«سيل من الشتائم والاتهامات». عبارة تصلح كعنوان للصحافة والإذاعات العربية (المسموعة والمرئية)، ولو أن الأمر اقتصر على وسائل الإعلام وشتائمها لهان الأمر، ذلك لأن هذه الوسائل مسيّسة وموجهة بأمر أصحابها، والناس تعرف ذلك ولكنها تتصرف حسب توجيهات هذه الوسائل الموجهة، وهذا مكمن الخطر. فالمرء لا يكترث كثيراً إذا قام الإعلام الخليجي بكيل التهم لشخص الرئيس العراقي، ولا ينزعج من قيام الإعلام العراقي بمهاجمة حكام مصر والسعودية وغيرهما ولكنه ينزعج ويأسف لقيام الناس في تلك الأقطار بتبني سياسة حكامهم وقيامهم باتخاذ موقف عدائي مشابه للموقف الذي اتخذه حكامهم، ولكن هذه المعاداة لم تنحصر في حدود معادة أهل مصر للنظام العراقي أو معاداة أهل العراق للنظام المصري، وإنما انتقلت إلى معاداة أهل مصر لأهل العراق، وأهل العراق لأهل مصر.
وهكذا حصل بالنسبة لباقي الأقطار التي اتخذت موقفاً معيناً من ضم العراق للكويت، فقام أهل الكويت وباقي الخليج ومنها السعودية ومصر بمعاداة أهل العراق واليمن والأردن وفلسطين والسودان، وقام أهل العراق بمعاداة أهل مصر والسعودية والخليج. وهكذا نجح الحكام في جر شعوبهم إلى العداء الذي كان من المفترض أن ينحصر بين الحكام فقط. ونحج الحكام في تجنّب نقمة شعوبهم وثورتها عليهم بتحويل الكراهية والحقد والعداء إلى الشعوب، وهذا يعتبر نجاحاً للحكام لم يتوقعوه هم أنفسهم، ويعتبر فشلاً وتمزيقاً للمسلمين وتوسيعاً للشرخ وتكريساً للحدود وللإقليمية البغيضة. وكان الأجدر بالمسلمين أن يترفعوا عن هذا المستوى من الانحطاط لأن سيد البشر سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم أوصانا أن لا نكون إمّعات «لا يكن أحدكم إمّعة» وهذا يعني أن لا نكون (مع غزية إن غوت) ويعني أيضاً أن لا (نجهل فوق جهل الجاهلين) ويعني أن نلتزم قوله تعالى: ]إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ[. فما بال المسلمين في تلك الأقطار يعصون الله قولاً وعملاً؟!