) إن لزم، أما هم فيكتفون في البداية بتزويد النظام بالسلاح والتجسس على الثوار، وشراء ذمم فصائل عسكرية في الداخل، وتدريبها وتسليحها، ليس من أجل قتال النظام، بل من أجل المحافظة عليه، ومن أجل استخدامها في مرحلة قادمة، وتدريب وتسليح جيوش الدول المجاورة، كما يحصل في الأردن. ثم بعد ذلك يمكن أن تأتي مرحلة الحظر الجوي والقصف الجوي عن بعد، ثم في مرحلة متأخرة يمكن أن يلجؤوا إلى إنزال قوات برية، كخيار نهائي وغير مفضل. هذه هي الاستراتيجية الغربية في سوريا، والتي تراها (إسرائيل) أيضاً.
-
ولأن قوة الثوار المخلصين في سوريا تتعاظم كل يوم على حساب نظام البعث المتآكل كان لزاماً أن يصار إلى الاستقواء بشكل أكبر وأقوى وأظهر بإيران وحزبها في لبنان (حزب الله) وميلشيات شيعية من عراق المالكي، في محاولة يائسة أخرى لمنع سقوط النظام، وهذا يسعد يهود كثيراً، وهم يشجعونه، ولهم يد فيه، فهو يحقق لهم هدفان: الأول أنه يعطيهم أملاً في أن النظام البعثي يمكن أن يستمر، ولا يسقط عاجلاً لصالح نظام مخلص، والثاني أنه يشعل فتيل فتنة كبرى بين (السنة) و(الشيعة) في سوريا، وحتى في المنطقة كلها، يفتُّ في عضد المسلمين ويضعفهم. ولذلك فيهود، ومن ورائهم الأميركان، يذكون نار الفرقة، والمذهبية السياسية بين من سماهم الله المسلمين (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ). وها هي قيادات النظام الإيراني والعراقي تدعم نظام البعث بالسلاح والرجال، ويستنفرون (حزب الله) لتحقيق هذه الغاية الدنيئة، خدمة لأميركا ويهود. كما أن (إسرائيل) تدعم كل الفصائل، والمليشيات العسكرية العلمانية، التي اشترتها أميركا وأوروبا في سوريا، حتى تواجه بها القوى الإسلامية المخلصة، التي ترفض الرضوخ لأجندات الغرب السياسية هناك.
-
وهكذا، فإن السيناريوالأمثل ليهود، في سوريا اليوم، يتلخص في أنهم يريدون أن تتمزق سوريا إلى دويلات وطوائف وقوميات، ويريدون تفتيتها جغرافياً وسياسياً ومذهبياً إن أمكنهم ذلك. وهم مع دولة نصيرية علوية في غرب البلاد، يستمر فيها حكم الأسد، ليظل شوكة في خاصرة وحدة البلاد، وهم مع فتنة لا تنتهي بين (السنة) و(الشيعة)، وهم مع فصائل متقاتلة متناحرة، وأمراء حرب ينازعون بعضهم بعضا، وهم مع سوريا مدمرة كلياً، من حيث البنية التحتية، ومقومات الدولة، فهم يؤمنون أن هذا يشل البلد، ولا يجعله يقوى على مواجهتهم فيما بعد، وهم مع جيش مدمر، وقدرات عسكرية تؤول إلى الصفر. وهذا بالفعل ما يعمل الأسد على تحقيقة لهم الآن: بلد مدمر وجيش مدمر. إن يهود يريدون لسوريا أن تتحول إلى دولة منهارة عاجزة في كل جوانبها، السياسية والاقتصادية والعسكرية، أو ما يطلق عليه بـ«الدولة الفاشلة» التي تلتهي بنفسها، ولا تستطيع أن تشكل أي خطر عليهم. إن يهود يريدون وصول سوريا إلى ما أسماه مسؤول بارز في البيت الأبيض، بحسب الواشنطن بوست، «مشكلة بريمر» ، والتي تعني الفوضى التي تفشت في العراق في أعقاب سقوط صدام، لكن يهود يريدونها، في سوريا، فوضى عاجزة لا تستطيع أن تهدد كيانهم، وفي هذا الصدد يذكر آفي ديختر رئيس «الشين بيت» السابق في 4/04/2013م أن تفتيت العراق إلى دويلات متناحرة كان على رأس أولويات الكيان الصهيوني… وهذا ما يريده أيضاً يهود في سوريا.
-
لكن الذي لا تعرفه (إسرائيل) وكل القوى الاستعمارية التي تقف في صف نظام البعث أن لحظة الحقيقة تقترب، بإذن الله، أكثر وأكثر، وهي سقوط نظام بشار في أيدي المخلصين، الذين سيقيمون نظام حكم إسلامي راشد، نظام الخلافة الذي سيقلب الأوضاع قلباً لم يشهدوا مثله، ليس فقط في سوريا والمنطقة، بل وفي كل العالم. ويهود وكل قوى الكفر في العالم لا يدركون أن الدول المبدئية لا تقوم في الأساس على حجارة أو سلاح، بل تكون قوتها الأساسية من قوة فكرتها التي يحملها رجال يموتون في سبيلها، فكيف إذا كانت هذه الفكرة هي «لا إله إلا لله محمد رسول الله» وكيف إذا كانت هذه الدولة دولة الخلافة، التي لا تسقط لضعف في بنيتها أو جيشها، ومن يعرف المسلمين جيداً يعرف أنهم لم ينتصروا يوماً بعدة ولا عتاد. ويهود يخشون أن يظهر صلاح دين جديد، لأنهم يعرفون تماماً معنى صلاح دين جديد وخلافة.
أخيراً أقول: إن ما يجري في سوريا اليوم هو حرب عالمية ضد المسلمين هناك حتى لا تنبعث خلافة المسلمين من جديد، ودليل ذلك اجتماع كل قوى الكفر والطاغوت ضد شعب يعلنها «هي لله هي لله.» وإذا كانت (إسرائيل) جزءاً من منظومة هذه الحرب الكونية، إلا أنها تتميز عن غيرها، بأنها، بإذن الله، ستكون أول من يدفع ثمن قيام خلافة الإسلام هناك، والتي ستقضي على كيانهم المسخ. حينئذ، لن ينفع يهود أي شيء: لن تنفعهم قوتهم المزعومة، ولن تنفعهم لا أميركا ولا غيرها، وستنقطع كل الحبال التي توسلوا بها، طوال عمر دويلتهم اللقيطة، وسيتخلى عنهم الجميع ليواجهوا مصيرهم الموعود. (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ). (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ) أسأل الله أن نشهد كل هذا، وأن نكون من شهود وجنود الخلافة القادمة، وأن يتحقق حديث الرسول صلى لله عليه وسلم الذي قال فيه: «يَوْمُ المَلْحمَة الكبُرىَ فُسطَاطُ المسُلمِيِن،َ بِأَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْغُوطَةُ، فِيها مدَيِنَةٌ يُقَالُ لَهَا دِمَشق،ُ خَيْرُ مَنَازلِ المُسْلِمينَ يَوْمَئذِ». أخرجه الحاكم وقال هذا حديث صحيح الإسناد. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ).
2013-10-29