انعقد في مكة المكرمة «المؤتمر الإسلامي العالمي» الذي نظمته «رابطة العالم الإسلامي» التابعة لـ «منظمة المؤتمر الإسلامي» انعقد الاثنين 10/09 إلى صباح الخميس 13/09/90 وشارك فيه نحو 300 عالم ومفكر إسلامي ينتمون إلى 86 دولة. وقد أصدر المؤتمر قرارات وتوصيات و «وثيقة مكة المكرمة».
رغم أن المؤتمرين تحدثوا في أمور كثيرة ولكن الهدف هو أخذ الفتوى من العالم الإسلامي كله وليس من مصر والسعودية فقط، هذه الفتوى التي تضفي المشروعية على دخول الجيوش الأميركية والغربية بشكل عام لاحتلال أرض السعودية والخليج.
أميركا تخشى تحوّل الأمة الإسلامية ضد احتلالها فأرادت الحصول على غطاء عسكري من العرب والمسلمين ليكونوا معها في خندق واحد، وعلى غطاء شرعي ديني من علماء المسلمين لتأمين تحرك المشاعر الدينية الإسلامية ضدها خاصة وأنها تحتل السعودية حيث توجد أقدس مقدسات المسلمين: البيت الحرام، قبلة المسلمين والحرم النبوي في المدينة المنورة.
الحكام أمّنوا لأميركا مشاركة عسكرية معها، والحكام طلبوا من (العلماء) الذين يمونون عليهم أن يصدروا الفتوى. ورابطة العالم الإسلامي تمون بدورها على عدد كبير من (العلماء)، لأن هذه الرابطة تدفع رواتب لقسم كبير منهم أو تمول بعض المشروعات التي يشرفون عليها. وقد أصدر هؤلاء (العلماء!) الفتوى التي رغبت فيها أميركا.
ولكن هؤلاء الحكام الذين شاركوا إلى جانب أميركا في الحشد العسكري، وهؤلاء (العلماء!) الذين أصدروا لأميركا الفتوى التي رغبت فيها، هل هم يعبّرون عن رأي الأمة الإسلامية، وعن موقف الأمة الإسلامية، وعن مشاعر الأمة الإسلامية؟ كلاّ.
هؤلاء (العلماء!) هم أنفسهم ليسوا مقتنعين بفتواهم. وإنما تَمّ استدعاؤهم وطلب منهم الموافقة على الفتوى بين كلام آخر كثير. كبير هؤلاء العلماء (عبد العزيز بن بار ـ مفتي السعودية) كان له رأي آخر قبل أن تطلب منه هذه الفتوى [انظر فتواه السابقة في مكان آخر من المجلة] وكذلك غيره من العلماء.
فتوى العلماء في مشروعية استدعاء جيوش أميركا وحلفائها للاستعانة بها بنوها على جملة أمور منها:
1- أميركا دولة صديقة وكذلك حليفاتها من الدول الأوروبية.
2- أميركا جاءت بناءً على استدعاء السعودية ودول الخليج وسماحها.
3- جيوش أميركا وحليفاتها موجودة تحت إمرة القيادة السعودية.
4- جيوش أميركا وحليفاتها ستحترم مقدساتنا وأموالنا وأعراضنا.
5- جيوش أميركا وحليفاتها ستنسحب بمجرد إصدار الأمر إليها من ولي الأمر (الملك فهد).
بالإضافة إلى أمور أخرى نعود إليها بعد أن ننظر في هذه.
شيئاً من الجدية والرصانة يا حضرات (العلماء!)، أميركا صديق أم عدو للمسلمين؟ من الذي يزوّد إسرائيل بأسلحة الفتك والعدوان؟ من الذي أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لاجتياح لبنان؟ من الذي يستعمل الفيتو في مجلس الأمن كل مرة لمنع إدانة إسرائيل؟ من الذي يضمن تفوّق إسرائيل عسكرياً على العرب مجتمعين؟ من الذي يدعم إسرائيل في عدم انسحابها من الضفة والقطاع والجولان وجنوب لبنان؟ من الذي شرد شعب فلسطين وأوجد دولة اليهود وقال: إسرائيل وجدت لتبقى؟ أليست هي أميركا وحليفاتها من دول الغرب من فعل كل ذلك؟ فكيف تعتبرون أميركا ودول الغرب هذه أصدقاء أيها (العلماء!)، إلا إذا أصبحتم تعتبرون دولة إسرائيل من الأصدقاء!
ونريد أن نسألكم يا حضرات (العلماء!): أميركا دخلت السعودية بناءً على طلب السعودية أو هي دخلت بناء على رغبتها ثم أمرت السعودية أن تقدم لها الطلب؟ ألم تسمعوا (بوش) يكرر مرات ومرات بأن نفط السعودية والخليج هو إكسير الحياة لأميركا وأوروبا واليابان؟ أميركا ليست تحت أمر السعودية وتصرفها بل العكس هو الصحيح. فلا تخدعوا أنفسكم ولا تحاولوا أن تخدعوا الناس، فهذه خدعة مفضوحة لا تنطلي على أحد.
