السؤال:
المسلمون أمة واحدة، ولكنهم مجزأون إلى بضع وأربعين دولة، فإذا دخلت دولة منهم في حرب مع الكفار هل يصبحون شرعاً جميعاً في حالة حرب فعلية مع هؤلاء الكفار؟ وهل يجوز لبعض المسلمين أن يورط بعضهم الآخر في حرب دون رأيهم؟
الجواب:
المسلمون أمة واحدة، والمفروض شرعاً أن تكون لهم دولة واحدة ولا يجوز أن يكونوا مجزئين إلى دولتين، فكيف وهم مجزأون إلى بضع وأربعين دولة! إن وضع الانقسام هذا لا يحل شرعاً، إنه حرام المسلمون واقعون فيه، ويجب عليهم التخلص منه. وهو في الأصل من فعل أعداء المسلمين، من فعل الكفار الذين أرادوا أن يسيطروا على المسلمين ويستعمروا بلادهم ففرقوهم ليسهل عليهم إذلالهم. ثم ربّى المستعمرون عملاء لهم من أبناء البلاد وسلموهم الحكم شرط أن تبقى البلاد مقسمة ومجزأة. وهم لا يسمون هذا «انقساماً» ولا «تجزئة» ولا «تفرقة» ولا «تمزيقاً» لأن هذه الألفاظ ممقوته، بل يسمون ذلك «استقلالاً» و«سيادة» و«حرية»، فيغالطون ويتلاعبون بالألفاظ ليخدعوا السذّج من الناس. ثم جاءت دول الاستعمار لمنع وحدة بلاد المسلمين، إذ أن هؤلاء العملاء يحافظون على كراسيهم ويخلصون للمستعمر الذي أوصلهم للكرسي من أجل أن يستمر في دعمهم وحمايتهم من شعوبهم. فإذا قامت الشعوب لمنع الانقسام وإيجاد الوحدة استنجد الحكام بالدول الكبرى وبمجلس الأمن الدولي وبهيئة الأمم المتحدة لمنع الوحدة، لأن هذه الدول صارت مستقلة وهي أعضاء في هيئة الأمم المتحدة.
والأنكى من ذلك أن بعض من يسمونهم بـ (علماء المسلمين) صاروا يقولون بالشرعية الدولية ويبنون فتاويهم على الشرعية الدولية. نحن نعلم أن هناك شرعة دولية لهيئة الأمم المتحدة وهناك شرعة إسلامية جاء بها محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، جاءته من عند الله لتكون رحمة للعالمين. والمسلم، أي مسلم، سواء كان من الأمراء أو العلماء أو عامة المسلمين لا يقبل أن يحتكم إلى شرعة الأمم المتحدة لأنها شرعة كفر من وضع البشر. والشرعة الوحيدة المعتبرة عند المسلم هي شريعة الله التي جاء بها خاتم المرسلين عليه وآله الصلاة والسلام.
وحين يكون المسلمون في وضعهم الصحيح: دولةً واحدة تحت راية خليفة واحد يكون قرار الحرب أو السلم عندهم في يد الخليفة، فتكون حربهم واحدة وسلمهم واحدة، وتكون وقتهم موفورة وجانبهم مرهوباً.
الآن الأمة الإسلامية مجزأة إلى دول كثيرة فهل تؤثر هذه التجزئة على انطباق الحكم الشرعي الذي يَعتبِر المسلمين أمة واحدة سلمُهم واحدة وحربُهم واحدة؟
إن هذه التجزئة لا تلغي الحكم الشرعي ولا تعطله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين… إنهم أمة واحدة من دون الناس… وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس… وإن سلم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله» [سيرة ابن هشام ج2/ ص 106].
انقسام المسلمين إلى دول متعددة يعتبر بحد ذاته معصية، وهذه المعصية لا تكون مبرراً لارتكاب معصية أخرى وهي خذلان المسلمين حين يقعون في حرب مع الكفار. ونص كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينطبق على حالة المسلمين حين يكونون تحت راية خليفة واحد، وينطبق عليهم حين يكونون متفرقين تحت رايات أمراء متعددين، فهو يقول بشكل مطلق: «وإن سلم المؤمنين واحدة، ولا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله». والقتال الحاصل الآن من العراق ضد أميركا وحلفائها هو قتال مشروع، لأن أميركا وحلفاءها الكفار هاجموا العراق واعتدوا عليه ويريدون تدميره وإذلاله. فقتاله هو دفاع عن النفس وعن المال وعن البلاد، وهو صد لتسلط الكفار على المسلمين. وإذا قامت شبهة في البداية عند بعض المسلمين واعتبروا أن العراق اعتدى على الكويت، ورأوا أن يقفوا مع الكويت ضد العراق، فإن الأمر تغير الآن ولم يبقَ محصوراً بين طائفتين من المسلمين. الأمر أصبح الآن بين طائفة من المسلمين وبين الكفار الطامعين المعتدين المستعمرين. ولم يبق في الأمر أية شبهة. ولا يغيّر في الأمر شيئاً ادّعاءُ الكفار أنهم جاءوا تلبية لاستغاثة المظلوم، وأنهم جاءوا لخدمة السلام والعدل. هذا الزعم منهم كاذب لا ينخدع به عاقل.
