أزمنة التسبيح في القرآن
2018/03/20م
المقالات
12,705 زيارة
بسم الله الرحمن الرحيم
أزمنة التسبيح في القرآن
ورد في القرآن الكريم والسنة المشرفة ذكر أزمنة تربط ذكر الله والصلاة بهذه الأزمنة؛ فصار على المسلمين أن يعرفوا وقت هذه الأزمنة حتى يتقيدوا بالوحي فيها. ولما كانت معرفة هذه الأزمنة مما يختلط على كثير من المسلمين؛ رأت الوعي أن تقدم هذا البحث ليتقرب العبد من ربه، في هذه الأوقات التي يحبها، على علم…
أزمنة التسبيح في القرآن (أزمنة النهار والليل) بشكل مفصل:
1- النهار، وأطراف النهار. ورد زمن “النهار” في القرآن الكريم سبعًا وخمسين مرة، وورد زمنًا للتسبيح في موضعين منها مع “الليل”. وورد في موضع منها مضافًا إليه “أطراف” بالجمع مع “قبل طلوع الشمس، وآناء الليل، وأدبار السجود”. وفي موضع آخر بالتثنية “طرفي النهار” مع “زلف من الليل”. والنّهار: ضد الليل، وهو اسم لكل يوم، قال ابن فارس: ((النَّهار: انفِتاح الظُّلمة عن الضِّياء: ما بين طُلوع الفجر إلى غروب الشَّمس))، قال ابن سيده: ((قيل: من طلوع الشمس إلى غروبها))، وهذا على القول بأن الليل ينتهي بطلوع الشمس. وطرفا النهار: الصُّبح والعَشِيّ، وصلاتهما: الفجر في طرف الصبح، والظهر والعصر في طرف العشي. وأطراف النهار: ساعاته. وقيل: أراد طرفيه، فجمع.
2- الصُّبْح. وردت مادة (صبح) دالة على زمن “الصُّبْح” في القرآن الكريم في ثلاثة وعشرين موضعًا، بصيغ مختلفة، فعلية واسمية. وورد هذا الزمن مع التسبيح فعلًا مضارعًا بلفظ “تصبحون” في سورة الروم (17) مع أزمان “المساء، والعشي، والظهر”. ووقت الصُّبْح، أو الصَّبَاح: أول النهار، من طلوع الفجر، حيث يبدو ضَوْء الصَّباح، إلى طلوع الشمس. هذا الأصل في تسمية الصبح، وربما أطلق إلى الزوال. وتسمى صلاة الفجر بالصُّبْح، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى»، وفي الحديث أيضًا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لأُجُورِكُمْ».
3- الغُدُوّ. ورد هذا الزمن بلفظ “الغدو” في القرآن في خمسة مواضع، في ثلاثة منها مع زمن “الآصال”، وفي موضع مع “العشي”، وفي موضع مع “الرَّوَاح”. وورد بلفظ “الغداة، والغُدْوة” على قراءتين في موضعين، وفي كلاهما جاء الزمن مع زمن “العَشِيّ“. ووقت الغُدُوّ: ما بين الفجر وطلوع الشمس. وهو وقت “الغُدْوة” و”الغَدَاة”، قال ابن فارس: ((الغين والدال والحرف المعتل: أصل صحيح يدل على زمان. من ذلك: الغُدُوّ، يقال: غَدَا يَغْدو، والغُدْوة، والغَدَاة)). وقيل: الغُدُوّ: جمع “غُدْوة”، وتجمع أيضًا على: غَدَوات، وغُدَى، كما ذكر في العين. ويرى ابن فارس أن ((جمع الغُدوة: غُدَى، وجمع الغَداة: غَدَوات)). وقال الفيروز أبادي: ((الغُدْوَةُ بالضمِّ… كالغَداةِ والغَدِيَّةِ، جمعها: غَدَوات، وغَدِيَّات، وغَدايا، وغُدُوٌّ. ولا يقال: غَدايا إلا مع عَشايا)). و”الغُدُوّ” أيضًا: السير في ذلك الوقت، كما أن “الرَّواح” لآخر النهار، قال الله تعالى: “وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ” [سبأ: ١٢].
