دور العلماء في مايجري في سوريا
2013/12/10م
المقالات
2,030 زيارة
دور العلماء في مايجري في سوريا
د. عبدالله باذيب – اليمن
العلماء هم ورثة الأنبياء وحماة الدين الذين ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، وشأنهم في الأمة شأن عظيم ودورهم دور كبير. وهم صمَّام الأمان لدين الأمة الإسلامية وعقيدتها واستقامة أمرها وصلاح حكامها. وإن مايحدث اليوم في سوريا من قتل للأبرياء ودمار للمدن وحصار للناس ممايقوم به النظام السوري ضد شعب أعزل لايملك من الأسلحة مايقف به أمام طائرات وصواريخ بشار وزبانيته. إن هذا الذي يحدث في سوريا يضع جميع الأمة في مسؤولية كبيرة أمام الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله عز وجل لايرضى بهذا الظلم الواقع على أهلنا في سوريا ولايرضى أن تخضع الأمة لهذا الطغيان، ولكن المسؤولية هنا تتعاظم على العلماء، ذلك أن ما يحدث في سوريا يحتاج إلى أمرين ملحين لاغنى عنهما، ولاسبيل لأحد غير العلماء أن يقوموا وهذان الأمران هما:
الأول: تعريف مايحدث في سوريا للناس، ذلك أنه رغم وضوح صورة ما يحدث على الأرض، إلا أن نظام الإجرام في سوريا لايفتأ يضلل الناس بأن حربه هي على شرذمة من الإرهابيين الذين يتآمرون على سوريا، وكذلك يفعل بعض الإعلام العربي والغربي، ولكن الأمر الأكثر تعقيداً ويتطلب مزيداً من الفهم والإيضاح للناس هو دور المبادرات والمؤتمرات الخارجية والتي تقودها أنظمة الكفر عدوة الأمة الإسلامية وليس آخرها مؤتمر جنيف2 المزمع عقده قريباً، فكثير من الناس يفتقد إلى معرفة واقع مايدور على الأرض من مؤامرات وراء هذه المؤتمرات والمبادرات؛ لهذا نجد الحاجة الماسة لجهود العلماء لبيان مايجري هناك على حقيقته في أرض الواقع، ذلك أن الناس غالباً ما تثق بعلمائها وتصدقهم وتنقاد بهم، هذا هو الأمر الأول في حاجة الناس للعلماء في كشف حقيقة ما يحدث في سوريا.
أما الامر الثاني والذي لايقل أهمية عن الأمر الأول هو حاجة الناس إلى العلماء لبيان ماهو العمل الواجب عليهم تجاه إخوانهم هناك، وماهو المخرج والخلاص لهذه الأمة من هؤلاء الحكام الطواغيت الذين يظلمونها وينكَّلون بها.
ونظراً لمكانة العلماء ومنزلتهم في الإسلام وأهمية الدور وعظم المهمة المكلفين بها، ووعياً بخطورة الخلط في هذا المقام بين العلماء العاملين المرابطين على ثغور هذا الدين ممن لاتأخذهم في الله لومة لائم، وبين المنتسبين إلى العلم من الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، وضرورة التفريق بين الطائفتين نقول: إن مما هو معلوم أن العلم الشرعي هو ميراث النبوة، وأن حَمَلته هم العلماء وهم ورثة الأنبياء، وبذلك نالوا مانالوا من الفضل الذي وصفهم به الله ورسوله، فقد رفعهم الله درجات عظيمة على من سواهم، قال تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ )، وثلَّثَ بشهادتهم بعد شهادته سبحانه وشهادة ملائكته على وحدانيته حيث قال تعالى: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ونفى سبحانه أن يستووا مع غيرهم فقال: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ). وأثنى عليهم الرسول صلى صلى الله عليه وسلم فقال في وصفهم: «فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر، العلماء هم ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم ، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر» رواه أبو داود والترمذي والدارقطنى. وقال صلى الله عليه وسلم : «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم» رواه الترمذي. وهذه المكانة التي أعطاها الله ورسوله للعلماء عرفها سلف الأمة لهم، فقال الأوزاعي: «الناس عندنا أهل العلم، ومن سواهم فلا شيء»، وقال سفيان الثوري رحمه الله: «لو أن فقيهاً على رأس جبل لكان هو الجماعة».
وكل النصوص التي تتحدث عن العلماء وفضلهم ومكانتهم ومنزلتهم وتحذر من النيل منهم تقصد فئة العلماء العاملين الناهضين بأعباء ميراث النبوة، الموفين بمقتضى الميثاق الذي أخذه الله عليهم بالجهر بالحق وبيانه والصدع به، وعدم كتمانه. فالعلماء بالمعنى الشرعي هم كما قال الإمام الشافعي: «العلماء العاملون» وبقدر مارفع الله من شأن هؤلاء، حطَّ وخفض من منزلة غيرهم من علماء السوء الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ، وقصَّ علينا سبحانه في القرآن الكريم من شأن هؤلاء مافيه عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فذكر في سورة الأعراف مثلاً لهؤلاء ذلك العالم الذي آتاه الله آياته لكنه لم يقم بحق العلم، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه وانغمس في شهواته، وبدلاً من أن يرشد قومه إلى سبيل الخير دلَّهم على سبل الشر، فاستحق ماوصفه الله به في نهاية الآيات ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ). يقول القرطبي: الآية عامة في كل من تعلم القرآن ولم يعمل به، وأن لا يغترَّ أحد بعلمه ولا بعمله، وضرب الله مثلاً آخر بعلماء اليهود الذين لم يعملوا بمقتضى العلم الذي حملوه فقال في شأنهم: ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )، وقال في شأن علماء أهل الكتاب الذين استخدموا علمهم لأغراض دنيوية ( فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ ) وقال فيهم أيضاً ( إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه ) وصدهم هذا يكون بعدم عملهم بعلمهم، وبتحريفهم لآيات الله واشترائهم بها ثمناً قليلاً.
