نظرات في مشكلة الخليج
1990/12/08م
المقالات, كلمات الأعداد
1,970 زيارة
1- التقرير الذي سرّبه العراق عن محضر لقاء صدام حسين بابريل غلاسبي سفيرة أميركا لدى بغداد يكشف عن أمور كثيرة. هذا التقرير لم تنفِهِ واشنطن ولا بغداد. وهو يذكر أن اللقاء الذي حصل في 25/07/90، أي قبل أسبوع من احتلال العراق للكويت، هذا اللقاء كان بناءً على استدعاء صدام للسفيرة. تحدث صدام حديثاً شاملاً وطلب من السفيرة نقله إلى بوش. ويُفهم من حديثه هذا بوضوح أنه يعرض على أميركا أن تفتح معه صفحة جديدة، وأنه مستعد للتفاهم معها، وأن مصلحتها تكون مضمونة أكثر إذا تعاونت مع طرف واحد قوي (يقصد نفسه) في المنطقة بدل السعي للتعاون مع أطرف كُثر ضعفاء. وقد أعطته السفيرة تلميحاً بالموافقة مما شجعه على القيام باحتلال الكويت. وما أن احتل الكويت حتى أقامت أميركا الدنيا وعليه ولم تقعدها بعد. أميركا كانت تعرف ما يرمي إليه وما يخطط له، وهو أن يصبح الزعيم الأوحد للعرب. ورغبت أميركا في أن تورطه وتستغل ورطته لتحقيق ما ترمي إليه هي وما تخطط له، وهو السيطرة على نفط المنطقة ومن ثم التحكم في الطاقة وفي اقتصاد العالم. لقد سقط صدام في الفخ والأميركي.
2- إن ما زعمه بوش من أنه حشد قواته في السعودية والخليج من أجل سحب العراق من الكويت، ومن أجل إعادة حكومة الكويت، ومن أجل المحافظة على النظام وحماية الضعيف من القوي، هذه المزاعم كلها كذب وتضليل بشكل قطعي وليس ظنياً. فأميركا هي التي ورطت صدام وأعطته الضوء الأخضر ليقوم بما قام به، فليس من الصحيح أنها جاءت بخيلها وخيلائها فقط من أجل إلغاء ما فعله صدام.
3- أميركا الآن تضرب عصافير عدة بهذا الحجر الواحد: أولاً، هي تدرب جيشها، هذا الجيش الذي أنشأته ليكون قوة التدخل السريع. هذا الجيش الذي تبلغ عدته حوالي نصف مليون جندي بحاجة إلى التدريب الدائم والمناورات الحية. وهي الآن تقوم بهذه العمليات الباهظة النفقات على حساب غيرها. ثانياً، هي تتخذ من الموضوع أداة لقيادة العالم وضمه تحت جناحها، وذلك بزعمها المحافظة على القانون الدولي والمصالح الدولية، وهي الآن تقود هيئة الأمم ومجلس الأمن وتقود العالم بشكل سَلِس. ثالثاً، هي تسعى للامساك بمفتاح النفط، الذي عن طريقه تمسك بمفتاح الاقتصاد العالمي، وهذا هو بيت القصيد أو العصفور الأساسي الذي هدفت إليه من العملية.
4- صدام حسين ليس هو هدف أميركا، وإنقاذ الكويت وإعادة أسرة الصباح إلى السلطة آخر ما تفكر فيه أميركا. هدف أميركا هو الإمساك بمفتاح الاقتصاد العالمي. أي أن خصم أميركا في هذه العملية هو الدول الصناعية الكبرى: اليابات، فرنسا، انجلترا، ألمانيا، إيطاليا، كندا، وغيرها من الدول الصناعية التي تنافس أميركا. إذاً هذه الدول هي خصم أميركا في هذه المعمعة، وليس صدام والنظام العراقي إلا الأداة والذريعة.
5- هل تعي هذه الدول الصناعية الغنية، حليفة أميركا حسب الظاهر في هذه المشكلة، هل تعي أنها هي المقصودة حقيقة في هذه الأزمة وليس صدام حسين؟ نعم هي واعية على ذلك. ووعيها يجعلها تتصرف بحنكة وحذر تجاه أميركا. وهذا سيزيد الأمور صعوبة وتعقيداً في وجه أميركا. وهذا سيجعل الأمور تطول وتطول.