4- البُكْرة، الإبكار، الأبكار. ورد هذا الزمن بلفظ “بُكْرة” في سبعة مواضع من القرآن: في موضعين مع “العشي”، وفي أربعة مع “الأصيل”، وفي موضع وحده. وورد بلفظ “الإِبْكار، الأَبْكار” على قراءتين في موضعين، وكلاهما جاء الزمن مع زمن “العَشِيّ”. ووقت “البُكْرة” هو وقت “الغُدْوة، والغَدَاة”، كما نص على ذلك أهل اللغة، وهو: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، قال في العين: ((البُكَر: جمع البُكرَة، وهي: الغداة))، وتجمع على أَبْكار. و”الإِبْكار” اسم للبُكْرة، كالإِصْباح للصُبْح. ويقال للسير في ذلك الوقت: الإِبْكار. والمضيّ فيه: التّبكير، والبُكُور، والابتكار، وقال الأزهري: ((والبُكور، والتبكير: الخروج في ذلك الوقت. والإبكار: الدُّخول في ذلك الوقت))، ويرى سيبويه أنه مصدر أَبْكَر، كما في اللسان والتاج، قال الجوهري: ((وقوله تعالى: (بالعشي والإبكار) وهو فعل يدل على الوقت وهو البكرة، كما قال: (بالغدو والآصال) جعل الغدو وهو مصدر، يدل على الغداة)).
5- قبل طلوع الشمس. ورد في موضعين من القرآن مع “قبل طلوع الشمس”. وهو وقت الغُدْوة، والبُكْرة.
6- الإشراق. ورد هذا الزمن بهذا اللفظ في موضع واحد مع “العشي”. وورد في موضعين بلفظ “مشرقين”. كما في قوله تعالى في سورة الحجر: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ﴾ (73)، وفي سورة الشعراء: ﴿فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ﴾ (60) وهو: وقت شروق الشمس.
7- الظهر. ورد هذا الزمن بلفظ “الظهيرة” في سورة النور حينما عدّد الأوقات التي لا يدخل الأطفال فيها على آبائهم، وهي: قبل صلاة الفجر، والظهيرة، وبعد صلاة العشاء. وورد في سورة الروم فعلًا “تظهرون” مع أزمان “المساء، والصباح، والعشي”. ووقت الظُّهْر: من زوال الشمس إلى العصر. وأَظْهَر، أي: دخل فيه. وقيل: الظهيرة: شدة الحرّ نصف النَّهار، ولا يقال في الشِّتاء ظَهيرة، وإنما ذلك في القيظ.
8- العشي. ورد هذا الزمن في القرآن بلفظ “عَشِيّ” في عشرة مواضع، وبلفظ “عَشِيّة” في موضع واحد. وقد ورد في تلك المواضع مع “الإبكار” في موضعين، ومع “البُكْرة” في موضعين، ومع “الغداة” في موضعين. ومع “الغدو” في موضع. ومع “الصباح، والمساء، والظهر” في موضع. ومع “الإشراق” في موضع. ومع “الضحى” في موضع. وفي موضع وحده. و”العَشِيّ” يطلق على الوقت من زوال الشمس إلى غروبها، فيدخل فيه وقتا الظهر والعصر، كما ذكر ذلك الأزهري، قال: ((أمّا العَشِيّ فإن المنذري أخبرني عن أبي الهيثم أنه قال: إذا زالت الشمس دُعي ذلك الوقت العشيّ، فتحول الظل شرقيًا وتحولت الشمس غربية. قلت: وصلاتا العشِيّ هما الظهر والعصر… قلت: ويقع العَشِيّ على ما بين زوال الشمس إلى وقت غروبها، كلّ ذلك عَشيّ، فإذا غابت الشمس فهو العِشاء))، واستدل على ذلك بحديث ابن سيرين قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر… الحديث. ومثله حديث عبد الله بن شداد عن أبيه رضي الله عنهم قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي: الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين… الحديث.