ولهذا فإننا نجد أن هناك ضرورة ملحة كي يقوم علماء الأمة اليوم بدورهم سواء العلماء داخل سوريا أم خارجها، وذلك ببيانهم لواقع مايجري اليوم في سوريا، وبيان حكم الله فيه. وبهذا ينقسم العلماء إلى قسمين لاثالث لهما: قسم نصبوا نحورهم في سبيل الله، وهؤلاء هم العلماء الربانيون، وقسم عملوا لغير الله، وهؤلاء هم علماء السوء.
وعندما يعود العلماء إلى موقعهم الطبيعي في قيادة الناس، واسترداد الثقة بهم، خاصة والأمة الإسلامية تشهد تحولات تاريخية، وتجتاز منعطفاً هاماً في مسيرتها النهضوية، وتتجه بقوة أكبر نحو إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة. وبذلك يظهر دور العلماء بين الناس، ويتفعَّل وجودهم بين ظهرانيهم إلى درجة أن نرى ساحات التغيير وميادين التحرير ومناطق تجمع الناس كلها تعجُّ بالعلماء الذين يقودون حركة الناس نحو التغيير الواعي بالفقه الصحيح والفكر المستنير، فنرى مئات الآلاف يهتفون بأحكام النظام السياسي الإسلامي وبالخلافة، ومئات آلاف أخرى تهتف بأحكام النظام الاقتصادي الإسلامي ، ومئات الآف غيرهم يهتفون بأحكام النظام الاجتماعي الإسلامي مع سائر مفاهيم الحكم والسياسة والاستخلاف. فتموج الأمة موجاً مع أفكار الإسلام وأحكامه؛ لتنتقل الأمة بعد ذلك سريعاً من عهد الملك الجبري إلى عهد الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة انتقالاً واعياً يتلاءم مع مصطلحات الاستخلاف والتمكين والأمن المذكورة في قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ).
ومما لاشك فيه أن اتباع العلماء فيما يبيِّنون من حق ويدعون إليه من خير، هو واجب على المسلمين، يقول تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)، وطاعة الله ورسوله تقتضي طاعة العلماء لأنهم ورثة الأنبياء، وطاعة أولي الأمر يدخل فيها طاعة العلماء أيضاً، لأن المفسرين فسروا أولي الأمر بأنهم العلماء والأمراء، قال تبارك وتعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) هذا وإن طاعة العلماء واتباعهم مربوطة بقدر التزامهم بالحق ودفاعهم عنه. وتكون البراءة منهم والعداوة لهم بقدر ميلهم عن الحق ومجانبتهم إياه ، فذلك هو الميزان الشرعي الصحيح الذي دلت عليه النصوص الشرعية، وتواتر به عمل الصالحين من سلف هذه الأمة. والولاء المطلق لهم فيما هم عليه من الحق والباطل هو إخلال بمقتضى الإيمان الذي أوثق عراه الحب في الله والبغض فيه. قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب (رحمه الله) في كتاب التوحيد: «باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحلَّ الله أو تحليل ماحرم فقد اتخذهم أرباباً». فإذا قام العلماء بحق الله عليهم في ما آتاهم من علم كان لهم التقدير والاحترام، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس منا من لم يجل َّكبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه». رواه أحمد والحاكم.
وجماع ذلك في النقاط الآتية:
– أن يكون العالم قدوة في علمه وعمله، قال تعالى: ( أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).
– أن يتثبَّت العالم في الفتوى ويكمل شروطها، فإذا طلبت منه فتوى في موضوع ما فعليه التأمل والتأني ومعرفة قصد المستفتي والآثار المترتبة على تلك الفتوى، ثم يفتي بعد توفر شروط الفتوى من فقه الشرع وفهم الواقع.
– أن يحذر العالم من الاستدراج والاستغلال والتدليس عليه خاصة من قبل حكام الظلم وسلاطين الفساد الذين بارزوا الله بالحرب والعدوان.
– أن يكون جريئاً في الحق لاتأخذه في الله لومة لائم، فعليه أن يقول للمسيء أسأت كائناً من كان.
– أن يبتعد عن مواقف الريب وخاصة أبواب السلاطين، فقد قال صلى الله عليه وسلم في التحذير من السلاطين: «ومن أتى أبواب السلاطين افتُتِن، وما ازداد عبد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً». رواه أحمد في المسند ، وقال أحمد شاكر إسناده صحيح.
– أن يكون العالم داخل التغطية الشرعية دوماً، وهذا يعني أن يكون التصاقه بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وثيقاً، بحيث لايصدر عنه شيء يخالفهما أو يخالف ما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي بعلة شرعية
– أن يتراجع بسرعة ومن غير تردد إذا ما بدا له أنه مخطئ في فهم الواقع، أو بدا له دليل أقوى، وأن يعلن ذلك بجرأة، وأن لا يترك مجالاً لأحد بأن يستغلَّ فتواه أو اجتهاده لمصلحته، وخاصة من الحكام.
– أن لا يتأخر في إعطاء الحكم الشرعي في قضايا أمته أولاً بأول، وأن لايكون هناك انفصال بينهما بحيث يترك فراغاً لدى الأمة يملؤه الآخرون، وما أكثرهم اليوم!
وأخيراً وليس آخراً، يجب على العلماء أن يكونوا من العاملين لإعزاز هذا الدين بإقامة دولة خلافة المسلمين الراشدة الثانية على منهاج النبوة، والقائمة قريباً بإذن الله تعالى. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. q
2013-12-10