قتال العراق الآن ضد أميركا وحلفائها هو قتال مشروع، وما دام قتالاً مشروعاً من مسلمين لكفار فهو قتال في سبيل الله، ولا يحل لمؤمن أن يسالم دون مؤمن في قتال في سبيل الله، سواء كان هؤلاء المؤمنون تحت راية أمير واحد أو تحت رايات أمراء عدة.
وإذا تورّط قسم من المسلمين في حرب مع الكفار دون أن يستشير بقية المسلمين هل يجب عليهم أن يتورطوا معهم ويدخلوا الحرب إلى جانبهم؟ نعم يجب على بقية المسلمين أن يدخلوا الحرب إلى جانب إخوانهم ولو لم يستشيرهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله». فما دام قسم من المسلمين يخوضون حرباً شرعية ضد الكفار فلا يحل لبقية المسلمين أن يخذلوهم بحجة أنهم لم يستشيروهم أو بحجة أن لهؤلاء دولة ولأولئك دولة أخرى. قوال عليه وآله الصلاة والسلام: «المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً» وقال: «وهم يد على من سواهم» وقال: «المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعي له سائر الجسد بالحمى والسهر».
والمعروف أن قتال الكفار هو فرض كفاية على المسلمين، فإذا لم يكف المسلمون القائمون بقتال الكفار وجب على المسلمين الأقرب فالأقرب حتى تحصل الكفاية.
والآن فإن ملل الكفر تجمعت ضد العراق، وأهل العراق غير كافين لصد العدوان فصار القتال واجباً على من جاور العراق، فإذا تقاعسوا أو لم تحصل الكفاية بهم انتقل الوجوب إلى الذين يلونهم. والآن لم يكتف جيران العراق بالتقاعس بل إن بعضهم يوالي الكفار في حربهم ضد العراق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. والحاصل أن الوجوب الآن صار يشمل الأمة الإسلامية بأسرها مَنْ كان منها يعيش في البلاد الإسلامية ومن كان يعيش في بلاد الكفار.
الجندي السعودي لا يحل له أن يهاجم العراق ولا أن يقاتل الجندي العراقي، ولا يحل له أن يحارب المسلمين ولو أمره الملك فهد، ولو أمره قائده. وكذلك الجندي الكويتي والجندي المصري وكل جندي مسلم لا يحل له أن يشارك الأميركان في قتال المسلمين. ولا قيمة لفتوى ابن باز ولا لفتوى شيخ الأزهر وأمثالهما، فإن هذه الفتاوي لا تبرئ ذمة من يقلدها ولا تنجيه من نار جهنم، لأنه معلومٌ من الدين بالضرورة أن المسلم لا يحل له أن يوالي الكفار ويحارب المسلمين إلى جانبهم. المفروض في الجندي المسلم أن يوجه سلاحه إلى صدور الأميركان والإنجليز والفرنسيين واليهود وليس إلى صدور المسلمين.
أما بقية المسلمين من عسكريين ومدنيين المنتشرين في جميع بلاد العالم فإن عليهم أن ينصروا إخوانهم المسلمين في العراق: عليهم أن يجاهدوا بألسنتهم وبأقلامهم وبأيديهم وبأسلحتهم. الآن أصبح المسلمون جميعاً في حالة حرب فعلية ليس مع دولة اليهود (إسرائيل) فقط، بل مع أميركا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وكندا وألمانيا واليابان وجميع الدول الكافرة التي تشارك في الحرب، سواء شاركت بجيشها أو بسلاحها أو بمالها أو بإعلامها وتحريضها. هؤلاء أصبحتم أيها المسلمون في حرب فعلية معهم. فمن كان مستطيعاً من المسلمين أن يقوم بأي عمل لنصرة إخوانه في العراق، مهما قلّ هذا العمل أو كثر، ولم يقم به فإنه يكون مقصراً في واجبه، وخاذلاً لإخوانه، ومفرطاً في دينه، وعاصياً لربه.
فاليوم يومكم أيها المسلمون، فانصروا إخوانكم، وأَفشلوا أميركا وحطّموا غطرستها:
]قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ[ ¨