يزعمون أن جميع القوات من أميركا وغيرها الموجودة في السعودية والخليج هي بإمرة قائد سعودي. فهل صدّقتم يا حضرات (العلماء!)؟ كيف تبنون فتوى مصيرية على واقع لا تفهمونه؟
إنّ كنتَ لا تدري فتلك مُصيبةٌ
أوْ كنتَ تدري فالمصيبة أعظم
تقولون بأن جيوش أميركا وحلفائها ستنسحب بمجرد صدور الأمر إليها من (ولي الأمر: فهد). ونسألكم يا حضرات (العلماء!) الأفاضل: هل تصدّقون أنهم سينسحبون إذا طلب منهم ذلك حكام السعودية والخليج، أو ينسحبون فقط إذا رتبوا الأمور على الوجه الذي يرضيهم ويطمئنهم على مصالحهم؟ حكامكم يقولون وأنتم تقولون بأن انسحابهم مضمون متى زال تهديد العراق للسعودية ودول الخليج ومتى انسحب العراق من الكويت. ولكن من الذي يضمن ذلك؟ أليست دول الغرب هذه تدور مع مصالحها ومنفعتها حيث دارت؟ أليسوا من أتباع قاعدة: لا توجد مبادئ ثابتة بل توجد مصالح ثابتة؟ وعلى فرض أن أميركا وجدت أنها تستفيد من عدم انسحاب العراق أكثر من انسحابه فإنها ستعرقل هذا الانسحاب، فهي. إذاً ستستمر في الاحتلال والهيمنة. وهذه أميركا جعلت من المسألة ذريعة لجمع الأموال (اليابان ستدفع 4 مليارات دولار وألمانيا ملياران والسعودية والكويت والإمارات 12 ملياراً كل هذا لغاية نهاية هذه السنة) من أجل المجهود الحربي والبلدان التي تضررت من الحصار على العراق. وأميركا ستأخذ حصة الأسد من هذه الأموال وقالوا بأنها ستبيع السعودية أسلحة جديدة بقيمة عشرين مليار دولار، وهذه غير الصفقة التي عقدتها السعودية مع بريطانيا قبل سنتين بقيمة 17 مليار دولار وغير الصفقة التي عقدتها السعودية مع بريطانيا قبل خمس سنوات بقيمة 8,5 مليار دولار وطبعاً غير صفقة طائرات الأواكس التي عقدتها السعودية مع أميركا قبل ثماني سنوات بقيمة 8,5 مليار دولار. وهذا كله غير صفقات الأسلحة التي عقدتها بقية دول الخليج مع الدول الغربية.
نقول: إذا رأت أميركا لنفسها مصلحة في البقاء هل تستطيع السعودية إخراجها، وهل يجرؤ (ولي الأمر) على مجرد إصدار أمر إليها بالخروج إذا لم تكن راغبة في ذلك؟
وهذا (بوش) ووزير خارجيته (بيكر) يصرحان بعدم الخروج إلا بعد بناء: «هيكلية أمنية إقليمية تؤمّن الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط». وقد ذكرت صحيفة أزفستيا السوفياتية أن «قمة هلسنكي أوضحت وجود نيات لتشييد عالم جديد في الشرق الأوسط بعدما بدأ بناؤه في أوروبا… وألقيا نظرة إلى ما وراءه أزمة الخليج… تبين الخطوط العامة لهياكل الأمن الإقليمية».
أرأيتم كيف تبنون الفتوى على الجهل أو التجاهل وليس على العلم يا حضرات (العلماء!)؟
أما قولكم بأن الأميركان وحلفاءهم سيحافظون على أموالنا وأعراضنا ومقدساتنا، فهذا أشد غرابة! أولاَ: هل أبقوا لنا أموالاً، حين تدفع السعودية وحدها خلال ثماني سنوات 62 مليار دولار ثمن أسلحة لأميركا وبريطانيا. وهذه الأسلحة لمحاربة من؟ هل هي لمحاربة إسرائيل وإنقاذ الأقصى وفلسطين أو لمحاربة المسلمين؟ في السابق كان بعضهم يظن أن هذه الأسلحة لحماية الخليج من روسيا، أما الآن وبعدما ماتت الشيوعية ومشى غورباتشوف مع بوش لماذا تعقد أميركا مع السعودية صفقات أسلحة بعشرين مليار دولار، أليست ليحارب المسلمون بعضهم بعضاً؟ وبعد ذلك يأتي علماؤنا الأفاضل ليعطوا الفتوى بأن دول الغرب سارعت إلى الخليج لنجدتنا وللمحافظة على أموالنا. من الذي أوقع الحرب التي استمرت ثماني سنوات بين العراق وإيران، أليست دول الغرب وعلى رأسها أميركا هي التي كانت تؤجج نار الحرب بين الفريقين كلما أوشكت على الخمود؟ أليست دول الغرب هي التي قطّعت أوصال البلاد الإسلامية وهدمت الخلافة الإسلامية وفرضت على المسلمين أن يعيشوا حسب وجهة نظر الغرب لتبقى البلاد الإسلامية مستعمرة للغرب؟ قليلاً من الجدية يا حضرات (العلماء!).