ويغلب استعمال العشي على آخر النهار، قال في العين: ((العَشِيّ بغير هاء: آخرُ النهار))، وقال في المحكم: ((العَشِيُّ والعَشِيَّةُ: آخر النهار))، ويوافق بذلك وقت العصر، وجاء تحديد “العشي” بـ”العصر” عند بعض اللغويين. وذكر عن الكسائي قال: ((أنشدنى الأسَدِىّ: عَلى أحْوذِيَّيْن استقلت عَشِيَّة… فما هي إلاَّ لمحة فتغيب)). وذكر الخطابي عن البراء بن مالك رضي الله عنه قال: شهدت اليمامة فكَفُّونا أول النهار، فرجعت من العَشي، فوجدتهم في حائط، فكأن نفسي جاشت، فقلت: لا وَأَلْتُ. أفرارًا من أوّل النهار، وجُبنًا آخره! فانقحمت عليهم. وقال أبو بكر الأنباري: ((وقولهم: قد صَلَّيْتُ العَصْرَ. معناه: قد صليت صلاة العَشِيّ، وصلاة آخر النهار، يقال للعَشِيّ: عَصْر وقَصْر، ويقال القَصر حين يدنو غروب الشمس… ويقال للغداة والعشي العصران)). ولعل مما يقرب غلبة إطلاق “العشي” على آخر النهار قربه من الليل، ودخول الظلمة فيه على الضياء، ومادة “عشو” ومعانيها المستخدمة فيها دلالة الظلام واختلاطه وقلة الوضوح في الشيء، كما قال ابن فارس: ((العين والشين والحرف المعتل: أصل صحيح، يدل على ظلام وقلة وضوح في الشيء، ثم يفرَّع منه ما يقاربه. من ذلك العِشاء، وهو: أول ظلام الليل. وعَشواء الليل: ظُلمته. ومنه عَشَوْت إلى ناره: ولا يكون ذلك إلا أن تَخْبِط إليه الظلام… والعاشية: كل شيء يعشُو بالليل إلى ضوء نار. والتَّعاشي: التَّجاهُل في الأمر… قال الخليل: والعَشَا، مقصور: مصدر الأعشى، والمرأة عَشْواء، ورجل عُشْو، وهو: الذي لا يُبصِر بالليل وهو بالنهار بصير… والعَشْواء من النُّوق: التي كأنَّها لا تُبصِر ما أمامها فتخبِط كل شيء بيديها)) وقال في أثناء ذلك: ((العَشِيّ إنما هو آخر النهار. وقد قيل: كل ما كان بعد الزَّوال فهو عَشِيّ)). كما يدل على أنه آخر النهار استعمال القرآن الكريم له مع “الظهر”، قال الله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)﴾ [الروم]، واستعماله في الآيات مقابل “البكرة، والإبكار، والغدو، والغداة، والإشراق، والضحى”، وكل ذلك أول النهار، فقابل بها آخره، والله أعلم. وأما “العَشِيّة” فقال في العين: ((إذا قلت: عَشِيّة، فهي ليوم واحد، تقول: لقيتُه عشيّةَ يومِ كذا وعشيَّةً من العَشيّاتِ))، وإلى هذا ذهب ابن فارس، وقال: ((هذا الذي حُكي عن الخليل فهو مذهب، والأصح عندنا أن يقال في العَشِيّ مثل ما يقال في العَشِيَّة، يقال: لقيته عَشِيَّ يوم كذا، كما يقال عَشِيَّة يوم كذا، إذ العشيّ إنما هو آخِر النَّهار)). ويرى الجوهري أن العَشِي والعَشِيّة: من صلاة المغرب إلى العتمة، وقال ابن الأثير: ((وقيل: العَشِيّ: من زوال الشمس إلى الصباح))، وهو قول للراغب في مفرداته. ولكن ما ذكر من قبل يدل على أن “العَشِيّ” هو آخر النهار، ويطلق على ما بعد الزوال إلى الغروب.
9- الأَصِيل، الآصَال. ورد هذا الزمن في سبعة مواضع من القرآن: ورد مفردًا “أصيل” مع “البُكْرة” في أربعة مواضع، وورد جمعًا “الآصال” مع “الغدو” في ثلاثة مواضع. ووقت الأَصِيل: بعد العصر إلى غروب الشمس. وحدده بعضهم بـ”العَشِيّ”، وقال ابن فارس: ((الأصيل بعد العَشِيّ))، ولعله يقصد آخر العَشِي؛ لأنه يرى أن العشي آخر النهار. ويقال للأصيل: الأُصُل، ويجمع على: آصال، وأصائل، وقيل: إن “أُصُل” جمع “أَصيل”.