6- منذ 2 آب 1990، أي منذ احتلال العراق للكويت والناس أنفاسهم محبوسة وأعصابهم مشدودة وأعينهم مسمّرة على الخليج: هل ستقع الحرب؟ متى ستقع الحرب؟ هل ستكون أميركا البادئة أو العراق؟ هل يملك العراق السلاح الكيماوي المزدوج؟ هل ستنتهي الحرب بشكل خاطف أو ستطول؟ وهل ستكون مدمّرة؟ وهل ستزول دولة العراق ويتم تقاسمها بين تركيا وسوريا وإيران؟ وماذا سيكون مصير الأردن؟ وما هو دور إسرائيل ومصيرها؟… تساؤلات لها أول وليس لها آخر. ونحن لا نريد ان ندخل حلبة التكهنات، بل نستقرئ المقدمات لنفهم النتائج.
ليس من مصلحة أميركا أن ينحسب العراق من الكويت أو أن تحل المشكلة قبل أن تحقق أغراضها، فمشكلة الخليج هي الآن بالنسبة لأميركا بقرة حلوب، أو دجاجة تضع كل يوم بيضة من ذهب. إذاً ليس من مصلحتها أن تقوم بمعركة خاطفة تقضي فيها على النظام العراقي وتعيد الكويت لآل الصباح، لأن العالم سيطالبها عند ئذ بالانسحاب قبل أن تمسك بمفتاح النفظ. وقد لا حظنا أن أميركا تمدد فترة الحسم. كانوا يقولون تبدأ الحرب في منتصف تشرين الثاني 1990، والآن صاروا يقولون تبدأ في آذار 1991 وهذا تكتيك أميركي. تاتشر رئيسة الانجليز المستقيلة، تعرف تكتيك أميركا فصارت تزايد عليها لإحراجها، ومن جهة أخرى صارت تحاول، عن طريق عملائها، إيجاد مخرج لصدام حسين كي ينسحب من قسم من الكويت، بعد أن تبخّر حلمه بأن يصبح الزعيم الأوحد.
7- محاولات عملاء الانجليز كان آخرها دعوة ملك المغرب لعقد قمة استثنائية عربية، ويبدوا أن العراق راغب في الانسحاب من قسم من الكويت ولكنه يريد ضمانات. وربما توافق أميركا على هذا لأنه يبرّد المسألة دون أن يحلها، فتبقى أميركا مدة أطول دون حرج ريثما تحقق هدفها الأساسي.
8- أميركا تقول: لن نخرج من السعودية والخليج قبل أن نضع للمنطقة ترتيبات أمنية تحفظ الاستقرار وتحمي الضعيف من عدوان القوي وتؤمّن تدفق النفط إلى البلاد التي تحتاج إليه. وهذا هو المدخل الذي تسعى أميركا من خلاله للإمساك بنفط المنطقة. الدول الغنية المحتاجة إلى النفط لا تستطيع أن تقول لأميركا: لا نريد ترتيبات أمنية، ولكنها حذرة من الصيغة التي ستضعها أميركا. أميركا لم تضع حتى الآن هذه الصيغة. هذه الصيغة للترتيبات الأمنية للمنطقة، أو هذا الحلف سيكون هو حلبة التنافص والصراع بين أميركا وخصومها (أو حلفائها) الألداء. والظاهر أن تركيا وإيران وسوريا ومصر والسعودية وبقية دول الخليج (التي يتوقع أن تبقى في قبضة أميركا) ستكون ركيزة الحلف الجديد. فإلى أي مدى تستطيع الدول الغنية الصناعية المنافسة لأميركا التأثير على صياغة هذه الحلف وهذه الترتيبات بحيث لا تصبح أمور النفط كلها في قبضة أميركا؟
9- بدا على إسرائيل أنها لا تريد أن تمرّ العاصفة بسلام. أي أن إسرائيل يزعجها أن يحصل هذا التجمع العالمي الضخم للجيوش الأميركية وحلفائها ثم لا تضرب الجيش العراقي في ضربة قاصمة. ولذلك فإن إسرائيل تستعمل كيدها لجعل الحرب تندلع لتحطم أميركا جيش العراق وليحطم المسلمون بعضهم بعضاً.
10- أميركا تخدع عملاءها كي تخدع من خلالهم قادة العالم. أميركا تُسِرُّ لعملائها أمثال فهد ومبارك وأوزال بأنها خلال ثلاثة أشهر ستسقط النظام العراقي، وأنها أطلقت قمراً للتجيسس على العراق، وأنها تمتلك من الأجهزة الإلكترونية المتقدمة في هذا القمر وفي غيره من الأجهزة ما تستطيع به شل كل الاتصالات القريبة والبعيدة قبل أن يتمكن من اطلاق سلاحه الكيماوي أو صواريخه بعيدة المدى أو مدفعه العملاق. أميركا تخدع عملاءها وهم يصدقونها.
)وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ( □
1990-12-08