الصبر شطر الإيمان
2018/03/20م
المقالات
30,546 زيارة
الصبر شطر الإيمان
الصبر في اللغة: بمعنى الحبس، وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿فَصَبۡرٞ جَمِيلٞۖ ﴾، قال ابن تيمية (رحمه الله): في معنى الصبر الجميل الوارد في الآية: الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه ولا معه، وقال مجاهد رحمه الله: هو الذي لا جَزع معه. والصبر ثلاثة أقسام: الصبر على الطاعات، وهو أن يحبس نفسه على القيام بكل الطاعات؛ فيداوم على القيام بها، وعلى طريقتها الشرعية، من غير انقطاع؛ وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ﴾، و﴿فَٱعۡبُدۡهُ وَٱصۡطَبِرۡ لِعِبَٰدَتِهِۦۚ﴾. والصبر عن المحرّمات وهو أن يحبس نفسه عن القيام بالمحرمات؛ وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ ٤٦﴾، والصبر على الابتلاءات وهو أن يحبس نفسه عن الضجر منها، محتسبًا الأجر عند الله؛ وذلك من مثل قوله تعالى: ﴿ يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ١٧﴾: وبهذا يُمكن أن يقال في تعريف الصبر في الاصطلاح الشرعي: إنّه الثبات على أحكام الكتاب والسنة، وحبس النفس عن الجَزع والسخط. وقد وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث في ذِكر ضرورة الصبر وفضله وأهميّته، ومكانة الصابرين في الإسلام، ومنها:
-
الصبر بابٌ لتكفير السيئات:
– روى مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة، رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما يصيبُ المؤمنَ من وصبٍ، ولا نصبٍ، ولا سقمٍ، ولا حَزنٍ، حتَّى الهمَّ يُهمُّه، إلَّا كفَّر به من سيِّئاتِه».
– روى البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما مِن مصيبةٍ تصيبُ المسلِمَ إلَّا كفَّرَ اللَّهُ بِها عنهُ، حتَّى الشَّوكةِ يُشاكُها».
-
البلاء للصابر دليل رضا الله عنه:
– روى البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يُرِدِ اللَّهُ بِه خيرًا يُصِبْ مِنهُ».
– وروى المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، بإسناد صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللهَ تعالَى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضِي فله الرِّضا، ومن سخِط فله السُّخطُ».
– وروى المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي هريرة، بإسناد صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ والمؤمنةِ في نفسِه وولدِه ومالِه حتَّى يلقَى اللهَ تعالَى وما عليه خطيئةٌ».
-
بالصبر يزداد المسلم قربًا من الله تعالى:
– روى أبو داود في سننه، عن اللجلاج بن حكيم السلمي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ العبدَ إذا سبقت له من اللهِ منزلةٌ لم يبلغْها بعمله، ابتلاه اللهُ في جسدِه، أو في مالِه، أو في ولدِه، ثم صبَّره على ذلك حتى يُبلِّغَه المنزلةَ التي سبقت له من اللهِ تعالى».
– روى الترمذي عن سعد بن أبي وقاص، رضي الله عنه، أنه قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أيُّ النَّاسِ أشدُّ بلاءً؟ قالَ: «الأَنبياءُ، ثمَّ الأَمثلُ فالأَمثلُ؛ يُبتلَى الرَّجلُ علَى حسَبِ دينِهِ، فإن كانَ في دينِهِ صلبًا اشتدَّ بلاؤُهُ، وإن كانَ في دينِهِ رقَّةٌ ابتليَ علَى قدرِ دينِهِ، فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ حتَّى يترُكَهُ يمشي علَى الأرضِ وما علَيهِ خطيئةٌ».
-
الصبر دليلٌ على قوة وصدق الإيمان:
– روى مسلم، عن صهيب بن سنان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ المؤمنِ؛ إنَّ أمرَهُ كلَّه له خيرٌ، وليس ذلك لأحَدٍ إلَّا للمؤمنِ؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ فكان خيرًا له، وإن أصابَتْه ضَرَّاءُ صَبَرَ فكان خيرًا له». جاء في شرح الحديث في الدرر السنية: “فالمؤمن إن أصابه ضرٌ أو بلاءٌ علم أن الله وحده من قدّر ذلك؛ فصبر على قضاء الله وقدره، وعلم أنّ لا مردَّ لأمر الله إلا من عند الله، فكان صبره خيرٌ له، وإن أصابه خيرٌ علم أن الله عز وجل هو من يسَّر له ذلك الخير فشكره على ما أنعم به عليه، وكان ذلك أيضًا خيرًا له.
-
الصبر أفضل ما يُعطى العبد:
– روى البخاري عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: إن ناسًا من الأنصارِ، سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعْطَاهم، ثم سألُوهُ فأعْطاهم، حتى نَفِدَ ما عندهُ، فقال: «ما يكون عِندي من خيرٍ فلن أدَّخِرَهُ عنكم، ومن يستعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، ومَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللَّهُ، ومَن يتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِنَ الصَّبرِ».
– روى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا».
– عن أنس، رضي الله عنه، قال: مرَّ النَّبي بامرأةٍ تبكي عند قبر، فقال: «اتقي الله واصبري»، فقالت: إليك عني، فإنَّك لم تُصب بمصيبتي – ولم تعرفه – فقيل لها: إنه النبي، فأخذها مِثْلُ الموت، فأتت بابَ النبِيِّ، فلم تجدْ على بابه بوَّابين، فقالت: يا رسول الله، لم أعرفك، فقال: «إنَّما الصَّبر عند الصَّدمة الأولى» فإنَّ مفاجأةَ المصيبة بغتة لها روعةٌ تُزعزع القَلْب، وتُزعجه بصَدْمِها، فإنَّ مَن صبر عند الصَّدمة الأولى، انكسرت حدَّة المصيبة، وضعُفت قُوَّتُها، فهان عليه استدامة الصبر.
2018-03-20