10- قبل غروب الشمس. ورد في موضعين من القرآن مع “قبل طلوع الشمس”. وهو وقت الأَصيل، والعَشِيّ.
11- الليل، آناء الليل. ورد زمن “الليل” في القرآن الكريم اثنين وتسعين مرة. وورد زمنًا للتسبيح في موضعين منها مع “النهار”. وفي موضع مع “قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، وأدبار السجود”. وفي موضع مع “حين القيام، وإدبار النجوم”. وفي موضع منها بإضافة “آناء” إلى “الليل” مع “قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، وأطراف النهار”. وسائر آيات “الليل” في مقابل “النهار” مثل: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ (البقرة: 164) ﴿والذين ينفقون اموالهم بالليل والنهار﴾ (البقرة: 274)، وآل عمران: ﴿تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل﴾ (26). وربما جاء مقابل “الصباح” مثل: الأنعام: ﴿فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ (96)، والصافات: ﴿وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ (138). وقد تأتي مقابل “الضحى” مثل: الضحى: ﴿والليل إذا سجى﴾ (2). وقد تأتي “الليالي” مقابل “الأيام” مثل: ﴿قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: 10]. وربما جاء “الليل” بلا مقابل، مثل: ما ورد في سورة الأنعام: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ﴾ (76)، ويونس ﴿كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ ﴾ 27. واللّيل: ضد النهار، اسم لكل ليلة، ويبدأ وقته من انصراف النهار بغروب الشمس، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ، وَغَابَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ». وينتهي بإقبال الصُّبْح، وهو أول النهار، حين طلوع الفجر الصادق، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : «صَلاَةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى. وقد قال الله عز وجل: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (138)﴾ [الصافات] ففرّق بين الليل والصبح، ومثله قول الله تبارك وتعالى: ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (66)﴾ [الحجر]، وقول الله جل شأنه: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ﴾ [الحجر: ٨٣] أي بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس. وقيل: الليل إلى طلوع الشمس. وآناء الليل: ساعاته.
12- المساء. ورد في موضع واحد من القرآن الكريم بصيغة الفعل “تمسون” مع “الصباح، والعشي، والظهر“. ووقت المساء، قيل: من بعد الزوال (أي زوال الظل عند الظهر) إلى الغروب. وقيل: إلى نصف الليل. وقيل: بعيد العصر إلى الغروب. وقيل: إذا أقبل الليل بظلامه. والذي يظهر لي أن المساء يستعمل عند العرب لأول الليل من حين تغرب الشمس أو تدنو من الغروب إلى أن يظلم الليل. ومما يدل على استعمال المساء من حين تغرب الشمس جملة من الأحاديث، منها: حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة وفيهم قال النبي صلى الله : «… قَالَ أَحَدُهُمْ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ، كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ». وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وهو صائم، فلما غربت الشمس، قال لرجل: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». فقال: يا رسول الله، لو أمسيت. قال: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا». قال: إن علينا نهارًا. فنزل فجدح له فشرب، ثم قال: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ- فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ». وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بت عند خالتى ميمونة فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما أمسى فقال: «أَصَلَّى الْغُلامُ؟». قالوا : نعم. فاضطجع حتى إذا مضى من الليل ما شاء الله، قام فتوضأ، ثم صلى سبعًا أو خمسًا أوتر بهنَّ، لم يسلم إلا في آخرهنَّ. وقالت عائشة في وفاة أبيها رضي الله عنه: لم يتوفَّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح. وعن