ثانياً: هل يقيمون وزناً لمقدساتنا؟ ها هي إسرائيل تحتل المسجد الأقصى وتدنّسه وتحرّقه وتحفر تحته لتهدمه والغرب يساعدها. والآن إذا بقي الجيش الأميركي بعيداً عن الحرم الملكي وعن الحرم النبوي هل لأن الأميركان يحترمون ديننا وشعائرنا ومقدساتنا. كلا يا سادة فهم لا يحترمون شيئاً من ذلك. قال تعالى: ]وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ[ وقال: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ[ وقال: ]وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا[ وقال: ]قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ[. إن بقاءهم بعيدين عن الحرمين، رغم كونهم وضعوا السعودية كلها تحت حمايتهم بما فيها الحَرَمَان، إن بقاءهم بعيدين قليلاً هو من أجل أن لا يوجدوا لأنفسهم وللأسرة السعودية الحاكمة مشاكل بإثارة الأمة الإسلامية ضدهم. إن خوفهم من تحرك المسلمين ضدهم هو الذي يبعدهم وليس احترامهم لمقدساتنا. فهؤلاء يبنون مواقفهم على الربح والخسارة وليس على الأخلاق والمبادئ.
إن فتواكم بمشروعية استقدام الجيوش الأميركية وحليفاتها ليست للدفاع عن المقدسات وعن الأموال ولا بلاد بل هي للدفاع عن أسرة معينة كي تبقى في سدة الحكم في السعودية، وعن أسرٍ معينة كي تبقى في سدة الحكم في دول الخليج. إنكم تجيزون استدعاء الذئب لحماية الغنم. إنكم جعلتم المسلمين أعداء والكفار أولياء فاستعنتم بالكفار على المسلمين. وإذا وقع بقي وقتال بين المسلمين فلا يجوز شرعاً بحال من الأحوال الاستنصار بجيوش الكفار ضد المسلمين. وآية البغي في سورة الحجرات تجعل رفع البغي وإيجاد الإصلاح بين المسلمين من صلاحية المسلمين وحدهم دون الكفار.
نعود إلى نظرة أساسية عند السادة (العلماء!) بنوا تصورهم وفتواهم عليها، هذه النظرة هي أن الأمة الإسلامية مؤلفة من بضع وأربعين دولة مستقل بعضها عن بعض. وطالبوا بتكوين قوة إسلامية تحت «منظمة المؤتمر الإسلامي» تلجأ إليها (الدول الإسلامية) في حالة حدوث نزاعات.
واقترحوا التقريب بين (الدول الإسلامية) عن طريق سوق اقتصادي ومعاهدة دفاع مشترك والتنسيق بين وسائل الإعلام وبرامج التعليم… الخ.
أي أنهم يقرون استمرار واقع التجزئة وبقاء المسلمين مقطعين إلى بعض وأربعين دويلة كما شاء لهم أعداؤهم الكفار كي يسهل عليهم استعمارهم. مع أن النصوص الشرعية الصريحة تحرم أن يكون للمسلمين أكثر من دولة واحدة تحت راية خليفة واحد. قال صلى الله عليه وسلم: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» وقال: «من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر» وقال: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرّق جماعتكم فاقتلوه» واتفق الأئمة على أنه لا يجوز أن يكون للمسلمين في جميع الدنيا في وقتٍ واحد إلا إمام واحد، قال في كتاب «الفقه على المذاهب الأربعة» ج5/ ص 416: «اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على: أن الإمامة فرض، وأنه لا بد للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين، وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا متفرقان».
فكيف يأتي (العلماء!) الأفاضل ويقولون بتكوين قوة إسلامية بإشراف «منظمة المؤتمر الإسلامي» لحل النزاعات بين (الدول الإسلامية)؟ هل جعلوا هذه المنظمة تقوم مقام الخليفة، وهل جعلوا (الدولة الإسلامية) تقوم مقام ولايات الدولة؟ أو نسوا أن نظام الحكم (أي نظام الخلافة) هو أحكام شرعية ثابتة في الكتاب والسنة ولا يجوز تبديلها حسب أهواء الدول الغربية أو حسب أهواء الحكام؟! إن توحيد الأمة الإسلامية يكون بإزالة الحكام العملاء الفسقة والأسر العميلة للكفار ومبايعة خليفة واحد يوحد بلاد المسلمين طوعاً، أو بالإجبار لمن لا يبايع طوعاً¨