محرش الكعبي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ليلًا من الجعرانة حين أمسى معتمرًا، فدخل مكة ليلًا فقضى عمرته، ثم خرج من تحت ليلته، فأصبح بالجعرانة كبائت، حتى إذا زالت الشمس خرج من الجعرانة في بطن سرف، حتى جامع الطريق طريق المدينة بسرف. وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان لا يروح حتى يبرد، ويجمع بين الظهر والعصر، فإذا أمسى جمع بين المغرب والعشاء. وعن خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين، طلعت الشمس. فقال عمر: الخطب يسير، وقد اجتهدنا. وعن عبد الله بن دينار قال: غابت الشمس وأنا عند عبد الله بن عمر، فسرنا، فلما رأيناه قد أمسى، قلنا: الصلاة. فسار حتى غاب الشفق، وتصوبت النجوم، ثم إنه نزل فصلى الصلاتين جميعًا، ثم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه، يقول: يجمع بينهما بعد ليل. وفي رواية عن نافع أن ابن عمر استُصرخ على صفية، فسار في تلك الليلة مسيرة ثلاث ليال، سار حتى أمسى، فقلت: الصلاة. فسار، ولم يلتفت، فسار حتى أظلم. وفي حديث عبد الرحمن بن أبي بكر قال: جاء أبو بكر رضي الله عنه بضيف له أو بأضياف له. وفيه: فلما أمسى، قالت له أمي: احتبست عن ضيفك أو أضيافك منذ الليلة، قال: أما عشيتهم. قالت: لا… ويؤكد هذا التحديد قول الله تعالى: ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18)﴾ [الروم]، فذكر الله الصبح، وفيه صلاة الفجر، ثم الظهر والعشي، وهما من الزوال إلى الغروب، وفيهما صلاتا الظهر والعصر، وذكر “المساء” يدل على أنه غير وقتهما، ولم يبقَ من أزمان الصلوات إلا الليل، فهو المساء، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة وابن زيد تفسير التسبيح في المساء بصلاة المغرب، وورد عنه وعن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك التفسير بصلاتي المغرب والعشاء. وإلى هذا التفسير ذهب الفراء، ومكي ابن أبي طالب، وابن أبي زمنين، والبغوي، والعز بن عبدالسلام، وابن عادل الحنبلي. وذهب إلى هذا التحديد أو قريبًا منه الماوردي في تفسيره، وابن كثير، والبقاعي، وابن عاشور، قال الماوردي: ((المساء: بدو الظلام بعد المغيب))، وقال ابن كثير: ((هو إقبال الليل بظلامه))، وقال البقاعي: ((أول دخول الليل بإذهاب النهار وتفريق النور))، وقال ابن عاشور: ((كلمة المساء تشمل أول الليل)) وقال: ((الإمساء: اقتراب غروب الشمس إلى العشاء)).
13- إدبار النجوم. ورد التعبير بإدبار النجوم في سورة الطور (49)، مقابل “الليل، وحين القيام”. ووقت “إدبار النجوم” وقت السحَر قبيل النهار.
14- حين تقوم. ورد التعبير بهذا الزمن في سورة الشعراء (218)، وفي سورة الطور (48)، وهي التي فيها الأمر بالتسبيح في هذا الزمن مع “الليل، وإدبار النجوم”. و”حِين”: الوقت من الزمان، ويستعمل ظرفًا لزمان مبهم، يحدده ما أضيف إليه. وقد أضيف “حين” في الآيتين إلى الجملة الفعلية “تقوم”، لكن الفعل لم يقيد بشيء، ولذا اختلف المفسرون في المقصود بالقيام في الطور: 1- القيام لأي صلاة من ليل أو نهار. 2- القيام للصلاة المفروضة. 3- القيام من نوم القائلة لصلاة الظهر. 4- قيام الليل. 5- القيام من كل نوم. 6- القيام من كل مجلس. وهذه الأحوال المذكورة ورد في نصوص السنة ما يدل على التسبيح والذكر فيها، لكن غلب في القرآن الكريم أن يوصف النبي صلى الله عليه وسلم أو يؤمر والمؤمنين بالقيام في مقام العبودية لله، ويقصد به الصلاة، سواء كانت فرضًا أم نفلًا، كقوله تعالى: ﴿يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلًا﴾ [المزمل: ١-٢]، وقال الله عن زكريا عليه السلام: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ﴾ [آل عمران: ٣٩].
15- أدبار السجود. ورد التعبير بأدبار السجود في سورة ق (40) مقابل “قبل طلوع الشمس، وقبل الغروب، والليل”. وقرئ: إِدْبار. ووقت أدبار السجود، أو: إدبارها: بعد انتهاء السجود، والسجود: الصلاة.
اللهم اجعلنا لك من المسبحين الساجدين. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
2018-03-20